قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل السابع والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل السابع والعشرون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

انتقل خبر إنهيار تلك البناية القديمة - على رأس معظم سكانها في ذلك الزقاق الجانبي - كالنار في الهشيم، وركض الجميع في اتجاهها ..
وكان من بين الراكضين عبد الحق الذي تلقى الخبر كالصاعقة .. فهو كان مع والدته قبلها بقليل ..
تسمر في مكانه أمام ركام البناية وعينيه جاحظتان من هول الصدمة ..
صرخ بإهتياج:
-أَمَه!

إلتف حوله بعض الجيران، وربت أحدهم على ظهره وهو يقول مواسياً إياه:
-ادعيلها بالرحمة
صرخ والدمعات تتسابق لتغرق وجهه:
-لألألأ .. أمي عايشة، أمي مامتتش!
أردف أخر قائلاً بحزن:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، الأعمار بيد الله يا بني، وفي شوية من السكان راحوا في الحكاية دي!

صاح رجل ما بصوت غاضب وهو ينفض الأتربة عن كتفه:
-احنا مش لازم نسكت، الحكومة لازم تعوضنا، ده احنا روحنا كانت هاتضيع
بينما أضافت سيدة أخرى بنبرة منفعلة:
-أنا لولا لحقت العيال وصحيت أبوهم كان زمانكم بتقروا الفاتحة على روحنا
هتف شخص ما بضجر وهو يلوح بذراعه:
-احمدوا ربنا، في غيركم مايعرفوش مصير أهاليهم!

تدخل رجل ما في الحوار قائلاً بجدية:
-اتفائلوا خير، مش يمكن يكون في حد لسه عايش تحت الأنقاض
هتفت السيدة بصياح:
-ايوه، كلموا النجدة والمطافي والاسعاف وآآ...
قاطعها الرجل بجدية وهو متجهم الوجه:
-كلمناهم من بدري، بس دي الحكومة، ويومها بسنة
-لطفك يا رب.

شعر عبد الحق أنه منفصلاً عما يحدث حوله من حوارات حادة وساخطة على الوضع الإجتماعي البائس لتلك الطبقة المعدمة من المجتمع .. وظل يتردد في عقله صدى ما اقترفته والدته في حق زوجته .. ونواياها الخبيثة تجاهها، وما تبعها من تدمير علاقتهما الزوجية ..
فإنتحب بأنين خافت وهو يضغط على رأسه بكفيه:
-لييييه يامه، لييييه ؟ هاتقبلي ربنا الوقتي ازاي ؟ آآآآه ...
وضع شخص ما يده على كتفه، وربت عليه وهو يقول بحزن:
-ربنا معاك يا عبده!

ثم إلتفت برأسه للجانب وصاح بنبرة مرتفعة:
-هات كرسي للجدع من القهوة، مش شايفين حالته
بعد برهة وصلت سيارات الشرطة والإسعاف، وقوات الحماية المدنية والإنقاذ من أجل انتشال الضحايا المدفونين أسفل تلك الأنقاض الثقيلة ...

في منزل أوس الجديد
عاونت المدبرة عفاف تقى في تبديل ثيابها المنزلية وإرتداء فستانا طويلا من خامة الجينز، ويتوسط منطقة الخصر حزاما من الجلد ذي اللون الماهوجني ..
ثم لفت حول رأسها حجاباً من نفس لون الحزام، ومشطت حاجبيها بإصبعها ..
نظرت لها عفاف بإعجاب، وأردفت قائلة:
-بسم الله ماشاء الله، زي القمر
ابتسمت لها تقى إبتسامة مجاملة، ولم تعقب، فتابعت الأخيرة بحماس:
-ليان هانم ماتتخيرش عنك، في نفس جمالك وبراءتك، وأنا واثقة انكو هاتكونوا أكتر من أصحاب!
أخذت تقى نفساً مطولاً لتسيطر على توترها الذي بدأت تزيد حدته مع اقتراب وصول ليان ..
استمعت عفاف لصوت فتح باب المنزل فهتفت بتلهف:
-أكيد وصلوا، يالا يا بنتي!

ولجت ليان إلى داخل منزل أوس وهي تتفحصه بنظرات دقيقة ..
لوت شفتيها في إعجاب واضح بالتصميم العام للصالة ومدى تناسق الأثاث معها ...
لف أوس ذراعه حول كتفها، وأردف متسائلاً بصوت آجش:
-ايه رأيك في المكان ؟
رفعت رأسها لتنظر في إتجاهه، وأجابته بخفوت:
-حلوة
وضع إصبعيه على طرف ذقنها، وابتسم لها وهو يتابع:
-ولسه لما تتفرجي على بقتها!
-أهلاً وسهلاً ليان هانم، نورتي البيت، وحمدلله على سلامتك
قالتها عفاف بنبرة متحمسة وحنونة وعلامات السعادة متجلية على تعابير وجهها
ابتسمت لها ليان، ورمقتها بنظرات دافئة، فقد اشتاقت إلى وجودها ..

ولكن لمحت عينيها طيف شخص ما يقترب من الخلف، فدقق النظر في ملامحه، فرأتها بوضوح .. إنها فتاة شابة، يكسو وجهها علامات الخجل، و مطرقة لرأسها وهي تسير ببطء نحوها ..
زاد شوق أوس وتأججت مشاعره وهو يراها تقترب منهما ..
عاودت ليان النظر إليه، ورمقته بنظرات متسائلة دون أن تنطق بكلمة، فهمس لها مجيباً إياها بحب:
-دي تقى! مراتي!
ابتسمت له مجاملة، وسلطت أنظارها مرة أخرى عليها ..

وقفت تقى على بعد خطوات منهما، وشبكت أصابع كفيها معاً، وفركتهما وهي تحاول الحفاظ على هدوئها الزائف ..
دفع أوس شقيقته للأمام وهو يردد بصوت خشن:
-تعالي يا ليان!
سارت الأخيرة معه حتى وقفت في مواجهة تقى، وحدجتها بنظرات قريبة ومطولة .. في حين تحاشت تقى النظر إليها، وظلت أنظارها معلقة بأصابعها المرتجفة ..
وقف أوس بينهما مراقباً بتمعن لردة فعلهما ..

ابتسمت ليان قائلة بنعومة:
-هاي، أنا ليان
تحشرج صوت تقى وهي ترحب بها قائلة بإرتباك:
-ازيك ؟ أنا .. أنا تقى
مطت فمها لتسألها بفضول:
-مممم.. Why you look shy ( لماذا أنتي خجولة ) ؟

رفعت تقى عينيها نحوها لتراها عن كثب .. ولم تعرف بماذا تجيبها، فقد تعذر عليها فهمها .. ولكن من تأملها لملامحها الواضحة، فقد أدركت الشبه الواضح بينها وبين خالتها تهاني ..
رمشت عدة مرات لتتأكد من أنها لا تتوهم هذا الشبه العجيب .. لقد كانت نسخة مصغرة من خالتها في شبابها ..
ابتسم أوس لعفويتها .. ولف ذراعيه حول كلتاهما، فالإثنين هما عالمه الخاص ..
ثم تشدق قائلاً وهو ينظر بحنو نحو زوجته:
-ماتتكسفيش يا تقى، ليان هاتبقى اختك.

ازدردت ريقها .. وضغطت على شفتيها .. فأضاف بجدية وهو ينظر لشقيقته:
-وانتي هاتكوني عمة قريب
شهقت ليان مصدومة، ووضعت يديها على فمها وهي تردد بعدم تصديق:
-مش معقول، هي .. هي حامل ؟
أومأ برأسه وهو يضم بذراعه تقى إلى صدره، في حين أسرعت ليان بمد يديها للإمساك بكفي تقى وهتفت بحماس:
-واو، يعني أنا هاكون أنطي
أجابها بإيجاز:
-اكيد.

قفزت من السعادة وهي تردد بنبرة مرحة:
-أنا مش مصدقة، دي حاجة حلوة أوي
وبدأت تثرثر بصورة غير طبيعية وهي متحمسة لكونها ستصبح عمة ..
اندهشت تقى من ردة فعلها العجيبة، والغير متوقعة على الإطلاق ...
كانت تخشى أن تواجه العكس أو الأسوأ معها، ولكن تحولت مخاوفها إلى سراب .. وأصبحت مطمئنة إلى حد ما من وجودها معها ..
بينما غمرت الغبطة قلب أوس .. لقد أوشك على تحقيق حلمه في لم شمل عائلته بعيداً عن كل تلك الصراعات ..

في منزل الجارة أم بطة
أوصدت أم بطة الشرفة بعد أن انتهت من حديثها مع الجيران، وسارت بخطوات سريعة نحو غرفة ابنتها وهي تهتف بصوت مرتفع:
-بت يا بطة، الحقي
نظرت الأخيرة إلى والدتها بعدم إهتمام وهي تثني ركبتها أسفل منها، وتنهدت بفتور وهي تسألها:
-في ايه يامه ؟
هتفت أمها بإنفعال وهي تلوح بكفيها:
-انتي يا بت مش سامعة الدوشة اللي برا، ولا الهيجان اللي في الحارة ؟!

لوت بطة فمها، وإستندت بطرف ذقنها على مرفقها، وأجابتها بعدم إكتراث:
-لأ .. ومش عاوزة أعرف!
أمسكت بها والدتها من ذراعها، وتابعت بنبرة سعيدة:
-يا بت اتعدلي كده، وصحصحي معايا، ده بيقولوا ان بيت الحيزبونة حماتك اتهد
اتسعت مقلتيها في صدمة واضحة، وهتفت بشهقة:
-ايه يامه ؟!

ردت عليها بتنهيدة إرتياح
-اللي سمعتيه، اتهد على دماغها، والحارة مالهاش سيرة إلا ده
أدمعت عيني بطة غير مصدقة ما لفظته والدتها، وهتفت بصوت شبه مختنق وهي ترفع رأسها للسماء:
-الله أكبر، انت المنتقم يا رب، خلص منها بذنب اللي عملته فيا!
زمت والدتها ثغرها، وضغطت على شفتيها وهي تردد بسعادة:
-سبحانه، دايما جابر بخاطر المظلوم.

ثم أشارت بكفها للخلف وهي تضيف بجدية:
-أنا هالبس الإسدال وأنزل أطأس وأعرف الأخبار وأجي أبشرك
هزت بطة رأسها قائلة بخفوت:
-ماشي يامه
أسرعت أم بطة خارج الغرفة وهي تردد بشماتة:
-إلهي يجلي خبرك يا بعيدة!

في منزل تقى عوض الله
مالت فردوس بجسدها للجانب بعد أن استلقت على الفراش، وظلت تفكر بتعمق شديد في خطة ماكرة لإستدراج ابنتها لتنفيذ مخطط إجهاضها ..
كانت شبه مترددة في البداية، ولكن بعد انهيار تلك البناية القديمة، باتت شبه حاسمة لقرارها ..
فهي لا تريد أن تنتهي حياتها راقدة تحت أكوام التراب، ولا تتمنى أن تصبح عاجزة فتتسول الطعام من غيرها ..

أظلمت عينيها بشرر مخيف وهي تتمتم مع نفسها بنبرة خاوية:
-مابدهاش، حياتنا كلنا معتمدة عليها، وأنا .. وأنا مش هاستنى أما نروح بلاش! والبيت ده يتهد على دماغنا كلنا! بناقص من العيل ده، وتبقى تجيب غيره!
نهضت فردوس عن الفراش، ورمقت زوجها الغافل بنظرات جافة، ثم انتصبت بكتفيها، وسارت إلى خارج الغرفة وهي عاقدة العزم على تنفيذ إتفاق الشيطان فوراً ..

على الجانب الأخر، إرتسمت إبتسامة عريضة على ثغر تهاني وهي تهاتف عدي قائلة بنبرة حنونة:
-كتر خيرك يا بني، أنا مش هانسى اللي عملته معايا ولا مع بنتي
أتاها صوته من الهاتف قائلاً بهدوء:
-ماتقوليش كده، أنا اللي نفسي أعوض ليان عن كل لحظة ظلمتها فيها!
ردت عليه بصوت دافيء وهي تمسح عبرات الفرحة من على وجنتها:
-إن شاء الله هايحصل، فرحتني، ربنا يفرح قلبك ويطمنك
-شكراً ليكي.

أضافت قائلة بتنهيدة:
-هاستنى منك تليفون تطمني عليها تاني
رد عليه بصوت هاديء وموجز:
-أكيد .. مع السلامة
تابعت بخفوت:
-في حفظ الله
ثم إحتضنت الهاتف بكفيها، وقبلت شاشته وهي تهمس بنبرة مشتاقة:
-ألف حمد وشكر ليك يا رب، ربنا يهدي سركم ويريح بالكم يا ولادي!

دلفت فردوس إلى داخل الغرفة، وتعجبت من حالة أختها الغريبة، وحدقت فيها بغموض وهي تسألها:
-في ايه تهاني ؟ انتي كنتي بتكلمي حد ؟
استدارت الأخيرة في إتجاهها، وعبس وجهها لرؤيتها، وتلاشت الإبتسامة من على محياها وهي تجيبها بجمود:
-لأ!
تقوس فم فردوس قليلاً لتهتف بسخط:
-أومال النوبايل بيعمل ايه في ايدك
سألتها تهاني بصوت شبه محتد وهي تضع الهاتف في جيب قميصها المنزلي:
-عاوزة ايه يا فردوس ؟

أسبلت فردوس عينيها، وأرخت كتفيها، وتعمدت إخفاض نبرة صوتها وهي تجيبها:
-آآ.. البت تقى وحشتني
هزت تهاني رأسها بعدم إقتناع قائلة بإيجاز:
-اها
أضافت فردوس قائلة بحزن زائف وهي تشير بكفها:
-نفسي أشوفها وأقعد معاها واعرف أحوالها
ردت عليها تهاني بجمود:
-اطمني هي كويسة مع جوزها، ومبسوطة!

هتفت فردوس بعصبية وهي تحدج اختها بنظرات قوية:
-بأقولك عاوزة اشوفها، تقوليلي هي مبسوطة
لم تقتنع تهاني بما تدعيه أختها، فتجاربها السابقة تؤكد نيتها السيئة معها، وهي لم تكنْ يوماً أماً حنوناً فيتلهف قلبها شوقاً لإبتعاد ابنتها .. لذا هتفت بنزق:
-ماتسيبها في حالها!
ردت عليها فردوس بعتاب زائف وهي تنتحب:
-هو أنا مش أمها ومن حقي أسأل عليها واطمن.

زفرت تهاني وهي تجيبها:
-ايوه انتي أمها، مقولناش حاجة!
هتفت فردوس بنشيج وهي تتعمد إخفاء وجهها بكفها:
-يا تهاني قلبي واكلني عليها، بقالي كتير ماشوفتهاش، نفسي أخدها في حضني وأطمن عليها!
ضيقت تهاني عينيها وهي تمط ثغرها:
-ممممم..
فركت فردوس وجهها بكفيها، وأضافت بتوسل:
-ما تكلمي ابنك يجبها هنا يومين.

ردت عليها تهاني بتهكن وهي تعقد ساعديها أمام صدرها:
-هو أوس بيكلمني أصلاً عشان أطلب منه ده ؟!
صاحت فيها فردوس بعصبية:
-أهوو اتصرفي، وهاتيهالي يوم ولا اتنين
ثم أجهشت بالبكاء وظلت تتمتم بكلمات مختنقة عن اشتياقها لإبنتها ..
نفخت تهاني مجدداً، وردت بنفاذ صبر:
-ربنا يسهل.

وضعت فردوس يدها على كتف أختها، وهتفت بإستعطاف وهي محدقة بها:
-أمانة عليكي يا تهاني، انتي أم زيي، وعارفة إن الضنا غالي!
تنهدت تهاني وهي تجيبها مستسلمة من توسلاتها المتواصلة:
-حاضر، هحاول أتصرف
احتضنتها بقوة وقد لمعت عينيها ببريق مخيف، وتشدقت قائلة بإمتنان:
-حبيبتي ياختي!
ثم تركتها وإنصرفت إلى الخارج، ووجهها يكسوه إبتسامة ماكرة، فقد نجحت بدهاء في دفع أختها لتلبية رغبتها ..
حكت تهاني جبينها، وفكرت ملياً في الإستعانة بعدي لإبلاغ ابنها أوس برغبة والدة تقى في رؤيتها وتمضية يوم في منزلها بصحبة عائلتها .. وإقناعه بالموافقة على طلبها ...

في الزقاق الشعبي
تم انتشال جثمان إحسان من بين الركام، وقام المسعف بإنتزاع ذلك الصندوق الخشبي القديم من بين ذراعيها المتيبسين حوله ... وسلمه لضابط الشرطة الواقف إلى جواره
إنفجر عبد الحق بالبكاء الشديد حينما رأى جثتها مسجاة أمامه ..
قام مسعف أخر بتغطيتها، وربت على كتف ابنها قائلاً بنبرة معزية:
-شد حيلك، هي راحت عند الأحسن مننا.

شهق عبد الحق بحسرة على نهايتها المأساوية، وجلس على ركبتيه أمامها، وأردف قائلاً بشجن وهو يمسك بكفها البارد:
-آآآه يامه! يا ريتك ما عملتي اللي عملتيه قبل ما تقابلي وجه كريم، آآآه!
كفكف عبراته بظهر يده وهو يكمل بصوت مختنق يحمل الأسف:
-أنا زعلان على حالك، ومش عارف .. مش عارف مصيرك ايه، آآآآه، جيتي على الغلبانة دي، وربنا خلص ذنبها منك يامه!
ربت على فخذيه بقوة، وهز جسده بعصبية وهو يردد بإستنكار: آآه لو كنت أعرف باللي هايحصل مكونتش جيت ولا زورتك من الأساس، آآآه ..!

في منزل أوس الجديد
انضمت ليان إلى عفاف في المطبخ وتحمست لإعداد الطعام معها .. فقد إشتاقت لتلك الأجواء الدافئة في حياتها ..
إختلست عفاف النظرات إليها من طرف عينها، ورأت مدى السعادة البادية على تصرفاتها وهي تقطع الخضروات بالسكين، فتنهدت بإرتياح ..
هتفت ليان وهي تمص إصبعها:
-عفاف، بليز ناوليني الطبق ده
ردت عليها عفاف بإبتسامة ناعمة:
-حاضر!

تسائلت ليان بفضول وهي قاطبة لجبينها:
-تفتكري تقى حامل في بوي ولا جيرل ؟
هزت عفاف كتفها وهي تجيبها:
-مش عارفة
استغربت ليان من ردها، وسألتها بإهتمام:
-ازاي، هي حامل في كام شهر ؟
أجابتها بعد لحظات من الصمت:
-شهرين باين
زمت ليان ثغرها للأمام، وتابعت بحماس:
-مممم.. يعني لسه شوية ونعرف نوع البيبي، تمام، أكون فكرت هاجيبله ايه

انتهت تقى من طي الملابس النظيفة، ثم حملتهم بذراعيها، وولجت إلى داخل غرفة النوم، وأسندتهم على طرف الأريكة، ثم تحركت في اتجاه خزانة الملابس، وفتحت الضلفة الخاصة بثياب أوس لتعيد وضع ما يخصه بها ..
كانت مندمجة بكل تفكيرها فيما تفعله، ولم تنتبه لحضوره ..
وقف هو على عتبة الباب يراقبها بنظرات رومانسية، ثم إستند على الحائط ليتطلع إليها بشغف ..

عقد لساعديه أمام صدره، وإلتوى فمه بإبتسامة إعجاب بسبب حرصها الشديد على وضع ثيابه بترتيب ثابت ..
استشعرت تقى وجوده بالقرب منها وهي محدقة بضلفته، فأدارت رأسها للخلف، وشهقت مصدومة حينما رأته يطالعها بنظراته التي تربكها ..
إرتجفت قليلاً، ولكنها سريعاً ما حافظت على هدوئها الزائف ..
ظلت إبتسامة أوس الصافية مطبوعة على وجهه وهو يرخي ساعديه ..

تحرك نحوها بخطوات بطيئة، فضغطت على شفتيها بتوجس، وإدعت إنشغالها بترتيب بقية الثياب ..
وقف أوس قبالتها فسد عليها الطريق للخزانة، فهتفت فيه بتلعثم:
-آآآ.. لو سمحت!
رمقها بنظرات شغوفة، وأردف قائلاً بنبرة خافتة:
-ما تكملي، أنا سايبك على راحتك
عقدت ما بين حاجبيها، وصاحت بضجر وهي تشيح بوجهها بعيداً عنه:
-مش بأحب حد يراقبني.

ابتسم لها متسائلاً بتسلية وهو يضع يده على كتفها:
-أها .. وايه كمان ؟
أزاحت يده بعيداً عنها، وتابعت بضيق زائف:
-لو سمحت وسع، أنا .. أنا آآ...
قاطعها بجدية وهو يمسك بقبضتها:
-ششش .. أنا عاوز أوريكي حاجة
ابتلعت ريقها بتوتر، وطالعته بنظرات حائرة، فطمأنها قائلاً بإبتسامته الغير معهودة:
-يا رب بس تعجبك.

ثم سحبها خلفه ليجلسها على الأريكة، فنظرت له بغموض ..
جثى أوس على ركبته أمامها، وأجفل عينيه، ثم أمسك بكف يدها، ومسح على باطنه بأنامله الخشنة ..
تعجبت هي من تصرفاته الغير مفهومة ..
ولكن إرتعش جسدها مع لمساته الرقيقة لراحة يدها ..

شعور غريب يتصارع بداخلها ما بين القبول والرفض له .. ما بين الإستسلام والمقاومة لمشاعرها التي تتمكن رويداً رويداً منها .. ولكنها أفاقت من شرودها على صوته وهو يردد بهمس:
-أنا مكونتش عارف أجيب ايه هدية ليكي تفضل معاكي ومعايا حتى لو مكوناش جمب بعض!
خفق قلبها للحظة من كلماته، وضاقت عينيها بقلق، كما تشنجت قسمات وجهها نوعاً ما
أضاف قائلاً بحنو وهو يطالعها بنظراته العاشقة:
-بس يمكن تقربنا أكتر من بعض!

زاد فضولها لمعرفة تلك الهدية الغامضة التي يتحدث عنها ..
دس أوس يده في جيب سترته، وأخرج منها حذائاً صغيراً للغاية يخص طفل رضيع من اللون الأزرق السماوي، ملمسه ناعم للغاية، و مطرز عليه رسمة مبهجة ل ( أرنب ) صغير ..
فغرت تقى شفتيها مصدومة وهي تراه يضع فردتي الحذاء في كفها، وإقشعر بدنها بشدة ..
ابتسم لها أوس وهو يتابع بصوت خافت:
-انتي هايكون معاكي فردة!

ثم سحب فردة أخرى، وتابع بإبتسامة جادة:
-وأنا هايكون معايا التانية .. وهايحافظ كل واحد فينا على اللي يخصه لحد ما تولدي وتقومي بالسلامة ونلبسها لإبننا!
كانت في حالة ذهول وهي تطالع بعينين دامعتين ذلك الحذاء الصغير ...
لم تعرف ما الذي أصابعها، فترقرقت العبرات في مقلتيها .. ولكن ذلك الإحساس الرهيب الذي عبر عنه أوس في تلك الهدية المميزة جعلتها تبكي متأثرة ..

أغلق أوس أصابعها على فردة الحذاء الناعمة بأنامله القوية بعد أن أعاد وضع فردته في جيبه، ثم رفع كفها إلى فمه وقبله بحرارة وهو مغمض العينين ..
أخذ نفساً عميقاً ليسيطر على إنفعالاته، وقاوم بشراسة عبراته التي تتحداه لتخرج من عينيه ..
ثم أسند صدغه على كفها القابض عليه، وهمس لها متعهداً:
-انتو الوقتي كل حياتي، وأنا هحافظ عليكم وهاحميكم، وآآ...
صمت للحظة ليكمل بنبرة شبه مختنقة بعد أن أخفض جفنيه:
-ومش هاتخلى أبداً عنكم!

استشعرت بإحساس مرهف مشاعره الصادقة نحوها ونحو جنينها الذي لم يرْ الحياة بعد ..
وإنهمرت العبرات لا إرادياً منها لتبلل شعره ..
رفع أوس رأسه نحوها، ومد يده ليمسح عن وجنتها تلك الدمعات الدافئة .. ومازحها قائلاً بإبتسامة:
-أجيب منديل لمناخيرك ؟ أنا مش معايا في جيبي، ولا انتي بتمسحي في الكُم عادي ؟
ضحكت لا إرادياً على طرفته .. فزادت إبتسامته من وسامته ..
وأسندت إصبعها على طرف أنفها وهي حائرة بين الضحك والبكاء...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة