قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الخامس والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الخامس والعشرون

في منزل تقى عوض الله
إعترت الدهشة الممزوجة بالغضب وجه منسي، ورمق أحمد بنظرات أكثر حدة، ثم أردف بسخط:
-خطيبتك ؟ وده إمتى حصل الكلام ده!
إبتلع ريقه، وحاول أن يبدو ثابتاً وهو يرد عليه بجمود زائف:
-آآآ.. اه، حصل وقت ما حصل، ده مايخصكش!
صاحت فردوس بإنفعال جلي وهي تدفع أحمد من كتفه لتمرق أمامه:
-خطيبة مين ونيلة إيه الوقتي، مش لما نشوف البت الأول، نبقى نخطبها
ضيق منسي عينيه، وتسائل بجدية شديدة وهو يشير بيده:
-يعني هو مش خطيبها ؟!

أجابته بإقتضاب وهي تلقي بطرف حجابها على كتفها:
-لأ
لذا حدج منسي أحمد بنظرات ساخطة ومتوعدة، مما دفع الأخير للتشدق قائلاً:
-بس أنا ناوي أخطبها
لوى منسي فمه مستهزءاً، وقال بتهكم:
-أها.. لأ النية دي مش في عُرفنا
صرخت في كليهما بعصبية وهي تلوح بيديها:
-بس انتو الاتنين، أنا عاوزة أجيب بنتي!

لم يحدْ منسي بعينيه الحادتين عن أحمد، و رد عليها بصوت جاف قائلاً:
-ماشي يا ست فردوس، نكمل كلامنا بعدين، المهم ست البنات دلوقتي
ثم خرج ثلاثتهم من المنزل، وأغلقت فردوس الباب، وإنطلقوا مسرعين على الدرج
ضرب منسي أحمد في كتفه، وقال ببرود:
-لا مؤاخذة
رمقه أحمد بنظرات حانقة.. فهو يعلم أنه تعمد فعل هذا من أجل دفعه إلى إشتباك جديد، ولكنه كان أذكى من أن يدع الفرصة له ليستغلها، لذا صر على أسنانه قائلاً بغيظ:
-طب خد بالك بعد كده.

تسائلت فردوس بقلق واضح في تعابير وجهها المرهقة وهي ممسكة بالدرابزون:
-هي موجودة فين يا بني ؟
تنحنح أحمد بصوت خشن قبل أن يجيبها بخفوت:
-في المستشفى!
لطمت فردوس على صدرها بقسوة وهي تصرخ بصدمة:
-يالهوي، مستشفى!
تجمدت تعابير وجه منسي عقب العبارة الأخيرة، وتسمر للحظة في مكانه محاولاً فهم ما الذي يدور، فتسائل بإهتمام:
-هي مالها ؟

أمسكت فردوس بتلابيب أحمد، وهزته بعنف وهي تصرخ في وجهه ب:
-بنتي حصلها إيه ؟ انطق! قول!
أبعد منسي يديها عنه، ونظر لها متوسلاً وهو يقول برجاء:
-يا ست فردوس إهدي، خلينا نفهم إيه اللي حصل منه
مط أحمد فمه قليلاً، وأطرق رأسه وهو يجيبها بصوت هاديء:
-أنا.. أنا معرفش حصلها إيه، بس أنا خمنت إن ده يكون مكانها
رمشت فردوس عينيها في حيرة، وتسائلت بإنفعال:
-خمنت ؟ أنا مش فاهمة حاجة ؟! قولي بنتي فين ؟

تنهدت أحمد في تعب، وتابع بصوت شبه متشنج:
-أنا وصلني إن الزفت أوس اللي كان أخدها راح المستشفى، فتوقعت إنها تكون معاه
-مين أوس ده ؟
قالها منسي وهو يحك طرف ذقنه
جحظت عيني فردوس في رعب حقيقي، وبدت علامات الهلع واضحة للعيان على قسمات وجهها.. فذكر إسم هذا الشخص يجعل أوصالها ترتعد، هي تعرف نواياه الخبيثة، ومدركة لمدى سطوته وجبروته، ومعنى أن تكون إبنتها الوحيدة معه، أنها أصبحت في خطر محدق..
خفق قلبها في ذعر، وتسارعت ضرباته..
وأردفت بنبرة خائفة:
-سترك يا رب، بنتي مش ناقصة، بينا بسرعة على المكان اللي هي فيه!

في مشفى الجندي الخاص
حرك أوس رأسه للجانب على الوسادة البيضاء، وتحرك جفنيه بحركة عصبية زائدة، وبدأت تتساقط حبات العرق المتجمعة على جبينه لتبلل وجنته والوسادة..
كذلك إرتفع صدره وهبط وهو يحاول تنظيم أنفاسه اللاهثة..
اقتربت منه الممرضة، وحقنت المحلول المعلق بمادة طبية، ثم رمقته بنظرات متفحصة، وإنصرفت من الغرفة دون أن تنبس بكلمة..
تشنج أوس قليلاً في نومته، وصر على أسنانه، وبدى أنه يقاوم شيئاً ما بكل ما أوتي من قوة..
نعم.. فقد هاجمه أحد أسوأ كوابيسه والتي ساهمت في تدمير طفولته..

أمسك الصغير أوس بطرف تنورة والدته، وتشبث بها وهو ينظر لها بإصرار:
-مش عاوز أقعد معاه يا مامي
أبعدت يديه عنها، وجثت على ركبتها لتصبح في مواجهته، ثم مسحت على وجهه بكفها بحنو أموي زائد، وأجابته بنبرة دافئة:
-حبيبي، ده أنكل ممدوح زي بابي وبيحبك أوي
هز رأسه نافياً، وأجابها بصوت قاتم وهو عابس الوجه:
-لأ!

اقترب منهما ممدوح وعلى وجهه تلك الإبتسامة الوضيعة، ثم وضع يديه في جيبي بنطاله، وسلط أنظاره على الصغير، وأردف بنبرة ماكرة:
-طبعاً، وهو عارف أنا لما بأحبه بأعمل ايه معاه
إبتلع الصغير أوس ريقه بخوف، وضيق عينيه المذعورتين، وتوسل لوالدته قائلاً بعناد كبير:
-مش تسيبني معاه يا مامي
عبثت تهاني بفروة رأسه، وقبلت جبينه، ثم نظرت له بعطف، وقالت بجدية:
-أوس حبيبي، أنا عندي شغل، وإنت صغير مش هاينفع تفضل لوحدك في البيت، أنكل ممدوح هياخد باله منك..

ثم إستدارت برأسها للخلف لتنظر إلى زوجها بعشق وهي تسأله بدلال:
-صح يا حبيبي ؟ مش إنت هاتخلي بالك منه ؟
إزدادت إبتسامته الشيطانية إتساعاً وهو يجيبها بثقة:
-طبعاً يا تهاني!
ثم حدق بنظراته القاتمة في أعين أوس وأكمل بنبرة تشبه الفحيح:
-ده أنا هالعب معاه أحلى لعب!

إنتفض الصغير رعباً في مكانه، وقبض على كتفي والدته، وهتف معترضاً:
-اوعي تمشي يا مامي، خليكي هنا!
أزاحت قبضتيه عن كتفيها، ونهضت عن الأرضية، وقبلته في وجنتيه، وأردفت بصوت رقيق:
-حبيبي مش هتأخر، صدقني!
جذبها أوس مجدداً من كف يدها، وهتف عالياً:
-لأ.. استني!

نظرت له بحنو، وتنهدت في حيرة.. وكادت أن تستسلم لرجائه، ولكن تدخل ممدوح في الحوار وقال بصوت جاد:
-تهاني حبيبتي، بلاش دلع بقى، أنا هافضل معاه
عضت على شفتها السفلى، وغمزت له بطرف عينها مشيرة إلى طفلها الصغير، ثم ردت عليه بخفوت:
-بس آآ..

صمتت عن الحديث، فقد عرف ذراع ممدوح الطريق إلى ظهرها، ولفه حول خصرها، وقربها من صدره، وأخفض عينيه وهو يسألها بهمس:
-حبيبتي إنتي مش واثقة فيا ؟
أجابته بجدية وهيتنظر له بعشق:
-لأ طبعاً، ليه بتقول كده ؟
أسبل عينيه وهو ينظر لها بعشق، وتابع هامساً:
-واحشني حضنك يا حبيبتي
تنهدت في شوق، ومالت برأسها على صدره، وأجابته بخفوت:
-حبيبي!

أحاط بها بذراعيه، وتحسس ظهرها بلمسات خفيفة، ثم رفع يده عالياً ليمسد على شعرها، ومن ثم جذبها منه للأسفل بقسوة، فتأوهت من الآلم، وفغرت شفتيها وهي تقول:
-آآآه.. ممدوح
إلتقط شفتيها بفمه وقبلها بعنف أمام الصغير أوس ليلهب مشاعرها أكثر، ويثير في نفس الوقت حنق الصغير وغيظه..
كور أوس قبضته بغل، ونظر إلى كليهما بأعين محتقنة، وظل يكز على أسنانه بإنفعال..

أبعد ممدوح شفتيه عن زوجته، ومسح على وجنتها بنعومة، ثم جذبها مجدداً من شعرها للأسفل، وإنهال بقبلة حسية أعمق زادت من رغبتها فيه، ثم تحرك برأسه قليلاً ليتمكن الصغير أوس من رؤيته وهو يغمز له بنظرات مطولة ذات مغزى، فإرتعد هو على إثرها، ووقف يرتجف في مكانه..
تنفست تهاني بصوت لاهث بعد أن تراجعت برأسها للخلف، وقالت بخفوت:
-أنا ممكن ألغي كل اللي ورايا وآآآ..
وضع إصبعه على فمها ليقاطعها بصوت هاديء:
-لأ يا حبيبتي، كملي شغلك، وأنا.. وأنا هافضل هنا مع أوس.

نظرت له بشغف، وقالت بتنهيدة حارة:
-مش مهم، أنا آآآ..
أحاط وجهها براحتيه، ومسح على شفتيها بإصبعيه، ثم تابع بإصرار:
-حبيبتي، يالا، وأنا هستناكي على نار، لسه قدامنا بقية اليوم
تنفست بعمق، ثم أومأت برأسها موافقة وإبتسمت وهي تنطق ب:
-أوكي يا ممدوح، وأنا مش هتأخر!

ثم لوحت بأصابعها لصغيرها وأرسلت له قبلة في الهواء، وإلتقطت حقيبتها، وعلقتها على كتفها، وإنصرفت خارج منزلها..
تراجع الصغير أوس للخلف بخطوات مذعورة، بينما حدق به ممدوح ومرر عينيه على جسده لينظر له بنظرات شيطانية مقيتة، ومن ثم غمز له بلؤم، وهتف بصوت مخيف:
-جه دورك معايا..!
ثم برزت أنيابه من خلف تلك الإبتسامة الوضيعة وهو يقترب أكثر منه...

تلاحقت أنفاس أوس بصورة كبيرة، وتسبب عرقاً غزيراً.. وكاد يختنق في نومته، وبدأ ينتفض بجسده للأعلى، ثم حرك رأسه بطريقة عصبية للجانبين..
وهتف بصوت بدى فيه كأنه عاجز عن النطق ب:
-آآ.. ل.. لأ.. لأ!
ثم فتح عينيه فجأة، ونهض مذعوراً وهو يصرخ عالياً:
-لألألأ..!
لهث أوس كثيراً بعد أن إنتصب في نومته، ونظر حوله بنظرات شبه مذعورة، وحاول عقله أن يستوعب ما الذي حدث..
بدأ يستعيد وعيه تدريجياً، وتدفق إلى عقله مئات من الذكريات التي حدثت خلال يومين..
إتسعت مقلتيه الحمراوتين في محجريهما، وهتف بهلع:
-تقى..!

إبتلع ريقه، ونظر إلى الإبر الطبية المغروزة في رسغيه، فإنتزعها وألقاها دون إكتراث، ثم تأمل حاله، فوجد نفسه يرتدي لباس المرضى الخاص بمشفى أبيه.. فإزداد تجهم وجهه وقتامته، وكور قبضته بعد أن إنتزع كل الأسلاك الموصولة به.. و بخطوات ثقيلة نهض عن الفراش..
ترنح في البداية بسبب حركته المفاجئة، وتعثر أثناء سيره، وفقد إتزانه، ليسقط على الأرضية الصلبة وترتطم رأسه بها..
ظن أن ما يحدث له نتيجة إعطائه تلك العقاقير الطبية المهدئة، وبالتالي لم يستعدْ كامل وعيه..

ولكنه لم يترك المجال للآلم، بل زحف بجسده نحو الباب، ثم إستخدم كلا ذراعيه في الإمساك بالمقبض ليحاول النهوض..
وبالفعل نجح في الوقوف على قدميه الثقيلتين، و فتحه، وخرج إلى الرواق..
رأته إحدى الممرضات وهو يستند على الحائط، فركضت نحوه، وهي تهتف بقلق:
-أوس باشا، حضرتك آآآ..
نظر لها بعينيه الحمراوتين، وصاح غاضباً مقاطعاً إياها:
-امشي بعيد عني
مدت يدها نحو كتفه، وهي تردف بتلعثم:
-حضرتك آآ.. اللي بتعمله ده غلط، وفي خطر عليك وآآآ..

-ابعدي من وشي!
قالها أوس بصوت صارم وهو يدفعها بقسوة من كتفها ليرتد جسد الممرضة للخلف، فتنكمش على نفسها في ذعر، وتتراجع مبتعدة عنه وهي تتمتم بخوف:
-لالالا.. أنا مش هاقدر عليه لوحدي، لازم أبلغ الإدارة!
ثم ركضت في الإتجاه العكسي لتستدعي المساعدة..

في نفس التوقيت، توقفت سيارة الأجرة أمام بوابة مشفى الجندي الرئيسية، وترجل منها منسي أولاً بعد أن دفع الأجرة، ثم لحق به أحمد، وكذلك فردوس..
نظر الجميع بإنبهار إلى تصميم المبنى الخارجي للمشفى، وللحدائق الغناء المحيطة به..
نظرت فردوس بتوتر إلى أحمد، وسألته بتوجس وهي تبتلع ريقها:
-هي.. هي دي المستشفى ؟
أومأ أحمد برأسه إيجابياً، وهو يجيبها بإيجاز:
-اه هي!

تنحنح منسي بصوت خشن وهو يقول:
-طب يالا خلونا نشوف هي فين في المكان ده، مش هانفضل متنحين هنا كتير!
هزت فردوس رأسها موافقة وهي تتبعه قائلة:
-ماشي يا بني
ولج الثلاثة إلى داخل ردهة المشفى، ونظروا حولهم بتفحص..
أشار أحمد بيده نحو المكتب الرخامي قائلاً بجدية:
-تعالوا نسأل هناك!

أسرع ثلاثتهم في خطواتهم، ووقف أحمد أمام موظفة الإستقبال وسألها بصوت صارم:
-فين حد عندكم هنا بإسم تقى ؟
نظرت لهم الموظفة بنظرات مشمئزة متأملة هيئتهم البسيطة، وأجابته بصوت جاف وهي ترمقهم بنظرات حادة:
-مين إنتو ؟
مدت فردوس كلتا يديها على السطح الرخامي، وقالت متوسلة وعينيها تلمعان:
-بنتي فين ؟ هي عندكم هنا ؟ دليني عليها!

طرق منسي بحدة على السطح، ولوح بيده أمام وجه الموظفة وهو يصرخ بإنفعال:
-إنتي يا أستاذة ماتشوفي في أم الورق اللي قدامك ده تقى عوض الله هنا ولا لأ ؟!
رمقته بنظرات ساخطة وهي تحذره بحدة:
-ماينفعش الأسلوب ده في الكلام معايا
طرق مجدداً بعنف وإزدادت نبرته غلظة وهو يتابع قائلاً:
-أنا أتكلم زي ما أنا عاوز.

وضع أحمد يده على كتف منسي، وضغط عليه، وهز رأسه معترضاً على تصرفاته، وأردف قائلاً بحذر:
-إهدى يا استاذ منسي، احنا عاوزين نعرف إن كانت هنا ولا لأ
نفخ منسي من الغيظ، وفرك وجهه، ثم مسح على رأسه وهو يقول بحنق:
-اللهم طولك يا روح!
تنفس أحمد الصعداء لأن منسي قد إمتثل – رغماً عنه – لطلبه، وتسائل بصوت جاد وهو ينظر للموظفة:
-ها يا أستاذة، تقى عوض الله موجودة عنكم هنا ؟

لوت ثغرها في تأفف، وأجابته ببرود:
-والله مقدرش أقولك أي حاجة من غير ما اعرف إنتو مين!
إنفعل منسي مجدداً وهو يرد عليها قائلاً:
-يعني هانكون مين غير أهلها وجاين ناخدها معانا ؟
إزداد بريق عيني فردوس وهي تنطق بصوت شبه مختنق:
-يا بنتي تقى دي بنتي وكانت مختفية بقالها فترة، وولاد الحلال قالولنا إنها هنا عندكم
هز أحمد رأسه مؤكداً على حديثها وهو يردف بإيجاز:
-بالظبط.

أجابتهم الموظفة بصوت هاديء ب:
-بس أنا معنديش أوامر بإن آآآ...
قاطعها منسي بصوت هائج وهو يطرق براحته على السطح الرخامي قائلاً:
-بقولك ايه يا حاجة انتي، وعزة جلال الله لو ماشوفنا البت تقى حالاً لهطربأ ( يدمر ) المكان ده على اللي فيه
ضيقت الموظفة عينيها، ورمقته بنظرات متحدية وهي تنطق بصرامة:
-إنت بتهددني، أنا هاطلبلك الأمن!
وبالفعل أمسكت بسماعة الهاتف الأرضي ولكنها تفاجئت بمنسي يجذبها من يدها ويصيح بصوت هادر:
-هاتي الجن الأزرق حتى، أنا مش ماشي من هنا، فين أم مدير المكان ده!
حاولت الموظفة أن تخلص معصمها من قبضته، وصرخت بنبرة عالية:
-أوعى ايدك، يا أمن.. يا أمن!

لطمت فردوس على صدرها وهي تصرخ بخوف:
-يالهوي
إتسعت عيني أحمد في قلق حقيقي، فهو يعلم أن نوعية تلك المشافي لا تقبل الإزعاج أو الفضيحة، وما قد يتسبب به منسي من ضجة قد تؤدي إلى وقوع ثلاثتهم في مشكلة هم في غنى عنها، فالهدف الأساسي هو الوصول إلى تقى، وليس إفتعال المشاكل..
لذا أسرع بإبعاد قبضة منسي عن الموظفة، وأردف قائلاً وهو يصر على أسنانه في حنق:
-إيه اللي بتعمله ده ؟

حدجه منسي بنظرات غير عابئة وهو يجيبه بغلظة:
-ملكش فيه، أنا بأعرف أتعامل مع الأشكال دي!
إحتقنت عيني أحمد أكثر، وقال بضيق وهو يتلفت حوله:
-إنت.. إنت عارف إنت فين أصلاً، ولا المكان ده بتاع مين ؟
تجمع رجال الأمن حولهم، وتسائل أحدهم بنبرة رسمية:
-في ايه يا أستاذة ؟

أشارت الموظفة بعينيها وهي تجيبه بنبرة محتدة:
-شوف الناس دي بتعمل إيه هنا ؟!
إستشاط منسي غضباً، وهدر قائلاً:
-بأقولك إيه، لأ هاتلميلي شوية ناس لابس بدل ومتأيفين، ده أنا عندي مقاطيع يقلبوا المكان ده دمار شامل
وضع حارس الأمن يده عل كتف منسي، وقال بصوت جاد للغاية وهو يرمقه بنظرات حادة:
-تعالى معانا شوية
أزاح منسي قبضته، وإعترض بحدة:
-مش ماشي من هنا قبل ما آآآ...

قاطعت فردوس ما يحدث بصراخها العنيف ب:
-يالهووويييي.. الحقونا يا ناس، مش عاوزيني أشوف بنتي، الحقوني يا خلق هوووووه!
بدأ معظم المتواجدين في ردهة المشفى في التجمع لمعرفة ما الذي يدور..
-في إيه ؟
قالها كبير الأطباء بصوت صارم وهو يمر على مقربة من الإستقبال..
ركضت فردوس في إتجاهه، وبصوت باكي نطقت ب:
-الحقنا يا بيه، مانعني أشوف بنتي، ولا أعرف طريقها فين ؟
عبس كبير الأطباء بوجهه وهو يسألها بجمود:
-مين بنتك دي ؟

إبتعلت ريقها، وأجابته بصوت متقطع:
-ت.. تقى عوض الله
-مممم..
أكملت فردوس حديثها بنبرة منكسرة وهي تذرف عبراتها قائلة:
- يا بيه إحنا مش بتوع مشاكل ولا حاجة، أنا عرفت إن بنتي هنا، فجاية أشوفها، واخدها في حضني
حدق هو في الشابين الواقفين بالخلف، وسألها بجدية:
-ودول معاكي ؟

ظن أحمد أن ذاك الرجل – ذو المنزلة الهامة – ربما يساعدهم في إيجاد تقى، لذا أسرع في خطواته، ووقف قبالته، وأجابه بتلهف:
-أيوه.. احنا معاها
توسلت له فردوس بعينيها المتورمتين قائلة:
-الله يخليك يا بيه، أنا مش عاوزة غير بنتي وبس، أبوس إيدك أشوفها بس!
ثم إنحنت بجسدها لتقبل كف يده، فأبعده على الفور، وأجابها بصدمة:
-إهدي يا ست!
نظر أحمد إلى كبير الأطباء برجاء، وتابع بخفوت وهو يشير بيده:
-يا باشا الست الغلبانة دي عاوزة تطمن على بنتها، وإحنا واقعين في عرضك
مط فمه في إهتمام:
-مممم.

حدجه منسي من الخلف بنظرات مميتة، وظل يغمغم بخفوت مع نفسه قائلاً:
-وربنا ما ينفع معاهم إلا رجالة الحارة يفرموهم في لحظة!
تأمل كبير الأطباء هيئتهم المزرية، وأيقن أنهم بصدد التسبب في فضيحة قد تسيء إلى سمعة هذا المشفى الراقي، ولن يشكل هذا فارقاً معهم، لذا فهو مضطر أن يرضخ لما يريدون، حتى يتجنب حدوث ما لا يُحمد عقباه، فبادر بجدية وهو يشير بعينيه:
-تعالوا ورايا!
ثم أشار بإصبعه للأمن الداخلي الخاص بالمشفى، وهو يقول بصوت أمر:
-روحوا إنتو على البوابة، أنا هاتصرف!

رد عليه أحد الحرس قائلاً بصوت هاديء:
-حاضر يا دكتور!
نظرت الموظفة لهم شزراً وهو يسيروا في إتجاه المصعد، وحدثت نفسها بتهكم قائلة:
-لالالا مش معقول.. أنا مش عارفة الأشكال دي دخلوها إزاي هنا، بيئة طحن..!

على الجانب الأخر جلست المدبرة عفاف على المقعد المعدني الموضوع في الرواق، والمواجه للحائط الزجاجي الذي يطل على فراش تقى الموضوع بداخل غرفة العناية المركزة، ومسحت بمنشفة ورقية تلك العبرات الأسفة المنهمرة على وجنتيها..
تنهدت في آسى وهي تتمتم قائلة بنشيج:
-يا رب ترجعي زي الأول، يا رب ينجيكي يا بنتي!
أطرقت رأسها في حزن، وأكملت نحيبها وهي تهز رأسها بحركة خفيفة، ثم إنتفضت مذعورة من مكانها حينما سمعت صوت أوس الهادر وهو يصرخ عالياً ب:
-تق...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة