قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل السادس

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل السادس

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في السجن النسائي
تلفتت ناريمان حولها بذعر، وبدت أكثر إرهاقاً وعجزاً وهي تتطلع إلى هياتم الجالسة قبالتها .. كذلك تجمعت الهالات السوداء بكثافة أسفل عينيها .. واعتلى الشيب رأسها ..
لم تتوقع الأخيرة أن ترى سيدة الأعمال الراقية بتلك الحالة الرثة والمزرية .. خاصة بعد أن تلقت منها مكالمة تطلب فيها لقاءها في زيارة رسمية بمحبسها ..
نظرت لها بإشفاق وهي تسألها بهدوء حذر:
-خير يا مدام ناريمان ؟ حضرتك طلبتي مقابلتي هنا ليه؟

حدقت بها ناريمان بنظرات خائفة، ومدت يديها المرتعشتين نحوها لتمسك بكفها، وهمست بصوت مبحوح:
-انتي الوحيدة اللي هاتقدري تساعديني يا هياتم
ضيقت هي عينيها بشدة، وأردفت قائلة بجدية وهي تسحب كفيها للخلف:
-بس أنا مش محامية ولا آآ...
قاطعتها ناريمان بتلهف:
-أنا عارفة، بس معنديش حد أثق فيه غيرك
-مدام ناريمان، حضرتك عارفة من بعد اللي حصل واتكتب واتقال، أنا .. انا مقدرش آآ...

رمقتها بنظرات أكثر رجاءاً، وهتفت بإستعطاف:
-أرجوكي يا هياتم، ماتتخليش انتي كمان عني .. صدقيني أنا بريئة، مقتلتش حد .. ده .. ده ملعوب اتعمل عليا
قطبت هياتم جبينها، ورددت بإهتمام:
-ملعوب!
هزت رأسها بصورة هيسترية وهي تجيبها:
-ايوه .. ده من جوزي الحقير مهاب الجندي
تعجبت مما قالته، وبدى على وجهها الإندهاش .. وتسائلت بفضول:
-طب وايه اللي هايخليه يعمل كده ؟

ابتلعت ناريمان ريقها، وردت عليها بنبرة مرتعدة:
-عشان يخلص مني، و..وياخد كل فلوسي
أرجعت هياتم ظهرها للخلف، فحديثها لم يكن مقنعاً على الإطلاق، وأردفت قائلة بإنكار:
-بس دكتور مهاب مش بالغباء ده عشان يعمل كده، سامحيني في اللي هاقوله، هو مش محتاج فلوسك!
إتسعت حدقتي ناريمان بشراسة، وقالت بحنق:
-انتي مش عارفة حقيقته، مهاب ممكن يعمل أي حاجة عشان مصلحته!
عقدت ساعديها أمام صدرها، وتسائلت ببرود:
-والمطلوب مني ؟

هتفت بتلهف وهي محدقة بها:
-عاوزاكي تقفي جمبي .. عاوزاكي تكلمي الجمعيات النسائية والحقوقية عشاني
زمت شفتيها قليلاً، وردت عليها بجمود:
-خلينا واقعين يا مدام ناريمان، معتقدش إن في حد في ظروفك دي ممكن يوافق انه آآ...
قاطعتها بجموح:
-لأ هيوافقوا لو عرفوا ماضي مهاب القذر!
أرخت ساعديها لتنظر لها بإندهاش:
-هاه، قصدك ايه ؟

عند المشفى الحكومي العام
وصل عدي بسيارته عند المشفى المذكور، ودقق النظر حوله ليتأكد من أنه المكان المنشود ..
اعتلى وجهه نظرات إشمئزاز وتأفف وهو يرى الهيئة العامة للمبنى ..
صف السيارة أمام المدخل، وترجل منها ثم سار بخطوات أقرب للركض وهو يتحدث في هاتفه المحمول قائلاً بجمود:
-أنا عند البوابة، انتو فين ؟ أها .. تمام
ترجلت تهاني وكذلك عفاف من السيارة، وتسائلت الأخيرة بنبرة حائرة:
-هو احنا المفروض هنعمل ايه هنا ؟

هتفت تهاني بنبرة متوترة:
-أنا عاوزة أطمن على ابني
ابتسمت لها إبتسامة صافية لتقول:
-إن شاء الله تطمني عليه
أشارت بيدها وهي تهتف بإضطراب:
-خلينا نحصل عدي بيه
سارت الإثنتين بخطوات سريعة في محاولة منهما للحاق بعدي الذي ولج إلى الداخل واختفى عن أنظارهما ...

ظهرت علامات الإمتعاض على محيا عدي، ولوى فمه في تقزز جلي بعد أن رأى الهيئة العامة للمشفى المتواجد به رفيق عمره أوس الجندي ..
ركض ناحيته أحد رجال الحراسة الخاصة، وهتف قائلاً بنبرة رسمية:
-عدي باشا اتفضل من هنا
أسرع أحد الممرضين خلفهما، وتسائل بغموض:
-على فين العزم يا بهوات ؟
التفت عدي برأسه نصف إلتفاتة ليرمقه بنظرات احتقارية، قبل أن يستدير ليكمل سيره دون أن ينبس ببنت شفة ..
لوى الممرض فمه قائلاً بضيق:
-ماله ده ؟!

رأى بعض المصورين عدي وهو يصعد على الدرج، فتسابقوا لإلتقاط صور حصرية له لإضافتها للأخبار المتعلقة بقضية الموسم ...
وأردف أحدهم متحدثاً بلؤم:
-واضح كده إننا هنعمل أحلى شغل
رد عليه أخر بسعادة:
-أه طبعاً، هما دول أي ناس
تسائل صحفي ثالث بجدية:
-تفتكر إن الموضوع فيه خيانة صحيح ولا اشاعات ؟
رد عليه زميله:
-مش عارف، بس هيبان لما أوس الجندي يفوق ويقول الحقيقة.

تمكن أحدهم من الوصول إلى عدي، وسأله بنبرة مرتفعة:
-عدي باشا! إيه تعليقك في اللي حصل لرائد صناعة الصلب ؟ وما قولك في الإتهامات المنسوبة لزوجته بوجود عشيق سري يقف وراء محاولة إغتياله ؟
لم يتمكن عدي من السيطرة على إنفعالاته، حيث انقض على الصحفي، وتمكن منه، وأمسك به من تلابيه، وجذبه بعنف نحوه، وصاح فيه بغلظة وهو يكز على أسنانه بشراسة جلية:
-اخرس! قسماً بالله أدفنك لو نطقت بكلمة زيادة عنه!

ابتلع الصحفي ريقه، و تابع بصوت مختنق:
-ده .. ده مش كلامي، كله منشور على المواقع، وأنا .. وأنا بس بسألك عن .. عن رأيك
حدجه عدي بنظرات مميتة، ثم دفعه بعنف للخلف ليهتف بصوت حاد يحمل الإهانة لرجال الحراسة:
-ابعدوا الأشكال دي عن هنا
وبالفعل امتثل أفراد الحراسة لأوامره، وأزاحوا عن طريقه كل من يعترضه حتى يتمكن من الصعود للأعلى ..

في غرفة الممرضات
أمسك حمدي عصفورة الممرضة حسنية من ذراعها، وضغط عليه بقسوة وهو يوبخها:
-حتى في دي كمان غبية! معرفتيش تاخدي بالك من الولية
تشدقت قائلاً بصوت حانق:
-ياباي .. ما أنا كنت واقفة معاك، كنت أعمل ايه ؟
ضرب مقدمة رأسه بكفه، وأجابها بنزق:
-تفتحي مخك شوية، وتصحصحي معايا، أدينا خسرنا المصلحة
ردت عليه بعدم اكتراث:
-يعني هي هاتروح فين ؟ ما هو طول ما جوزها هنا هتلاقيها موجودة في أي حتة.

رمقها بنظرات ساخطة ليقول على مضض:
-هاتفضلي طول عمرك كده، غبية، وفهمك على أدك
ثم لكزها في كتفها ليهتف بصوت منزعج:
-اتنيلي شوفيها راحت فين
تقوس فمها لتجيبه بإمتعاض:
-طيب .. ماتزوءش!

سمعت تقى صوتاً تألفه يناديها بصوتها بقوة أوقفتها، فأدارت رأسها نحوه مصدره لتجد عدي يتجه نحوها ..
تنفست الصعداء لوجود أحد ما تعرفه، وإرتخت قسمات وجهها المتشنجة إلى حد ما ..
اقترب الحارس منها، ودفعها بعنف للأمام من كتفها، فكادت تسقط على وجهها، فتأوهت من الآلم، وهتف قائلاً بضيق وهو يشير بيده:
-يالا يا أستاذة من هنا بدل ما أستخدم اسلوب مش هتحبيه، وآآ...!
قاطعه عدي بصوت محتد وهو يرمقه بنظرات نارية:
-انت اتجننت، مش عارف دي مين ؟

ابتلع ريقه، وأطرق رأسه في خزي ليجيبه:
-يا باشا دي آآ...
قاطعه بنبرة حادة:
-اخرس خالص، دي مدام تقى، مرات الباشا أوس
نظرت له تقى بذهول .. فلم تتوقع منه أن يعاملها معاملة انسانية راقية .. فهي لم تعتد سوى على الإهانة والعنف من غيرها ..
لكنها تفاجئت بتصرفه، وكأنه أعاد لها كرامتها ...
وضع عدي يده على كتفها، وأضاف قائلاً بهدوء حذر وهو يشير بعينيه:
-تعالي معايا.

هزت رأسها موافقة وسارت معه للأمام بعيداً عن الحرس المتواجدين بالممر ..
أخذ عدي نفساً عميقاً وحاول أن يسيطر على حالة الإنفعال المتمكنة منه، وسألها بوجه عابس ومتشنج:
-حصل ايه بالظبط ؟ يا ريت تفهميني، أنا مش هاسمع لأي كلام تاني اتقال برا، وهاسمع منك إنتي ..
نظرت له بقلق بالغ .. وتلاحقت أنفاسها وهي تحاول إسترجاع تلك اللحظات المؤسفة التي مرت بها مع أوس قبل لحظة اغتياله ..

انزعج عدي من صمتها، وظن أن للأمر علاقة بما أكده الصحفي، وأنها تحاول إختلاق كذبة ما مقنعة .. لذا صاح بصوت شبه هادر:
-اتكلمي، ماتفضليش ساكتة كده، حصل ايه مع أوس ومعاكي ؟ الموضوع فيه واحد يخصك ؟
اتسعت مقلتيها في صدمة كبيرة، وإنفرجت شفتيها بذهول واضح .. هو يظن كما وصل إلى مسامعها ومما ردده الصحفيون بأنها على علاقة آثمة بشخص ما أراد التخلص من زوجها ..

تبدلت ملامحها للتجهم، وزاد تشنج قسمات وجهها .. وبرقت عينيها بصورة مخيفة ..
أمسك عدي بذراعيها، وهزها بعنف وهو يهتف بها بنفاذ صبر:
-ردي .. قوليلي حصل ايه ؟!
انتفض جسدها فزعاً منه .. وأجابته بصوت مبحوح:
-أنا ... أنا معملتش حاجة!
صاح بها بغضب:
-اومال ايه اللي بيتقال ده ؟

ردت عليه بإنكار وهي تهز رأسها بصورة هيسترية:
-معرفش .. معرفش
ثم انفجرت بالبكاء المرير أمامه .. فقد ظلمها هو الأخر ظلماً بيّناً، فهي تشمئز من حالها مع الرجال، وتبغض قربهم منها خاصة بعد تجربتها السيئة مع أوس، وكانت تتحشاه قدر المستطاع .. فكيف تتهم بتلك التهمة النكراء .. فكيف يصدق عنها عدي هذا، ويتهمها في عرضها وشرفها ..
في نفس التوقيت وصلت عفاف وتهاني إلى المكان، ورأت كلتاهما عدي وهو ينفعل على تقى بشراسة، فهتفت بهاني بخوف:
-عدي بيه، ب .. بتعمل ايه ؟

سألته عفاف هي الأخرى بقلق:
-خير يا عدي باشا ؟
أرخى عدي قبضتيه عنها، ونفخ بصوت مسموع، ثم فرك وجهه بكفه، وضرب الحائط بقبضته الأخرى .. ثم تركها وانصرف متجهاً نحو غرفة العناية ...
دفنت تقى وجهها بين راحتيها، وأجهشت ببكاء أشد .. بكاء المظلوم الذي تتكالب عليه الظروف لتزيده قهراً ..
ركضت نحوها تهاني، وأحاطتها بذراعيها لتضمها إلى صدرها، ومسدت على رأسها لتسألها بصوت حاني:
-بنتي! جرالكم ايه ؟ قوليلي على اللي حصل طمنيني ؟

ردت عليها تقى بصوت خافت ومختنق:
-م.. مظلومة
سألتها بنبرة أمومية متلهفة:
-ابني أوس فين ؟
أبعدت تقى وجهها لتنظر لها بعينيها الباكتين، وأجابتها بصوتها المختنق:
-ه.. هناك، في الأوضة دي
إرتخت ذراعي تهاني – عفويًا – عنها، وسلطت أنظارها على باب تلك الغرفة التي أشارت إليها ..
اعتصر الآلم صدرها، وإنقبض قلبها خوفاً على ابنها الوحيد ..

سارت كالمغيبة نحوها .. ولم تستمع إلى نداءات المدبرة عفاف المتكررة لها ..
تنهدت الأخيرة بأسف على حال الجميع .. فما يحدث ليس بالأمر الهين..
اقتربت من تقى، ووضعت يدها على كتفها، وهمست لها بحنو:
-اهدي يا بنتي، كل حاجة هتتعدل
-مافتكرش
أجابتها تقى بنشيج واضح وهي تمسح عبراتها عن وجنتيها ..

في نفس التوقيت، قام حمدي عصفورة بتسجيل ما دار بين عدي وتقى من خلال مقطع فيديو، وإلتوى فمه بإبتسامة وضيعة، وهي يحدث نفسه بخسة:
-وربنا لأعمل أحلى شغل بالفيديو ده .. ياااااه يا عصفورة، أخيراً طاقت القدر اتفتحتلك، والفلوس هتنزل على دماغك زي النطرة ( المطرة )
سألته حسنية بفضول وهو تشرأب بعنقها للأعلى:
-ها صورتهم ؟
نهرها بصوت منخفض وهو يكز على أسنانه:
-ششش .. بس يا ولية لحسن تفضحينا
مطت فمها لتقول بهمس:
-يا باي .. مش بأطمن

بداخل غرفة العناية
تسمر عدي أمام فراش رفيقه – أوس – غير مصدقاً ما أصابه ..
أدمعت عينيه بلا وعي وهو يراه ساكن أمامه والأجهزة الطبية موصولة به ..
تحرك نحوه وهو يحدثه بصوت شبه متشنج:
-قوم يا صاحبي! مين امتى حد بيقدر يجي عليك ؟ ده .. ده انت أوس الجندي
ابتلعت غصة مريرة في حلقه، وتابع بصعوبة بعد أن جلس على طرف الفراش:
-مافيش حاجة بتأثر فيك، أنا عارف ده كويس ومتأكد منه .. فوق يا صاحبي، هاعمل ايه من غيرك!

أخذ نفساً عميقاً، وزفره قائلاً:
-العالم اللي برا دول مستنينك تقع عشان تنهش فيك! بس .. بس أنا مش هاسمحلهم، هامنع أي كلب يجيب سيرتك بكلمة لحد ما تفوق وتاخد حقك بنفسك!
ضغط على شفتيه بقوة وهو يضيف بتهديد:
-وقسما بالله لهنتقم من اللي عمل فيك كده .. حتى .. حتى لو كان من أقرب الناس!
ولجت تهاني هي الأخرى لداخل الغرفة لتستمع إلى ما قاله عدي فينفطر قلبها حزناً على ابنها ..

لقد أرادوا قتله، ونالوا منه .. وهو الآن في عالم لا يعي فيه ما يحدث من حوله
أصدرت نحيباً خافتاً حسرة وأسفاً عليه..
انتبه عدي لوجودها، فكفكف عبراته، وانتفض واقفاً من مكانه، وأدار رأسه في اتجاهها، وأردف قائلاً بصوت متحشرج:
-تعالي يا مدام تهاني!
صُعقت – كأم – من رؤية ابنها بين الحياة والموت .. وتسارعت دقات قلبها حتى كادت تصم أذنيها ..
وضعت يدها على فمها لتكتم شهقاتها المتتالية .. وزاد أنينها وهي تتأمله ..

سارت بخطوات ثقيله نحوه .. واقتربت من وجهه، وظلت تهز رأسها مستنكرة رؤيته على تلك الحالة الحرجة ..
وضعت يدها على جبينه، ومسحت عليه بحنية بالغة، وهمست بصوت لاهث:
-ابني .. عملوا فيك ايه يا حبيبي ؟ يا ريتني كنت مكانك! يا ريتهم قتلوني وسابوك انت تعيش وتتمتع بشبابك! آآآآه ... يا حرقة قلبي عليك .. ملحقتش أتهنى بوجودك في حياتي ولا متعت عيني بيك .. آآآآه .. عملوا كده ليه ؟ بيحرموني منك ليه يا حبيبي ؟ آآآآه!
لم يقاطعها عدي .. بل ترك لها العنان لتعبر عن مشاعرها كأم مكلومة، فهي تنطق بأريحية عما يريد التعبير عنه .. فهو كرجل يجد صعوبة في إبراز مشاعره دون تزييف ...

كذلك وصل مهاب إلى ذلك المشفى البائس، ولحق به طاقم طبي على أعلى مستوى لفت جميع أنظار المتواجدين ..
ولكن لم يتجرأ أحد على التدخل أو السؤال .. فهيئتهم جميعاً تشير إلى مدى سلطتهم وقوتهم ..
انتظر الطاقم الطبي بالخارج لحين وصول مهاب .. وكان على رأسهم كبير أطباء مشفاه ..

أوقف السائق السيارة ليترجل منها مهاب، فركض ناحيته كبير الأطباء وهتف بجدية:
-ده المكان يا د. مهاب
رمقه مهاب بنظرات حادة وهو يسأله بصوت غاضب:
-انت واقف لسه عندك ؟ ابني متاخدش من فوق ليه ؟
تنحنح بصوت خافت، وأجابه بنبرة شبه متقطعة:
-احنا .. احنا كلنا كنا منتظرين معاليك
صاح بنبرة غليظة وهو يشير بإصبعه:
-اتحركوا بسرعة، عاوز ابني يتنقل عندي بدل ما هو قاعد في المزبلة دي.

رد عليه كبير الأطباء بصوت خافت:
-أوامرك يا دكتور مهاب
ثم إستدار برأسه للخلف وهتف بجدية:
-يالا يا دكاترة .. مش سمعتوا الباشا!

أجلست عفاف تقى على المقعد المعدني، وجعلتها تسند رأسها على كتفها، ثم أحاطتها بذراعها لتبث لها الأمان أكثر ..
تنهدت هي بعمق، وأردفت قائلة بخفوت:
-اطمني يا بنتي، كله هايبقى خير
ردت عليها تقى بنبرة واهنة:
-أنا .. أنا خايفة أوي ... مافيش حاجة بترجع زي الأول، وأنا .. وأنا حاسة إني لوحدي! مافيش حد معايا
ضغطت عفاف بأصابعها على ذراع تقى، وهمست لها:
-متقوليش كده .. كلنا موجودين جمبك، وبكرة هايفوق الباشا أوس وهتلاقيه معاكي
-مافتكرش!

إلتقطت عدسات المصورين لحظة دخول مهاب الجندي إلى المشفى، وزادت حماستهم لسؤاله عن مصير ابنه ..
وما إن رأه الحرس حتى إلتفوا حوله، وشكلوا حائطاً بشرياً لمنع أي أحد من الإقتراب منه .. ودفعوا بشراسة من دنا منه ..
-من هنا يا فندم
قالها أحد رجال الحراسة وهو يشير بيده للأعلى.

ظل وجه مهاب متجهماً للغاية، وعبرت نظراته عن مدى اشمئزازه وتقززه من هذا المكان الكريه ..
اتجه نحو الدرج، وصعد عليه بسرعة، ومعه كبير الأطباء .. وفريق الأطباء ..
هتف أحد المصورين قائلاً بإستخفاف:
-هو وزير الصحة جاي زيارة ولا ايه ؟
نظر له زميله بإستغراب، وسأله متعجباً:
-انت مش عارف ده مين ؟

رد عليه بهدوء:
-لأ عارف، مهاب الجندي
تابع زميله قائلاً بجدية:
-طيب لما انت عارف انه آآآ...
قاطعه بجدية وهو يشير بعينيه:
-يا سيدي أنا بس بتريق، اللي يشوف المستشفى دي من الصبح مايشوفهاش الوقتي
ابتسم الأخير قائلاً بتهكم:
-على رأيك، ياما لسه هانشوف العجب.

تسأل الصحفي بفضول وهو يلمع عدسة الكاميرا الخاصة به:
-يا ترى هايحصل ايه تاني ؟
رد عليه زميله بخبث وهو يغمز له بطرف عينه:
-اصبر وهانعرف كلنا كمان شوية، مافيش حاجة بتستخبى هنا
زدات ابتسامة الصحفي اتساعاً ليقول بغرور:
-بالظبط .. وده موسم الأخبار الحصرية
بينما تابع زميله بمكر واضح:
-ومش لأي حد .. ده تبع عيلة الجندي...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة