قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الحادي عشر

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الحادي عشر

في منزل أوس بمنطقة المعادي
سعلت تقى وهي تتململ في الفراش، وتأوهت بأنين مكتوم وهي تحاول تحريك ذراعيها ..
شعرت بوخز في كف يدها، ففتحت عينيها بتثاقل، ثم مالت برأسها -الموضوع على الوسادة - للجانب لتجد إبرة ما مغروسة فيه، فإزداد ذعرها، ورمشت عدة مرات لتتأكد من أنها لا تتوهم ما تراه ..

نهضت بصورة فجائية فشعرت بدوار رهيب يجتاحها .. فوضعت يدها على مقدمة رأسها ..
ثم وجدت يد ما تربت على كتفها بحنو، وصوت أنثوي دافيء يهمس لها ب:
-اهدي يا تقى، انتي كويسة
إلتفتت برأسها نحو مصدر الصوت، وضيقت عينيها بإستغراب حينما رأتها أمامها .. هل هي حقاً أمها ؟ أم أنها تتوهم رؤيتها ؟ هي حقاً تشتاق إلى حضنها، تتوق إلى الدفء الموجود بمنزلها .. كم أنها تتلهف لرؤية والدها والتحدث معه كما كان يحدث سلفاً ..

أخذت نفساً عميقاً، وزفرته ببطء لتتحكم في نفسها ..
كانت الرؤية غير واضحة، الصورة تهتز أمام عينيها بقوة، ربما يحدث لها هذا نتيجة تأثير ذلك المحلول المعلق بجوارها، أو لحركتها المفاجأة ..
أخفضت رأسها في ضعف، ودعكت عينيها بوهن، ثم عاودت النظر مجدداً ناحية تلك المرأة، وتلك المرة ظنت أن حدسها قد أصاب، فنهضت عن الفراش هتفت بحماس رغم ضعفها ب:
-م.. ماما !

فتحت تقى ذراعيها لتحتضنها، وتحركت بساقيها الهلاميتين نحوها، ولكن سريعاً ما تراخى جسدها، وفقدت الوعي مجدداً، فأسرعت " عفاف " بإمساكها، وضمها إلى صدرها وهي تصرخ بخوف:
-تقى .. تقى !
ركضت في إتجاهها فتاة أخرى تبدو من هيئتها العامة أنها ممرضة، وعاونتها في وضع تقى على الفراش .. ثم أردفت بجدية:
-حسبي يا مدام، أنا هتعامل معاها.

غطت عفاف تقى بالملاءة، ودثرها جيداً، وربتت على كفها برفق، وقالت محذرة:
-خدي بالك منها
ردت عليها الممرضة بصوت جاف يحمل الجدية ب:
-متقلقيش، ده عادي في حالتها
تنهدت في حزن، وتابعت بنبرة راجية ب:
-ربنا يعديها على خير.

استمرت الممرضة في الإعتناء بتقى، وحرصت على تنفيذ تعليمات الطبيب بدقة ..
بينما راقبتها عفاف بإهتمام واضح على قسمات وجهها، ثم تنحنحت بخفوت وهي تسألها بإستفسار ب:
-احم .. هو .. هو المفروض هاتفوق امتى عشان تلبس وتجهز لدخلتها ؟
نظرت لها الممرضة بثبات، وأجابتها بجمود ب:
-على حسب .. أنا ماشية على تعليمات الدكتور، وشوية وهاتفوق
لوت فمها للجانب، وتابعت قائلة بنبرة متوترة وهي محدقة بتقى:
-طب لو في قلق قولي، وانا أتصل بأوس باشا، وهو هايتصرف.

أومأت الممرضة برأسها إيجابياً وهي تهتف ب:
-حاضر،لو في هاقولك ..!
ثم تنحت المدبرة عفاف جانباً وتركت الممرضة تباشر عملها مع تقى ..
وحان من رأسها إلتفاتة للجانب لترى متعلقات العروس موضوعة على الأريكة الوثيرة .. فتنهدت في حزن، وحدثت نفسها بخفوت ب:
-هو اللي بيحصلك ده قليل يا بنتي، ربنا يسترها معاكي ويعدي الليلادي على خير ... !

على مقربة من قصر عائلة الجندي،،،
نزلت فردوس ومعها حارس الأمن أحمد من الحافلة على أول الطريق الرئيسي المؤدي للقصر ..
أشار هو لها بيده لتتحرك في شارع أخر موازي في نهايته توجد إحدى بوابات القصر ..
وهي بكل عزم سارت في اتجاهه .. كانت ملامح وجهها متصلبة، عينيها ثابتتين رغم الحركة اللا إرادية لبؤبؤهما .. فكل تفكيرها منصب في تلك اللحظة على الوصول للبوابة، والدخول للقصر وإنتشال إبنتها، والعودة بها سالمة إلى منزلهما البسيط ..

هي قد عرفت الطريق إليها رغم الظلام السائد في المنطقة، ولكن معالمها حفرت في عقلها، ولن يمنعها عنها أي شخص .. فهي من كانت تضحي على الدوام من أجلها، واليوم قد جاء دورها لتقوم بوظيفتها كأم تفني عمرها من أجل فلذة كبدها ...
لم يعرف أحمد ما الذي يدور في رأس تلك السيدة، فهي لم تنطق بكلمة واحدة منذ أن أخبرها بمعرفته بمكان القصر .. ولكنه رأى في عينيها إصرار غريب لم يعهده فيها حينما رأها أول مرة ..

فقد تشكلت في رأسه فكرة عن كونها أم متسلطة قاسية، لكنه صدم برؤيتها على العكس تماماً ..
بعد دقائق قليلة وصل كلاهما إلى البوابة، ونظرا حولهما بتفحص ..
انتفض حارس الأمن جمال من " الكابينة " القابع بداخلها فور رؤيته لأحمد، وركض في إتجاهه وهو يصيح بإنزعاج ب:
-برضوه جيت تاني يا أحمد، ناسي الباشا قال إيه
نظر إليه بضجر وهو يجيبه بضيق ب:
-لأ مانستش.

ثم أشار بعينيه نحو فردوس وتابع حديثه بجدية ب:
-بس الست دي جاية تشوف بنتها
هتفت فردوس بصوت عالي ومنفعل ب:
-فين بنتي ؟ أنا عاوزة أدخل اشوفها
وإندفعت في إتجاه البوابة الجانبية، ولكن أوقفها الحرس المتواجدين أمامها، ومنعوها من الدخول، فذمتهم بغضب ..
أمسك جمال بذراع أحمد ودفعه للجانب، وسأله بجدية ب:
-بنت مين بالظبط ؟

أجابه أحمد بإهتمام واضح في نبرة صوته ب:
-تقى، البت الغلابة اللي جت تشتغل هنا من فترة، عارفها ؟
أرجع جمال رأسه للخلف، وأرخى قبضته عنه، وتابع قائلاً ببرود:
-أها، بس هي مش شغالة هنا !
-هاه
قالها أحمد وهو فاغر فمه في إندهاش، فقد إعتقد أن تقى قد عادت للعمل بالقصر بعد أن طرد منه، وتعذر عليه الوصول إليها، فلجأ إلى والدتها لكي يعرف أخبارها .. ولكن خابت آماله ..

نظرت فردوس لجمال بريبة، وصاحت بتذمر:
-إزاي ؟ ده .. ده الجدع ده قالي إنها شغالة هنا خدامة
نهرها هو بضيق وهو يلوح بيده أمام وجهها ب:
-يا ست بأقولك بنتك مجتش هنا من يوم ما خدها أحمد ومشى.

إندفع أحمد في إتجاه جمال، وأمسك به من تلابيبه، وهزه بعنف وهو يصرخ ب:
-إنت كداب، أوس باشا مش بيسيب حد حطه في دماغه
وضع جمال قبضتي على كفي أحمد، وحاول إبعادهما وهو ينظر في عينيه بغل محذراً ب:
-نزل إيدك يا أحمد بدل ما أخليك تندم !
اضطر الأخير أن ينفذ طلبه، وأبعد قبضتيه عن ياقته، وظل يحدجه بالنظرات المشتعلة ولم ينبس بكلمة ..
لوى جمال فمه في تهكم وهو يتابع ب:
-كويس إنك لسه بعقلك وماتهورتش معايا.

نظر له أحمد برجاء وهو يحدثه بتوسل ب:
-أنا عاوز أعرف هي فين !
ببرود أجابه دون أن يطرف له جفن:
-قولتلك مجتش هنا
اقتربت منه فردوس، ونظرت له بحنو عجيب، ثم مدت يدها نحو كفه لتمسكه، وكادت أن تقبله وهي تستعطفه ب:
-يا بني الله يكرمك، ربنا ما يوقعك في ضيقة .. خليني طيب أخش اشوف البيه جوا، ها .. أنا هاستسمحه يمكن يكون عارف طريقها، والنبي يا بني، أبوس إيدك !

سحب هو يده سريعاً، وأكمل متبرماً:
-يا ست قولت مليون مرة إن بنتك مش جوا
ثم صمت لبرهة ليراقب ردة فعلها، فوجدها بدأت بالنحيب، فنفخ منزعجاً وتابع بضيق ب:
-وبعدين محدش جوا أصلاً عشان تقابليه، الكل في فرح الهانم الصغيرة !
نظر أحمد إلى فردوس – وكذلك هي – بنظرات غريبة، ثم تسائل بجدية ب:
-هي ليان هانم هتتجوز ؟
أجابه الحارس جمال بإيجاز ب:
-أه.

ضيق أحمد عينيه، وسأله بفضول أكبر ب:
-لمين؟
رد عليه بإقتضاب وهو ينظر حوله بترقب:
-لعدي بيه الشامي
وقع الإسم على أذنيه كالصاعقة، فإنتبهت حواسه له، وصاح بإندهاش:
-ايه عدي بيه ؟ صاحب الباشا ؟!
أومأ جمال برأسه وهو يجيبه بجديه قائلاً:
-أه هو
حك أحمد طرف ذقنه متسائلاً بإستغراب ب:
-بس ليه كده ؟ ده .. آآآ...

قاطعه جمال بنبرة غليظة، وبنظرات صارمة قائلاً:
-مالناش فيه، اللي يتجوز يتجوز، واللي يطلق يطلق، هما باشاوات في بعض
هز الأخير رأسه موافقاً إياه وهو ينطق ب:
-اها .. على رأيك
أجفلت فردوس عينيها في إحباط، وتوسلت للحارس جمال برجاء ب:
-أمانة عليك يا ابني لو عرفت حاجة عن بنتي تقولي
نظر لها بتعالي، ثم حاد بعينيه عنها وهو يجيبها بإمتعاض ب:
-إن شاء الله.

أراد أحمد أن يثبت للسيدة فردوس أنه قادر على مساعدتها في العثور على إبنتها، فهتف بحماس ب:
-بص أنا هابقى اكلمك لو آآ..
قاطعه جمال بصوت جاف ونظرات صارمة ب:
-لأ متكلمنيش .. لو في حاجة أنا هابقى اتصل، ويالا من هنا قبل ما حد منهم يرجع وتحصل مشكلة
شعر أحمد بالحرج من رده الفظ عليه، ونظر بإرتباك ناحية فردوس، وتنحنح بصوت خشن، ثم قال بجدية زائفة:
-ماشي .. بس ماتنساش.

رمق كلاهما بنظرات ساخطة، ثم أمرهما ب:
-طيب، اتفضلوا
وضع أحمد يده على كتف السيدة فردوس التي كانت مسلطة أنظارها على بوابة القصر لتنتبه هي له، ومال برأسه عليها قائلاً بهمس:
-يالا يا ست أم تقى، احنا هانجي وقت تاني
نظرت له بأعين دامعة، ثم قالت وهي تنتحب:
-مش هاين عليا أمشي من غير ما أشوف بنتي.

تنهد هو في يأس، ثم أردف بصوت أسف ب:
-هو قال إنها مش جوا
عاودت النظر إلى بوابة القصر الحديدية، ثم تنهدت بإستسلام ب:
-قلبي حاسس إنها موجودة وهما مخبيين عليا.

أدرك أحمد أن السيدة فردوس قد تعلقت بأمل وجودها بداخل القصر، وربما تكون صادقة في إحساسها، فقلب الأم لا يخطيء في معظم الأحيان.. ولكنهما لن يستطيعا الولوج الآن.. عليه أن يتأكد فقط من وجودها حتى يرسم خطة للدخول وتخليصها من براثن أوس ..
ظلت أنظارها معلقة بالبوابة وضمت يديها إلى صدرها وهزت كتفيها في إحباط ..
رمقها أحمد بنظرات دافئة ومشفقة على حالها، ثم تحدث بصوت جاد مطمئناً إياها ب:
-بصي أنا مش هاسيبها، وهوصلها وأطمنك عليها
نظرت في إتجاهه بحماس بدى واضحاً في عينيها الحمراوتين وهي تهتف ب:
-بجد ؟

ابتسم لها إبتسامة عريضة وهو يجيبها بشوق حقيقي ب:
-اه طبعاً .. دي .. دي تقى
نظرت له ممتنة، ثم سارت مبتعدة عن البوابة وهي مطرقة الرأس ..
بعد دقائق وصل كليهما إلى الشارع الرئيسي ..
درست فردوس المكان جيداً، وحفظت معالمه عن ظهر قلب، ثم إلتفتت برأسها ناحية أحمد و سألته بإهتمام:
-بس إنت متأكد من الجدع الأمن ده ؟

أومأ برأسه وهو يجيبها بثقة ب:
-ايوه، هو مأكدلي إنه لو شافها ولا عرف حاجة عنها هيبلغنا
ثم صمت للحظة ليحدث نفسه بإصرار بعد أن إلتفت برأسه للخلف:
-ولو حتى مقالش أنا هافضل مراقب المكان لحد ما أوصلها وأرجعها لحضني تاني... !

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة