قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل السابع والثلاثون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل السابع والثلاثون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

عند العيادة النسائية
أوقف السائق السيارة الجيب أمام مدخل عيادة الطبيبة بارسينيا، ثم ترجل عدي منها، وفتح الباب الخلفي، ومرر جسده للداخل ليتمكن من حمل تقى، وعاونته ليان في إسنادها، فأشار لها بعينيه قائلاً بجدية:
-سبيها، أنا ماسكها كويس
هزت رأسها إيجاباً وهي تهمس بنعومة:
-اوكي
اتجه عدي نحو درجات المدخل، وصعد عليه بحرص شديد، ودلف إلى الداخل ولحقت به ليان دون تردد ..

رأتهما الطبيبة بارسينيا، فركضت نحوهما ولوحت لمساعديها بيدها وهي تهتف بجدية:
-هاتوا المدام بسرعة على أوضة الكشف
ثم تسائلت بقلق وهي تتفحص وجه تقى ورسغها:
-حصلها إيه ؟
أجابها عدي بصوت لاهث:
-احنا مش عارفين
أردفت الطبيبة بارسينيا قائلة بتجهم:
-يا جماعة مش أنا منبهة أكتر من مرة تاخدوا بالكم منها كويس، وتبعدوها عن أي جو فيه توتر أو ضغط نفسي لأنه ممكن يأثر عليها وتخليها تفقد الجنين!
شهقت ليان بصدمة وهي تضع كفيها على فمها:
-ايه، لألأ!

نظر عدي نحوها بقلق، ثم عاود التحديق في بارسينيا، وأضاف بنبرة يشوبها التوتر:
-هي لما هاتفوق أكيد هاتحكي عن اللي حصل!
مطت ثغرها وهي تقول بحذر:
-عامةً أنا هافحصها حالاً، ولما تفوق نتكلم!
أحضرت ممرضة ما ال ( ناقلة ) الطبية، ومدد عدي تقى عليها، ثم فردت ممرضة أخرى ملاءة نظيفة عليها لتغطي جسدها، ودفعتها الاثنتين نحو غرفة جانبية .. ولحق بهم عدي وليان، ولكن أشارت الطبيبة بارسينيا بكفها لهما قائلة بإعتراض:
-هستأذنكم تنتظروا هنا شوية!
تنهد عدي بإنهاك وهو يهز رأسه موافقا:
-طيب.

أصرت ليان على الدخول، فهتفت متذمرة:
-بس أنا عاوزة أطمن عليها وأشوف حالة البيبي
ردت عليها الطبيبة بنبرة جادة ووجهها يكسوه تعابير جامدة:
-أنا هاطمنك، بس رجاء انتظري
أضاف عدي بحذر وهو يضع كفه على كتفها:
-اسمعي الكلام يا ليان!
ضغطت ليان على شفتيها قائلة بإستسلام وهي تزيح كفه عنها:
-اوكي.

اختفت الطبيبة بالداخل، وتراجعت ليان نحو المقاعد المعدنية الموضوعة على الجانب لتجلس على أحدهم ..
ضمت هي أصابع يدها معاً وتنهدت بحزن، وأخفضت رأسها للأسفل فإنسابت خصلاتها على جانب وجهها لتشكل حجبابً بينها وبينه، وظلت تهز ساقيها بعصبية واضحة عليها ..
راقبها عدي بشغف ظاهر في عينيه، كم ود أن يحتضنها ويربت على ظهرها بقوة فيبث إليها شعور الآمان .. ولكنه عجز عن فعل هذا .. فأغمض عينيه يائساً، وآثر البقاء في مكانه حتى لا يزعجها بقربه فتنفر منه ..

عند المستوصف الشعبي
قست عيني أوس بشدة بعد إستماعه لتلك المصارحة المقيتة بين الأختين، وأدرك من خلالها مدى بشاعة تصرفات فردوس كأم تلقي بإبنتها في هوة سحيقة مدعية خوفها عليها وحمايتها الزائفة من بطش أبيه مقارنةً بوالدتها التي تكافح للحصول على رضائه ومغفرته ..
ما لم يعلمه أيضاً هو مقايضتها لحياة ابنه بمبلغ نقدي ..

كذلك استشعر لأول مرة صدق مشاعر والدته، وعدم حنقه عليها كما إعتاد أن يظن فيها .. فإرتبك من تلك المشاعر الغريبة التي أصابته بالحيرة والتخبط ...
شرد مع نفسه ليفكر ملياً في عدة قرارات مصيرية ستضع جميع الأمور في نصابها الصحيح .. ولكن قطع تفكيره المتعمق والمشحون صوت أحد أفراد حراسته الخاصة وهو يسأله بهدوء:
-هانعمل ايه يا باشا ؟

انتبه له أوس، وحدق فيه بنظرات فارغة، وهتف بجمود وهو يشير بإصبعه:
-عاوز حراسة تطلع مع الست دي وماتسبهاش للحظة لحد ما أجيلها بنفسي
هز الحارس الأمني رأسه قائلاً بخنوع:
-تمام معاليك!
بحث بعينيه عن تهاني فلم يجدها واقفة، فشردت عينيه عفوياً بحثاً عنها، ولكنه قاوم ذلك الشعور ..
استمع الجميع إلى صوت صافرات سيارات الشرطة، فإستدار أوس برأسه للخلف، وتابع بجدية صارمة وهو يحدث باقي رجاله:
-كلكو تيجوا معايا، هانمشي من هنا حالاً!
رتب أوس أولوياته على حسب أهميتها، ووضع على قمة القائمة الذهاب فوراً إلى العيادة النسائية للإطمئنان على تقى وحالة الجنين ...

سارت تهاني هائمة على وجهها وهي تجر أذيال الخيبة وراء ظهرها لاعنة الظروف القهرية التي تفسد كل فرصة لإصلاح ما مضى ..
لم تمنع نفسها من البكاء أمام المارة، ولا من التحسر على حالها بعبارات مبهمة ..
شعرت بثقل في ساقيها، وبعدم قدرتها على المشي، فألقت بجسدها على أقرب رصيف، وضربت بكفيها على ركبتيها وهي تهز رأسها بإستنكار واضح ..

رفعت بصرها للسماء، وهمست بآسى:
-يا ربي أنا مظلومة، خد بإيدي وساعدني على اللي أنا فيه! آآآآه
نكست رأسها في إذلال، وأسندت كفيها عليه، وتابعت بكائها المرير ..
اقترب منها عوض، وأشفق على حالها، ثم استطرد حديثه مواسياً إياها:
-قومي يا ست تهاني، مالهاش لازمة الأعدة كده
لطمت على رأسها قائلة بحزن مرير:
-آآآآآه .. كل حاجة راحت من إيدي.

زم فمه قائلاً بخفوت:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، سبيها على الله وربنا كريم
ردت عليه بإستياء وعينيه مغرورقتان بالعبرات:
-ونعم بالله، بس .. بس خلاص مافيش أمل، ولادي راحوا مني وخسرتهم للأبد! وكله بسبب مراتك
تنهد قائلاً بآسى:
-حسبي الله ونعم الوكيل، فرطت في أغلى حاجة عندنا، منها لله، ضيعت النعمة من ايدها!

صاحت تهاني بنبرة متشنجة وهي تلطم صدرها:
-يا رب خدني وريحني! هاعيش لمين بعد ولادي، دول .. دول كانوا الأمل اللي عايشة عشانه!
عاتبها عوض قائلاً بهدوء:
-متقوليش كده، ده مافيش حاجة بعيدة عن ربنا، ادعيه وهو هيستجيب سبحانه القائل (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ))
رفعت تهاني بصرها للسماء، وهمست بتضرع:
-يا رب! كُن معايا وانصرني .. يا رب .. اكشف الحقيقة واظهر براءتي قدام ابني!

هز رأسه قائلاً بنبرة شبه فاترة ووجهه يكسوه الحزن:
-أمييين، يالا، قومي، خلينا نرجع البيت، معدتش في حاجة مستاهلة نقعد عشانها!
هزت رأسها مستسلمة، وإستندت على مرفقيها لتنهض عن الرصيف، وسارت بخطوات متمهلة خلف العم عوض نحو أحد الأزقة الجانبية والمؤدية لمدخل الحارة ولكن أوقفهما صوت رجل ما قائلاً بقوة:
-يا مدام!
إلتفتت تهاني برأسها للخلف، وضيقت عينيها وهي تسأله بإستغراب:
-انت عاوزني ؟

دققت النظر في ملامحه حينما اقترب منها، وأدركت أنه أحد رجال الحراسة الخاصة بإبنها، فسألته بخوف:
-في حاجة تانية حصلت ؟
أجابها الحارس بنبرة رسمية:
-لا يا مدام، بس أنا جاي أسلم حضرتك الشنطة دي
حدقت هي في الحقيبة التي بحوزته، واتسعت عينيها بصدمة، فقد عرفتها على الفور، إنها تخص إبنتها ليان، والتي كانت تضع بها الأوراق الخاصة بمهاب ...

تابع الحارس الخاص قائلاً بجدية:
-ليان هانم بلغتني قبل ما تمشي مع الباشا عدي إني أوصل الشنطة دي لحضرتك، وأنا كده مهمتي خلصت
لم يضفْ المزيد، وأولاها ظهره ليتركها على حالتها المذهولة تلك ..
نظر لها عوض بتعجب، وسألها بعدم فهم:
-شنطة ايه دي ؟
ردت عليه بإستياء كبير، وقد تحولت نظراتها للكآبة:
-دي الشنطة اللي خدت مني أخر أمل في إن ولادي يرجعولي!

في العيادة النسائية
لم يبعد عدي عينيه عن ليان، وأرهقه التفكير في حالها، كما دفعه شوقه للتحرك نحوها والحديث معها .. فرك طرف ذقنه بإصبعيه، ثم حسم أمره، وإستجمع شجاعته، وسار ببطء في اتجاهها حتى وقف قبالتها، فإبتلع ريقه بإرتباك .. وسلط أنظاره عليها، وهمس لها بتلعثم:
-ل.. ليان! أنا آآ...
لم يكمل عبارته فقد استمع لصوت أنينها المكتوم، فخفق قلبه هلعاً عليها، وجثى أمامها، ثم أحاط وجهها بكفيه ورفعه إليه، وسألها بتلهف وهو محدق بها بخوف:
-مالك ؟ في ايه ؟ حصلك حاجة ؟!

رفعت عينيها نحوه، وحدقت فيه بنظراتها الباكية، وأجابته متسائلة بنبرة مرتجفة:
-هي .. هي تقى ممكن تخسر البيبي ؟
اتسعت مقلتيه مصدوماً، ومسح عبراتها بأنامله، وأجابها بقلق:
-مافيش حاجة هاتحصلها، اهدي انتي بس!
شهقت بخفوت وهي تتابع بصوت متقطع:
-دي .. دي ممكن تموت لو راح منها!
اصطكت أسنان ليان ببعضها البعض، وأصدرت صوتاً خفيضاً من فمها وهي ترتجف بجسدها ..
أخفض عدي يديه ليمسك بكفيها، فشعر ببرودتهما الشديدة، وهتف بخوف أكبر:
-ليان .. انتي .. انتي بتترعشي ؟

ثم فرك كفيها المرتجفين بقبضتيه ليبث فيهما الحرارة، ونهض من مكانه ليجلس إلى جوارها على المقعد، وبلا تردد جذبها إلى حضنه، فإتكأت هي برأسها على كتفه ..
لف عدي ذراعيه حولها، وضمها بقوة وشوق إليه، وأسند طرف ذقنه على رأسها، بينما بكت هي بحرارة أحسها على صدره .. فرفع يده على شعرها، ومسد عليه قائلاً بصوت رخيم بعد أن أغمض عينيه أسفا ً:
-متخافيش يا ليان، كل حاجة هاتبقى تمام!
وكأن كلماته كانت كالمهديء بالنسبة لها، فإستكانت إلى حد ما معه ..
تنهد عدي مطولاً وهو يقبلها من أعلى رأسها .. فأحست هي بدفيء حضنه، وبنوع من الراحة والسكينة معه ..

وصل أوس إلى العيادة، ونظر حوله بتلهف باحثاً عن تقى، فوقعت عينيه على رفيقه وهو يحتضن شقيقته الصغرى، فصاح بهما:
-عدي، ليان! فين تقى ؟
أرخى عدي ذراعيه عن زوجته، ورفع رأسه نحوه ثم نهض من على المقعد، و أجابه بجدية رغم الإرتباك البادي عليه:
-هي .. هي جوا! معاها الدكتورة بارسينيا!
هبت ليان هي الأخرى واقفة من مكانها، فأصابها دوار مفاجيء، فترنحت قليلاً، ووضعت إصبعها على مقدمة جبينها، فأسندها عدي بذراعه، وسألها متوجساً:
-ليان انتي بخير ؟

ردت عليه بخفوت وهي تهز رأسها بخفة:
-ايوه
اقترب منها أوس، ولف كفه حول مؤخرة عنقها، وهمس لها بإنزعاج:
-في حاجة تعباكي ؟
ردت عليه بصوت خفيض:
-أنا بخير، صدقوني، بس تلاقيني دوخت من المجهود!
أردف عدي قائلاً بجدية:
-اقعدي يا ليان، متقفيش الوقتي!

ثم أجلسها عنوة على المقعد، وفرك كتفيها بقبضتيه ..
تسائل أوس بخوف واضح في نظراته:
-مافيش أخبار عن تقى ؟ الدكتورة مقالتش حاجة تطمنكم ؟
هز عدي رأسه نافياً وهو يجيبه بصوت خافت:
-لأ لسه، احنا مستنينها تخرج من جوا
ازدرد أوس ريقه بتوتر كبير، ومرر أصابع يده في خصلات شعره، ثم تحرك بعصبية حول نفسه ..
سأله عدي بإهتمام وهو محدق به:
-إنت عملت ايه ؟

تنهد أوس بتعب مجيباً إياه بإيجاز:
-بعدين هاحكيلك
تذكر أوس وهو في قمة إنشغاله بزوجته ما حدث مع أخته من إستدراجها للقصر لسرقة أوراق هامة من غرفة أبيه .. فإقترب منها، وأمسك بكف يدها، وسألها بخوف وهو يطالعها بنظرات قلقة:
-ليان، قوليلي حصلك حاجة وإنتي في القصر ؟ حد آذاكي هناك ؟
رفعت عينيها في عينيه، وحدقت فيه مصدومة وهي تسأله بتلعثم:
-هو .. هو.. إنت عرفت باللي عملته ؟

قطب عدي جبينه متسائلاً بعدم فهم:
-هو في ايه ؟
تجاهله أوس، وظل محدقاً بشقيقته الصغرى، ورد عليها معاتباً:
-أيوه عرفت، ومكانش لازم تروحي هناك أبداً، إنتي بكده بتأذيكي نفسك
ردت عليه معترضة:
-لأ .. مش هاينفع أسيب مامي من غير ما أجيب حقها!

إستأنف أوس حديثه بنبرة أكثر جدية وقد ضاقت نظراته:
-انت عارفة كان ممكن يحصلك إيه بسبب تهورها ؟!
وقف عدي كالمتفرج الصامت ولم يقاطع حديثهما .. ولكن اصطبغت بشرته بحمرة غاضبة ...
تنهدت ليان بخفوت، وتابعت مدافعة بإصرار:
-هي مكانتش راضية خالص، ومنعتني، بس أنا كنت عاوزة أوصل للحقيقة وأساعدها بعد كل اللي عرفته
تأمل أوس وجهها بدقة، وسألها بنبرة جادة وهو يضغط على شفتيه:
-هي قالتلك ايه بالظبط ؟

أخذت نفساً عميقاً، وزفرته على مهل، ثم أجابته بحذر:
-مامي مش خبت عني حاجة
لمعت عيني أوس، وظهر فيهما بريق غريب .. فتابعت ليان حديثها بصوت رقيق:
-وعلى فكرة هي بتحبك أوي، ومش وحشة زي ناس كنا مفكرينهم أهلنا
إلتوى فمه ليبتسم بتهكم، ثم مسح على وجنتها بكفه، وحدق فيها بنظرات غامضة، وقال مبتسماً:
-ليان انتي صغيرة وعواطفك هي اللي بتتحكم فيكي.

حركت رأسها معترضة، وأردفت مدافعة عنها بثقة:
-لأ يا أوس، عمري ما هانسى احساسي بالأمان وأنا في حضنها، ولا نظرات الخوف اللي في عينيها عليا!
استشاط عدي غضباً من عدم إستطاعته فهم ما يدور، وخاصة حينما تلمس من الكلمات المقتضبة وجود خطر ما متعلق بزوجته ليان، فصاح محتجاً بنبرة شبه غاضبة:
-حصل ايه يا أوس ماتسبنيش زي الأطرش في الزفة كده!
إعتدل أوس في وقفته، ونظر له بغموض، ثم ربت على كتفه وهز رأسه قائلاً بإقتضاب:
-هاقولك بعدين
إرتفعت نبرة صوت عدي قليلاً وهو يهتف ب:
-هي مش مراتي برضوه ؟!

رد عليه أو س بهدوء حذر:
-أنا عارف، بس الموضوع ده مكانه آآ...
لم يكمل الأخير جملته حيث خرجت الطبيبة بارسينيا من الداخل وعلى ثغرها ابتسامة مطمئنة .. فركض أوس نحوها، وسألها بتلهف:
-تقى عاملة ايه الوقتي ؟
وقف إلى جواره كلاً من عدي وليان، وبدى عليهما الترقب والإهتمام كثيراً لمعرفة أحوالها ..
أشارت لهم بارسينيا بكفها وهي تجيب قائلة بإبتسامة ودودة:
-هي أحسن دلوقتي، وبدأت تفوق من المخدر!
اتسعت مقلتي أوس بغضب جلي وهو يردد بشراسة:
-مخدر!

بررت بارسينيا قائلة بهدوء وهي توزع نظراتها بينهم:
-ايوه، كانت أخدة نسبة بسيطة رغم إن احنا محذرين ممنوع أي مواد مخدرة خلال الشهور الأولى من الحمل عشان ميأثرش على الجنين
كز أوس على أسنانه بشراسة، وكور قبضة يده بغضب، وهمس لاعناً بصوت محتقن للغاية:
-ابن ال ****!
تابعت الطبيبة قائلة بنبرة مهذبة:
-عموماً هو الموضوع مش خطير، بس بأكد تاني على إنكم تبعدوا المدام عن أي ضغوط نفسية!
تسائل أوس بتلهف:
-ينفع أشوفها ؟

هزت رأسها موافقة وهي تجيبه بهدوء:
-أكيد، بس مافيش داعي كلكم مرة واحدة
ربت عدي على كتف رفيقه، وضغط على شفتيه قائلاً بنبرة هادئة:
-خش إنت يا أوس شوف مراتك واطمن عليها، وأنا هستناك هنا مع ليان
نظر له أوس ممتناً قبل أن يندفع بتلهف نحو الداخل ...

في المشفى حكومي
تحركت سيارة الإسعاف التي تقل فردوس إلى أقرب مشفى حكومي عام، وتم إيداعها في غرفة الطواريء لتلقي العلاج اللازم بعد تلك الضربة القوية التي تلقتها على رأسها ..
لم تكف هي عن البكاء ولا عن النحيب طوال الطريق ..
آلمتها كلمات أختها الموجعة، فأشعرتها بحقارتها، ودناءتها ..
خشيت أن تخبرها أنها تلقت أموالاً نظير القيام بتلك الجريمة النكراء حتى لا تنبذها للأبد .. وفضلت أن تخفي الأمر تماماً عن الجميع ...

انتهى طبيب الطواريء من خياطة جرحها الغائر، وضمده مرة أخرى، ثم أشار لممرضة مرافقة له للتصرف معها بعد أن حدثها بلهجة منزعجة ..
أسندت الممرضة فردوس بعد أن أنزلتها عن الفراش لتخرج بها إلى الإستقبال .. فأصاب الأخيرة صداعاً هائلاً .. وشعرت بإزدواجية الرؤية وهي تحاول التطلع أمامها، فضيقت عينيها وهي تكتم آلامها ...

سألت تلك الممرضة فردوس بنبرة ممتعضة وهي تُجلسها على مقعد قديم بالخارج:
-انتي يا ست مالكيش أهل، أو حد يدفعلك تمن التذكرة ؟
أجابتها بصوت واهن وهي تتأوه من الآلم:
-هه! لأ موجودين، ت.. تلاقيهم بس آآ...
قاطعتها الممرضة قائلة بإزدراء:
-بصي انا مش هاقدر أدخلك العنبر جوا إلا لما حد يدفعلك الفلوس، دي أوامر مدير المستشفى، والدكتور كتر خيره يخيطلك الجرح عشان يوقف النزيف، لكن غير كده ميقدرش يعملك حاجة زيادة.

نظرت لها فردوس بذهول رغم إهتزاز صورتها أمامها، وسألتها معترضة:
-ايه اللي بتقوليه ده ؟ مش انتو دكاترة ودي مستشفى ؟
ردت عليها الممرضة بجمود:
-ايوه، بس النظام هنا غير!
تجهم وجه فردوس، وصاحت بسخط:
-حرام عليكم مافيش في قلبكم شوية رحمة للي زيي!
تابعت الممرضة ببرود مستفز وهي تلوح بيدها:
-دي الأوامر، المستشفى كل يوم بتدغدغ بسبب الخناقات وأهالي المصابين اللي مش بيعجبهم العجب، ومحدش بيدفع مليم واحد، وبنلبس احنا في تمن الإصلاحات، فمدير المستشفى منبه اللي يقعد هنا يكون دافع، غير كده يبقى بالسلامة.

أغمضت فردوس عينيها متآلمة، وتحسست رأسها بحذر، ثم استطردت قائلة بتهكم:
-هو ... هو أنا كان معايا وقولت لأ .. شوية بس وحد من أهلي يجي وآآ...
قاطعتها الممرضة بجمود:
-أديني سيباكي أعدة هنا لحد ما يظهرلك قريب، بس لو مجاش حد متأخذنيش هاتطلعي برا!
هزت فردوس رأسها مستنكرة، وغمغمت وهي تئن بتحسر:
-آآآه يا مين يساعدني!
زاد إحساسها بصعوبة الرؤية، فنكست رأسها للأسفل، وحدثت نفسها بآلم:
-آآآه، هو أنا ناقصة الزغللة دي كمان!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة