قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثالث والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 2 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الثالث والعشرون

في منزل عبد الحق بالزقاق الضيق
إتجهت إحسان إلى باب المنزل بعد أن سمعت قرع الجرس، ثم فتحته ونظرت إلى الواقفة أمامه بنظرات حادة وهي تهتف بجدية:
-خشي يا أم نجاح، أنا مستنياكي من بدري!
إبتسمت لها إبتسامة سخيفة وهي تجيبها قائلة:
-ماشي يا أم عبده، يا رب يا كريم.

بخطوات متثاقلة ومتهادية - بسبب جسدها الممتليء - ولجت القابلة (الداية ) أم نجاح إلى الداخل، وتسألت بتلهف:
-خير يا أم عبده، ابنك جالي على ملى وشه يقولي إنك عاوزاني
أشارت لها بيدها وهي تقف أمامها مُجيبة إياها بجدية:
-تعالي عاوزاكي في حاجة مهمة!
ثم إلتفتت حولها لتنظر نحو الباب، وتسألت بفضول:
-بس الواد عبده فين ؟

لوحت بيدها للخلف وردت عليها بنبرة عادية:
-راح يجيب فكة للأسطى لأحسن مكنش معايا فكة
مطت فمها في إستجهان وهي تتابع:
-ممم.. طيب
جلست الإثنتين على الأريكة، فتسألت أم نجاح بجدية وهي تُعيد لف حجابها المتدلي حول رأسها:
-ها، في إيه ؟

لوت إحسان فمها في تأفف وهي تجيبها ب:
-البت المزغودة مرات الواد ابني، بتقول إنها حبلى، وأنا عاوزاكي تكشفي عليها قصادي وتأكديلي إن كانت بتتكلم جد ولا.. ولا بتكدب
قطبت جبينها في إستغراب، ثم هزت حاجبها بحركة مستنكرة وهي تردف ب:
-هو الحاجات دي فيها كدب يا أم عبده ؟!
ربتت على فخذها وهي ترد بنزق:
-ماهو عشان كده جيباكي، ما أنا أصلي مش مطمنة لعمايلها، دي بت مش سهلة، وأنا أدرى بيها!

هزت أم نجاح رأسها – وكأنها تؤيدها في رأيها – وردت بخفوت:
-وماله يا حبيبتي، غالي والطلب رخيص!
نهضت إحسان أولاً من على الأريكة، وإتجهت صوب غرفة ابنها عبد الحق، ودقت على الباب بقوة وهي تهتف عالياً ب:
-بت يا بطة، افتحي الباب، خالتك أم نجاح هنا!
أجابتها بصوت مرتفع من الداخل ب:
-الباب مفتوح يا حماتي.

أدارت المقبض، ودفعت الباب للخلف بكف يدها، ورمقت بطة بنظراتها المستفزة وهي تتابع بصوت آمر ب:
-افردي ضهرك على السرير عشان تكشف عليكي
زمت شفتيها وهي ترد عليها بإستسلام:
-طيب
إستدارت إحسان برأسها للخلف، وظلت مسنودة بذراعها على الحائط الملاصق للباب، وهتفت بصوت مرتفع:
-يالا يا أم نجاح، البت جاهزة
صاحت أم نجاح بنبرة حماسية وهي تنهض عن الأريكة:
-حاضر يا أم الغالي.

ثم إتجهت صوب الغرفة المشار إليها، وأردفت بنبرة فرحة وهي تلج للغرفة:
-بسم الله الرحمن الرحيم، يا رب يا كريم، هات البشرى من عندك!
حدقت إحسان في زوجة إبنها شزراً، وحدثت نفسها بتوعد وهي تلوي فمها للجانبين ب:
-آه لو طلعتي بتكدبي عليا يا بنت ال *** هاطلع عين أمك وعين اللي جابوكي كلهم!

في قصر عائلة الجندي
أسرعت المدبرة عفاف نحو بوابة القصر الرئيسية بعد أن بدلت ثياب عملها، وأشارت لحارس الأمن بيدها وهي تصرخ عالياً ب:
-افتح البوابة بسرعة
تعجب حارس الأمن جمال من حالة الهلع التي أصابت تلك المدبرة الهادئة، فوقف أمامها بجسده، وسد عليها الطريق سائلاً إياها بجدية ب:
-في إيه يا مدام عفاف ؟

نظرت له بأعين مرتبكة وهي تجيب بنبرة قلقة:
-في مصيبة حصلت للباشا أوس
إتسعت مقلتيه في رعب، وفغر فمه قائلاً:
-إييييه ؟!
أشارت له بعينيها وهي تردف بتلهف:
-وقفلي تاكسي بسرعة يا جمال
ثم إنحنت برأسها للأسفل لتبحث في حقيبة يدها عن حافظة نقودها
مسح جمال على وجهه، وسألها بتوتر:
-فهميني بس حصل للباشا إيه ؟

رفعت رأسها في إتجاهه، وأجابته بنبرة قلقة:
-أنا معرفش حاجة، أنا رايحة الوقتي على مستشفى الجندي أشوف حصله إيه
هز رأسه وهو يضيف بنبرة جادة:
-طب طمنينا لما تعرفي
-حاضر
ثم أشار لها بكف يده لكي تقف، ومن ثم أردف بصوت جاد:
-استني هابعت معاكي حد يوقفلك تاكسي من على أول الشارع
إبتسمت له بإمتنان وهي تقول:
-الله يكرمك يا جمال

في مشفى الجندي
وقف الطبيب مؤنس أمام فراش أوس، وعلق التقرير الطبي المسنود على اللوح المعدني في طرف الفراش، ثم إستدار برأسه ليحدث الممرض بنبرة رسمية ب:
-الدواء ده يتاخد كل 6 ساعات، ويمنع الزيارة نهائي عنه لحد ما د. مهاب يبلغنا هنتصرف إزاي
أومأ الممرض برأسه موافقاً وهو يجيبه قائلاً:
-حاضر يا دكتور
مط الطبيب مؤنس فمه للأمام وهو يتابع ب:
-مممم.. مؤشراته الحيوية كويسة!

ثم صمت للحظة قبل أن يكمل بجدية:
-والجرح اللي في ايده يتغير عليه يوم بعد يوم
-تمام يا دكتور
تنحنح مؤنس بصوت خشن قبل أن يتابع بإهتمام:
-وخلي ممرض هنا يتابعه بإستمرار، وممنوع حد يدخله حتى لو كان مين، مش عاوز أي تقصير لحد ما تجيلنا الأوامر من الدكتور مهاب نفسه!
-أوكي يا دكتور
إتجه الطبيب مؤنس ناحية باب الغرفة، وحانت منه إلتفاتة من رأسه للخلف، وإبتلع ريقه بتوجس، ومن ثم قال:
-المشكلة دلوقتي لما يفوق، صعب أوي نتنبأ بتصرفاته، أو نسيطر عليه!

في ملهى ما
جلست لوزة تحتسي الخمر بشراهة لا تدري كم تجرعت من الكؤوس، وكم إرتشفت من الخمر حتى تنسى، ولكن مازال يؤلمها بشدة ما حدث معها..
أردفت بصوت متثاقل وهي تبكي بمرارة:
-مش هاسيبك يا أوس، لازم أعرف مين اللي خدتك مني، وفضلتها عليا!
إرتشفت مجدداً من كأسها، وتابعت بصوت مختنق:
-إنت ليا وبس، مش بعد اللي عملته ليك أترمي كده، ده أنا أموتك.. هاموتك!

اقترب فارس منها، ونظر لها بإزدراء وهو يمط شفتيه..
ثم جلس على المقعد المجاور لها على ال ( بار )، وهتف بهدوء:
-مش كفاية كده، ده أحنا لسه في أول الليل!
نهرته بحدة وهي تشير بإصبعها:
-محدش يقولي كفاية، أنا.. أنا هاشرب زي ما أنا عاوزة
زم فمه بإنزعاج وهو يرد عليها ب:
-يا لوزة أنا خايف عليكي، محدش يستاهل انك تعملي في نفسك كده!

رمقته بنظراتها الساخطة وهي تتابع بصوت ثقيل:
-اسكت خالص، إنت مانفعتنيش بحاجة
نفخ في ضيق وهو يرد عليها:
-يعني عاوزاني أعمل إيه اكتر من اللي طلبتيه ؟
مالت برأسها على رخامة البار، وأغمضت جفنيها، وهتفت بصوت مختنق:
-إنت.. إنت معرفتش توقعه!

لف رأسه للخلف، وتجرع جرعة كبيرة من كأسه، قبل أن يتجشأ قائلاً:
-أهوو طلع مش فارق معاه أخته ولا حتى عيلته كلها، كله بلح معاه!
كورت قبضتيها، وصرت على أسنانها قائلة بتهديد صريح:
-عاوزة أعرف مين خدته مني، وانا أحرق قلبه عليها، وأحرقه هو كمان، النار اللي جوايا مش هاتبرد إلا لما أشوفه مكسور ومذلول قدامي!
نظر لها ببرود، ثم تنهد بضيق وهو يردف ب:
-طب ما تروحي بيته، وشوفي هي مين
نظرت له من طرف عينها، وقالت بسخط:
-ابن ال *** خلي البواب يمنعنى من دخول البرج، مش عارفة أروحله، ولا أشوف بنت التيت اللي ماشي معاها ومخليها مكاني في شقته، آآآآه.. عاوزة أولع فيه.. آآآآه!

-ممممم..
تابعت هي بنبرة مغلولة والشرر يتطاير من عينيها:
-على أخر الزمن بعد ما كنت بأشوف كيفه لسنين على أمل إني أبقى حاجة معاه، أتهان ومعرفش اخد حقي منه، لأ وغيري على الجهاز يبلفه.. آآآآه!
إبتسم لها فارس إبتسامة ماكرة، ثم أردف بجدية:
-طب ايه رأيك لو أنا بلفت البواب وخليتك تروحي هناك وتشوفي مين دي
إنتصبت في جلستها، ورمشت بعينيها وهي تسأله بحماس مفاجيء:
-بجد ؟
إزدادت إبتسامته الواثقة إتساعاً، وتابع بخبث:
-أه طبعاً، وهو أنا أقدر أشوفك كده قدامي وما أتصرفش!

في مشفى الجندي الخاص
وصلت المدبرة عفاف إلى بوابة المشفى الرئيسية، وترجلت من سيارة الأجرة بعد أن ألقت بالأجرة للسائق، وإعتذرت له بصوت شبه عالي قائلة:
-معلش يا بني، مستعجلة!
ثم ركضت في إتجاه الإستقبال..
كانت علامات الخوف الممزوجة بالتوتر جلية على تعبيرات وجهها..
فهي الوحيدة الملمة بما فعله رب عملها مع تقى..
وهي الوحيدة التي حضرت مراسم عقد قرانهما..

هي لا تعرف ما الذي صار لكلاهما ليتحول الأمر من زواج إلى تواجدهما بالمشفى..
وقفت تلهث أمام موظفة الإستقبال، ثم سألتها بصوت متقطع:
-أنا.. أنا جاية للباشا أوس الجندي، أنا.. أنا مديرة القصر بتاعه
أومأت الموظفة برأسها وهي تجيبها دون تردد:
-أها.. أوس باشا الجندي محطوط تحت الملاحظة، وكل الأطباء هنا تحت خدمته
إبتلعت ريقها، ونظرت له بأعين زائغة، وسألتها بخوف:
-هو.. هو حصله إيه ؟

تنهدت بخفوت قبل أن ترد بجدية:
-إنهيار عصبي حاد
إتسعت عينيها في صدمة رهيبة، وهتفت بذعر:
-يا لهوي، وده.. وده خطير ؟
هزت رأسها مرة واحدة وهي تجيبها بصوت شبه حزين:
-أيوه، بس زي ما قولتلك كل اللي شغالين هنا حاطين أوس باشا تحت رعايتهم
وضعت عفاف كف يدها على مقدمة رأسها، وغمغمت مع نفسها بخوف..
وخفق قلبها برعب حينما توجه عقلها تلقائياً للتفكير في تلك البريئة النقية..

نظرت بخوف للموظفة، وسألتها بصوت مرتجف:
-طب.. طب في بنت كانت جاية معاه اسمها تقى، تعرفي مالها ؟ ولا حصلها إيه ؟
لوت شفتيها للجانب وهي تجيبها بآسى:
-أها.. للأسف البنت حالتها حرجة شوية..!
اضطرب قلبها على الفور، وشهقت بفزع، وكتمت صراخها داخل جوفها، وأغلقت فمها بكف يدها..
شعرت عفاف بصعوبة في التنفس وهي تتخيل الأسوأ..
شحب لون وجهها، وإرتجفت شفتيها.. وتبدل حالها للخوف..

بتردد حقيقي أزاحت يدها عن فمها، وتنفست بعمق..
ثم سألتها بنبرة ذعر حقيقية بدت أيضاً في عينيها:
-حصلها إيه ؟ طمنيني عليها ؟
أطرقت الموظفة رأسها للأسفل، وهتفت بجدية:
-مقدرش أقولك، في أوامر مشددة محدش يتكلم عنها.

وضعت عفاف يديها المرتعشتين على السطح الرخامي لمكتب الإستقبال، وتوسلت لها بأعين دامعة:
-يا بنتي الله يكرمك طمنيني، هي مراته على فكرة، وأنا.. وأنا عارفة ده!
نظرت لها الموظفة بقلق، فقلما يعرف أحد بهوية تلك المريضة ذات الوضع الحرج..
عبثت بالأوراق المتراصة أمامها، وردت بإرتباك:
-بس آآ..

قاطعتها عفاف بصوت متوسل وهي تنظر لها بأعينها الدامعة:
-قوليلي وأنا مش هافتح بؤي بحرف
تلفتت الموظفة حولها بريبة، وأدرفت بخفوت بعد أن مالت برأسها في إتجاهها:
-هي.. آآ.. هي اتعرضت للإغتصاب
جحظت عينيها في ذهول، وشهقت قائلة بصوت مصدوم:
-اييييييييييييييه!

وضعت الموظفة كفها على يد عفاف، وقالت لها برجاء وهي تتلفت برأسها:
-أرجوكي اهدي، مش عاوزة حد يعرف إني بلغتك، مدير المستشفى منبه عليا، وإنتي كده هاتضريني
إختنق صوتها وهي تتابع بحسرة:
-يا عيني عليكي يا تقى، ده اللي أنا كنت خايفة منه
توسلت لها الموظفة بصوت مرتعد وهي تنظر لها بحدة:
-يا مدام اهدي، إنتي كده هاتقطعي عيشي.

إنهمرت العبرات لا إرادياً على وجنتيها، وتنهدت بصوت مكتوم، وهتفت بصدمة:
-أسفة يا بنتي، بس.. بس تقى دي غلبانة وماتستهلش اللي حصلها
هزت رأسها موافقة إياها، وتابعت بصوت أسف:
-ربنا معاها، ماهو الباشا الظاهر ماستحملش اللي حصلها فإنهار!
رمشت بعينيها غير مصدقة ما سمعته أذنيها للتو، وقالت بذهول حقيقي:
-هاه..!

إبتلعت الموظفة ريقها، وخشيت أن ينتبه أحد لها، لذا أردفت بجدية:
-عامة يا مدام أنا بلغتك باللي عندي
كفكفت عفاف عبراتها، وسألتها بحزن:
-طب أقدر أطلع أشوفهم وأطمن عليهم
هزت الموظفة رأسها نافية وهي تجيبها بصرامة:
-صعب حالياً
هتفت عفاف بإصرار وهي تكور قبضة يدها:
-مقدرش أسيب حد فيهم من غير ما قلبي يطمن عليهم.

نظرت لها الموظفة بتمعن، فوجدت صدق تعبيراتها واللهفة الواضحة للإطمئنان على كليهما، لذا لم تردْ أن تتجادل معها أو تعترض، فأردفت بهدوء:
-طيب.. أنا هاشوف أوامر مدير المستشفى، و هأبلغك
نظرت لها عفاف بإمتنان حقيقي، وهتفت بخفوت وهي تشير بيدها للخلف:
-ماشي يا بنتي، وأنا هاقعد هنا أستنى هايقولك إيه.

في قصر عائلة الجندي
دار حارس الأمن جمال حول بوابة القصر مراقباً الأوضاع بنظرات حادة كالصقر، ورغم إنتباهه إلا أن عقله كان مشغولاً في التفكير فيما حدث لأوس الجندي..
كان متردداً في إبلاغ زميله الأسبق أحمد .. ولكنه وعده أن يطلعه على الجديد لعله يشعر بالإرتياح بعد تعرضه للطرد والضرب منذ فترة..
في النهاية حسم أمره بإخباره، فلن يضيره الأمر في شيء..

لذا وضع هاتفه المحمول على أذنه بعد أن ضغط على زر الإتصال به.. وأخذ يراقب من حوله بحذر..
وما إن سمع صوته حتى هتف بجدية:
-ألوو.. أيوه يا أحمد!
سأله أحمد بفتور وهو يفرك أذنه الأخرى:
-خير يا جمال، في حاجة ؟
أخفض جمال نبرة صوته وهو يتابع ب:
-عندي ليك أخبار معرفش إن كانت هاتفيدك ولا لأ ؟
تجهم وجه أحمد، وسأله بإهتمام واضح:
-أخبار ايه ؟

صمت جمال لثانية قبل أن يتابع بصوت خافت:
-الباشا أوس دخل المستشفى
إرتسمت علامات الصدمة على وجه أحمد، ورفع حاجبيه للأعلى، وهتف بعدم تصديق:
-ايييه
-زي ما قولتلك
ابتلع ريقه وهو يسأله بفضول أشد:
-طب ليه ؟

هز جمال كتفيه في عدم معرفة، وهتف بنبرة عادية:
-مش عارف، بس عفاف راحت تشوفه
-هاه..
تحمس جمال وهو يكمل بنبرة تحمل التشفي:
-أنا قولت أبلغك يمكن تفرح فيه بعد اللي عمله فيك
إبتسم أحمد إبتسامة زائفة وهو يرد عليه قائلاً:
-أه وماله، كتر خيرك، ماهو ربنا مش بيسيب
-عندك حق.. يمهل ولا يهمل.

-تسلم يا جيمي على أخبارك الحلوة
مسح جمال فمه بإصبعيه، وأردف بجدية:
-أديني شوفتك أهوو، ابقى افتكرني
هز رأسه وهو يعيد وضع الهاتف على الأذن الأخرى ليتابع بإهتمام:
-طبعاً، على كده مافيش اخبار عن البت تقى ؟

قطب جمال جبينه وهو يجيبه بتحذير:
-لأ.. مافيش جديد عنها، ويا ريت تنبه على أمها ماتجيش تاني هنا بدل ما تتبهدل
رمش أحمد بعينيه وهو يسأله بنبرة جادة:
-هي جت عندك ؟
نفخ جمال بضيق وهو يجيبه:
-أه، وأنا مشيتها.. عارف لو كان حد من البهوات شافها، كان ممكن الولية دي تروح في أبو نكلة.

حك أحمد رأسه في إنزعاج، وبرر موقفها قائلاً:
-معلش قلبها محروق على بنتها
تلفت جمال حوله، وأردف بريبة:
-أها.. بقولك إيه أنا هاقفل لأحسن حد ياخد باله
هتف أحمد بنبرة ممتنة:
-ماشي يا كبير، وأنا.. وأنا متشكر ليك
رد عليه بإيجاز وهو يتجه نحو غرفة الحراسة:
-ماشي، سلام
أخذ جمال نفساً مطولاً، وزفره على عجالة، ثم تمطع بذراعيه قبل أن يدس هاتفه في جيبه، ويقف في مكانه ليتابع نوبة حراسته..

في منزل عبد الحق بالزقاق الشعبي
فحصت أم نجاح ( الداية ) بطة بدقة بعد أن غطت جسدها بالملاءة، وجلست على مقعد ملاصق للفراش، بينما راقبتهما إحسان بوجه شبه متشنج..
رفعت نجاح رأسها في إتجاه بطة وطلبت منها بجدية:
-افتحي رجلك شوية
-ط.. طيب
-ايوه كده..
إشرأبت إحسان برقبتها للأعلى لترى بدقة ما الذي تفعله أم نجاح، وسألتها بغلظة:
-ها إيه الأخبار ؟

إستدارت أم نجاح برأسها ناحيتها، وأردفت بهدوء:
-سيبني أشوف شغلي يا أم عبده، وهاتلي كوباية مياه لأحسن ريقي ناشف
مطت شفتيها في إستخفاف، وردت عليها بجمود:
-أطمن بس على البت الأول، وأجيبلك اللي إنتي عاوزاه
نهرتها أم نجاح بضيق زائف وهي تشير برأسها:
-يا أم عبده بأقولك ريقي ناشف، وهو أنا هاهرب منك
ردت عليها على مضض وهي تحدج بطة بنظرات إحتقارية:
-ماشي.

تابعتها أم نجاح بنظرات ضيقة إلى أن خرجت من الغرفة، ثم غمزت لبطة بطرف عينها، فإبتسمت الأخيرة لها، وهمست:
-زي ما وصيتك يا أم نجاح
بادلتها أم نجاح نفس الإبتسامة الماكرة وهي ترد بخفوت:
-اطمني يا بت
-خلاص، متفقين
تنحنحت بصوت خشن، وتابعت بصوت حاسم:
-طب يالا اعملي اللي هاقولك عليه
-ماشي.

رفعت أم نجاح من نبرة صوتها قليلاً وهي تقول:
-يا بت اسمعي الكلام وإتني رجلك شوية خليني أشوف
هتفت بطة بصوت مرتفع وهي تدعي الإرهاق:
-ما أنا تنياها
-أيوه، كده كويس.. ممم
دلفت إحسان للغرفة وهي ممسكة بكوب معدني مليء بالماء، وأسندته على الطاولة، وحدقت بنظرات جاحظة في جسد بطة المتكشف أمامها محاولة معرفة ما الذي تفعله أم نجاح..

إنزعجت بطة من نظراتها الجريئة، ورمقتها بنظرات ساخطة، فهذه السيدة لا تتوقف أبداً عن التلذذ برؤية عوراتها دون أدنى شعور بالخجل..
إرتسمت علامات السعادة بالإضافة إلى ابتسامة عريضة على وجه أم نجاح وهي تهتف ب:
-نقول مبروك يا أم عبده، لووولوووولي
شحب لون وجهها، ونظرت لها بإندهاش وهي تصرخ بصدمة:
-إيييييه ؟ قصدك ايه
ضحكت أم نجاح وهي تردف بفرحة:
-النبي حارسها حبلى، والبشارة أهي
هزت إحسان رأسها معترضة، وإحتجت قائلة:
-إزاي ؟!

ضيقت أم نجاح عينيها في تعجب زائف، وأردفت بنزق:
-الله مش متجوزة من ابنك، وأعدين ليل نهار سوا وفي حضن بعض!
إرتبكت إحسان من ردها، ولم تعرف بماذا تجيبها.. فهل التي كانت تتلصص على إبنها وزوجته ليل نهار لتحول دون جلوسهما معاً.. وكانت تتفنن في إزعاجهما حتى لا ينفرد بها، إذن كيف حدث هذا ؟
أجابتها بصوت متقطع وهي قابضة على عباءتها المنزلية:
-آآ.. أه.. بس آآ..

هتفت أم نجاح بفرحة عارمة وهي تلوح بيدها:
-قولي بقى إنك عاوزة تكلي عليا الحلاوة، لأ وحياة عبده ابنك، مش هتنازل عن إنك تحلي بؤي
إبتلعت إحسان ريقها بتوتر شديد، ولم تنتبه لما تقوله الأخيرة، فهي أكثر الناس إدراكاً أن ابنها لا يُجامع زوجته لأنها تتعمد إفساد لحظاتهما معاً، فكيف لها أن تحمل ؟
تنهدت بطة في إرتياح، وإعتلى ثغرها إبتسامة لئيمة وهي ترمق إحسان بنظرات متشفية، فقد إكتملت خطتها..

كعادتها كل يوم، تذهب بطة لشراء الخضراوات وما ينقص من لوازم المنزل من السوق القريب..
ولأن والدة زوجها كانت تضيق عليها الخناق، وتعاملها معاملة يندى لها الجبين، فلم يعد أمامها أي مفر سوى الإنتقام منها، وخاصة أن والدتها رفضت أن تقف إلى جوارها، أو حتى تدعمها في قرار الإنفصال عن زوجها الضعيف في الشخصية وفي كل شيء..
لذا قررت أن تشرع في تنفيذ مخططها البسيط..

توجهت هي إلى منزل القابلة المعروفة في المنطقة، ولكن خلسة.. دون أن يعرف أي أحد عن تلك الزيارة السرية، واتفقت معها على أن تدعي هي الحمل، وتدعمها الأخيرة في هذا.. مقابل مبلغ مادي..
في البداية رفضت أم نجاح أن تشاركها، ولكن أصرت بطة بصوت مختنق ب:
-دي مطلعة عيني ومش رحماني، ترضيها لبنتك نجاح، ده.. ده حتى جوزي مش مهنياني عليه
تراجعت أن نجاح بجسدها للخلف، وردت عليها بخوف وهي تزم شفتيها:
-أنا ماليش دعوة يا بطة، الولية دي شلأ ( سوقية ) وأنا مش أدها!

عبست بطة أكثر بوجهها، وترقرقت العبرات في عينيها، ثم تابعت حديثها بنشيج:
-يعني إنتي مش عاوزة تقفي معايا، والله ده ظلم.. إهيء.. إهيء
ثم أجهشت أمامها بالبكاء، ووضعت منشفة ورقية على أنفها، وظلت تنتحب بصوت مرتفع مما جعل أم نجاح ترفق بحالها، وقالت بنبرة إشفاق:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، يا بت بطلي عياط
بكت بمرارة أشد وهي تتابع بصوت منتحب:
-هو في حد حاسس بيا.

كانت عبراتها صادقة للغاية، فهي الوحيدة التي تعاني من تلك الزيجة الفاشلة.. ولم يقف معها أي أحد حتى الأقرب إليها..
أغتيلت أحلامها قبل أن تبدأ، وأُلقي بها في أحضان زوج لا يعرف سوى إرضاء نفسه ومن قبلها أمه البغيضة التي تتعمد إهانتها، والحط من شأنها..
رأفت أم نجاح بها، وقالت بتردد:
-أنا بس خايفة إنها آآآ..
أيقنت بطة أنها على وشك إقناعها، فهتفت بحماس مفاجيء:
-لألألألأ.. متخافيش والله، ده أنا هحلي بؤك بس قولي إني حبلى.

صمتت هي لتفكر فيما قالته، وتنهدت بإستسلام:
-ماشي
ثم تابعت محذرة ب:
-بس أنا مش مسئولة عن أي حاجة تحصل
إرتسمت ابتسامة مشرقة على وجه بطة، ومسحت عبراتها المنسابة من على وجنتيها، وهتفت بجموح:
-إنتي ملكيش دعوة، أنا هاتعامل معاها، إنتي دورك تأكدي إني حبلى وخلاص
أومأت برأسها موافقة وهي تجيبها بجدية:
-من عينيا.

ثم دست بطة يدها في جيب صدرها، وأخرجت عدة نقود مطوية، ووضعتها في كف أم نجاح، وقبضت عليه، وهي تهتف بإبتسامة عريضة:
-وخدي دول عشانك، مايغلاش عنك حاجة يا أم نجاح
عبست بوجهها قليلاً، وقالت بإعتراض:
-استني أما يتم المطلوب الأول!
لم ترخي بطة قبضتها عن يدها، وأصرت قائلة:
-لأ دول حاجة بسيطة.

تهللت أسارير أم نجاح وهي ترى المبلغ الموضوع في كفها، وردت بحماس:
-ياخد عدوينك
رفعت بطة رأسها للسماء، وتنهدت في إرتياح وهي تجيب بخفوت:
-يا رب أمين
ثم عاودت النظر إلى أم نجاح وعلى ثغرها إبتسامة واثقة.. فقد إنتهت من الجزء الأول والأساسي في خطتها

عودة للوقت الحالي
تأوهت بطة من الآلم الزائف وهي تميل على جانبها على الفراش، ثم همست بضعف مصطنع ب:
-غطيني يا أم نجاح لأحسن تعبانة!
نهضت أم نجاح من على المقعد الملاصق للفراش، ودثرتها بالملاءة وهي تقول بجدية:
-أها.. لازم ترتاحي يا بنتي في الأول، الشهور الأولى في الحبل بتبقى خطرة على الواحدة
أغمضت بطة عينيها وهي ترد عليها بوهن:
-أها
وقفت أم نجاح قبالتها، ومسدت على رأسها وهي تتابع بجدية:
-وكلي كويس!

ثم إستدارت برأسها في إتجاه إحسان، وأردفت بصوت محذر:
-ومالوش لازمة شغل البيت الكتير، ماشي يا ست أم عبده
أجابتها إحسان بنبرة ممتعضة وهي مكفهرة الوجه:
-هو أنا يعني بشقيها، ما هو على يدك!
-برضوه، الحرص واجب
في تلك اللحظة ولج عبد الحق إلى داخل الغرفة، وصاح متلهفاً:
-ها يامه، إيه الأخبار ؟

إلتفتت أم نجاح بوجهها ناحيته، ووضعت يدها بالقرب من فمها، وأطلقت زغرودة عالية، ومن ثم هتفت بفرحة:
-لوووولوووولي.. افرح يا سي عبده، كلها كام شهر ويجيلك النانوس اللي يأؤ في البيت!
إتسعت عينيه في صدمة سعيدة، وإرتسم على محياه إبتسامة عريضة، وهتف بصياح وهو ينظر لوالدته:
-هه، يعني.. يعني بطة حبلى يامه ؟
لوت إحسان فمها في إمتعاض وهي ترد عليه بضيق:
-اه يا روح أمك
وضع كلتا يديه على رأسه، وصاح بفرحة:
-يا دين النبي، ده احلى خبر سمعته، أنا هابقى أب يامه، والواد جاي.. الواد جاي!

زمت إحسان فمها في ضيق وهي تغمغم قائلة:
-الله أعلم إن كان واد ولا بت!
إتجه عبد الحق إلى زوجته، وجثى بجوارها على الفراش، ومسد على شعرها، ومن ثم إنحنى ليقبلها من جبينها وهو يضيف بسعادة:
-مش فارق يامه، المهم إني هأبقى أب
لوت إحسان فمها أكثر، وتمتمت بحنق:
-دك بو لما يتنفخك إنت وهي..!

وقف حارس الأمن السابق أحمد أمام أحد محال البقالة، وإلتقط علبة سجائر بإصبعيه، ثم أعطى البائع ثمنها، وإنصرف للخارج، وأشعل إحداهم، ونفث دخانها في الهواء..
ثم حك رأسه في حيرة، فهو يريد أن يتوصل إلى أي معلومة عن تقى، ففكره مشغول عليها، وقلبه يخفق لمجرد سماع إسمها..
حدث هو نفسه بقلق بصوت مسموع ب:
-لو أعرف أي حاجة عنها، قلبي يرتاح، بس هاوصلها ازاي..!

إخذ نفساً مطولاً من سيجارته، وزفره بضيق، ثم أكمل بإهتمام:
-ممم.. جمال قال إن أوس الزفت في المستشفى، والمفروض تقى كانت معاه، يبقى.. يبقى أكيد هاعرف سكتها عن طريقه، طيب أنا أوصله إزاي ؟!
اتسعت عينيه فجأة في سعادة، وتابع بحماس:
-ايوه، مافيش إلا عفاف، هي الوحيدة اللي هاتفيدني، أنا أكلمها أل يعني بسأل عليها، وأوصل منها لأي حاجة عن تقى بحجة إن أمها عاوزة تطمن عليها!
ثم إزدادت إبتسامته اللئيمة إتساعاً وهو يحدث نفسه بثقة ب:
-بالظبط، هو ده اللي أنا هاعمله...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة