قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثامن والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثامن والعشرون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في سرادق للعزاء بالحارة الشعبية
وقف عبد الحق في مقدمة سرادق العزاء المقام على أرواح ضحايا البناية التي إنهارت لتلقي واجب العزاء في والدته ..
حضر غالبية قاطني المنطقة من أجل مواساة أهالي المتوفين ..
شعر عبد الحق بخواء داخل روحه .. وكأن تلك الفاجعة المباغتة قد زادت من عمره عشر سنوات ..
صافحه أحد الأشخاص قائلاً بجدية:
-شيد حيلك يا عبده، إنت أدها وأدود.

رد عليه بصوت حزين:
-الشدة على الله
صافحه أخر وهو يهتف بنبرة خافتة:
-البقاء والدوام لله يا عبد الحق
تنهد قائلاً بحزن:
-الدوام لله وحده
انتبه الجميع إلى صوت صافرات سيارات النجدة والشرطة، وتعلقت أنظار الجميع بذلك الضابط الذي جاء بصحبة عساكره، ورمق الجميع بنظرات حادة قبل أن يهتف متسائلاً:
-مين فيكم عبد الحق شلبي ؟

ازدرد ريقه، وأجابه متوجساً وهو يرمش بعينيه:
-أنا .. أنا يا سعات البيه!
أشار له الضابط بكف يده وهو يتابع بصرامة:
-تعالى معايا القسم، المأمور عاوزك!
تلعثم عبد الحق وبدى مصدوماً وهو يسأله:
-ليه ؟ هو .. هو أنا عملت حاجة ؟!
أجابه بجمود وهو يحدجه بنظرات جادة:
-معرفش، الأوامر اللي عندي انك تيجي معايا.

أردف أخر قائلاً بإستعطاف:
-يا باشا ده واقف بياخد العزا في أمه، حرام والله آآ..
قاطعه الضابط بصرامة:
-شوية وهيرجع تاني، اتفضل معايا
اضطر عبد الحق أن يسير بصحبة الضابط دون أي مقاومة من أجل معرفة سبب ذلك الإستدعاء المفاجيء .. في حين أبدى أهالي الحارة تذمرهم وإعتراضهم مما يحدث ..

عند مخزن قديم تابع لشركات الجندي
راقب عدي تلك السيارات المصفحة السوداء وهي تقترب منه، وأشار بإصبعه للحراسة المرابطة خلفه قائلاً بصرامة:
-دخلوا الأمانة جوا، ويتروق عليهم، ويتظبطوا قبل ما يجي الباشا
رد عليه أحدهم بإيجاز وهو يهز رأسه إيجابا:
-أوامرك يا عدي باشا
توقفت السيارات المصفحة، وترجل منها عدة رجال أشداء وهم يحملون أجولة سوداء يصدر من داخلها أصوات مكتومة ..

ثم انطلقوا بهم إلى داخل المخزن، وأغلق الباب خلفهم ..
مط عدي فمه في إعجاب، وتابع بصوت صارم:
-المكان يتأمن كويس، ومحدش يتحرك من هنا إلا بأوامر مني أو من الباشا أوس شخصياً!
ثم تحرك في إتجاه سيارته وهو يضغط على زر الإتصال برفيقه الوحيد ليبلغه بإتمام المهمة ...

في منزل أوس الجديد
أنهى أوس المكالمة الموجزة مع عدي وهو يتجه نحو خزانة ملابسه ليرتدي حلته السوداء ..
إلتوى فمه بإبتسامة قاسية وهو يحدث نفسه بتوعد:
-وجه وقت الحساب!
عَدَل من هيئته أمام المرآة، ثم خرج من الغرفة ليجد ليان تعترض طريقه، فإبتسم لها برقة، بينما ارتمست علامات الإندهاس على وجهها، وسألته بفضول:
-هو انت خارج الوقتي ؟
أجابها بهدوء حذر:
-اها، عندي شغل
سألته مستفهمة وهي محدقة به بإندهاش:
-شغل السعادي، طب هتتأخر ؟

رد عليها بإيجاز:
-مش أوي!
ثم وضع يده على طرف ذقنها، وتابع بجدية:
-المهم خليكي انتي مع تقى، وخدي بالك منها
ابتسمت قائلة بحماس:
-اطمن!
لف أوس ذراعه حول ظهر شقيقته، وضمها إلى صدره، ثم قبلها في رأسها، وهمس لها بحنو:
-ربنا يخليكي ليا
تعجبت ليان من تصرفاته الغريبة والغير مفهومة بالنسبة لها، فهو لم يكنْ حنوناً من قبل معها، ولم تظهر عليه علامات الإهتمام بأي شخص سوى نفسه ..
لكنها ترى الآن أمامها شخصاً جديداً مختلفاً في كل شيء .. حتى في إنسانيته .. وكأنه وُلد من جديد ...

في السجن النسائي
ضربت ناريمان كفاً على الأخر وهي تدور في العنبر النسائي محدثة نفسها بإنزعاج:
-ولا حس ولا خبر من تهاني!
زفرت بصوت مسموع وهي تتابع بحنق:
-أوووف! أنا مش معقول هافضل كده على أعصابي لحد ما يجيلي خبر منها، الأيام هنا مش بتعدي أبداً ..!
جلست على طرف فراشها السفلي، وأمسكت بالحامل المعدني الذي يربطه بالفراش العلوي، وكزت على أسنانها لتضيف بهمس:
-لازم أفكر في بديل لو خطتي فشلت!

في المخفر التابع للحارة الشعبية
دلف عبد الحق إلى داخل مكتب المأمور وقلبه يرتجف من سبب طلب رؤيته ..
أشار له الأخير بيده ليجلس قائلاً بهدوء:
-اتفضل اقعد يا عبد الحق
ابتلع ريقه بخوف، وسأله بحذر:
-خير يا باشا ؟ هو .. هو حضرتك كنت عاوزني في ايه ؟
-الصندوق ده بتاعك ؟

قالها المأمور وهو يوميء بعينيه نحو صندوق خشبي قديم
دقق عبد الحق النظر فيه، وهتف بلا تردد:
-ايوه، ده بتاع أمي الله يرحمها، كانت بتحط فيه حاجاتها، والصيغة بتاعتها وفيه قسيمة الجواز من أبويا، وشوية صور قديمة وآآ..

هز رأسه بحركة خفيفة، وقاطعه بنبرة رسمية:
-تمام ..تمام المسعف سلم الصندوق ده لواحد من الظباط، وأدلى بمواصفات المرحومة صاحبته، واللي كانت تنطبق مع والدتك، وأنا كان لازم أتأكد من محتوياته منك قبل ما أسلمهولك
أمسك المأمور بالصندوق، وناوله إياه قائلاً بجدية:
-اتفضل يا عبد الحق، وادعي للمرحومة
أخذه منه عبد الحق، ورد قائلاً بابتسامة باهتة:
-كتر خيرك يا باشا

في منزل أوس الجديد
ضمت تقى ركبتيها إلى صدرها، وطالعت بعينين حالمتين ذلك الحذاء الصغير ..
تشكلت ابتسامة عفوية على ثغرها وهي تتحسس ملمسه الناعم .. ودار بخلدها كلمات أوس الرقيقة لها مع إحساسه المرهف الذي لامس قلبها ..
قبضت هي عليه لتخبئه في راحتها حينما سمعت صوت ليان يأتي من خلفها ب:
-أنا عملت بوبكورن ( فشار )، تاكلي معايا
ابتلعت ريقها، وأجابتها بحرج وقد توردت وجنتيها قليلاً:
-ماشي.

جلست ليان إلى جوارها على الأريكة العريضة، وأسندت الصحن المليء بالفشار وأمسكت بالريموت لتنتقي فيلماً جيداً لتتابعه الاثنتين .. واختلست النظرات إلى تقى وهي تسألها بحذر:
-في حاجة معينة بتابعيها ؟
ترددت وهي تجيبها بخفوت:
-آآ.. لأ
ابتلعت ليان بضعة حبات من الفشار، وإعتدلت في جلستها، وتسائلت بفضول:
-هو أنا ممكن أسألك في حاجة كده ؟

هزت تقى رأسها بخفة وهي تجيبها بهمس:
-أها .. ماشي
حدقت ليان فيها لتتبين ردة فعلها، وسألتها بإستغراب وهي ترفع حاجبها للأعلى:
-انتي اتجوزتي أوس ازاي ؟ يعني ايه اللي خلاه بهيلمانه ده كله يتجوزك انتي تحديداً ومش أي واحدة تانية ؟!
اتسعت عيني تقى في صدمة، وجفلت لوهلة وهي تتذكر ومضات من تلك اللحظات الحرجة في حياتها الماضية وما تضمنته من مآسي نفسية وبدنية، وإنتهاك وحشي، وتعذيب مضني لروحها ..

تعجبت ليان من صمتها الذي طال، ومن تعبيرات وجهها الغير مفهومة .. فهتفت بتهكم وهي تغمز لها:
-واضح انه سر بينكم!
ثم نظرت أمامها، وحدقت في شاشة التلفاز بنظرات فارغة، وأضافت بنبرة تحمل المرارة:
-بس .. بس مهما كان اللي بينكم، مش هايكون زي اللي حصل معايا، والكدب اللي اتعرضتله، وآآ.. وحياتي ومستقبلي اللي راحوا مع آآ..

توقفت عن إكمال جملتها للحظة لتسيطر على حالها، فقد ترقرقت العبرات في عينيها، وتنهدت بحرقة وهي تقاوم تلك الرغبة العارمة في البكاء .. ثم تابعت بنشيج أسف:
-تخيلي أنا .. آآ... يضحك عليا من أقرب ناس حبتهم و..آآ.. ويطلعوا آآ...، وأتخدع في آآ...
عجزت ليان عن إستئناف حديثها المخزي، وأجهشت بالبكاء المرير، ودفنت وجهها بين راحتي يدها .. وظلت تشهق بصوت مكتوم يعبر عن مدى الآلم الذي اضطرت أن تتجرعه قسراً ..

راقبتها تقى بإندهاش عجيب .. فلم تتخيل أن تلك الصغيرة تحمل في قلبها أوجاعاً مؤلمة مثلها ..
أشفقت عليها، ورق قلبها نحوها، فمدت يدها إليها، وربتت على كتفها بخفة، فمالت عليها ليان لترتمي في أحضانها، فضمتها تقى بذراعيها، وأغمضت عينيها أسفاً على حالها .. وأسندت رأسها على جبينها، وقبلتها بحنو ..
نعم .. فكلتاهما عانت، وبشدة ..

في منزل عبد الحق المتواضع
وضع عبد الحق الصندوق الخشبي على طاولة الطعام، ثم سحب المقعد للخلف ليجلس عليه، وإستند بوجهه على مرفقه، وأخرج تنهيدة مكتومة من صدره ..
حدق في ذلك الصندوق بنظرات خاوية، وظل يعبث بقفله الصغير المحطم وهو يردد بحسرة:
-هايفيد بإيه الدهب والفلوس من غير راحة ولا سعادة
نظر حوله بإحباط شديد، فالسكون الذي يسيطر على مكان يكاد يصيبه بالجنون ..

وقعت عينيه على مدخل المطبخ، ورن في أذنيه ضحكات زوجته وهي تطهو الطعام له وتتدلل عليه فيغازلها بكلماته المعسولة ..
أدمعت عينيه، وزفر بصوت مختنق وهو يشيح بوجهه ناحية باب غرفة النوم حيث وقعت بها المأساة التي انتهت حياتهما البسيطة ..
لطم على رأسه المطرقة في خزي بكفيه، وصاح مستنكراً:
-آآآه، يا ريتني أقدر أرجع بالزمن لورا وآآ...
توقف عن إتمام جملته، ورفع رأسه في اتجاه الصندوق ليحدق به بجمود ...
ثم هب من مكانه، وهتف بنزق:
-هو .. هو ده الحل لكل مشاكلي، أيوه، بس أتأكد الأول!

في المخزن القديم التابع لشركات الجندي
حل رجال الحراسة الخاصة الأجولة السوداء لينكشف ما بداخلها ..
برزت رؤوس الصحفي وفيق، وبكر، وكذلك حمدي عصفورة ..
أزاح حارس أخر الشريط اللاصق عن فم وفيق ليبدأ بالصياح والصراخ مستغيثاً بمن ينجده، ولكن أخرسه صوت أوس الصادح وهو يشهر فوهة مسدس ما أمام رأسه:
-نفس واحد كمان وهتلاقوا مخكم طاير في الهوا!
ابتلعت وفيق ريقه بذعر واضح، فقد عرف هوية ذلك الرجل المخيف .. وسأله متوجساً:
-انت .. انت خطفنا ليه ؟

تبادل كلاً من بكر وحمدي النظرات المذعورة، وارتعشا جسديهما بخوف كبير ؟
حدج أوس وفيق بنظرات مميتة، وأجابه بنبرة قاسية وهو يكز على أسنانه:
-مش في وقت للحساب يا .. يا أستاذ يا صحفي يا كبير!
هتف وفيق بنبرة مرتجفة:
-أنا .. أنا هابلغ البوليس وهاتهمك بإنك خطفتني وآآآ...

قاطعه أوس بشراسة وعينيه تكادا تخرجان من محجريهما:
-هات أخر ما عندك، بلغ الدنيا كلها، بس ده مش هايعفيك من الحساب
ارتعد جسد وفيق، وزاد خوفه، وبدى وجهه أكثر شحوباً، فهو قد وقع في براثن أشرس الذئاب .. ذئب لا يرحم ولا يغفر لمن تعدى على ما يخصه ...
اقترب أوس منه، وحدجه بنظرات أكثر شراسة، ثم رفع يده عالياً، وهوى بها على صدغه، ليصفعه بقوة آلمته بشدة ..
صرخ وفيق من تلك الصفعة المباغتة، بينما أكمل أوس قائلاً بنبرة مميتة:
-ده عشان لسانك ال **** ميجبش في سيرة مراتي تاني.

صفعه مرة أخرى بقوة أفظع وهو يتابع بنبرة منفعلة:
-وده عشان إتجرأت وكتبت كلام إنت مش أده
تأوه وفيق من الآلم، وصرخ مستغيثاً، فصفعه أوس بعنف أشرس وهو يكمل بإهتياج:
-وده عشان تعرف إن حياة أوس الجندي خط أحمر
نزف وفيق الدماء بغزارة من فمه وأنفه .. وبكى متوسلاً:
-آآآه، ماتموتنيش يا باشا، حقك عليا، أنا .. أنا مكونتش أعرف!

توقف عن الحديث ليتلقط أنفاسه اللاهثة، وتابع بصوت مختنق وهو يشير بعينيه نحو حمدي عصفورة:
-الواد .. الواد عصفورة هو اللي كان بينقلي الأخبار وآآ...
إتسعت حدقتي حمدي بذعر واضح حتى كاد قلبه أن يتوقف رعباً بعد أن حمله الصحفي وفيق اللوم كله، وصرخ بصوت مكتوم محاولاً الدفاع عن نفسه ...
أضاف وفيق قائلاً بهوس:
-أنا .. أنا مشوفتش حاجة، كنت .. كنت بأخد اللي بيبعتهولي، وهو .. وهو قبض التمن، وساومني على آآ...

قاطعه أوس بصوت قاتل دب الرعب في قلبه:
-كل واحد وهياخد دوره معايا، وبعد ما أخلص معاكو .. استلقوا وعدكم من حبايبكم
ازدرد وفيق ريقه وسأله بتلعثم:
-آآ.. قصدك ايه ؟
إلتوى فمه ليجيبه ببرود مميت:
-نسيت أقولك، كل اللي كان على الهارد بتاعك من ملفات أصلية اتبعت لأصحابهم، وهما بنفسهم هيصفوا حسابهم معاك، وأنا إن رحمتك، فغيري هيدفنك بالحياة
صرخ وفيق بهلع كبير وقد شَخِصَت أبصاره:
-لألألألألألأ ...!

في منزل أوس الجديد
بعد نوبة من البكاء الممزوج بالمشاعر الرقيقة، اتفقت كلاً من تقى وليان على مشاهدة فيلم كارتوني لتخفيف حدة الأجواء ..
وما إن انتهت أحداثه حتى نهضت ليان عن الأريكة، وتمطعت بذراعيها وهي تهتف بصوت شبه ناعس:
-أنا هادخل أنام، مش قادرة خلاص
ابتسمت لها تقى برقة وهي ترد عليها:
-طيب
سألتها ليان مندهشة وهي عاقدة ما بين حاجبيها:
-ايه مش هتنامي انتي كمان ؟

ارتبكت تقى للحظة، وأجابتها بتلعثم:
-هه .. أنا هاريح هنا شوية!
أشارت ليان بإصبعها للخلف وهي تتابع بإستغراب:
-طب ما تنامي جوا في الأوضة، ليه تفضلي هنا ؟!
زاد إرتباكها وهي تجيبها بصوت شبه متقطع:
-آآ.. لأ .. أنا .. أنا لسه هاشوف حتة من آآ.. الفيلم ده.

هزت ليان كتفيها في عدم مبالاة وهي تقول:
-اوكي، As you like ( كما تحبين )!
ثم بادلتها بإبتسامة ناعمة وهي تقول ومشيرة بيدها:
-Good night ( تصبحي على خير )
ظلت تقى باقية بمفردها في الصالة، وتنهدت بعمق وهي تحاول البقاء مستيقظة .. ولكن لا أحد يستطيع الصمود أمام سلطان النوم ..
إستندت برأسها للخلف، وشعرت بثقل في جفنيها، وسريعاً استسلمت له، وغطت في سبات عميق...

في المخزن القديم التابع لشركات الجندي
انتهى أوس من تلقين هؤلاء الذين تطاولوا على زوجته درساً قاسياً أوجعهم .. وأكمل رجال حراسته البقية ..
مسح بمنشفة مبللة جانبي كفيه من تلك الدماء العالقة بهما ..
ثم إستدار بجسده نحو باب المخزن وهتف بصوت صارم:
-بعد ما تخلصوا مهمتكم، يتسلموا زي ماهما للبهوات اللي طالبينهم، كل واحد ياخد حقه منهم براحته
رد عليه حارس ما بجدية:
-تمام معاليك.

ربت عدي على كتف رفيقه بإعجاب، وهتف قائلاً بمزاح:
-الصراحة الواحد يخاف يزعل أختك لأحسن تجيبه في شوال وتدفنه ومحدش يعرفله طريق جرة
نظر له أوس بنظرات حادة وهو يجيبه بجمود:
-ده مع اللي يجي عليا وعلى اللي يخصني يا عدي!
ضغط على شفتيه وهو يتابع بحذر:
-تمام .. المهم كان في حاجة كده كنت عاوز اقولك عليها
سأله بإقتضاب وملامح وجهه متشنجة للغاية
-ايه ؟

أجابه عدي في نفس واحد:
-شوف، من غير ما أزوق الكلام، الست فردوس مامت تقى عاوزة تشوف بنتها!
ضاقت عينيه أكثر، وسأله بغموض:
-وإنت عرفت منين ؟
رد عليه عدي بتلعثم قليل وهو يتحاشى النظر إليه:
-من آآ... من مدام تهاني!

زاد قسمات وجه أوس تشنجاً .. وبدت بشرته محتقنة .. ورغم هذا لم يعقب .. فحاول عدي أن يلطف الأجواء قليلاً، فأكمل بهدوء حذر:
-أنا عارف إنك مش بتحب حد يجيب سيرتها قصادك، بس .. بس هي خالة مراتك ومامت ليان، ومن حقها، قصدي يعني من حق فردوس تشوف بنتها وتطمن عليها!
حدق أوس أمامه وكز على أسنانه ليقول بشراسة مختصرة:
-نتكلم بعدين
هتف عدي بإصرار:
-لأ الوقتي!

سلط أوس نظراته المحتقنة عليه، فتابع عدي مبرراً بجرأة:
-أوس، انت عندك حاجات كتير بتعملها، وحسابات عاوز تخلصها، مش معقول هاتفضل مركز في كل ده وسايب مراتك وليان لوحدهم ..!
ضغط عدي على كتف أوس أكثر، وأضاف بهدوء:
-خليهم يوم ولا اتنين مع أهلهم، صدقني ده هايفرق كتير معاهم!
نفخ أوس بصوت مسموع، وركل الأرضية بقدمه وهو يتحرك للأمام ليفكر ملياً فيما قاله رفيقه ..

راقبه عدي بحرص .. ولم يردْ أن يزيد في الحديث معه .. لكنه في قرارة نفسه كان شبه متأكداً من إقتناعه بهذا الإقتراح ..
هتف أوس بصوت متصلب:
-ماشي، أنا هوديهم عندهم، بس مش اكتر من يومين، أصفي بقية حساباتي وبعدها يرجعوا!
ابتسم عدي إبتسامة عريضة، وهتف بسعادة:
-طبعاً!

في مشفى الجندي الخاص
طرق مهاب بأصابعه على سطح مكتبه بحركات عصبية وهو يتطلع أمامه بوجه مكفهر ...
زم ثغره للأمام، وأخذ نفساً عميقاً، وزفره ببطء وهو يعتدل في جلسته ..
أردف قائلاً بتوتر:
-مافيش لا حس ولا خبر من أم البت دي لحد الوقتي! لازم أحط بديل لو هي خافت ومرضتش تنفذ اللي اتفقنا عليه!
أمسك مهاب بذلك السكين الصغير الذي يفتح به المظروفات المغلقة، وحك به سطح المكتب، ثم حدق أمامه بنظرات مظلمة، وتابع قائلاً بوعيد:
-بس قبل ما أعمل ده، محتاج أعملها زيارة أخيرة...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة