قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثاني عشر

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثاني عشر

وصلت سيارة فارهة أمام بوابة مركز التجميل الشهير، وقام السائق بصفها بمحازاة الرصيف ليترجل منها عدي الذي تأنق بصورة ملفتة للأنظار ومثيرة للإعجاب .. حيث إرتدى حِلة سوداء – ذات ماركة شهيرة – وعَدَل من وضعية ( البابيون ) الخاص به .. ثم إتجه ناحية البوابة الزجاجية وهو يحمل تلك الباقة الأنيقة في يده ..
قام حارس ما بفتح البوابة له بعد أن ألقى عليه التحية، ثم ولج إلى الداخل وإبتسامة عريضة تكسو قسمات وجهه ..

إستقبلته ناريمان بتلك الإبتسامة السخيفة على وجهها، ثم إحتضنته بحذر وهمست له قائلة:
-مش هوصيك
أومأ برأسه إيماءة خفيفة وهو يجيبها بإبتسامة واثقة:
-كل حاجة هاتكون زي ما إنتي عاوزة
-أوكي .. وعروستك مستنياك.

قالتها ناريمان وهي تشير بيدها للجانب ليلتفت عدي برأسه نحو تلك الزاوية التي تقف عنده عروسه وهي في قمة جمالها ..
فغر عدي فمه في إنبهار، فتلك هي المرة الأولى التي يراها في كامل زينتها، فعادة كان وجودها مثل عدمه، لا يشكل فارقاً معه ..
لكن منذ أن علم بفعلتها المشينة، وعقده النية على أن تكون له، وهو يراها بمنظور أخر ..
إبتلع لعابه وهو يبتسم لها بمكر .. ثم سار بخطوات متهادية نحوها، ومد ذراعه ليمسك كفها الرقيق، وإنحنى بجذعه للأمام ليقبله بعذوبة، ثم أردف هامساً:
-مبروك.

ثم تقوس فمه للجانب وهو يبتسم لها بلؤم متوعداً إياها بليلة لن تمحى من ذاكرتها ..
نظرت له ليان بكبرياء زائف وهي تهز رأسها بحركة خفيفة، وردت عليه هامسة:
-ميرسي ..
أعطاها باقة الورد البيضاء، التي تكلفت الكثير في إعدادها، لتمسكها في يدها، وتأبطت هي في ذراعه الأخر .. وسار كلاهما في إتجاه المدخل ..
إلتف حولهما صديقات العروس اللائي تبارين في فرد ذيل فستانها الفريد وإلتقاط الصور التذكارية معهما ..

لم يخلو وجه ناريمان من تلك الإبتسامة المصطنعة أمام المتواجدين ..
كانت تتمنى في نفسها أن يمر اليوم بسلام حتى تستريح وتعيد ترتيب زمام أمورها ..
رن هاتفها المحمول برقم ممدوح، فتراجعت بحذر بعيداً عن الأنظار لتتمكن من الإجابة عليه ..
وضعت الهاتف على أذنها، وهتفت بتوتر:
-إنت فين ؟
أجابها ممدوح بصوته الرخيم وهو يدير مقود السيارة قائلاً:
-رايح على القاعة، ها ليان خلصت ؟

ردت عليه بنبرة متوترة وهي تشرأب برأسها للأعلى:
-أها.. شوية وهانكون هناك
هز رأسه عدة مرات بحركة بسيطة ثم تابع وهو يوقف سيارته أمام إشارة المرور لينظر إلى العسكري بنظرات جادة:
-تمام، وأنا قدامي حاجة بسيطة وأكون قصاد الفندق
عضت على شفتيها في قلق، وأسندت كفها على كتفها الأيمن، وهتفت محذرة:
-أوكي .. حاول تتجنب مهاب، مش عاوزة قلق في الفرح بليز !

تقوس فمه في تهكم، ثم نفخ في ضيق وأردف قائلاً:
-اطمني يا ناريمان، إحنا جايين نفرح النهاردة
لاحظت ناريمان إنصراف العروسين من المركز، فأكملت على عجالة ب:
-أما نشوف .. باي دلوقتي لأنهم خلاص هيركبوا العربية
زفر في إنزعاج، ومن ثم أجابها بفتور:
-ماشي .. باي !
أضاءت الإشارة باللون الأخضر، فتحرك ممدوح بالسيارة للأمام، وحدث نفسه بتبرم قائلاً:
-مش أنا اللي يتخاف مني يا ناريمان !

في قصر عائلة الجندي،،،
دلف أوس إلى غرفته بعد أن أعطى أوامره للحرس الخارجي بالإنتباه جيداً، وتنظيف سيارته ريثما يستعد هو للخروج ..
فتح خزانة ملابسه، وإنتقى تلك الحِلة السوداء المميزة والتي إشتراها خصيصاً لتلك الليلة الفريدة ..
ليس من أجل عرس أخته على رفيقه المقرب، بل من أجل زواجه ممن عاهد نفسه على تحطيمها ...

أسند الحلة على طرف الفراش، ثم نزع قميصه وألقاه دون إكتراث على الأرضية، ليقف عاري الصدر مشعلاً لسيجارته الفاخرة وهو يعتريه شعور غريب ..
نفث دخان السيجارة بتلذذ وهو ينظر لنفسه بزهو في المرآة، ثم أردف قائلاً بغرور:
-ماتخلقش لسه اللي يقف قصادك يا أوس الجندي !
احتفظ بالسيجار في فمه، ثم سار في إتجاه المرحاض، وولج داخله ليغتسل ..

بعد برهة من الوقت كان أوس الجندي مستعداً في سيارته الفارهة ..
ضغط على بوق السيارة ليفتح له الحرس البوابة الحديدية للقصر لينطلق بها في إتجاه الفندق أولاً ..
وضع أوس سماعة الهاتف على أذنه وهو يتحدث بصرامة ب:
-ساعة زمن بالكتير وتكون عندي بالشهود في العنوان ده
مط شفتيه وأصغى بإنتباه للطرف الأخر قبل أن يقاطعه بحزم قائلاً:
-هتلاقي اللي يفتحلك، سلام !
ثم نزع السماعة وألقى بها على التابلوه، ومن ثم أدار عجلة القيادة في الإتجاه العكسي، وإنطلق في وجهته، وحدث نفسه بغرور قائلاً:
-كله هايخلص الليلة !

بداخل ردهة الفندق الشهير،،،
وصل العروسان إلى بهو الفندق الفاخر و المزدان بالأضواء البيضاء ..
وتعالت الزغاريد المباركة لهما، وتوالت التهنئات عليهما من المنتظرين حضورهما ..
وقف مهاب على أول الدرج ينتظر صعود إبنته إليه حتى يسلمها إلى عريسها كتقليد معروف ..
لم يبدْ على وجهه الفرحة الحقيقية، بل رسم قناع مزيف عليه لينتهي من تلك الليلة بأقل الخسائر ؛ فالفضيحة ستوصم عائلته بالكامل، وتزويجها من عدي سيحول دون هذا ..

لقد كانت ملامح ليان مقاربة بدرجة غريبة إلى تهاني.. لم يتصور أن تجعل مساحيق التجميل الشبه بينهما جليا إلى تلك الدرجة.. لم تشبه زوجته ناريمان في شيء، بل كانت نسخة مصغرة عن زوجته الأولى ..
إبتلع مهاب ريقه بتوتر وهو يتذكر ليلة عرسه بتهاني ..
رغم بعد الزمان والمكان، إلا أن الشبه كان قريباً ..
وما زاد من توتره حقاً هو رؤيته لممدوح يمرق بين الحضور ..
وقف متصلباً بجسده، واضعاً يديه في جيبي بنطال حلته، ولم يكف عن حدجه بتلك النظرات التي لم ينساها ..
نعم نظرات تجعل حقيقته عارية أمام الجميع ...

تراقصت الفرحة في عيني تهاني وهي تزف إليه بفستانها الأبيض البسيط، ثم أمسكت بكفه بيد مرتعشة، وهتفت متحمسة:
-أنا مش مصدقة، إحنا خلاص إتجوزنا يا حبيبي، وهايتقفل علينا باب واحد
أدارها مهاب حول نفسها لترتسم السعادة أكثر على محياها، ثم إحتضن وجهها بكفيه، وقرب رأسها منه، وهمس لها بسعادة زائفة:
-مبروك يا حبيبتي.

تنهدت في شوق وهي تنظر له بنظرات رومانسية قائلة:
-يا رب تدوم فرحتنا للأبد .. وربنا يقدرني وأسعدك
بادلتها إبتسامة هادئة وهو يجيبها بإيجاز ب:
-أمين
ثم رأى ممدوح يلوح له بذراعه من بعيد، وهو يرمقه بنظرات لئيمة، فتبدل وجهه للعبوس، وأردف بتوتر ملحوظ
-آآ.. .. ثواني بس يا تهاني
قطبت جبينها في إستغراب، ونظرت له بفضول متسائلة بحيرة:
-رايح فين ؟

تنحنح بخشونة وهو يجيبها بإرتباك ب:
-هاسلم على المعازيم وراجعلك تاني
إبتسمت له بخجل، ثم همست وهي تغمز له ب:
-طيب ماتتأخرش عليا، هاه ؟
-ماشي .. ماشي
قالها مهاب وهو يسير بخطوات مسرعة في اتجاه ممدوح الذي أولاه ظهره ...

تلفت مهاب حوله بريبة وهي ينادي على رفيقه ب:
-ممدوح، إستنى !
زفر ممدوح في إنزعاج وهو يركل بيده الأرض، ثم قال بسخط:
-عاوز إيه ؟
لكزه في ذراعه، وسأله بإستفهام:
-ايه يا بني، مالك ؟
أجابه بإقتضاب وهو يحيد ببصره بعيداً:
-مافيش
نفخ مهاب في ضيق زائف، ثم أردف بنبرة حادة ب:
-إنت عاوز تعكنن عليا ليلة فرحي !
نظر له بإحتقان وهو يرد عليه بسخط:
-أنا برضوه ؟

لم يعرف مهاب ما الذي يدور في خلد رفيقه، ولكن حالة الإنزعاج البادية عليه تشير إلى وجود خطب ما، لذلك سأله مجدداً بفضول ب:
-أومال مالك بس ؟
عبس ممدوح بوجهه، وأجابه بتذمر:
-مافيش، إنت مش بتعمل اللي عاوزه، وخلاص اتجوزت
إبتسم له مهاب إبتسامة مراوغة، وأجابه بمكر وهو يغمز له ب:
-لو ده اللي مضايقك، فماتقلقش، كل حاجة هاتمشي زي ما هي، إحنا مع بعض في سهراتنا وآآآ... وإنت فاهم بقى.

لمح ممدوح تهاني وهي تأتي من بعيد وممسكة بطرفي فستانها، ففكر أن يستغل الفرصة ويكشف دون أي مجهود منه حقيقة مهاب الغائبة لها ..
تأكد هو من أنها على مسافة قريبة منهما لتتمكن من سماعهما بوضوح ..
وعقد حاجبيه، وحدق مباشرة في عيني رفيقه، وسأله بجمود:
-وتهاني ؟
تنهد مهاب في إنهاك، ثم دعك فروة رأسه وهو يرد عليه ببرود قائلاً:
-تهاني دي عشان اكمل الصورة الإجتماعية، دكتور ومتجوز، عنده عيلة، ومستقر، لكن لا هي من مستوايا، ولا أصلاً تليق بيا.

إدعى ممدوح الإندهاش ليكمل تمثيليته السخيفة، وسأله بإستغراب ب:
-طب وإتجوزتها ليه ؟ ماكان عندك ألف واحدة غيرها
رد عليه بثقة وهو يلوي فمه قائلاً:
-لأنها الوحيدة اللي هاتخاف إن بيتها يتخرب، يعني زي ما بيقولوا بالبلدي هترضى بالمقسوم، وهاتحط جزمة في بؤها وتسكت عن أي حاجة تشوفها ..!
لم تصدق تهاني أذنيها وهي تستمع إلى كلمات مهاب الصادمة .. فقد أرادت اللحاق به لتخبره بوصول السيارة الخاصة بهما، ولكنها لم تتوقع أن تعرف الحقيقة في ليلة عمرها المميزة ..

نعم ... في لحظة واحدة إنهار كل شيء، تحطمت أحلامها، إنكسر قلبها، وأفاقت من حبها على ذلك الواقع المرير
هي تلك الفقيرة المتفوقة التي سافرت في بعثة تعليمية بإحدى الدول العربية لتلتقي بهذا الطبيب الثري الشاب الذي خطف قلبها، وآسر عقلها، ومهد لها كل الأمور، وذلل لها الصعاب، لتظن أنها ستتوج حبها بالزواج، ولكن الحقيقة أقسى بكثير ...
إستدار مهاب برأسه بعد أن رأى نظرات الذعر في مقلتي رفيقه ممدوح، فوجدها تقف مصدومة من خلفه، فعاود النظر إليه بقلق شديد .. فأكمل ممدوح ردة فعله الزائفة ب:
-ت.. تهاني !

إنتحبت هي بأنين مكتوم وهي تسأله بصدمة:-
-ليه ؟ ليه عملت كده .. ليه ؟
لم يجبها وقتها، بل إكتفى بالصمت ومراقبة عبراتها الساخنة وهي تنهمر على وجنتيها ..
نعم لم ينس تلك النظرة المعاتبة في عينيها .. نظرة الأسف الممزوجة بالندم على حب بريء أعطته لمن لا يستحق

أفاق مهاب من شروده على صوت الدفوف العالية والمزامير الصاخبة، فسعل مدعياً وجود شيء ما قد علق بحلقه، ثم رسم إبتسامة زائفة على وجهه، وأردف قائلاً بنبرة هادئة:
-يالا يا بنتي
إبتسمت له بخجل مصطنع، وتأبطت في ذراعه واستعدت للنزول من على الدرج ..

وقف عدي في الأسفل وهو ينظر إلى عروسه بنظرات مترقبة .. ماهي إلا بضع ساعات حتى ينغلق عليهما باباً واحداً، وتصبح زوجته، وتعرف مصيرها معه ...
وصل مهاب بليان إلى نهاية الدرج حيث مد عدي يده، وأمسك بكفها الرقيق، وأردف بصوت رخيم قائلاً:
-شكراً يا عمي، ماتقلقش عليها، أنا هأعوضها عن اللي فات
هز رأسه في إمتنان، ثم تابع قائلاً بإيجاز:
-تمام ..

حاوطت الفرقة الموسيقية كلا العروسين، وبدأت تعزف أشهر الأغاني الطربية، وهما يتمايلان بخفة مدعيان الفرحة ..
ولج أوس إلى داخل الردهة وهو متأنق بشكل أثار إعجاب الحاضرات اللاتي همسن بإنبهار وهن ينظرن إليه بتلهف ..
نظر هو إلى الإثنين بنظرات ممتعضة .. فأكثر ما يزعجه أنه يعلم حقيقة رفيقه، وفضيحة أخته .. وكلاهما إتفقا على إكمال تلك التمثيلية السخيفة من أجل الحفاظ على مظهرهما الإجتماعي ..

تابعتهم ناريمان بنظرات مترقبة، فوجود أوس يثير إضطرابها ..
فأشاحت بوجهها بعيداً عنه، وأخذت تتفرس في أوجه الحاضرين محاولة بث الإطمئنان في نفسها المتوترة .. فمصير إبنتها محتوم على إتمام تلك الزيجة وإعلانها أمام الحضور ..
هي تخشى أن يحدث مفاجأة ما تقلب الأمور رأساً على عقب ..
نعم، تخشى أن يتهور أوس ويتسبب في إحداث فضيحة للعائلة ...
كانت ضربات قلبها غير منتظمة، وتتلفت بين الحين والأخر حولها لتتأكد من وجوده ..

هي تخاف من ردود فعله الغير متوقعة، فبالرغم منه أنه لم يهتم يوماً بأخته، إلا أنها قلقة من حدوث العكس خاصة الليلة، وأمام هذا الحشد الكبير، فهو من يفاجئها دوماً بما لا تتوقعه، كذلك هو لا يعرْ أي أحد الإهتمام، ويفعل ما يحلو له دون إكتراث بالنتائج ..
عاتبت نفسها لأنها هي الأخرى لم تولي ليان الرعاية الكافية رغم ما فعله مهاب لتصبح إبنتها .. ولكنها ظنت بتزويجها أنها تصلح ذاك الخطأ الجسيم ..
وقف ممدوح إلى جوارها، ووضع يده على كتفها، فإنتبهت له، ونظرت له بتمعن وهي تهتف بثقة ب:
-كل حاجة تمت زي ما احنا عاوزين.

رمقها بنظرات إستهجان وهو يلوي فمه في تهكم قائلاً:
-لأ قصدك زي ما إنتي عاوزة
تجهمت تعابيرها، ونظرت له بحنق، ثم صاحت بضيق وهي تشير بإصبعها:
-قصدك إيه ممدوح ؟ كنت عاوزني أسيب الدنيا تخرب من غير ما أتصرف وأصلحها
قاطعها بصوت جاف، ونظرات باردة ب:
-إنتي عارفة كويسة الحقيقة، بس دي لو كانت بنتي، مكونتش هاسمح إنه يحصلها ده من الأول أصلاً.

إبتلعت ريقها في توتر جلي، فقد كانت تخشى أن يكون قد عرف حقيقة نسب ليان .. وتلميحاته هذه لبث الرعب في نفسها ..
حاولت أن تبدو صلبة أمامه، ولكنها كانت في قمة إضطرابها ..
كل شيء على وشك الإنهيار ما لم تسيطر هي على زمام الأمور
نعم هي مدركة أنها وافق دون تردد على إتمام تلك الزيجة للحفاظ على صورة عائلتها الإجتماعية أمام الجميع .. وتجنب الفضيحة العامة التي ستؤثر بالسلب على سمعة العائلة ..

حاولت ناريمان أن تبرر موقفها قائلة بإستعطاف:
-بس أنا كنت ..آآآ...
قاطعهما مهاب بصوته المحتد قائلاً:
-مبروك
إلتفت كلاهما إلى الخلف ليجداه ينظر إليهما بنظرات نارية قبل أن يكمل بإمتعاض:
-خلصتوا ولا أسيبكم تكملوا
إرتبكت ناريمان، وتوترت أعصابها، وبدأت أصابعها ترتجف لا إرادياً .. في حين إنتفخ صدر ممدوح بالغرور الزائد، وأجابه بنبرة متغطرسة قائلاً:
-أوعى تقولي إنك غيران من مراتك عليا .. ماتنساش إن احنا دايماً بينا شيء مشترك.

تحولت مقلتيه لجمرتين صغيرتين متقدتان بنيران محتدة، ثم هتف محذراً:
-ممدوح، لم نفسك، ولا إنت جاي تبوظ الدنيا في فرح بنتي
لوى فمه في تهكم، ثم أردف ساخطاً ب:
-وهو أنا أقدر .. ما هي بنتي برضوه ..!
تبادل كلاً من مهاب وناريمان نظرات غريبة وخائفة .. فالأول تملكه الرعب من أن يكون رفيقه قد إكتشف حقيقة الأمر برمته، والثانية تخشى أن تحدث الفضيحة وينهار كل شيء في لحظة وتنكشف جرائمها للجميع ..

تعجب ممدوح من حالهما الغير مفهوم .. وسألهما بإستغراب قائلاً:
-مالكم ؟ بتبصوا لبعض كده ليه ؟ هو أنا قولت حاجة غريبة ؟
ثم نفخ في إنزعاج، وتابع بضيق:
-ما هي لو كانت بناتي عايشة كان زمانهم في سن ليان، ولا .. ولا أنا غلطان ؟!
ساد صمت غريب في الأجواء .. واستمر تبادل النظرات المريبة بين الجميع ..

جف حلق ناريمان وهي تنظر بصدمة إليه، ولم تعرف بماذا تجيبه، فعقلها بات مشتتاً بسبب تلك الضغوط الرهيبة التي لم تعدْ تستطيع تحملها ..
في حين تدارك مهاب الأمر سريعاً بعد أن وجد حالة التخبط المسيطرة على زوجته،فهتف بصوت محتقن ب:
-أظن إن إنت مش غريب يا ممدوح، اعتبره فرحك، وأنا هاخد ناريمان ونسلم على الضيوف
ثم قبض على ذراعها، وسار بها مبتعداً عن رفيقه الذي نظر لهما بريبة، وحدث نفسه مستغرباً ب:
-في حاجة غلط، تصرفاتهم مش مريحاني !

إستدار ممدوح برأسه للجانب ليجد أوس عاقداً ساعديه أمام صدره، ويقف بشموخ عجيب .. فنظر له الأخير بنظرات إحتقار، فإستشاط ممدوح غضباً، وأراد أن يثير إستفزازه، فأردف لنفسه بسخط قائلاً:
-جتلي في ملعبي
تحرك ممدوح في إتجاه أوس، ولم يحيد بنظراته الحادة عنه، ثم هتف عالياً بنبرة مستفزة:
-حبيبي .. مش هاتسلم على عمك
رمقه أوس بنظرات أكثر شراسة، ثم أجابه بنبرة مهينة:
-مش عاوز أوسخ إيدي بأمثالك
هز رأسه في معاتبة مصطنعة، وأردف متهكماً:
-تؤ .. تؤ .. وده يصح برضوه تتكلم كده مع عمك ممدوح، إش حال مكونتش مربيك على إيدي ..

ثم غمز له بطرف عينه وهو يتابع بلؤم:
-ولا .. آآ.. نسيت
للحظة مر ببال أوس مقتطفات مما حدث معه في طفولته البعيدة، وكيف أُسيء إليه بطريقة مهينة لم يعرف عنها أي أحد .. فإزدادت نبضات عروقه الغاضبة في عنقه، وتسارعت دقات قلبه الحانقة، وتلون وجهه بحمرة الغضب ..
قاوم أوس رغبته في سفك دم ذلك الحقير، وأجابه بنزق:
-بعيد عنك كانت تربية وسخة ماتستهلش إني أفتكرها أصلاً.

لوى ممدوح فمه في إستنكار وهو يعاتبه ب:
-طب قول كلام غير ده، ده هي اللي عملتلك بني آدم وراجل
توهجت عيناه بالشرر وهو يصرخ فيه بإنفعال قائلاً:
-أنا راجل غصب عنك وآآآ..
قاطعه ممدوح ببرود مستفز وهو يربت على كتفه:
-بالراحة بس ليطقلك عرق، ما أنا عارف إنك راجل، وشايف رجولتك على .. على إيدي
كان أوس قاب قوسين أو أدنى من الفتك به، فكانت نظراته النارية خير دليل على هذا ..

بذل مجهوداً ليتحكم في أعصابه، وكز على أسنانه وهو ينطق بشراسة ب:
-وأنا ممكن أمحي رجولتك برضوه على إيدي !
زم ثغره في سخرية، وأردف ببرود أكثر:
-مممممم.. شيء عظيم، أنا واثق من ده، ما أنت طالع لأبوك في الحاجات دي .. مش لأمك.

لم يتحمل أوس كلمة أخرى منه، فهجم عليه، وأمسك به من تلابيبه، ثم قربه منه وهزه بعنف وهو ينطق بإهتياج:
-اخرس، ورحمة الغاليين لأدفنك السعادي هنا، ومش هاعمل إعتبار لحد !
تابعتهما نظرات بعض المحيطين بتوجس شديد، وسمع كلاهما شهقات من جميلات العرس المتواجدات على مقربة منهما، ولكن تدخل أفراد الأمن سريعاً للحول دون تطور الأمر، فبادر أحدهم بنبرة رسمية ب:
-في مشكلة يا فندم ؟

ظل الإثنين محدقين ببعضهما البعض بتلك النظرات المميتة والتي تحمل الكثير من البغض والكره
ولم يكف أفراد الأمن عن التوسل إليهما بهدوء مترقب لينفصلا عن بعضهما ..
تهامس البعض عما يحدث .. وتجمع أخرون على مسافة قريبة لمتابعة ما يحدث ..
لاحظ ممدوح أنهما أصبحا محط أنظار الجميع، فأزاح قبضتي أوس بصعوبة تامة عن ياقته وهو يتصنع الهدوء، ورغم هذا ظل محدقاً به بنظراته الطويلة المستفزة للأعصاب، وأجاب فرد الأمن بتريث ب:
-لا مافيش، ده احنا بس بندردش مع بعض شوية.

وزع فرد الأمن الأخر نظراته بين الإثنين، وطلب منه بصوت هاديء:
-طب يا فندم آآآ...
قاطعه ممدوح مجدداً بصوت خشن وهو يشير بكف يده لفرد الأمن:
-شششش، مافيش داعي تقول حاجة
ثم سلط أنظاره الحانقة على أوس، وأكمل بإبتسامة سخيفة على محياه ب:
-فرصة سعيدة يا .. يا أوس.

حدجه أوس بنظراته الإحتقارية والمخيفة وهو يحذره بصرامة ب:
-أحسنلك ماتقفش في وشي بدل ما تندم
مط شفتيه في إستهزاء وهو يجيبه ب:
-وماله، الحذر مطلوب
ثم ربت ممدوح على كتفه، وأكمل ساخراً وهو يرمقه بنظرات باردة:
-أقولك على حاجة أنا هاسلم على اختك وصاحبك .. أصلهم لايقين على بعض .. شكلهم كيوت !

وهز حاجبيه في إستخفاف، وإستدار بجسده متجهاً إلى الرواق المؤدي لقاعة الأفراح الداخلية ...
تابعه أوس بنظرات مشتعلة، وسبه بحنق قائلاً:
-إولع يا بن ال **** !
ثم إلتفت للخلف ليبتعد عن الردهة وهو يتمتم بتوعد له .. ولكنه إصطدم بعمه سامي الذي حدجه بنظرات محتقنة وهو يهتف ب:
-مش تاخد بالك يا إبن مهاب
-أنا واخد بالي يا عمي كويس .. بص إنت قدامك بدل ما تقع تاني
-مش هافوت اللي عملته فيا يا أوس، مش هافوته
-بدل ما تفوته، اتعلم ماتقفش قدام الأقوى منك
احتقن وجهه بدماء غاضبة، ورد عليه بنبرة محتدة ب:
-إنت آآآ..

قاطعه أوس بإستخفاف وهو يضع ذراعه حول كتفه، ثم أجبره على الإستدارة ناحية أحد المصورين، وتابع بسخرية مستفزة وهو يشير له بعينيه:
-اضحك يا عمي .. عشان وشك ينور
وهنا صدح فلاش الكاميرا، فأشار المصور بإصبعه بعلامة الإعجاب بعد أن إلتقط صورة تجمعهما سوياً ليبعد أوس ذراعه عنه، ويكمل بإستخفاف:
-اطلع كل جاتوه، ده في أوبن بوفيه فوق، أصل بلغني انك مش لاقي تاكل!

توهجت عيني سامي عقب تلك العبارة الأخيرة، فمط أوس شفتيه للأمام وأرسل له قبلة في الهواء مكملاً وصلة إهانته ثم تركه وإنصرف ناحية مدخل الفندق ...
إكتسى وجهه بحمرة الغضب، وصرخت عيناه متوعدة وهو ينطق من بين أسنانه بعنف:
-والله لأوريك يا أوس .. ومش هاسيب حقي !

في منزل أوس بمنطقة المعادي،،،
بدأت تقى تستعيد وعيها، وسعلت بصوت قوي وهي تفتح عينيها ببطء ..
تنفست المدبرة عفاف الصعداء وهي تراها قد أفاقت مجدداً، ثم شهقت بفرحة:
-الحمدلله إنك بخير، أنا كنت هاموت من القلق عليكي يا بنتي
لقد مرت ساعات وتقى فاقدة للوعي، تهزيء أحياناً، وتتشنج في أحيانٍ أخرى .. مما استرعى قلق عفاف عليها .. فحينما رأتها تفيق تملكتها الفرحة ..
نظرت إليها تقى بنظرات زائغة وهي تردد بضعف ب:
-أنا .. أنا فين ؟

مسحت عفاف على وجه تقى بحنو زائد، ونظرت لها بإشفاق .. هي تود طمأنتها، ولكنها تخشى أن تسوء حالتها، لذا حاولت أن تبدو حذرة وهي تجيبها بصوت أموي:
-إنتي معايا يا بنتي، متخافيش
رفعت تقى كفها لتمسح تلك العبرات العالقة بأهدابها، فرأت الإبرة المغروسة فيه، فضيقت عينيها في خوف، وتسائلت بتوجس:
-هو .. هو ايه اللي حصل ؟
نظرت لها عفاف بريبة، وردت عليها بتلعثم قائلة:
-إحم .. آآ.. إنتي تعبتي شوية وآآ..

تذكرت تقى أين هي الآن .. إنها بمنزله ذلك البغيض، ولكنها في غرفة أخرى .. الغرفة الأكبر حجماً .. وترتدي ملابساً أخرى ..
أمعنت النظر إلى حالها، فوجدت نفسها ترتدي فستاناً مكشوف الصدر وعاري الكتفين من اللون الأبيض ..
تحسست صدرها بكف يدها المرتجف، وشعرت بإرتعاشة رهيبة تجتاح جسدها الهزيل ..
حاولت أن تنفي عن عقلها فكرة أن يكون ما ترتديه هو فستان العرس ..
ولكن فضولها دفعها لإزاحة الملاءة عن جسدها لتتحول شكوكها إلى أمر حقيقي وواقع ملموس ..

شحب لون وجهها حينما رأت نفسها في فستان العرس .. فبدأت أنفاسها تتسارع، وإضطربت ضربات قلبها، ثم نظرت حولها بذعر .. وصرخت مستغيثة بخوف جلي:
-خرجوني من هنا، أنا عاوزة أمشي
أمسكت بها عفاف من ذراعيها وحاولت تثبيتها في الفراش وهي تهتف بتوتر:
-إهدي يا تقى، مافيش حاجة حصلت
قاومتها الأخيرة بكل قوتها، ولكنها لم تكن كافية لتتمكن من الإفلات من حصارها، فصاحت بتشنج:
-أنا مش عاوزة أقعد هنا، هايدبحني لو فضلت موجودة.

إحتضنتها عفاف بذراعيها، وأسندت رأسها على صدرها، ومسحت بيدها على رأسها وظهرها في حنو، وتابعت بصوت دافيء:
-إهدي يا بنتي، أنا معاكي
أرجعت تقى رأسها للخلف لتنظر لها بعينيها الباكيتين قائلة بتوسل:
-إنتي مش فاهمة حاجة، هو مش هايسبني أبداً
أحتضنتها عفاف بعاطفة أقوى، وأشفقت على حالها، وأردفت بصوت هاديء رغم تأثره ب:
-شششش .. متخافيش .. أنا من هنا.

تشنجت تقى أكثر، وتعالت شهقاتها وهي تتوسل لها ببكاء حار ب:
-مشيني من هنا، أنا .. أنا عارفة إنك طيبة وهتساعديني صح ؟ عشان خاطري خليني أمشي من هنا، أنا.. أنا هاهرب ومحدش هايشوفني آآآ...
قاطعها صوت رجولي صارم ومتعصب قائلاً:
-مش أنا قايلك مش هاتعرفي تهربي مني، إنتي ليا وبس...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة