قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب ج1 للكاتبة منال سالم الفصل الأربعون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الأول منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب ج1 للكاتبة منال سالم الفصل الأربعون

في دار الرعاية الخاصة بالمسنين،،،،

تلقت تهاني رعاية مكثفة خلال الفترة الماضية من أجل تحسين حالتها الصحية والنفسية ..
في البداية رفضت التجاوب مع العلاج، أو حتى الإندماج مع نزلاء الدار، ولكن بالمثابرة وإصرار طبيبتها النفسية بدأت تستجيب تدريجياً ..
طرقت المشرفة على باب غرفة الطبيبة النفسية ( رجاء )، فسمحت لها بالدخول، وإبتسمت لتهاني إبتسامة عذبة، ثم أشارت لها بيدها لكي تجلس، وقالت بصوت رقيق:
-اتفضلي ارتاحي هنا يا تهاني

بادلتها تهاني إبتسامة عادية، وجلست على المقعد الجلدي الطويل – ذي اللون الأسود، وضمت يديها معاً، وأسندتهما على صدرها، وأمالت رأسها نحو الطبيبة لتنظر لها ..
لم يخلوْ وجه الطبيبة من تلك الإبتسامة الرقيقة، ولا من نظراتها الدافئة، ثم تسائلت بصوت مألوف:
-ها، جاهزة يا تهاني عشان نبدأ ؟
-أها
-تمام .. عاوزاكي تسترخي خالص، وتحكي زي ما إتعودنا عن اللي مضايقك وتاعبك، وأنا هبدأ كالعادة بمين اللي خد منك عيالك ؟ وليه عمل كده

ابتلعت تهاني غصة مريرة في حلقها، وأغمضت عينيها، وحاولت أن تستسلم لذكرياتها الآليمة ..
أخذت هي نفساً مطولاً، وزفرته بتثاقل، ثم بصوت حزين أجابتها ب:
-مهاب

وقفت تهاني مذهولة في مكانها غير مصدقة ما سمعته أذنها للتو .. جحظت بعينيها في صدمة، وقالت بصوت مشدوه:
-مهاب ...!

ترنح هو أمامه، وألقى بثقل جسده على الأريكة، ونظر لها من طرف عينه، ثم تابع ببرود ب:
-سبيني بقى أنام

ظلت تعابير وجهها مشدودة، وقالت بتهور:
-إنت واعي للي عملته الوقتي ؟ إنت طلقتني للمرة التالتة !

أولها ظهره وهو ممدد على الأريكة، وأغمض عينيه، وقال بنبرة غير مهتمة:
-عادي

دارت تهاني حول الأريكة، ووضعت يدها على ذراعه، وهزته بعنف، وهي تصرخ فيه ب:
-لأ مش عادي، انت ... انت ضيعتني !

زفر هو بصوت عالي، ثم إعتدل في جلسته، ونظر لها شزراً، وأردف بنبرة منزعجة ب:
-يوووه، كل يوم الأسطوانة المشروخة بتاعتك دي

أجابته هي بصوت مختنق بعد أن خانتها عبراتها وإنهمرت على وجنتها ب:
-أيوه عشانها الحقيقة، أنا استحملت معاك كل حاجة زبالة عشان خاطر إبني، ودوقت معاك المرار كله وإنت ولا همك لا كرامتي ولا نفسي ولا أي حاجة .. دايماً بتخوني، وأنا بأسكت، بتعمل حاجات قذرة، وأنا بأستحمل عشان الحياة تمشي، وفي الأخر تكون دي جزاتي !

تنهد هو في إنهاك، وتابع بضيق ب:
-انتي عارفة إني لما بأتعصب بأقول كلام مش قاصده

إختنقت الكلمات في صدرها أكثر، وتابعت بيأس ب:
-ده مش هزار، ده طلاق يا مهاب

زفر مجدداً في عدم إكتراث، ثم قال بنفاذ صبر:
-قولتلك مكونتش أقصد

لم تجد تهاني أي مفر من الكارثة التي حلت عليها فجأة، فنهرته هي بحدة ب:
-دي كانت الطلقة التالتة

ضيق عينيه قليلاً، وتسائل بهدوء مستفز:
-بجد ؟
-ايوه، إنت مش حاسس باللي عملته

نهض عن الأريكة، وسار في اتجاه المرحاض، وتابع بجدية ب:
-خلاص أنا هاتصرف

تسائلت هي في فضول أشد ب:
-إزاي ؟

أجابه مهاب بإيجاز وهو يلج للمرحاض ب:
-ملكيش فيه

لحقت هي به، ووقفت على مدخل المرحاض، وقال بإصرار:
-لأ لازم أعرف

أمسك هو بباب المرحاض، ونظر لها بقسوة، ثم قال بسخط:
-تهاني حلي عن نافوخي وأنا هاتصرف وهأردك

حدجته بنظرات مهينة، ثم قالت بإحباط:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا مهاب

صفق هو الباب في وجهها بقوة، فبصقت عليه، وحدثت نفسها بنبرة ذليلة ب:
-أنا اللي جبت ده كله لنفسي ...!

نهض مهاب فجأة من على المقعد المقابل لمكتب مهاب، وصاح بذهول تام:
-أتجوزها ؟ دي مراتك يا مهاب !

مط هو فمه قليلاً، وقال بهدوء:
-ماهو أنا طلقتها للمرة التالتة

انزعج ممدوح كثيراً، ورد عليه بإندفاع ب:
-وعاوزني أنا بقى أعمل ايه، أكون لامؤاخذة آآآ..

قاطعه مهاب بصوت جاد ب:
-لأ مش كده
-أومال هاتسميها ايه ؟
-يا سيدي ده لمدة كام يوم بس عشان أعرف أردها لعصمتي

نظر ممدوح له بإزدراء، قبل أن يجيبه بحدة ب:
-لأ معلش، أنا مش كده
-هادفعلك اللي انت عاوزه

انفرج فمه للأسفل في إستغراب، وتسائل ب:
-هاه، نعم !
-أيوه، شوف إنت عاوز كام وأنا هادفعه، وبعدين إنت أولى من الغريب

ثم أخرج مهاب دفتراً لتحرير الشيكات من درج مكتبه، ودون به رقماً ما، ثم نزعه منه، ومد يده به نحو ممدوح الذي أخذه على الفور، ونظر له بأعين زائغة، وسأله ساخراً:
-أنا عاوز أعرف دمك ده معمول من ايه ؟!
-متخدش في بالك

اعتلى ثغره ابتسامة متهكمة وعلق بعدم إكتراث ب:
-على رأيك، هو بيفرق معاك أصلاً

أرجع مهاب ظهره للخلف، وأضاف ببرود:
-بالظبط .. بص إن كان عليا أنا مش عاوزها، بس عشان تاخد بالها من أوس وتربيه عدل
-وماله .. وإنت عاوزني أتجوزها أد ايه ؟
-كام يوم كده، وبعد ما تطلقها هاديك مبلغ تاني
-ماشي، اتفقنا ..!

وبالفعل أقنع مهاب طليقته تهاني بالزواج من ممدوح كي يحل تلك المعضلة، ولكن ما لم يضعه ممدوح في الحسبان هو أن يخل مهاب بإتفاقه معه حيث رفض إعطائه أي مبالغ مالية أخرى نظير خدماته، بالإضافة لتخطيطه للزواج من ناريمان ...

-يعني إيه ؟ مش كان في بينا اتفاق
قالها ممدوح والشرر يتطاير من عينيه ..

لم يهتم به مهاب، بل قال له ببرود مستفز:
-أه .. وأنا رجعت في كلامي

إزداد إنفعال ممدوح، وصاح فيه ب:
-يعني انت ترجع في كلامك، وأنا ألبس في تهاني
-ما هو أنا مش هاينفع أردها تاني، على الأقل الفترة دي لحد ما أضمن إني أتجوز ناريمان

تفاجيء ممدوح بمخطط مهاب، فإزداد حنقه، وسأله بسخط:
-وإشمعنا انت تاخد كل حاجة ؟!

أمسك مهاب بسيجارته، وأشعلها، ثم زفر دخانها في الهواء، ونظر له بأعين فارغة، وقال بنبرة جادة:
-ممدوح .. بقولك إيه، إنت مش بتعملي حاجة ببلاش، كله بتمنه يا صاحبي
-بس الاتفاق إتفاق ..!
-والأمور جدت معايا، فكبر بقى

أدرك ممدوح أن الحوار لن يجدي نفعه مع مهاب، فرمقه بنظرات متوعدة، وقال له بقسوة:
-براحتك، بس افتكر اللي حصل الوقتي كويس ...!

ارتسمت إبتسامة الرضا الممزوجة بالسعادة على محيا تهاني حينما أخبرها ممدوح بما دار، فإحتضنت زوجها بذراعيها، وتعلقت بعنقه، وقالت بصوت ناعم:
-أنا مش مصدقة إننا هانفضل مع بعض

كانت ردود فعل ممدوح غير مقروءة بالمرة بالنسبة لها، وتابع بدبلوماسية ب:
-أيوه .. عشان تعرفي أنا حاربت عشانك أد ايه

نظرت هي في عينيه بنظرات عاشقة، ثم أردفت برقة ب:
-ربنا يخليك ليا، إنت الحاجة الحلوة اللي ربنا عوضني بيها عن عذاب السنين اللي فاتت

ابتسم هو لها إبتسامة زائفة، وقال بإيجاز:
-كويس
-أنا كمان عندي ليك خبر حلو

ضيق عينيه قليلاً، وسألها بفضول ب:
-خبر ايه ده ؟

أمسكت هي بيده، ووضعتها على بطنها، وقالت بتلهف:
-أنا حامل

اتسعت مقلتيه في عدم تصديق، وقال بنزق:
-إييييه .. حامل ؟!

هزت هي رأسها في سعادة، وأضافت بحماس واضح:
-أيوه .. البريود إتأخرت عليا بقالها فترة، وأنا كنت شاكة، وحللت وإتأكدت لما طلعت النتيجة positive ( إيجابية )
-طب مبروك
قالها ممدوح بفتور ظاهر، فشعرت تهاني بشيء غريب في ردة فعله، فسألته بتوجس ب:
-إنت مش مبسوط ؟

وضع هو راحتي يده على وجنتيها، ومسح عليهما بنعومة، ثم قال بهدوء:
-لأ يا حبيبتي مبسوط

لم تقتنع هي بما قاله، فسألته بحذر ب:
-أومال مش باين عليك ليه ؟

تنحنح هو بصوت خشن، وأضاف بحماس زائف:
-لأ عادي .. أنا بس متاخد، إنتي عارفة أنا أول مرة اكون فيها أب

أسندت وجنتها على كف يده الأيسر، وحركت رأسها قليلاً لتحتك به، وقالت بنعومة:
-هاتكون أحسن أب في الدنيا إن شاء الله
-إن شاء الله، أنا بس محتاج أدبر أوموري عشان أمور الولادة ومصاريف آآآ...

قاطعته هي بجدية وهي تنظر له ب:
-متحملش هم أي حاجة، أنا هاديك تحويشة عمري كله تعمل بيهم اللي إنت عاوزه
-يا حبيبتي الموضوع مش كده
-يا قلبي أنا وإنت واحد، وفلوسي تحت أمرك

مط ممدوح فمه للجانب، وبضيق زائف أردف ب:
-ممممم.. نبقى نتكلم في الموضوع ده بعدين
-أوكي
قالتها تهاني بصوتها الناعم، ثم إرتمت في إحضان زوجها، وأغمضت عينيها لتنعم بوجودها معه ...

راقبهما الصغير أوس –ذو الوجه العابس - من على بعد ونظر إلى كلاهما بنظرات محتقنة، وصر على أسنانه في غضب، وركض مسرعاً في اتجاه غرفته ...

علمت تهاني بنشوب حريق هائل في غرفة مكتبها، فركضت كالمجنونة نحوها، وصرخت بأعلى صوتها ب:
-ولادي جوا المكتب، إلحقوهم، ولادي .. آآآآآه

كان يقف أمام غرفتها حشداً من الأطباء والممرضين والعاملين بالمشفى، فحالوا دون وصولها للداخل ..
حاولت هي أن تدفعهم وتمر عبرهم لتصل إلى الباب، ولكن أبعدوها للخلف، فنظرت لهم بأعين مغرورقة بالعبرات، وتوسلت ببكاء مرير ب:
-بناتي جوا الأوضة وأوس معاهم، سيبوني بس أجيبهم

اقترب منها أحد الأطباء، وأحنى رأسه للأسفل، وقال بصوت حزين:
-للأسف كل حاجة جوا ولعت

صرخت وهي تجهش بالبكاء بطريقة هيسترية عالياً ب:
-لألألألأ .. ولادي

اندفع ممدوح هو الأخر بين جموع المتواجدين ليصل إلى الغرفة، وصاح بصوت مرتفع للغاية ب:
-بناتي .. ليان، بيسان !

لمحت تهاني مهاب وهو يقترب منها، فإستغاثت به بصوت راجي ب:
-إلحق يا مهاب، أوس ابننا جوا الأوضة، خليهم يسبوني أجيبه

حدجها هو بنظرات قاسية، ثم قال بشراسة:
-إنتي مالكيش إبن، اعتبريه مات
-إنت بتقول إيه !

تابع هو بنبرة أشد قسوة ب:
-الأم اللي تهمل في تربية ابنها ماتستحقش تكون أم

صرخت هي عالياً بصوت مبحوح ومختنق ب:
-لألألألألأ ..

اقترب مهاب منها، ورمقها بنظراته المتوعدة، وقال بقسوة أشد وهو يشير بيده:
-ابني هاربيه بمعرفتي، وإنتي هتتحاسبي عن إهمالك وخيانتك

ثم تركها وإنصرف دون أن يلتف إلى صراخها المتواصل ب:
-ولادي، لأ .. يا مهاب ... مهاب ...!

أفاقت تهاني من ذكرياتها وهي تتنهد بمرارة، وتبكي بحرقة وهي تتابع بيأس ب:
-خدوا كل حاجة مني في لحظة، ولادي وفلوسي، ورموني في الشارع، أنا مأهملتش فيهم، أنا كنت بأحبهم كلهم، وهما غصب عني راحوا مني .. راحوا مني ومعرفتش أرجعهم تاني ..آآآه .. يا حرقة قلبي على ولادي التلاتة، يا فرحة عمري اللي ضاعت

أمسكت الطبيبة رجاء بكف يدها، وضغطت عليه بحنو، وقالت بصوت هاديء:
-اهدي يا تهاني .. كل حاجة هتتغير للأحسن

هزت هي رأسها بالنفي، ونظرت لها بحزن دفين، وقالت بنبرة مليئة بالإحباط:
-ماظنش، مافيش حاجة بعد الضنا تسوى

ابتسمت لها رجاء ابتسامة رقيقة، وأكملت بهدوء ب:
-شششش ..كفاية كده النهاردة، ونكمل وقت تاني

ثم ساعدت تهاني على النهوض من على الأريكة المريحة، وأوصلتها إلى خارج غرفتها ..

في مشفى عائلة الجندي،،،،

تماثلت تقى للشفاء تماماً، وتمكنت من السير بمفردها والدخول للمرحاض دون أي مساعدة من غيرها ...
قررت هي أن تستغل الفرصة وتهرب من المشفى، فأوس لم يعد يزورها لفترات طويلة مثل الماضي، واليوم لم يأتْ لزيارتها، فعقدت العزم على ترك المشفى، والإختفاء للأبد في مكان لا يستطيع أن يصل إليها ..

حاولت هي أن تجد أي ملابس تناسبها لتستبدل ثياب المشفى، ولكن كانت الخزانة خاوية ...
لطمت تقى على وجهها في صدمة، ثم حدثت نفسها ب:
-طب أعمل ايه أنا ؟ ده مافيش أي هدوم ليا !

أغلقت باب الخزانة، وحدقت أمامها بنظرات حادة، وقالت بجدية:
-مش مشكلة الهدوم دلوقتي، أهم حاجة إني أهرب من هنا قبل ما يجي الحيوان ده

سارت تقى بخطوات متمهلة نحو باب غرفتها، ومدت يدها لتمسك بالمقبض، وأدارته، ولكنها تفاجئت بالباب موصداً، فتملكها الفزع، وإنقبض قلبها، وإزدادت ضرباته ..
حركته مجدداً بطريقة أعنف لعلها تتمكن من فتحه، ولكنها عجزت عن فتحه ..
فإضطرت أن تطرق عليه بشدة وهي تصيح عالياً ب:
-ياللي برا ( طق – طق – طق )، أنا محبوسة هنا ولا إيه ( طق – طق –طق )، افتحولي الباب

وضعت أذنها على الباب لتستمع إلى صوت من بالخارج، وأنصتت بتركيز شديد للهمهمات الخارجية، ولكنها لم تستطع أن تتبين ما يُقال، ثم زفرت في ضيق، وطرقت بقبضتها على الباب وهي تصرخ ب:
-افتحوا الباب ده، هو أنا في السجن، عاوزة أخرج من هنا ..!

استمعت هي إلى صوت وقع أقدام شخص ما يقترب من غرفتها، ثم صوت مفتاح يدار في المكان المخصص له، فتراجعت خطوة للخلف، وأمعنت النظر في الباب...

فتحت ممرضة ما باب الغرفة، فإندفعت تقى نحوها ووجهها ذو تعابير حادة، وعنفتها ب:
-بتقفلي عليا الباب ليه ؟ ها ؟

أمسكتها الممرضة، وحاولت إرجاعها للداخل وهي تجيبها بهدوء ب:
-لو سمحتي يا آنسة تقى، ارجعي لسريرك تاني، أنا معنديش أوامر إنك تغادري الأوضة

لوحت تقى بيدها لأكثر من مرة، ودفعتها مجدداً بكل ما أوتيت من قوة، وبنبرة مليئة بالإصرار تابعت ب:
-بس، سبيني، أنا هامشي من هنا، وحالاً

إستخدمت الممرضة قوتها الجسمانية، وتمكنت من الإمساك بذراع تقى، وجذبتها للداخل وهي تعقب بهدوء ب:
-مش هاينفع صدقيني
-يوووه، إبعدي بقى، أنا هامشي يعني هامشي

ثم إستمعت كلتاهما إلى ذاك الصوت الرجولي الصارم المألوف لهما وهو ينطق ب:
-وماله يا تقى، إنت هاتمشي فعلاً، بس معايا ...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة