قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب ج1 للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والثلاثون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الأول منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب ج1 للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والثلاثون

في منزل عبد الحق بالزقاق،،،

وقفت إحسان أمام باب غرفة نوم إبنها عبد الحق، وطرقت عليه بطرقات شبه مزعجة، وهي تصدح ب:
-واد يا عبده، ( طق – طق ) إصحى بقى، بت يا بطة أمك هنا عاوزة تشوفك، كل ده نوم ( طق – طق )، إنت ياض .. !

ثم حدثت نفسها بتهكم ب:
-أعوذو بالله عليك، خُم نوم !

نفخت هي في ضيق زائف، وتمطعت بذراعها قبل أن تطرق بكفها على الباب مجدداً وهي تنادي ب:
-إنت يا واد، الجيران صحيوا وإنتوا لسه نايمين !

تململ عبد الحق في الفراش ولم يفتح عينيه بعد، ومسح بأصابعه على الجانب محاولاً إيقاظ زوجته بطة، ولكنه وجد مكانها بارداً، ففتح عينيه على عجالة، ورفع رأسه قليلاً ليراها ..
-راحت فين دي ؟

تثاءب عبد الحق بصوت مشمئز قبل أن يعتدل قليلاً في نومته، ثم وضع يده على رأسه وحكها لعدة مرات، وبصوت شبه ناعس ومتحشرج صاح ب:
-طيب يامه

-إنجز يالا، حماتك أعدة مستنياكم من بدري
قالتها إحسان قبل أن تسير مبتعدة عن الباب
-جايين أهوو ..

دعك عبد الحق وجهه براحتي يده، ثم دقق النظر فوجد زوجته غافلة على أرضية الغرفة وهي مازالت ترتدي فستان الزفاف، فحرك نفسه على الفراش، ثم مد قدمه ناحية ذراعها، ولكزها به عدة مرات لكي يوقظها وهو يقول لها بصوته الآجش:
-بطة .. يا بطة .. أمك جت

فتحت بطة عينيها ببطء، وتثاءبت قليلاً قبل أن تدرك أنها قد غفت بالفعل على الأرضية، ثم تأوهت من الآلم وهي تحاول النهوض من عليها ..
-هو إنتي نمتي بفستانك ؟
سألها عبد الحق بصوته الناعس والمتحشرج

رمقته بطة بنظرات حاقدة قبل أن تجيبه بنبرة غليظة ب:
-أه .. عندك مانع
-لأ .. مش فارق معايا، أنا هاخش الحمام وأروح أفطر، شوفي إنتي هاتعملي ايه مع أمك

نظرت هي شزراً له ولم تعقب، في حين توجه هو إلى باب الغرفة، وخرج منها، وأغلق الباب خلفه ..
وضعت بطة يدها على عنقها لتدعكه حتى يلين التيبس الموجود به بسبب نومتها الخاطئة عليه، ثم نظرت إلى هيئتها في المرآة، فوجدت السواد يكسو أسفل عينيها، وكذلك بقايا مساحيق التجميل، فتنهد في إنهاك، وحدثت نفسها بتذمر ب:
-والله ما منظر عروسة يوم صباحيتها أبداً

تفحصت هي وجهها بتمعن شديد، وظلت تمسح بيدها أسفل عينيها، وعلى جفونها ..
ثم تنبهت لصوت الطرقات الخافت على باب الغرفة، فزفرت في غضب، وصاحت ب:
-أيوه صحيت، شوية وهاجي، الله !

ثم رأت والدتها تدلف إلى داخل الغرفة، فجحظت بعينيها في عدم تصديق، ثم تهللت أساريرها لرؤيتها، وركضت في اتجاهها وهي تجر فستانها قائلة:
-أمه !

فتحت أم بطة ذراعيها لترتمي إبنتها في أحضانها، وبقيت هي فيه لفترة ..
أغمضت بطة عينيها، وتركت لعبراتها الفرصة لتنهمر على وجنتيها .. هي لا تعرف ماهية تلك العبرات، هل هي فرحة لرؤيتها إياها، أم أنها معاتبة منها لما فعلته بها ..
ربتت أم بطة على ظهر إبنتها، وضمتها أكثر إليها، ثم بنبرة هادئة قالت لها:
-وحشتني يا عروسة
-وإنتي كمان يامه

أبعدت أم بطة ابنتها عن حضنها، ثم وضعت كفي يدها على وجنتيها، ومسحت بهما عبراتها المنهمرة، ونظرت لها بحنو، وبصوت خافت سألتها ب:
-مالك بس يا بطة ؟ شكلك عامل كده ليه ؟

ثم أمعنت النظر في ملامحها جيداً، ونظرت إلى فستانها، فإنتابها القلق والحيرة، وسألتها بإرتباك ب:
الله ! إنتي مغيرتيش فستانك ! زايه بس اللي مبهدلك كده يا بت ؟

ابتلعت بطة غصة في حلقها، ونظرت إلى والدتها بجدية، ثم بنبرة ضائقة أردفت ب:
-يعني يامه مش عارفة هما عملوا ايه فيا ؟
-عملوا ايه ؟ ما تقولي يا بت، هو أنا هاخد الكلام بالعافية منك !

عضت بطة على شفتيها في حنق، ثم سارت للأمام خطوتين، وأولت ظهرها لوالدتها، وكورت قبضة يدها في توتر .. ثم أطرقت رأسها للأسفل وهي تقول بصوت مختنق:
-خلوني أدخل على عبده دخلة بلدي
-إيييييييه !
قالتها بطة بصوت مصدوم للغاية وهي تتأمل هيئة ابنتها ..

أجهشت بطة بالبكاء وهي تسرد لوالدتها ما حدث معها بالأمس، ونظرت إليها بعينيها المغرورقتين بالدموع لتتابع ردة فعلتها ..
أصغت إليها أم بطة بإهتمام شديد، ولم تنبس بكلمة، ولكن تبدلت ملامح وجهها للتجهم والسخط
إنتهت بطة من حديثها بعد أن تقطع صوتها لعدة مرات وهي تتذكر كيف كانت واقعة بين براثن ذئاب لا تعرف الرحمة أو الشفقة يذبحون برائتها ويغتالون إنسانيتها بدم بارد ...
إنتظرت هي لوهلة لتعرف بماذا ستجيبها والدتها، ولكن كانت الصدمة بالنسبة لها حينما أردفت والدتها ب:
-طب غيري هدومك

اتسعت عينيها في صدمة كبيرة، وفغرت شفتيها وهي تقول:
-هاه ..آآ.. ايه ؟

أشاحت أم بطة بعينيها بعيداً عن عيني إبنتها، واتجهت ناحية خزانة الملابس، وفتحت ضلفتها، ثم بنبرة جامدة تحدثت ب:
-مش معقول في عروسة يوم صباحيتها تطلع تقابل أهل جوزها بالشكل ده، عاوزاهم ياكلوا وشي !

شعرت بطة بالمرارة تجتاح حلقها، ونظرت إليها بيأس وهي تهدر متسائلة ب:
-ايه اللي تقوليه ده يامه .. إنتي .. انتي عارفة دول .. دول عملوا ايه ؟

استدارت والدتها لتواجهها بتعابير وجهها الغير مقروءة، ثم بكل برود أجابتها ب:
-يعملوا اللي يعملوه، دول أهل جوزك، وإنتي ملزمة منهم دلوقتي، ومن حقهم يتصرفوا معاكي زي ما يشوفوا
-انتي اللي بتقولي كده
قالتها بطة بإستياء وهي تدمع بعينيها ..

ظلت والدتها على حالة الجمود تلك، ثم بآمرتها ب:
-ايوه .. ويالا غيري هدومك دي

إنتحبت بطة وهي تحاول الاستنجاد بوالدتها لكي تنقذها من تلك العائلة، ولكن بدون أي جدوى، ولكن رغم هذا توسلت لها ب:
-يامه .. ده أنا .. آآ.. ده أنا بآآ.. بنزف دم من إمبارح، وموجوعة ومحدش حاسس بيا

ابتسمت لها من زاوية فمها، ثم بصوت جاف أردفت ب:
-عادي .. يومين وهتروقي وتبقي قردة ومافكيش حاجة

حدجتها بطة بنظرات إحباط وهي تسألها بيأس ب:
-إنتي شايفة كده يامه ؟!
-ايوه، كل البنات بيبقوا كده في الأول، وبعد كده بتلاقي وشهم منور وجسمهم إدور بزيادة، وجوم على الجواز
-كتر خيرك يامه ..
قالتها بطة بصوت مختنق، وبدأت تبكي بصوت مكتوم ..

شعرت أم بطة بإنقباضة في قلبها، وحاولت أن تبدو جامدة أمامها، فاقتربت منها، ووضعت يدها على كتفها، ويدها الأخرى على ذقنها لترفع رأسها للأعلى، ونظرت لها بنظرات أمومية وقالت بصوت محذر:
-يابت أنا عاوزة مصلحتك، لو أنا عملت مشكلة الوقتي، أمه هترميكي في الشارع، وهاتطلقي وأنا مش ناقصة غلب على اللي عندي، أنا مصدقت جوزت واحدة، الله يعيني على الكوم اللي ناقص

أبعدت بطة يدي أمها، ونظرت لها بجمود، ثم بصوت متصلب ردت ب:
-خلاص يامه، معدتش ليه لازمة الكلام، سيبني أغير هدومي

في مشفى الجندي الخاص،،،،

خرج أحد الأطباء من داخل غرفة العمليات وهو مطرق الرأس، ثم بصوت شبه أسف تحدث ب:
-أوس باشا

وقف قبالته أوس، ولم يرمش بعينيه، ولكن نظراته كانت توحي بالقلق البالغ على تقى، وبصوته الغليظ تسائل ب:
-ها ؟ أخبارها إيه ؟

تنحنح الطبيب قبل أن يجيب بنبرة هادئة ب:
-والله هي الحالة مش مستقرة، وخصوصا إنها نزفت دم كتير

كانت نظرات أوس قاتمة خالية من الحياة حينما سأله مجدداً بصوت متشنج ب:
-يعني انتو خلصتوا جوا معاها ؟!

رمش الطبيب عدة مرات قبل أن يجيب بهدوء حذر ب:
-لأ لسه، أنا قولت أطمن حضرتك على حالتها ..

حدجه أوس بنظراته الصارمة قبل أن يسأله بشراسة وهو يصر على أسنانه ب:
-يعني هي هاتعيش ؟

مط الطبيب فمه، ثم هز كتفيه وأجابه بعدم إكتراث ب:
-والله دي حاجة بتاعة ربنا

إنفعل أوس فجأة وأمسك بياقة الطبيب، وجذبه بعنف منها ناحيته، وهزه بعصبية عدة مرات، ثم نظر مباشرة في عينيه بنظرات مخيفة قبل أن يهدر بطريقة هيسترية ب:
-أنا عاوزها تعيش، انت فاهم، عاوزها تعيش، ماينفعش تموت دلوقتي، مش بمزاجها تسيبني وتموت، سامعني ...!

حاول الطبيب أن يتخلص من قبضتي أوس المحكمتين عليه، وبصوت مختنق حاول أن يبرر له:
-يا باشا ... إحنا .. إحنا عملنا اللي علينا، وحياتها أو آآآ... موتها بإيد ربنا

هزه أوس بعنف قبل أن يصرخ بعصبية ب:
-بس انت هنا ملزم تخليها تبقى كويسة، سامعني !

حرك الطبيب رأسه عدة مرات موافقاً، ثم بصوت مضطرب رد عليه ب:
-حاضر .. حاضر، أنا على العموم كنت رايح بنك الدم عشان أطلب نوع فصيلتها، لإنها محتاجة نقل دم

أرخى أوس قبضتيه عنه، ثم بصرامة آمره ب:
-اتصرف وشوف شغلك، وماتطلعش من أوضة العمليات إلا لما تطمني عليها
-أوامرك
قالها الطبيب بنبرة مرتجفة، ثم عدل من وضعية ملابسه الطبية الخضراء، وسار في اتجاه الرواق مبتعداً عنه ..
وقبل أن يختفي الطبيب تماماً، سأله أوس بصوت مرتفع ب:
-هي فصليتها ايه ؟

استدار الطبيب بجسده لينظر إليه قبل أن يجيبه بنزق ب:
- O سالب

اتسعت عيني أوس إلى حد ما، وإرتخى فمه للأسفل قليلاً، وقال بخفوت:
-هاه، O سالب

عاود الطبيب أدارجه، وبنبرة هادئة تابع بثقة ب:
-دي فصيلة نادرة شوية، بس أنا هاتصرف يا أوس باشا وهحاول أوفرها للمريضة
-أنا فصيلتي زيها
قالها أوس بصوت جاد وهو يضغط على كل كلمة .. فنظر له الطبيب بنظرات تشع بالأمل قبل أن ينطق بحماس ب:
-بجد .. طب ده عظيم أوي، لو مافيهاش مانع، إحنا ممكن ناخد من حضرتك آآآ..
-خد اللي انت عاوزه، مش فارق معايا، أنا اللي يهمني حاجة واحدة بس، تقى تعيش
-تمام يا باشا، اتفضل حضرتك معايا

تحرك أوس أولاً وقد عقد العزم على فعل أي شيء لضمان بقاء تقى على قيد الحياة، حتى لو تطلب الأمر منه أن يفعل ما لم يتخيل أن يفعله لإمرأة قط ..
لحق به الطبيب دون أن ينطق بأي شيء، ولكنه كان يتابع بإهتمام ردود فعله الغير مبررة على الإطلاق مع فتاة لا تبدو من مستوى عائلته المرموقة ...

في منزل تقى عوض الله،،،

إنتهى أفراد الشرطة وكذلك رجال المباحث الجنائية - بالإضافة إلى وكيل النيابة - من معاينة مكان الجريمة وأخذ أقوال جميع الجيران والمقربين من عائلة تقى عوض الله فيما حدث ..
جلست فردوس على الأريكة القديمة غير مصدقة ما فعلته بإبنتها ..
كانت معظم الوقت تجيب بكلمات مقتضبة أو غير مفهومة .. لم يشفق عليها أي أحد .. فأي أم هي تلك التي تقتل ابنتها دون أن تنتظر أن تدافع عن نفسها ..
تهامست بعض الجارات فيما بينهن بكلمات مسيئة عن تقى ووالدتها، وبدأن يدعين الأكاذيب عنها، أردفت إحداهن ب ...:
-دي كانت بت شمال

مالت جارة أخرى على أذن من تقف إلى جوارها وهمست بثقة ب:
-لألألأ .. دي أصلا مقضياها مع كل واحد شوية

زمت إحداهن شفتيها في إمتعاض قبل أن تضيف:
-يعني هاتجيبه من برا، ماهي خالتها كانت كده

ضيقت جارة رابعة عينيها، وقطبت جبينها وهي تدافع عن تهاني ب:
-لأ خالتها كانت مجنونة
هزت إحداهن حاجبها في إستنكار جلي قبل أن تنطق ب:
-وهي اتجنت من ايه يعني ؟ ده انتي اللي هبلة، معروف عنهم إنهم عيلة بنت ستين *** !

صاح أحد الضباط بنبرة آمرة وهو يشير بيده نحو فردوس ب:
-حطوا الكلابشات في ايديها وخدوها على البوكس

اقترب منها ضابطين من الشرطة، وأجبراها على النهوض من على الأريكة، ثم إقتاداها إلى خارج المنزل ..
نظرت هي حولها بأعين زائغة، وقالت بصوت ضعيف:
-أنا .. أنا .. آآآ.. كنت عاوزة أربيها بس !

رمقتها الجارات المتواجدات بنظرات ما بين شامتة وحاقدة .. ولم تشفق عليها أي واحدة ..
-يالا في داهية، عقبال كل النسوان اللي زيها
-أيوه، خلوا البيت ينضف

في قصر عائلة الجندي،،،

ولج مهاب إلى داخل القصر بعد أن صف سيارته بالجراج الملحق به، في حين ركضت ليان على الدرج لتصعد إلى غرفتها، بينما ألقت ناريمان بجسدها المنهك على الأريكة الذهبية الموجودة بغرفة الصالون ..
رمقها مهاب بنظرات ممتعضة قبل أن يتركها ويتجه إلى مكتبه ويصفع الباب بقوة من خلفه ..

تنهدت ناريمان في ضيق، ثم بحثت عن هاتفها المحمول في حقيبتها، واختلست النظرات ناحية باب المكتب قبل أن تحدث نفسها ب:
-فرصة أطمن ممدوح علينا، بدل ما أنا أعدة طول السكة مش عارفة أعمل حاجة

وبالفعل اتصلت هي به، ووضعت الهاتف على أذنها، وبصوت هامس قالت:
-الوو .. ايوه يا ممدوح .. احنا وصلنا خلاص ..

ثم مطت شفتيها للأمام، وبدت متوترة بدرجة كبيرة وهي تجيبه ب:
-مممممم..أها ... طيب بكرة هحاول أقابل

هزت هي رأسها موافقة قبل أن تتابع بخفوت ب:
-اوكي .. اوكي

جاءت المدبرة عفاف إلى غرفة الصالون فلم تنتبه لها ناريمان، وظلت تتحدث بهمس شديد، تنحنحت عفاف في البداية، ووضعت يدها المتكورة على فمها، ولكن ظلت الأخيرة على وضعها، فعقدت هي أن تقاطع مكالمتها بصوت شبه عالي ب:
-ناريمان هانم

إنتفضت ناريمان فزعة في مكانها، وظنت في البداية أنه مهاب زوجها، ولكن حينما رأت المدبرة عفاف بالغرفة، نهرتها بحدة ب:
-مش تعملي حس ولا تقولي إنك هنا
-أنا أسفة يا هانم .. بس أنا ناديت على حضرتك أكتر من مرة لكن محدش رد
-طيب عاوزة ايه ؟
سألتها ناريمان بصوت منفعل نسبياً بعد أن أغلقت الهاتف ..
-حضرتك تحبي أجهز الغدى ولا آآآ...

قاطعتها ناريمان بصرامة وهي تشيح بيدها في وجهها:
-شوفي مهاب باشا إن كان هيتغدى هنا ولا لأ .. وبعد كده قوليلي
-حاضر يا هانم

ثم سمعت كلتاهما صوت قرع جرس باب القصر، فإستدارت ناريمان برأسها ناحية باب الغرفة وأمرت المدبرة عفاف ب:
-روحي شوفي مين
-حاضر
قالتها عفاف قبل أن تنصرف في اتجاه باب القصر ..

بعد لحظات عادت المدبرة عفاف ومعها هياتم التي كانت ترسم ابتسامة سخيفة على وجهها وهي تتحدث بحماس ب:
-حمدلله على السلامة، أنا قولت ألحقك قبل ما تروحي حتة تانية

ابتسمت لها ناريمان إبتسامة مجاملة، ثم أشارت لها بيدها لتجلس إلى جوارها وهي تتحدث بصوت ناعم ب:
-هاي هياتم، اتفضلي

جلست هياتم على الأريكة، ثم أخرجت من حقيبة يدها عدة أوراق مطوية، ونظرت إليها بثقة قبل أن تبادر ب:
-مش هاعطلك كتير، أنا بس عاوزة أخلص من الورق اللي يخص الحالة اللي قولتك عليها

ضيقت ناريمان عينيها في عدم فهم، وتسائلت ب:
-حالة ايه دي ؟
-الست المسنة إياها، إنتي نسيتي ولا ايه ؟!

أرجعت ناريمان رأسها للخلف، ثم بصوت مرهق ردت عليها ب:
-أها .. بصي أنا مش فايقة والله لأي حاجة، بجد تعبانة ومش قادرة من جسمي، فخلينا نتكلم في الموضوع ده بعدين

توترت هياتم بدرجة كبيرة، وبتلهف قالت:
-ده أنا خلصت كل حاجة، مش ناقص غير بس توقيعك
-ممممم...

وجدت هياتم عدم إهتمام من ناريمان بحالة تهاني، فأخذت نفساً عميقاً وزفرته ببطء لتستعيد هدوئها، ثم بنبرة جادة أضافت:
-على فكرة في حالات كتير زيها، ومحتاجة مننا إهتمام، وأنا ناوية في الاجتماع الجاي أتكلم عن الموضوع ده مع بقية الأعضاء
-خلاص حطيها في جدول الأعمال
قالتها ناريمان بنفاذ صبر وهي تحاول التملص من هياتم .. ثم نفخت لأكثر من مرة أمامها ..

شعرت هياتم أن وجودها أصبح غير مرغوب فيه في الوقت الحالي لذا قالت بإصرار:
-تمام .. اعتبريه حصل، بس عاوزين نبدأ مع أول حالة من النوعية دي

أدركت ناريمان أنها لن تتخلص من عِناد هياتم بسهولة، لذا بصوت يائس أردفت ب:
-اوكي .. فين الورق عشان أوقعه ؟

ارتسمت إبتسامة مشرقة على وجهها، ثم وضعت الأوراق أمامها، وبحماس قالت:
-اتفضلي يا ناريمان
-أوكي

فتحت ناريمان الأوراق، ولم تهتم بقراءة التفاصيل الموجودة بهم، بل فتحت الجزء الخاص بتوقيع رئيس مجلس الإدارة، وقامت بإدارج توقيعها .. ثم طوت الأوراق، ومدت يدها نحو هياتم، وسألتها بإستغراب ب:
-اشمعنى الحالة دي يعني اللي مهتمية بيها ؟

أجابتها هي بثقة تحمل الجدية ب:
-لأن الظابط كان بيتريق على شغلنا، ومش مؤمن بيه، وأنا عاوزة أوريه هو واللي زيه إن إحنا أد كلامنا

هزت هي رأسها بطريقة عادية، ثم بصوت خافت قالت:
-أها .. اوكي

تابعت هياتم باقي حديثها بحماس زائد ب:
-كمان أنا هايبقى قدامي فرصة حلوة إني أعمل دعاية للجمعية عن طريق الحالة دي، صحيح أنا عاوزاكي تبقي تشوفيها
-بعدين
قالتها ناريمان بعدم إكتراث ..

اقترحت عليها هياتم بتلهف ب:
-لو حابة أجيبلك الحالة هنا وآآ..

زفرت ناريمان في إنزعاج واضح، ثم نهضت عن الأريكة وقالت بنزق:
-يوووه، هياتم، بليز أنا لسه راجعة من السفر وتعبانة وعاوزة ارتاح

شعرت هياتم بالحرج، فنهضت هي الأخرى عن الأريكة، ونطقت بصوت خجل:
-أووه، سوري، خلاص وقت تاني

اقتربت ناريمان من هياتم وقبلتها من وجنتها، ثم قالت:
-أها .. باي
-باي يا روحي
قالتها هياتم وهي تقبلها من وجنتيها .. ثم تركها وانصرفت من الغرفة، فزفرت ناريمان في إنزعاج، ثم قالت بصوت متهكم:
-أل أنا ناقصة أشوف متسولين وشحاتين، أوووف ...

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب،،،،،،

نفخ فارس الهواء الموجود بصدره ليهديء من حالة التوتر والقلق الشديدة التي تتملكه وهو يقترب من مكتب الإستقبال الموجود ببهو الشركة الضخم ..
كان الإضطراب واضح على تعابير وجهه، بدت يده ترتجف إلى حد ما، ثم أخذ نفساً أخراً مطولاً، وزفره على مهل، وحدث نفسه بصوت مسموع ب:
-اهدى يا أبو الفرس، خليك كوول كده عشان محدش ياخد باله، إنت بس سلم الظرف وإخلع على طول

توقف هو أمام ذلك المكتب الأنيق ذو السطح الرخامي، وبصوت متحشرج أردف ب:
-لو سمحت يا أخ

رمقه الموظف – ذو الحلة السوداء الرسمية، ورابطة العنق الأنيقة – بنظرات متأففة بعد أن تأمله من رأسه لأخمص قدميه، ثم لوى فمه في تهكم وهو يرد عليه ب:
-آخ
-أقصد يا حضرت، يا كابتن، يا برنس، آي حاجة يعني

-إنت عاوز ايه ؟
سأله الموظف بصوت شبه منزعج من طريقته الهمجية

تجشأ فارس بصوت مقرف قبل أن يجيبه ب:
-عاوز أوصل الظرف ده للباشا أوس وبس
ثم أسند مغلفاً مغلقاً من اللون الأصفر على السطح الرخامي ..

حدق الموظف في المظروف، ثم عاود النظر إلى فارس وسأله بجدية ب:
-من مين ده ؟

لوى فارس فمه بطريقة مقززة وهو يجيبه ب:
-والله مايخصكش، دي حاجة تخص الباشا وبس، وهو مستنيها

حدجه الموظف بنظرات حادة قبل أن يأمره ب:
-طب هاته، وانا هاسلمه للسكرتارية

جذب فارس المظروف، ووضعه تحت إبطه، ثم بصوت غليظ قال:
-لأ .. إيش ضمني إنك توديهوله !

عبس الموظف بملامح وجهه، وأجابه بنبرة متصلبة ب:
-حضرتك إنت في شركة محترمة، مش في محطة مصر

حك فارس رأسه بيده عدة مرات، ثم نظر للموظف بنظرات حائرة وهو يسأله ب:
-أها .. في دي عندك حق، يعني انت اللي هاتديهوله بإيديك ؟
-لأ .. أنا بس هاسلمه لمكتب السكرتارية وهما هناك اللي هيوصله للباشا
قالها الموظف بنفاذ صبر وهو يرمقه بتلك النظرات الساخطة ..

زم هو شفتيه متسائلاً ب:
-مممم .. يعني محدش هايشوف اللي فيه إلا هو ؟!

أجابه الموظف بإيجاز ب:
-أيوه
-ماشي .. وأنا هاكلم الباشا وأتأكد منه، بس يا ويلك لو هو الظرف مرحش عنده ...!
قالها فارس محذراً وهو يعطيه المظروف المغلق ..

تناول الموظف المظروف من يده، ثم بنبرة إصرار، ونظرات ممتعضة قال له:
-قولتلك إحنا شركة محترمة
-خلاص ماشي .. حافظ عليه بقى، مش هوصيك
غمز له فارس بعد أن أخذ منه المظروف
-اتفضل بقى حضرتك خليني أشوف شغلي

عض فارس على شفته السفلى قبل أن يقول بنبرة إستهزاء:
-ماشي يا أخ .. هأو

إغتاظ الموظف من طريقة ذلك الفظ معه، وتحامل على نفسه حتى لا يخرج عن شعوره وينفعل معه ...
جذب فارس قلم حبر من على سطح المكتب محفور عليه إسم شركات الجندي، ووضعه نصب عينيه، ثم قال بغرور:
-حلو البتاع ده، أهوو ينفع في أي حاجة، سلام يا آخ ..!

ثم لوح له وهو يوليه ظهره، ووإنصرف مسرعاً إلى الخارج وعلى ثغرة ابتسامة وضيعة، وظل يعبث بالقلم الحبر بأصابعه، ثم بكل غطرسة تحدث ب:
-يا ود يا أبو الفرس يا اللي ملكش زي ولا أد .. ياما نفسي أشوف وشك وأنت بتفتح الظرف وبتتفرج ع صور ال آآ... مزة أختك وهي معايا

ثم قهقه عالياً بطريقة مستفزة فإنتبه له بعض الموظفين وكذلك العملاء المتواجدين حوله، ولكنه لم يعبأ بهم، واستمر في التباهي بنفسه ...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة