قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل السادس والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل السادس والعشرون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في منزل أوس الجديد
ظلت تقى على وضعيتها المستكينة رافضة للحديث مع أي أحد .. وشاردة معظم الوقت ..
أشفق أوس على حالتها بشدة .. هو لم يردْ أن تخوض تلك التجربة الذهنية من جديد، ولكنه كان يعلم أنها السبيل الأول للعلاج الفعال ..
أخذ نفساً عميقاً، وحاول أن يضبط إنفعالاته حتى لا يؤثر عليها، فيكفيه أنها لم تنبذ بعد وجوده بقربها ..

بحذر شديد جلس إلى جوارها على الأريكة العريضة، ثم مد يده ليتلقط كفها، وإحتضنه بين راحتيه، وهمس لها متوسلاً:
-انسي يا تقى، وماتفكريش في اللي فات، اللي مرينا بيه كان غصب عني وعنك، وأنا بأقولهالك تاني، أنا استحالة أذيكي تاني، أو أخلي حد يأذيكي ..!
نظر إليها بعشق، وتأمل سكونها بتفحص دقيق .. ثم رفع كفها إلى فمه، وطبع قبلة صغيرة عليه، وتابع بهدوء:
-أنا عارف مين اللي هايقدر يخرجك من اللي انتي فيه! وبكرة هاتكون معاكي .. هي زيك وروحها حلوة، وإنتو الاتنين محتاجين بعض!

ربت على كفها قبل أن يتركه، وينهض ليتحرك نحو غرفة مكتبه ...
تابعته تقى بنظراتها الحزينة، ثم همست لنفسها برجاء واضح:
-يا ريت أقدر أنسى عشان أكمل اللي جاي وأنا ... وأنا مش خايفة من حياتي معاك!

في صباح اليوم التالي
في منزل الجارة أم بطة
إرتسمت إبتسامة عريضة على ثغر أم بطة حينما رأت ابنتها واقفة أمام عتبة منزلها بعد أن فتحت الباب لها ..
مدت لها ذراعيها لتحتضنها وهي تردد بسعادة:
-وحشتني يا بت، كل دي غيبة، تعالي في حضن أمك
كانت بطة كالصنم معها، بدت متجهمة الوجه، عينيها حمراوتين ومنتفختين من كثرة البكاء
حينما أمعنت والدتها النظر في ملامحها، سألتها بتوجس:
-في ايه يا بطة ؟ ايه اللي حصل ؟

إشرأبت بعنقها، ونظرت للخلف وأضافت بقلق:
-والواد عبده فين ؟
-وسعي يامه، سيبني في البلوى اللي أنا فيها
قالتها بطة بصوت مختنق وهي تندفع بخطوات متعرجة إلى داخل المنزل ..
نظرت لها والدتها بحيرة، وسألتها بهلع:
-حصل ايه يا بت، انطقي ؟!

ألقت بطة بجسدها على أقرب أريكة، ولطمت على فخذيها، وهي تنتحب بحسرة:
-اللي حصل مايتقالش يامه، آآآآه .. ضعت واللي كان كان
صاحت فيها بصوت محتد وهي تلوح بيدها في الهواء:
-يا بت انطقي، وغوشتيني عليكي!
أطلقت بطة تنهيدة حارة من صدرها لتجهشأ بعدها ببكاء حار متأسفة على حالها وعلى أنوثتها التي أغتيلت بلا ذنب ...

في منزل عبد الحق بالزقاق الشعبي
جلست إحسان على الأريكة وهي تثني ركبتها أسفل منها وعلى وجهها علامات البرود جلية ..
بينما صرخ عبد الحق بغضب فيها قائلاً:
-ليه يامه عملتي فيها كده ؟ لييييه ؟ مفكرتيش في ابنك ولا اللي هيجراله ؟!
نظرت له بعدم إكتراث، وأجابته بقسوة وهي تستند بمرفقها على ركبتها المثنية:
-أومال مفكرني هاسيب بنت الحرام دي تفلت بعملتها مني، دي جرستني في وسط الحتة، وأنا عملت معاها السليمة!

هدر فيها بإنفعال وعينيها تنطقان بالشرر المتطاير:
-حرام عليكي يامه، دي مش هاتخلف تاني!
لوت ثغرها بإبتسامة قاسية وهي تردد:
-عز الطلب، خليها كده زي الأرض البور، وبكرة أجوزك ست ستها!
وضع عبد الحق يديه على رأسه، وضغط عليها بعصبية وهو يهتف بحنق:
-منك لله يامه، خربتي بيتي!

اعتدلت في جلستها، ورمقته بنظرات حادة وهي تضيف ببرود:
-ياواد ده أنا ريحتك من بنت الأبلسة دي!
أصدر هو أنيناً خافتاً حزناً وقهراً عليها، ثم نظر لوالدته بأعين دامعة، وردد بعتاب شديد:
-أنا مش مسامحك يامه .. انتي ضحكتي عليا وخلتيني أصدق إن قلبك عليا، وإنتي .. إنتي كانت نيتك وحشة!
حدجته بإزدراء، وتابعت بغلظة قاسية:
-إنت اللي عبيط، مفكرني هسامح واحدة زيها!

إلتمعت عينيها ببريق مخيف وهي تكمل بشراسة:
-ده أقل حاجة تستحقها مني، لو كانت تحت ايدي، كنت حطيت رقبتها تحت جزمتي، وهرستها! كده هاتفضل فكراني طول عمرها، وتعرف مين هي إحسان!
ضغط عبد الحق على شفتيه بغل، ومسح بجانب كفه عبراته، ثم هتف بصوت عصبي:
-أنا مش عارف أقولك ايه، بس أنا خلاص معدتش ليا قعاد هنا معاكي، ولا كلام تاني!
نهضت عن الأريكة عقب عبارته الأخيرة، وضيقت عينيها بقسوة، ثم هتفت فيه بإنفعال:
-هتقاطعني يا عبده عشانها ؟

رد عليها بصوت متشنج وهو يلوح بذراعه:
-لأ عشان الظلم والافترى اللي عملتيه فيها، هتقابلي ربنا ازاي وانتي آآ...
قاطعته قائلة بتهكم وهي تشير بيديها بحركات مهينة:
-حوش حوش إنت اللي مقطع سجادة الصلاة، والتقى والإيمان بيشروا منك! ده انت صايع وضايع وفيك كل العِبر!
رد عليها بقوة وهو يرمقها بنظرات جارحة:
-بس مش مفتري وبأجي على الغلبان!

صاحت فيه بعصبية شديدة:
-قصدك ايه ؟
-حسبي الله ونعم الوكيل
قالها عبد الحق بغضب وهو يتجه نحو باب المنزل، ثم ولج للخارج وصفقه خلفه بعنف ..
إنتفضت إحسان بجسدها قليلاً على إثر الصفعة، وبصقت خلفه قائلة بإهتياج:
-روح داهية تاخدك إنت وهيا!

في مشفى الأمراض النفسية
وقف أوس مع رفيقه عدي في الحديقة الواسعة بالمشفى، ونظر الإثنين حولهما بإنتباه شديد، وتعلقت أنظارهما بالباب الواسع المتصل بها ..
أردف عدي متسائلاً بهدوء:
-إنت متأكد إنك عاوزها تكون معاها ؟
لم تطرف عينيه وهو يجيبه بإقتضاب:
-ايوه
تردد عدي وهو يسأله بضيق:
-بس .. بس انا كنت حابب إن ليان تبقى عندي الفترة دي، وخصوصاً إنها اتحسنت وآآ...

قاطعه أوس بثبات وهو يدس يده في جيب بنطاله:
-تقى محتاجة حد يكون معاها، وليان حالها ميختلفش عنها كتير!
تابع عدي قائلاً بإصرار:
-بس هي مراتي، وأنا عاوز أعوضها عن اللي حصل وآآ..
قاطعه أوس مجدداً وهو يضع يده على كتف رفيقه:
-أنا عارف ومتأكد من ده، بس استحمل شوية عشانها
-ممم ..

ثم ضغط على كتفه قليلاً بأصابعه، وأشار له بعينيه وهو يقول بجدية:
-بص، هي جاية أهي!
إلتفت عدي نحو المدخل لتلتقط نظراته ليان وهي تخطو برشاقة نحوهما ..
كانت مختلفة عن أخر مرة رأها فيها .. هي أكثر إشراقاً، أكثر حيوية، وأكثر إقبالاً على الحياة ..
تحرك الاثنين نحوهما حتى صار ثلاثتهم في مواجهة البعض ..
إرتسمت إبتسامة عذبة على وجه عدي، بينما تقوس فم أوس بإبتسامة هادئة وهو يهتف بخفوت:
-ليان.

نظرت له بعينين ضاحكتين، فتنهد بإرتياح لرؤيتها على تلك الحالة المنتعشة .. ثم لف ذراعه حول كتفها، وسحبها نحوه ليضمها إليه، وإحتضنته هي بذراعيها، وهمست له بنعومة:
-وحشتني!
ضغط على ظهرها بقبضته ليبث إليها الآمان، وأردف قائلاً بهدوء:
-وانتي كمان يا حبيبتي
أرجعت جسدها للخلف، ورفعت رأسها لتنظر إليه بتمعن، فإستأنف حديثه بجدية:
-مش هاتسلمي على عدي .. جوزك
أدارت رأسها في إتجاه الأخير، ورمقته بنظرات قوية، وهتفت بإقتضاب:
-هاي!

سألها بتلهف وهو يرمقها بنظرات حانية:
-ازيك يا ليو ؟ عاملة ايه ؟ طمنيني عليكي!
ردت عليه بفتور وهي تشيح بوجهها بعيداً عنه:
-Fine ( بخير )
لم يتعجب من تصرفها البارد معه، فقد أخبره طبيبها المعالج بأنها ستحتاج إلى وقت لتتقبل وجوده في حياتها مرة أخرى، وعليه أن يبذل مجهوداً من ناحيته ليكتسب ثقتها من جديد ..
وضع أوس إصبعيه على طرف ذقن شقيقته، ورمقها بنظرات دافئة لم تعتدها منه، وهمس متسائلاً بحماس:
-مستعدية تيجي البيت عندي ؟

ردت عليه برقة:
-طالما مش هاروح القصر، It's okay ( مافيش مشكلة )
أكمل قائلاً بجدية وقد ضاقت نظراته:
-انسي القصر بكل اللي فيه، انتي هتعيشي معايا لفترة وبعدها آآ...
اقتضب جملته الأخيرة حتى لا يثير ضجرها، وصمت للحظة ليطالع عدي بنظرات ذات مغزى، ثم إستأنف حديثه ب:
-تعرفي إن مراتي كان نفسها تشوفك!
قطبت جبينها بإندهاش، وسألته متعجبة:
-مراتك! هو .. هو إنت اتجوزت ؟

رد عليها بإبتسامة باهتة:
-ايوه، من كام شهر
سألته مستفهمة وهي ترمقه بنظرات مستغربة:
-من غير ما تقول لحد ؟
تنهد بعمق وهو يجيبها بحذر:
-بصي .. هو موضوع يطول شرحه، لكن اللي عاوزك تعرفيه، إنك لما هتشوفيها هتحبيها
هزت كتفيها بصورة عادية وهي تردد بإيجاز:
-اوكي ..

رسم عدي إبتسامة مصطنعة على ثغره، وأشار بكفه للأمام وهو يردد بحماس:
-مش يالا بينا! ولا انتو عاوزين تفضلوا هنا
أحاط أوس شقيقته بذراعه، وقال مبتسماً:
-يالا، زمانت الشنط بتاعتك اتحطت في العربية
سألها عدي بإهتمام، وهو يرمقها بنظرات ناعمة:
-انتي مش ناسية حاجة يا ليو ؟
ردت عليه بعبوس:
-لأ
ضغط عدي على شفتيه وهو يردد بحذر:
-تمام!
ثم تحرك ثلاثتهم في إتجاه الممر المؤدي إلى موقف السيارات ..

في منزل الجارة أم بطة
لطمت أم بطة على صدغيها بعنف وهي تصرخ متحسرة على إبنتها بعدما عرفت ما الذي حدث معه، ثم صاحت بمرارة:
-حبيبتي يا بنتي! عملتها فيكي العقربة دي!
نشج صوت بطة بأسف وهي تضيف:
-آآآه يامه، خلاص .. مبقاش فيا حاجة تنفع!
هتفت والدتها بتوعد وقد إحتقنت نظراتها بشدة:
-والله ما سيباها، ه آآآ..
قاطعتها بطة بصوت يائس وهي تمسح أنفها بمنشفة ورقية:
-مالوش لازمة يامه، خلاص، اللي راح راح، معدتش في حاجة يتبكي عليها إلا أنا.

رددت والدتها بنبرة مواسية:
-منها لله، ربنا ياخدها!
ثم رفعت يديها للأعلى، وكذلك أنظارها، وهتفت بغل: أشوفك محروقة كده ولا لاقية حد يطفيها، بقى تعمل فيكي كده، يخربيتها!
ظلت تهز جسدها بعصبية، ثم أضافت بنفاذ صبر:
-لالالالا .. مش قادرة أسكت
هتفت بطة بصوت مختنق وهي ترمق والدتها بنظرات معاتبة:
-انتي السبب يامه، جوزتني لواحد أمه بالشكل ده!

أجابتها والدتها بندم:
-يا بتي أنا كان غرضي أسترك، والحمدلله الحال بينكم اتصلح!
حركت بطة رأسها مستنكرة، وهتفت بنزق:
-بس هي يامه لأ .. كانت بترقدلي
تنهدت والدتها بصوت مرتفع، وصاحت بمرارة:
-آآآه يا ضنايا!
ثم إحتضنت ابنتها، وربتت على ظهرها بقوة، وقبلتها من رأسها، وأضافت قائلة بأسف:
-حقك عليا يا غالية!

بكت بطة أكثر، وتعالت شهقاتها .. فزاد شعور والدتها بالغضب، وهتفت بنبرة عدائية:
-بس ورحمة الغاليين كلهم مش هاسيبها، وربنا لأحيل عليها نسوان يجيبوا داغها، دي مش عارفاني، كله إلا بنتي!
رفعت بطة عينيها المتورمتين للأعلى، وإنتحبت بآلم جلي:
-ربنا ينتقم منك، أشوف فيكي يوم يا أم عبده، يا رب إنت على الظالم والمفتري، آآآه، يا رب انتقم منها، وخلص ذنبي!

في المستوصف الشعبي
دلفت المرأة التي أحضرت أختها الصغرى إلى داخل ذلك المكان الغير آدمي، ونظرت حولها بحقد ..
كانت تعابير وجهها مكفهرة للغاية، ونظراتها مشتعلة ..
كزت على أسنانها بغيظ وهي تتجه نحو مكتب الممرضة الخشبي ...
رفعت الممرضة السمراء وجهها لتنظر إليها وهي تقول ببرود:
-انتي تاني ؟ خير في حد عندك عاوز ختان ولا آآآ...
قاطعتها بصوت شبه غاضب وهي تطرق بيدها على سطح مكتبها القديم:
-فين الضاكتور اللي عملها العملية ؟
ردت عليها متسألة بفضول:
-بتسألي ليه ؟

ردت عليها متلعثمة وهي تحاول الحفاظ على إنفعالها:
-البت عندها نزيف من امبارح في آآ... في حتة كده آآ... آآ..
صاحت بها الممرضة بنفاذ صبر وهي تهز حاجبها:
-ماتقولي يا ستي مالها، انتي هاتكلميني بالألغاز!
مالت عليها المرأة بجسدها لتهمس لها في أذنها بموضع الجرح الجديد بالجرح الموجود في جسدها غير الخاص بالعملية ..
فعقدت الممرضة السمراء ما بين حاجبيها مندهشة، وإنفرج فمها لتقول بإستنكار:
-وده مين ايه ياختي ؟

ردت عليها المرأة بصوت جاد ومحتد:
-ماهو أنا جاية هنا عشان أسأل، البت بتصوت من امبارح، والدنيا مبهدلة عندها على الأخر!
-شوفي ياختي هو الضاكتور شامل بيجهز لعملية الوقتي، لما يخلص ه..آآآ...
قاطعتها بصوت مهدد وهي تلوح بذراعيها:
-هو أنا لسه هستناه أما يخلص، ناديه الوقتي، بدل ما أدخل عليه وأعملها فضيحة، وساعتها اللي ما هيشتري يتفرج، البت داخلة عندكم سليمة، تطلعي ب آآآ.. لألأ .. مش أنا اللي هاحط جزمة في بؤي وأسكت!

أشارت لها الممرضة السمراء بكفها وهي تقول بسخط:
-وعلى ايه، استني هنا!
ثم لوت فمها لتغمغم بهمس وهي تتحرك نحو الرواق المؤدي للغرف الداخلية في المستوصف:
-ولية شلأ، وبومة!
ظلت المرأة تفرك كفيها بعصبية واضحة وهي محدقة في الرواق ..
وما إن رأت الطبيب شامل مقبلاً عليه حتى أسرعت إليه، وهتفت بنزق:
-عملت ايه في اختي يا ضاكتور ؟

حافظ الطبيب شامل على هدوء أعصابه أمامها، وتعمد أن يرسم قناع الجمود .. فهو على يقين تام بما إرتكبه مع تلك القاصر من محرمات يندى لها الجبين ..
رفع رأسه للأعلى، وحدجها بنظرات إحتقارية وهو يجيبها ببرود مستفز:
-اختك مين ؟ هو أنا اعرفك أصلاً لما أعرف اختك!
صاحت فيه بصوت محتد وهي تحدجه بنظرات مميتة:
-اختي يا ضاكتور، اللي ختنتها امبارح!

رد عليها بجفاء أكثر وهو يعقد ساعديه أمام صدره:
-أنا بيورد عليا قليل وكتير، هافتكر مين ولا مين!
هدرت بصوت مغلول وهي تكز على أسنانها:
-يا ضاكتور، ده مكانش في إلا هي
زم فمه للأمام، وحل ساعديه ليدسهما في جيبي معطفه الأبيض .. وتابع بعدم إكتراث:
-مش فاكر، أنا بأركز في اللي بأعمله وبس!

سألته بصوت محتقن وهو تلوح بكف يدها:
-يعني يا ضاكتور الالتهاب والنزيف اللي جالها من الباب للطاق
أجابها بإقتضاب وهو يرمقها بنظرات باردة:
-معرفش!
هتفت مصدومة من رده:
-نعم!
أخرج يده من جيبه، وأردف قائلاً بجمود:
-بصي ممكن يكون عندها بواسير ولا حاجة.

صاحت فيه بعدم تصديق ونظراتها تزداد إشتعالاً:
-ايه الكلام ده يا ضاكتور، اختي جيالك زي الفل، وانت بتقولي عندها أبصر ايه!
رمقها بنظرات مهينة وهو يهتف بعنجهية:
-بأقولك ايه يا ست انتي، أنا مش فايق للعك ده، أنا عندي عيانين وعمليات غيرك، مش فاضيلك!
ثم أولاها ظهره، ونهر الممرضة السمراء قائلاً بغلظة:
-وانتي تاني مرة ماتندهليش أشوف الأشكال دي
هدرت المرأة بصوت غاضب يحمل التهديد:
-وأني مش هاسكت يا ضاكتور، وهاعرف إيه اللي حصل لأختي، وساعتها بس هاتعرف إن الله حق يا ضاكترة!

في منزل عبد الحق بالزقاق الشعبي
بصقت إحسان بقايا قشر اللب الذي إلتهمته على الأرضية أمامها، وزمت فمها للأمام وهي تتابع المشهد السينمائي المعروض على شاشة التلفاز ..
تنهدت بعمق وهي تتمتم مع نفسها بغرور:
-يا سلام يا إحسان، مالكيش أد ولا زي، عمر ما حد قدر أبداً يقف قصادك!

حركت جسدها على الأريكة لتتمطع بساقيها بعد أن شعرت بتنميل في إحداهما، ولكنها أحست بإهتزازة خفيفة تصيبها، فظنت أن رأسها يدور .. لذا وضعت راحتيها على جانبي رأسها، وغمغمت بسخط:
-مالها دماغي، هو اللب على الضغط عندي ولا ايه ؟
زادت حدة الإهتزازة، فنظرت حولها بذعر، وهتفت بهلع:
-هو في ايه بيحصل ؟

سمعت أصواتاً خارجية تصرخ بفزع:
-العمارة بتقع يا ناس، اهربوا بسرعة
وأعقبها صوت دقات قوية على باب منزلها لتنتبه ..
صرخت إحسان قائلة بهلع أقوى وهي تلطم على صدرها:
-يالهوي، الحقونا يا ناس!
ثم هبت مسرعها بجسدها الممتليء من على الأريكة لتركض بخطوات متثاقلة ناحية الباب، ولكنها تسمرت لحظة في مكانها لتشهق بصدمة:
-الدهب والفلوس، هاجيبهم الأول ..!

أسرعت ناحية غرفة نومها، ثم دفعت الباب بقبضتها بعنف لتدلف للداخل، ومن ثم فتحت ضلفة خزانة ملابسها، وانحنت بجسدها للأسفل لتبحث عن صندوق خشبي قديم تخبيء فيه مصوغاتها الذهبية وبعض النقود ..
إلتقطته على عجالة، وإعتدلت في وقفتها، وتنهدت بسعادة:
-تحويشة عمري كلها، مش هاسيبها تروح تحت التراب!

ثم سارت بخطى راكضة ناحية الباب، ولكن كانت البناية تهتز بعنف أشد فلم تتحمل أساساته القديمة تلك الإهتزازات القوية، فإنهار سقف غرفة الصالة على رأس إحسان التي صرخت بصوت مخيف قبل أن يخبو صوتها تماماً، ويهوى جسدها على الأرضية لتتراكم فوقه أطنان من الأسمنت والحديد الصدأ ..
وأعقبها إنهيار البناية القديمة بالكامل لتتحول في أقل من عدة ثوانٍ إلى رُكام...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة