قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الخامس

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الخامس

في منزل الجارة أم بطة
تنهدت بطة في يأس، فردة فعل والدتها الفاترة غير مشجعة على الإطلاق .. راقبتها وهي تدور حول نفسها في الغرفة ذهاباً وإياباً وتضرب كفها بالأخر في حيرة ..
تنهدت مجدداً بإحباط، ونظرت إلى والدتها مطولاً محاولة سبر أغوار عقلها .. ولكنها لم تفهم تعابيرها المنزعجة ..
أخذت نفساً عميقاُ، وزفرته على مهل .. ثم نظرت في إتجاه والدتها، وسألتها بتردد ب:
-أمه، هو آآ.. ينفع أنا .. آآآ..

إنتبهت لها والدتها، ونظرت لها بإزدراء، وعنفتها ب:
-في ايه يا بت ؟ عاوزة ايه ؟

أخفضت بطة رأسها للأسفل، وفركت أصابع كفيها المتشابكة في توتر ملحوظ، ثم عضت على شفتيها، وبنظرات حذرة ونبرة خافتة ومتلعثمة أجابتها ب:
-أنا عاوزة أطلق من عبده

جحظت عيني والدتها بشدة، وأوشكتا على الخروج من محجريهما، وإكفهر وجهها بطريقة مريبة، وإزداد إنعقاد ما بين حاجبيها، وتسمرت لوهلة في مكانها من هول ما سمعته ..
راقبتها بطة بأعين زائفة، وبصوت متلعثم تابعت ب:
-يامه سمعتي أنا قولت آآآ...

لم تكمل هي عبارتها الأخيرة حيث هجمت عليها والدتها بشراسة، وأمسكت بها من شعرها، وجذبت عنقها للأسفل، وصرخت فيها بإهتياج ب:
-طلاق ايه يا بنت ال ***، هو أنا ناقصة هم على همي
تأوهت بطة من الآلم، وحاولت أن تحرر شعرها من أصابع والدتها، ولكنها لم تتمكن بسبب ضرباتها المتلاحقة على ظهرها، فصاحت متوسلة ب:
-آآآه يامه، شعري هايطلع في ايدك

أرخت هي أصابعها عنها بعد أن لكزتها بقسوة في ذراعها لتسقط إبنتها على الفراش، ثم نهرتها بنبرة عنيفة وهي تشير بإصبعها ب:
-الكلمة دي ماسمعهاش تاني، فاهمة
ثم أمسكت بذراعها، وقرصتها في عضدها، فألهبته، فصرخت بطة عالياً ب:
-آآآآآآه ..ح.. حاضر .. خلاص، سبيني يامه

تركتها والدتها، وتراجعت للخلف في إتجاه باب الغرفة، وفتحه، وأشارت لها بعينيها الحادتين وهي تصيح فيها مزمجرة:
-قومي غوري على بيتك يالا، وماتجيش هنا تاني، أنا هابقى اجيلك !

لملمت بطة نفسها، وعدلت من هيئتها، ثم نظرت إلى والدتها بنظرات خزي، ونهضت عن الفراش، وسارت بخطوات متثاقلة في اتجاه باب الغرفة ..
توقفت هي أمامها .. ورمقتها بنظرات أخيرة حزينة قبل أن تنطق بمرارة:
-حاضر يامه، هاغور من هنا، وربنا يتوالني !

ثم نكست رأسها للأسفل وهي تلج خارج الغرفة لتسحب حقيبتها الكبيرة من على الأريكة، وتندفع في إتجاه باب المنزل، وتصفقه بعنف بعد أن تطأ قدميها خارجه ...
إستندت أم بطة بظهرها على باب الغرفة، وتنهدت في ضيق، وحدثت نفسها بتبرم ب:
-ما أنا لومعملتش كده فيكي يا ضنايا هترجعي تاني هنا، وأنا تعبت من القرف اللي مش بيخلص ده ...!

في منزل عبد الحق بالزقاق الضيق
أمسك عبد الحق بلفافة ما في يده، ثم أخذ يطويها بحرص شديد، وقربها من فمه، وأخرج لسانه، ثم مسح طرفها ليتمكن من إلصاق اللفافة ببعضها البعض ..
اعتلى فمه الجاف إبتسامة عريضة، وبرقت عيناه في زهو، ثم حدث نفسه بتفاخر ب:
-كده الجوينت ( اللفافة ) بقى جاهز وأخر آلسطة.

زحف عبد الحق بجسده على الفراش ليتمكن من الوصول إلى الكومود الملتصق به، وأخذ ولاعته زهيدة الثمن ليشعل بها سيجارته يدوية الصنع، ولكنه لم يفعل هذا بسبب إقتحام والدته لغرفته دون سايق إنذار وهي تصرخ عالياً ب:
-إنت يا واد يا اللي مبلطلي في الخط كده

قفز عبد الحق فزعاً في مكانه، وسقطت لفافة السيجارة من بين أصابعه، ثم نظر إلى والدته بذعر، ونهرها بضيق ب:
-إيييييه يامه، في حد يدخل الأوضة كده، إفرضي أنا قالع ملط ولا آآآ...
نظرت له بإزدراء، ولوت شفتيها الكبيرتين في سخرية، وقالت بسخط:
-ياخويا ما أنا شايفة كل حاجة من زمان

ضيق هو عينيه في عدم فهم، ثم سألها بفضول:
-هاه .. قصدك ايه يامه ؟
لوت فمها للجانبين، ثم رمقته بنظرات أكثر سخطاً، وهتفت عالياً فيه ب:
-بأقولك ايه، متبلفنيش في الكلام، إنت بتعمل ايه ؟

تنحنح بتوتر، ووضع يده على رأسه ليمسحها، ثم أجابها بإرتباك يشوبه القلق:
-إحم .. آآ.. هاه .. ولا حاجة
رمقه بنظرات إحتقارية، ثم لوت فمها أكثر وهي تأمره بحدة ب:
-طب إنتيل إنزل شوف المحروسة مراتك إتأخرت ليه

مسح عبد الحق بلسانه على أسنانه، ثم وضع إصبعه في أذنه، وأجابها بعدم إكتراث:
-ماهي قالت إنها هتروح عند أمها
انفجرت فيه غاضبة وهي تشيح بيدها ب:
-أه طبعاً، يوم بعد يوم هناك، الله أعلم بيدبروا لإيه جوز الغربان دول، وإنت ولا دريان بحاجة

تثاءب هو بعدم مبالاة، وتمطع بذراعيه للجانبين، ثم تجشأ، و رد عليها بنبرة عادية ب:
-الله يسهلهم
اقتربت منه، ومالت بجسدها للأمام نحوه، ولكزته في كتفه، ثم زمجرت ب:
-ما إنت لو تتشملل وتلمها، ولا ترقعها العلقة التمام، كانت تفضل تحت طوعك، لكن هي ركبتك ودلدلت

نفخ هو بإنزعاج، ولوح بذراعيه في الهواء، ثم صاح منفعلاً:
-يوووووووه .. لازمته إيه يامه الكلام اللي يسم البدن ده
لوحت بيدها وهي تتابع بتهكم صريح:
-أل يعني بيأثر فيك ! ده البعيد جتته نحست من كتر التهزيق

هز رأسه في إمتعاض، ثم أردف على مضض ب:
-ماشي يامه، مقبولة منك
إزدادت نبرة صوتها حدة وهي تعنفه قائلة:
-ياض قوم من مكانك، إتنحرر كده، جاتها نيلة اللي عاوزة خلف، قطع العيال وخلفتهم

ثم خرجت من الغرفة، وصفقت الباب بعنف خلفها، فزم عبد الحق شفتيه بطريقة ساخرة، وأردف بسخط:
-أعوذو بالله، بوظتي دماغي المتكلفة !

في منزل أوس بمنطقة المعادي
ظلت تقى ممددة بجسدها على الأرضية الرخامية لبرهة من الوقت، لا تعرف كم من الوقت مر عليها وهي على تلك الوضعية الغير مريحة بالمرة، فقد إنهارت مقاومتها تماماً، وإستسلمت بإحباط لمصيرها المظلم مع من لا يعرف الحب ..

بدأت تتململ في مكانها، فشعرت بآلام في عظام عنقها، وكتفيها، وأجزاء من ساقيها .. فأصدرت أنيناً مكتوماً وهي تجاهد لتحريك جسدها ..
وبتثاقل شديد فتحت عينيها المتورمتين فكانت الرؤية ضبابية في البداية ... ثم تأوهت من الآلم وهي تحاول الإعتدال في جلستها ..
-آآآه .. دماغي هتموتني، آآآآه

وضعت يدها على رأسها، ودلكتها برفق لتخفف من حدة آلام الصداع الذي يعتري رأسها بالكامل ..
لم تستطع أن تتجنب تلك الآلام التي تهاجم كل عظامها ..
نظرت بيأس إلى حالها فوجدت نفسها مازالت ترتدي ملابس المشفى، فظنت أنها ربما أصيب بنزلة برد أو ما شابه ..
نهضت تقى على مهل من على الأرضية، فترنحت في وقفتها، لذا إستندت بكف يدها على الحائط القريب حتى لا تفقد توازنها ..
تنهدت في إنهاك، وسارت بخطوات بطيئة وحذرة نحو الأمام ..

تأملت بهدوء المكان من حولها بتفحص عن المرة الأولى ..
هناك صالة واسعة مزودة بالآرائك الجلدية البيضاء وطاولة صغيرة موضوع عليه عدد من الكؤوس الفارغة، والوسائد غير مرتبة، قابعض متكوم فوق أريكة منهم، والبعض الأخر مُلقى على الأرضية .. وعلى مقربة هناك غرفة للطعام بها طاولة خشبية كبيرة، ومن أسفلها موضوع مقاعد مزدانة، ومرآة ذهبية كبيرة، وتحف غالية، ومزهريات مختلفة الأحجام موضوعة عند الأركان ..

ما لفت نظرها حقاً هو بعثرة بعض الصحون والأكياس البلاستيكة الفارغة على الطاولة، بالإضافة إلى الأتربة التي تغطي الأرضية الرخامية ..
لوت تقى ثغرها في إنزعاج، وتنهدت في ضيق، ثم سارت بتثاقل في إتجاه رواق جانبي صغير يؤدي إلى المطبخ وإلى جواره مرحاض صغير خاص بالضيوف ..
دلفت هي إلى داخل المرحاض، ونظرت ببطء حولها لتتأمل تصميمه ..
كانت حوائطه رخامية من اللون البيج الفاتح الممزوج بالأخضر الزيتوني .. وبه حوض صغير من اللون البيج، وكذلك مسبح صغير للغاية يكفي لشخص واحد، وإلى جواره ( مرحاض ) قاعدته مزخرفة و من نفس لون الطلاء ..

إستندت بيديها على الحوض، ونكست رأسها المرهق للأسفل، ثم فتحت الصنبور، وبدأت تغسل وجهها بالماء ..
تنهدت لأكثر من مرة في تعب، وشعرت برغبة ملحة في الإغتسال وتبديل ثياب المشفى، ولكنها كانت في حيرة من أمرها .. كيف ستستحم وهي لا تملك من الملابس ما يمكن أن يسترها ..
لذا عدلت عن تلك الفكرة، ومدت يدها لتمسك بمنشفة معلقة على حامل ذهبي، وجذبتها لتجفف بها وجهها، وخرجت من المرحاض وهي معها ..

كانت صوت خواء معدتها قد بدأ يزعجها حقاً .. هي لم تتناول أي شيء منذ الأمس .. وحالتها الجسدية واهنة بدرجة كبيرة، وهي تحتاج إلى ما يجعلها تصمد وتبقى واعية ..
لذا ولجت إلى داخل المطبخ، وبحثت عن مفتاح الإنارة حتى تتمكن من رؤية كل شيء بوضوح .. فالمكان شبه معتم ..
وبالفعل تحسست تقى طريقها على الحائط إلى أن وجدت عدة مفاتيح، ضغطت عليهم بصورة عشوائية حتى وصلت للمفتاح المنشود والذي أضاء المطبخ بإضاءة عالية ..
ضيقت هي عينيها لتتجنب شدة الإضاءة التي سببت لها الأذى ..

ثم تأملت المكان بنظرات متأنية ..
كان المطبخ واسع إلى حد كبير، به طاولة رخامية تتوسطه ومن أسفلها مقعدين خشبيين ..
وبجوار الحوائط توجد أدراج مصنوعة من مادة الألوميتال مقسمة إلى جزئين علوي وسفلي .. وكذلك أرفف من نفس المادة مصفوف عليها بعض الأكواب الزجاجية والأواني الفخارية ..

بحثت تقى بعينيها عن الثلاجة، وبالفعل وجدتها في أحد الأركان .. فإعتلى ثغرها إبتسامة رضا، وسارت في إتجاهها بخطوات بطيئة، ثم أمسكت بمقبضها، وإنحنت بجسدها المنهك للأمام لتنظر إلى ما بداخلها ..
وجدت بعض الأطعمة المغلفة، وكذلك الجبن، ومنتجات للألبان، وفواكه طازجة، وعصائر معلبة، فرفعت حاجبها في تعجب، وحدثت نفسها بحيرة ب:
-مين اللي جاب الأكل ده هنا ؟

هزت رأسها في عدم إكتراث، ثم مدت يدها وتناولت فاكهة ما من الصحن الموجود على الرف، وبدأت في قطمها ..
اكتشفت تقى أنها كانت جائعة للغاية، فإلتهمت الثمرة على الفور، ومدت يدها لتمسك بالصحن، ثم أغلقت باب الثلاجة وسارت في إتجاه باب المطبخ ..
خرجت هي من المطبخ وهي تأكل ثمار الفاكهة، وتجولت في بقية المنزل ..
فرأت غرفتين للنوم، إحداهما أوسع من الأخرى، ولكن لون الأثاث وتصميمه متقارب بدرجة كبيرة، بالإضافة إلى لون الطلاء الفاتح ..

دلفت تقى إلى غرفة النوم الأصغر، وإتجهت إلى خزانة الملابس بعد أن أسندت صحن الفواكه على الفراش .. وإكتفت فقط بتفاحة صغيرة في يدها تقطمها على مهل ..
وضعت هي يدها على ضلفة الدولاب، وسحبتها للجانب، ثم نظرت بتمعن داخلها لكي تجد ما ترتديه ..
ولكن للأسف كانت الضلفة خاوية، فزفرت في ضيق، ونكست رأسها للأسفل، وحدثت نفسها بخفوت وهي تلوك قطعة التفاح ب:
-إيه ده ؟ هو مافيش أي هدوم في الدولاب ده ؟

-مش هتلاقي حاجة هنا !
قالها أوس بصوت خشن ومرعب رغم هدوئه ..
إنتفضت تقى مذعورة في مكانها على إثر صوته وشرقت .. كذلك هربت الدماء من عروقها، وإستدارت بظهرها لتراه واقفاً بجبروته المعهود أمامها وهو عاقد لساعديه أمام صدره، ومستنداً بظهره على باب الغرفة ..

تراجعت بخوف للخلف وهي تنظر إليه بصدمة كبيرة غير مصدقة لما تراه عيناها، و إصطدم ظهرها بضلفة الدولاب المفتوحة، وكادت تسقط بداخله .. ولكنها أمسكت بحوافه في اللحظة الأخيرة ..
، ورمشت بعينيها في خوف وظلت تسعل لعدة مرات بسبب المفاجأة ..
راقبها أوس بإشتهاء غريب، وحدجها بنظرات مطولة متفحصة لحالتها المذعورة تلك ..

واعتلى ثغره إبتسامة شيطانية وهو يراها تكاد تنهار من حضوره الطاغي ..
اعتدل في وقفته، ثم أرخى ساعديه، ووضع يديه في جيبي بنطاله القماش الضيق ذي اللون الرمادي، وتحرك في إتجاهها بخطوات ثابتة، ولم يحيد بعينيه الصارمتين عنها وهو يتابع بنبرة ماكرة ب:
-هدومك في الأوضة التانية، أوضتنا .. يا عروسة ...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة