قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب ج1 للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والثلاثون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الأول منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب ج1 للكاتبة منال سالم الفصل الرابع والثلاثون

في مشفى الجندي الخاص،،،،

تمدد أوس على الفراش الطبي، وراقب الأطباء الذين تولوا سحب الدماء من عروقه بصمت تام ..
كان بين الحين والأخر يصر على أسنانه متألماً، ولكنه لم يشتكي .. بل تابع بأعين كالصقر كل خطوة يقومون بها ..
إنتهى كبير الأطباء الموجود بالغرفة من عملية التبرع بالدماء، ثم اقترب من أوس، ونزع عنه الإبرة الطبية، ثم ابتسم له وهو يقول:
-إحنا خلصنا يا باشا
-هي مش هتحتاج لدم تاني ؟ خد اللي انت عاوزه !
قالها أوس بصوت شبه جاف وهو ينظر له بصلابة ..

-لو في ناقص هانستعين ببنوك الدم اللي آآ..

قاطعه أوس بصوت قاتم وحاد ب:
-أنا بأقولك خد كل اللي انت عاوزه من دمي، ايه مش بتفهم ؟!

-يا فندم مش كده، بس أنا مش محتاج أكتر من اللي خدته من حضرتك، ارتاح إنت يا باشا، وإحنا هانشوف شغلنا

حدجه أوس بنظرات مخيفة قبل أن يحذره بنبرة قاسية ب:
-أنا بحذرك لو حصلها حاجة، مش هارحم حد فيكم

هز الطبيب رأسه وهو يجيبه بهدوء حَذِر ب:
-طيب..

ثم أرخى أوس ذراعه بعد أن ثناه الطبيب ووضع عليه لاصقة طبية، وأغمض عينيه للحظات حتى يستفيق تماماً ...

في نفس التوقيت كان الجميع يعمل على قدم وساق من أجل توفير ما تحتاجه المريضة التي أتى بها ابن صاحب المشفى .. فأي مشكلة ستحدث لها أو مضاعفات ربما سيتعرض أحدهم للتوبيخ، أو الأسوأ من هذا ..

وقف رئيس طاقم التمريض في الرواق، ثم جمع حوله فريقه الخاص ونبه عليهم ب:
-خدوا بالكم مش عاوزين مشاكل
-طيب
قالها أحد الممرضين وهو يهز رأسه عدة مرات

أشار هو بيده لممرض أخر وهو يأمره ب:
-انت خليك متابع اللي بيحصل وبلغني بالجديد أول بأول
-حاضر

رفع رئيس طاقم التمريض بصره للسماء، وبنبرة راجية أردف ب:
-عدي اليوم ده على خير يا رب

بداخل غرفة العمليات،،،،

أسند الطبيب المشرط في الوعاء المعدني، وجفف حبات العرق من على جبينه ممرضة تقف خلفه، ثم أشار بعينيه دون أن ينطق لطبيب أخر لكي يحضر له أداة طبية ليكمل بها عمله ..
في حين راقب طبيب أخر مؤشرات الأجهزة الحيوية الموصولة بتقى ..

جففت طبيبة - متواجدة هي الأخرى بالغرفة – نزيف الدماء المتجمع حول مكان الطعنة ..
مر الوقت بطيئاً على الجميع رغم مهاراتهم المشهودة في مثل تلك النوعيات من العمليات،ولكن الجميع يعرف مدى تهور أوس وعصبيته، وبالتالي فتلك العملية ليست كغيرها ..
الوضع برمته حساس للغاية بالنسبة لهم ..

إنضم إليهم كبير جراحي المشفى، وتأكد من إنتهاء الطبيب المكلف بتقطيب الجرح من عمله، ثم همس له بشيء في أذنه، فأومأ الطبيب برأسه موافقاً، فربت على كتفه كبير الجراحين، ثم تركه وانصرف خارج غرفة العمليات ..

نزع كبير الجراحين القناع الطبي عن أنفه، ثم أشار لممرض ما متواجد بالرواق بيده آمراً إياه ب:
-تعالى ورايا
-حاضر يا دكتور

وصل كبير الجراحين إلى غرفة مكتبه بالطابق العلوي، ثم ألقى بجسده على الأريكة الجلدية – ذات اللون البني – المتواجدة بالقرب من باب الغرفة، ونظر للممرض بنظرات جادة قبل أن يطلب منه:
-بلغ الريسبشن تحت يتصل بالباشا مهاب ويبلغه باللي حصل فورا
-ماشي يا دكتور، أي أوامر تانية
-لأ .. واقفل الباب وراك ..
-تمام

زفر كبير الجراحين في إنهاك واضح، ثم مر أصابع يده على رأسه وفركها قليلاً قبل أن يتشدق ب:
-أوووف، يوم صعب .. إحنا كنا ناقصين أوس ورزالته، وبعدين هو عرف الأشكال دي منين !

في قصر عائلة الجندي،،،،،

وقف مهاب أمام تلك الخزانة المعدنية المدفونة في الجدار، وتفحص أحد الملفات التي يحتفظ بها بداخلها ..
تطلع هو إلى ما دون في الورقة الأمامية بتركيز شديد .. ثم حدث نفسه بصوت مسموع نسبياً ب:
-مهما حصل محدش هايعرف الحقيقة، هي هاتفضل بنتي أنا وبس، هو مالوش فيها حاجة .. أيوه هي (( ليان )) بنتي أنا وناريمان .. !

ثم سلط مهاب عينيه على العبارة المكتوبة في منتصف تلك الورقة القديمة.. [ شهادة ميلاد أصلية ]، وشرد في ذكريات ماضيه ...

أمسكت ناريمان بأصابعها المرتجفة بورقة ميلاد الرضيعة " ليان " في يدها، ونظرت إلى زوجها مهاب بعدم تصديق، وبنبرة مرتعشة أردفت ب:
-إنت .. إنت عملت ايه ؟

ابتسم لها مهاب إبتسامة واثقة وهو يجاوبها ب:
-البنت بقت خلاص باسمي وإسمك، أنا ظبطت كل حاجة زي ما وعدتك

نظرت هي له بنظرات زائغة قبل أن تسأله بصوت متلعثم ب:
-طب.. طب و..آآ.. وممدوح وتهاني ؟

لوى هو فمه في سخرية، ثم أجابها ب:
-ممدوح مش في وعيه بعد اللي حصل، وتهاني أنا لبستها الليلة كلها، وهتترحل خلاص ..!
-بس إفرض إنهم عرفوا إن بنتهم لسه عايشة ..!
قالتها ناريمان بنبرة جادة للغاية وهي تنظر لمهاب بحيرة ..

أشار هو للورقة التي بحوزتها بإصبعه، ثم بنبرة متريثة أردف ب:
-معدتش بنتهم يا ناريمان، الاتنين ماتوا خلاص، وده اللي اتكتب وهيتقال

بللت ناريمان شفتيها بلسانها، ثم تابعت بحذر ب:
-بس .. بس هما أكيد هيسألوا عن الجثث عشان يدفنوها وآآآ..

وضع هو كلتا يديه على ذراعيها، ثم ضغط عليهما قليلاً، ونظر مباشرة في عينيها بنظرات واثقة، وبصوت هاديء تحدث ب:
-بصي يا حبيبتي يسألوا زي ما هما عاوزين، واحدة ماتت محروقة وماتبقاش منها حاجة، والتانية أصلا ماتت مخنوقة .. وده أصلاً معروف، وإحنا هنردد الكلام ده

صمتت هي للحظات لتفكر فيما قاله، فابتسم هو لها في غرور، ثم تحركت بعيداً عنه، وأولته ظهرها، وبصوت مرتعش نطقت ب:
-أنا خايفة أوي يا مهاب، خايفة يعرفوا، ساعتها كل حاجة هتبان وهنروح في داهية

وقف هو خلفها، ومن ثم وضع قبضة يده على كتفها، وبنبرة واثقة قال:
-لأ ماتخافيش، أنا وعدتك إني هاظبط كل حاجة

إستدارت هي بجسدها في اتجاهه، ونظرت إليه بتوتر وهي تقول:
-بس الناس هتسأل البنت دي خلفتها إمتى وآآ..
-ماتشليش هم حاجة، إنتي بس خدي البنت وسافري على الكويت عند معارفك، وأنا هاتصرف

نظرت هي إليه بذهول نوعاً ما، وإرتخى فمها وهي تقول بتعجب:
-هاه .. الكويت !

أومأ برأسه إيماءة خفيفة، ثم قال بتمهل:
-أيوه .. أنا عملت الفيزا وخلصت الإجراءات كلها بمعرفتي، شوفي بس انتي ناقصك ايه وبلغيني بيه
-اوكي .. بس خليك على اتصال معايا، أنا مش عاوزة أسافر وأسيبك وآآ..

قاطعها بنبرة متغطرسة وهو يمسك بكفي يدها بين راحتيه ب:
-متقلقيش عليا، ده أنا مهاب الجندي

ثم إرتسم على ثغره إبتسامة مغترة ..
تنهدت هي في إرتياح .. وكانت على وشك الإنصراف، ولكنها تذكرت أمراً هاماً فتسائلت بنزق ب:
-طب وآآ.. وأوس ؟

نظر هو لها بجدية شديدة وهو يسألها ب:
-ماله أوس ؟
-هايقعد فين ومع مين ؟

زم هو فمه قليلاً في حيرة، ثم أجابها ب:
-مممم.. هافكر وأشوف هاعمل ايه، ممكن أبعته معاكي أو أسيبه هنا معايا
-براحتك ..

زفر مهاب في عدم إرتياح، ثم اقترب من زوجته، وربت على ظهرها برفق، وهو يآمرها بهدوء ب:
-روحي انتي جهزي نفسك للسفر

نظرت هي إليه بتوجس، وتسائلت في خوف ب:
-طب وشهادة الميلاد الأصلية ؟
-مالها ؟
قالها مهاب بنفاذ صبر وهو يحك رأسه مجدداً ...

أمعنت هي النظر في عينيه وهي تسأله بإهتمام واضح ب:
-هاتعمل فيها إيه ؟ هاتقطعها، ولا هتحتفظ بيها ولا ..؟!

مسح هو بيده على وجهه، ثم أجابها بإنهاك:
-مش عارف، بس هي معدتش ليها قيمة الوقتي
-أها .. شوف إنت هاتعمل ايه وابقى قولي، أنا ماشية
-ماشي يا حبيبتي، مع السلامة

ثم إنصرفت ناريمان وتركته بمفرده يفكر فيما سيفعله لاحقاً مع تهاني طليقته السابقة وزوجة ممدوح الحالية ...

أفاق مهاب من شروده على صوت رنين هاتفه المحمول .. فأغلق فمه المنفرج، وإبتلع ريقه، ثم أعاد وضع الملف بالخزانة، ومن ثم عاود إغلاقها بالمفتاح والرمز السري .. وأرجع اللوحة إلى وضعها .. فبدى كل شيء في مكانه طبيعياً ومرتباً ..
توجه مهاب إلى مكتبه، ثم مد يده وإلتقط الهاتف، ونظر إلى اسم المتصل، ثم قطب جبينه في إندهاش، وحدث نفسه باستغراب ب:
-دي المستشفى ! بيتصلوا ليه ؟! هما عارفين إن أنا مسافر ..!

إزداد إنعقاد ما بين حاجبيه، وتابع بغموض ب:
-أكيد في حاجة مهمة حصلت عشان يتصلوا بيا في التوقيت ده ...!

ضغط هو على زر الإتصال، ووضع الهاتف على أذنه، وبهدوء تام أجاب ب:
-ألوو .. معاك الدكتور مهاب، خير

مط هو شفتيه للأمام دون أن تتبدل ملامح وجهه كثيراً، ثم فجأة صاح ب:
-اييييه ! مين دي أصلاً عشان يعمل كل ده عشانها ؟ أنا جاي حالاً ...!

في مخفر الشرطة،،،،

وصلت سيارات الشرطة إلى المخفر، وترجل منها العساكر والضباط، وإقتاد إثنين من العساكر فردوس إلى داخل المخفر ليتم استئناف باقي التحقيق معها، ومن ثم إيداعها بالحجز ..
كانت فردوس تجر رجليها وهي تسير معهما .. نظرت حولها بريبة،وبصوت مبحوح رددت:
-أنا .. أنا كنت عاوزة أربيها بس .. هي .. هي غلطت، أنا آآ.. أنا مكونتش هاموتها .. أنا ..آآ..

نهرها أحد العساكر بصوت خشن ب:
-اسكتي يا ولية، اتكلمي قدام وكيل النيابة وبس

في نفس التوقيت وصلت هياتم هي الأخرى إلى المخفر، وتابعت بفضول ما يحدث، ولكنها لم تتدخل .. فهي قد جاءت في مهمة واحدة، وهي إخراج المريضة تهاني، وتولي رعايتها وفق الأوراق الرسمية التي إستطاعت بفضل صلاتها القوية أن تنجزها في وقت سريع ..

دلفت هياتم إلى داخل المخفر، وتوجهت إلى أحد مكاتب ضباط ( النوبطشية ) وسألته بهدوء ب:
-لو سمحت ممكن أقابل المأمور ؟
-ليه ؟
سألها الضابط بصرامة وهو يرمقها بنظرات متفحصة

أجابته هي ببرود ب:
-ده موضوع شخصي

نظر هو لها شزراً، ثم قال لها بتهكم:
-والله لو شخصي يبقى تقابليه برا، لكن آآ..

تنحنحت هي في البداية، ثم بصوت رقيق أردفت ب:
-أنا أقصد يعني موضوع يخص الجمعية اللي أنا بأمثلها

حدجها الضابط بنظرات قوية وهو يخبرها بحدة ب:
-يا مدام إحنا هنا مش ملجأ ولا آآ...

قاطعته هي بإصرار ب:
-يا حضرت الظابط الحكاية بكل بساطة إن في واحدة مسنة ومريصة عقلياً مقبوض عليها هنا عندكم، وأنا جايبة الأوراق اللي تخليني مسئولة عن رعايتها

أشار هو لها بكف يده وهو يأمرها ب:
-طب استني على جمب شوية لحد ما أفضى وأشوف موضوعك ده بالظبط
-اوكي .. بس بليز بسرعة

طرق هو بكف يده على سطح مكتبه، ثم قال لها بنبرة شبه منفعلة:
-حضرتك أنا مش أعد فاضي ولا بأزأز لب، ده قسم شرطة ورانا أشغال

ردت هي عليه بنبرة جادة ب:
-ما أنا برضوه مش جاية ألعب

لوى الضابط فمه وهو يتابع حديثها معها بنفاذ صبر ب:
-بقولك ايه يا مدام،أنا خلقي ضيق، وروحي بقت في مناخيري، فيا ريت تستني على جمب شوية لحد ما أشوفلك حد
-أوووف ... طيب !
قالتها هياتم على مضض وزفرت لعدة مرات في ضيق واضح ...

بداخل الحجز،،،،،

أودع أحد العساكر فردوس بداخل حجز النساء، وأوصد الباب بعدما ولجت للداخل ..
نظرت هي حولها برعب، فالمكان إلى حد كبير مظلم، ورائحته عفنة وكريهة، إستمعت هي إلى صوت همهمات النساء المتواجدات بالداخل، فتملكها الخوف، وإبتلعت ريقها بصعوبة ..
كذلك إرتجف جسدها بشدة حينما إقتربت منها إحدى المسجونات لتتفحصها عن كثب .. نظرت لها فردوس بذعر وهي تتحدث بنبرة متلعثمة ب:
-م.. آآ.. مقتلتهاش .. أنا .. أنا .. كنت .. آآ.. بربيها بس
-بتقولي ايه يا مَرَة !
سألتها تلك المسجونة بصوت فج للغاية

نظرت فردوس لها بنظرات زائغة، وخرج صوتها مبحوحاً وهي تعيد تكرار كلماتها ب:
-هي .. هي عارفة إني .. أنا .. مقتلتهاش، هي .. هي عصبتني، أنا .. أنا بأربيها بس
-إنتي بتستهبلي يا ولية ؟!

-سبيها يا بت، دي باين عليها خرفانة زي اللي جت قبلها ..!
قالتها مسجونة أخرى بصوت جهوري مرتفع ومسموع للجميع

رمقتها المسجونة الأولى – ذات الوجه القبيح – بنظرات إحتقارية قبل أن تقول بسخرية جلية:
-الحجز لم يا نسوان ...!

ابتعدت تلك المسجونة عنها، فتنفست فردوس بإرتياح، وحاولت أن تتأمل المكان بعينيها المرهقتين ..
فركت هي معصميها، وبحثت عن بقعة خالية لتجلس عليها على الأرضية الصلبة والباردة ..
ولكنها تسمرت في مكانها حينما رأت من تعرفها متكورة على نفسها، وتضم ركبتيها إلى صدرها ..
فغرت شفتيها في ذهول ممزوج بالخوف وهي تتشدق ب:
-ت... تهاني ... أختي !

في مشفى الجندي الخاص،،،،

وصل مهاب إلى المشفى وعلى وجهه علامات الغضب، ثم سار بخطوات أقرب للركض في اتجاه الغرفة المتواجد بها أوس، وبنبرة متذمرة صدح ب:
-إزاي كل ده يحصل وأنا معنديش خبر

حاول كبير الجراحين اللحاق به وهو يبرر موقفه ب:
-يا دكتور مهاب، وقت ما اطمنت على الباشا أوس اتصلت بيك على طول
-ده اسمه تقصير، يبقى المستشفى بتاعي، وشوية زبالة يدخلوا فيه عشان خاطر البيه ابني
-حضرتك هو .. هو مقالناش المريضة دي تقربله إيه أصلاً، بس من شكلها العام عرفت إنها بنت لوكال

كور مهاب قبضة يده في غضب، ثم صر على أسنانه وهو يتوعد ابنه ب:
-ماشي يا أوس، ماشي ..!

دار مهاب من رواق جانبي حتى وصل إلى غرفة التبرع بالدماء، فأمسك بمقبض الباب وفتحه وهو يصيح ب:
-ممكن تفهمني اللي انت عملته ده إي..آآآ...

لم يكمل مهاب عبارته الأخيرة، حيث نظر حوله، فلم يجد أي شخص بالغرفة، فإنفعل أكثر، وإلتفت بجسده للخلف وصرخ ب:
-كمان محدش عارف ابني هنا فين

ابتلع كبير الجراحين ريقه في توتر، ثم عَدَل من وضعية نظارته الطبية، ونظر إلى مهاب بحذر، وقال:
-ممكن يكون راح عند المريضة، هي اتنقلت العناية المركزة من شوية

لم يعقبْ مهاب على تلك العبارة، وإكتفى فقط بإعطائه نظرات محتقنة ...

بداخل حجز المخفر،،،،،،

جثت فردوس على ركبتيها أمام أختها، ثم وضعت كفي يدها على ذراعيها وهزتها برفق وهي تحدثها بتلهف ب:
-تهاني، سمعاني، أنا فردوس أختك !

رمقتها تهاني بنظرات فارغة، وأشاحت بوجهها للجانب، وظلت تغمغم كعادتها بكلمات مبهمة ..

وضعت فردوس يدها تحت ذقنها لتحرك رأسها في اتجاهها، ثم نظرت لها بشجن وهي تسألها بتجهم ب:
-كنتي فين يا تهاني ؟ طفشتي على فين ؟ وإيه اللي جابك هنا ؟

أمسكت تهاني بمعصم أختها، ثم ألقته بعيداً عنها، ورمقتها بنظرات حادة ومميتة قبل أن تجيبها ب:
-ماتلمسنيش، ابعدي عني، إنتي زيهم، ايوه .. زيهم .. خدوا مني عيالي، ورموني .. خدوهم مني .. آآآآه

-ماتنكتموا في يومكم إنتو الاتنين مش عارفين نتنيل نتخمد في أم الحجز ده
قالتها إحدى السجينات بصوت صادح رج جدران المكان ..
فهزت فردوس رأسها في خوف، وقالت بخفوت:
-حاضر ياختي، هانسكت خالص أهوو ...!

ثم سمع الجميع صوت فتح قفل باب الحجز، ودلف إليه صَولٌ ما، ثم بلهجة صارمة تشدق ب:
-المسجونة تهاني شحاته .. إنتي يا مسجونة

لم تجبه تهاني بل ظلت قابعة في مكانها، فنهضت بدلاً منها فردوس وقالت بصوت مرتبك وهي تقترب منه:
-أنا .. أنا أختها، انت عاوزها في ايه يا شاويش ؟

دفعها الصول بعنف من كتفها، ثم أمرها ب:
-أقعدي يا مسجونة مكانك، فين المسجونة تهاني
-هي عملت ايه طيب ؟
تسائلت فردوس بخوف وهي تنظر للخلف في إتجاه أختها ..

اتجه الصول ناحية تهاني، ثم إنحنى بجسده المترهل للأسفل، وقبض على ذراعها، وتعمد أن يغرس أظافره المتسخة فيها، وبصرامة أمرها ب:
-قومي معايا يا مسجونة

تأوهت تهاني من الآلم، ونهضت رغماً عنها وهي تصرخ بصوت متحشرج ب:
-آآآه .. أنا معملتش حاجة، هما اللي خدوا مني كل حاجة ..!

وقفت فردوس إلى جواره، وحاولت أن تجذب منه أختها وهي تتوسل له ب:
-أخدها فين يا حضرت الصول ؟ هي عملت ايه بس ؟

دفعها الصول من كتفها بقوة وهو ينهرها ب:
-اتلأحي على جمب يا مسجونة
ثم رمقها بنظرات مهينة قبل أن يتابع بنفس النبرة ب:
-قبر يلم العِفِش ...!

ثم خرج الاثنين من الحجز، وأوصد الصول بابه مجدداً، في حين أمسكت فردوس بقبضانه الحديدية، وصرخت عالياً ب:
-واخدين تهاني على فين، أنا مصدقت لاقيتها، عاوزة أعرف منها اللي حصل، استنى يا شاويش، استنى ...!

في مشفى الجندي الخاص،،،
في غرفة العناية المركزة،،،،

وقف أوس قبالة فراش تقى الطبي وهو عاقد لساعديه أمام صدره، وظل يراقبها في صمت تام ..
آمال رأسه لليسار تارة، ولليمين تارة أخرى ليتمعن أكثر في ملامحها بعد أن ذبلت كثيراً بسبب ما حدث ..
لقد بدت أقرب للموتى منها للأحياء، خاصة وأن أنفها يخرج من فتحاته أنابيب للتنفس الإصطناعي، وكذلك هناك لاصقات طبية لإبرة موصولة برسغها، بالإضافة إلى ( مشبك ) معلق بإصبعها ليقيس معدل نبضاتها ..

تابع أوس إنتظام حركة تنفسها، ووزع بصره بين الحين والأخر إليها وإلى الأجهزة الطبية الموضوعة إلى جوارها ..

إرتسم على ثغره ابتسامة ساخرة وهو يتذكر محاولتها اليائسة لقتله، وحدث نفسه بصوت مسموع ومعاتب ب:
-أنا السبب في اللي حصل، لو كنت ركزت شوية كنت منعت أمك من إنها تاخدك مني !

ثم صمت للحظة ليأخذ نفساً مطولاً قبل أن يزفره في ضيق ليتابع ب:
-ملحوئة يا تقى ! إنتي بقيتي بتاعتي الوقتي وبس، حتى أمك معدتش تقدر تمنعك عني ...!

-لأ يا أوس .. أنا اللي هامنعك عنها، وغصب عنك ...!
قالها مهاب بصوت قاتم وجاد للغاية وهو يدلف إلى داخل غرفة العناية المركزة ...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة