قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثامن والثلاثون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثامن والثلاثون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في العيادة النسائية
ولج أوس إلى داخل غرفة الكشف، ودقات قلبه تكاد تخترق أذنيه من فرط الخوف والتوتر ..
تسارعت أنفاسه، ونهج صدره علواً وهبوطاً وهو يبحث بعينيه عن تقى ..
لمح ذلك الحائل القماشي في أحد الزوايا والذي يحجب ورائه فراشاً طبياً، فإزدرد ريقه بقلق واضح ...
بخطوات ثابتة وثقيلة سار في إتجاه الحائل .. ثم رفع يده ليزيحه للجانب، ومن ثَم أطل برأسه لتقع عينيه عليها ..

مرر نظراته رويداً رويداً على جسدها حتى وصل إلى وجهها الذي يشتاقه ..
لمعت عينيه بسعادة حقيقية، وإرتسمت إبتسامة مشرقة على ثغره حينما رأى ملامح وجهها هادئة ..
دنا منها أكثر، ومد كفه ليمسك بيدها .. فتحسس أصابعها بإبهامه، ثم انحنى عليها بجذعه، وبيده الأخرى مسح على جبينها برقة ..
همس لها بنبرة متريثة رغم تلهفه:
-تقى .. حبيبتي! أنا .. هنا جمبك!

حركت جفنيها المغمضين بحركة شبه عصبية .. فإبتسم أكثر
ثم مال برأسه أكثر عليها، و طبع قبلة حارة على ما بين حاجبيها، وتابع هامساً بإشتياق:
-ماتبعديش عني تاني!
أبعد رأسه تدريجياً عنها، ولكنه ظل يتأملها بنظرات والهة عاشقة لها ..
جلس على طرف الفراش إلى جوارها، والتقط كفيها بكفيه، وفركهما بنعومة، ثم سحب يده ليضعها في جيبه، وأخرج منها فردة الحذاء الصغيرة، ووضعها في راحة يدها، وأغلقها عليها بأصابعه بحرص .. ثم رفع كفها إلى فمه ليقبله وهو يقول بصوت خافت للغاية:
-انتو الاتنين أغلى ما عندي، ومش هاسمح لحاجة تأذيكم، ولا حد يقرب منكم أو يبعدكم عني!

فتحت تقى عينيها بتثاقل، ورمشت عدة مرات لتعتاد على الإضاءة، ثم حركت رأسها قليلاً لتجد أوس يطالعها بنظرات مطمئنة، فظلت شاردة لبرهة محاولة تذكر ما حدث، فعبس وجهها، وزاغت أنظارها بخوف بعدما هاجمها سيل من ومضات سريعة مما تعرضت له، فإتسعت مقلتيها بذعر واضح، وشهقت قائلة بنبرة مرتجفة وهي تهز رأسها بعصبية:
-م.. معرفتش أبعده، هياخد ابني مني، م.. ماما آآ.. هي قالتلي هانزور واحدة غلبانة، بس مكنش فيه إلا هو وآآ.. وكان آآ...

لف أوس ذراعيه حولها، وجذبها ناحيته، ليضمها إلى صدره، وقاطعها ضاغطاً على شفتيه بقوة محاولاً السيطرة عليها:
-ششششش .. اهدي يا تقى، مافيش حاجة حصلت!
دفنت رأسها في صدره، وبكت برعب وهي تتابع بصوت متشنج ومتقطع:
-صدقتها .. وهي .. وهي كانت آآ...
مسح أوس على ظهرها بكفيه محاولاً طمئنتها، بينما احتقن وجهه من شدة الغيظ، وأطلقت عينيه شرراً مستطراً، ولكنه جاهد ليسيطر على غضبه، وهمس لها بصوت شبه هاديء:
-متفكريش في اللي حصل، انتي كويسة، وابننا بخير!

تابعت متسائلة بصدمة واضحة:
-طب ليه ؟ ده .. ده أنا .. كنت مستعدية أموت عشانها، وآآ..وأعمل أي حاجة ترضيها وآآ...
قاطعها بنبرة متآلمة ومواسية، وهو يضغط على رأسها بذقنه:
-انسي يا تقى، متفكريش فيها يا حبيبتي، أنا هنا معاكي!
تشنج صوتها وهي تهمس بتلعثم:
-دي ..دي أمي، يعني آآآ...
احتضن أوس وجهها براحتيه بعد أن أرجعه للخلف، وقاطعها قائلاً بإبتسامة باهتة:
-خلاص يا حبيبتي!

نظر لها مطولاً، ومسح بأصبعيه عبراتها الدافئة المنهمرة على وجنتيها، وأردف قائلاً بحماس محاولاً صرف تفكيرها عما صار معها:
-شوفي ايدك فيها ايه!
أخفضت عينيها وهي تنظر إلى ما وضعه في كفها، ففغرت ثغرها مصدومة، وتحسست حذاء الرضيع .. وإرتجفت شفتيها وهي تحاول النطق ..
فبادلها بإبتسامة عذبة وهو يهمس لها بحنو:
-كل حاجة هتبقى تمام
ردت عليه بحرج وهي تعبث بالحذاء الصغير بأناملها:
-أنا.. أنا سبت بتاعتي في البيت عند بابا
قاطعها بجدية قبل أن تكمل عبارتها فتنخرط في الأحزان التي لا تنتهي:
-هاجيبهالك!

توردت وجنتيها وهي تهمس بتلعثم وبصوت خفيض للغاية:
-م.. موبايلي كمان ضاع في ال .. ال آآ...
قاطعها بوضع إصبعه على شفتيها مردداً بجدية:
-مش مهم، أنا هاشتريلك غيره
رسم على ثغره إبتسامة متحمسة وهو يضيف:
-تعرفي النهاردة عملت ايه مع عوض .. آآ.. قصدي أبوكي ؟
نظرت له بإهتمام وقد استحوذ حديثه على انتباهها ..

أكمل بإبتسامة ودودة:
-خدني للجامع، وقابلت شيخ فيه، زي ما يكون كان مستنيني أجيله، ولأول مرة في حياتي خلاني أجرب أصلي!
رمشت بعينيها وهي مصغية لما يقول وعلى ثغرها ابتسامة هادئة .. بينما إستأنف حديثه بعد أن تنهد بعمق:
-احساس رهيب حسيت إنه بيسيطر عليا، حاجة كده مش عارفة أوصفها .. بس .. بس ارتحت كتير بعدها
طالعته بنظرات ممعنة وهي تراقب حديثه عما فعله، في حين أشار هو بكفه وهو يقول بنبرة مليئة بالشجن:
-أنا عملت ذنوب كتير في حياتي وماندمتش عليها ..ل .. لدرجة إني مابقتش فاكر امتى عملت خير!

صمت لثانية قبل أن يكمل بإبتسامة:
-بس .. انتي أول حد غيرتي فيا من غير ما تحسي لحد ما بقيت على ايدك مجنون تقى!
شعرت بالإطراء من كلماته الأخيرة .. فتحمس ليضيف:
-عارفة يا تقى، لما نعدي اللي احنا فيه ده هاخدك على آآ...
-حمدلله على سلامتك يا مدام تقى
قالتها الطبيبة بارسينيا بصوت مرتفع نسبياً مقاطعها حديثهما الخاص وهي تتجه نحوهما بخطى سريعة ..

نهض أوس عن الفراش، وسلط أنظاره عليها، بينما تابعت الأخيرة قائلة بجدية:
-أتمنى إنك ترتاحي الفترة اللي جاية وتغيري جو على الأقل عشان نفسيتك!
إستدار أوس برأسه للخلف، ورمق تقى بنظرات مطولة تعكس القليل مما يشعر به نحوها، وتشدق قائلاً بثقة:
-أنا بنفسي هتأكد من ده!
دلف إلى الغرفة ليان ومن خلفها عدي، فهز الأخير كتفيه في حيرة وهو يقول بإستسلام:
-مرضيتش تستنى اكتر من كده برا
أسرعت ليان ناحية تقى، ولفت ذراعيها حولها وإحتضنتها بتلهف واضح، وأسندت رأسها على كتفها، وسألتها بقلق:
-انتي كويسة ؟ البيبي تمام ؟

ربتت تقى على ظهرها، وردت بإيجاز وهي تطالع أوس بنظراتها الناعمة:
-ايوه
تراجعت ليان للخلف، وبكت فرحاً وهي تهتف بحماس:
-ياه، أنا كنت خايفة أوي عليكي وعليه
استغربت تقى من حالتها، وسألتها متعجبة:
-انتي بتعيطي
مسحت ليان عبراتها بظهر كفها، وضحكت وهي تجيبها بخجل:
-باين كده!
وقف أوس قبالة عدي، وأخفض نبرة صوته وهو يحدثه بجدية:
-عاوزك تاخد تقى وليان على البيت عندي وتفضل معاهم، وتجيب معاك حراسة كتير تأمنهم
سأله عدي بتوجس وهو محدق به بنظرات حادة:
-إنت ناوي على ايه ؟

رد عليه بإقتضاب وقد أصبحت ملامح وجهه صارمة للغاية:
-بعدين هاتعرف
أمسك عدي به من ذراعه، وضغط عليه بأصابعه قائلاً بتحذير:
-أوس، بلاش تتهور، اهدى واتصرف بالعقل!
رد عليه أوس ببرود قاتل، وقد تحولت نظراته للقتامة والظلمة:
-أنا لو مكنش فيا عقل كنت عملت جنايات قتل كتير، بس لحد الوقتي أنا ماسك نفسي!
اضطرب عدي كثيراً، وتيقن أن رفيقه على وشك التهور وبشراسة، فهتف محتجاً بخفوت:
-انت .. انت لو آآ..
قاطعه أوس بصرامة أشد وهو يرفع رأسه للأعلى بعنجهية:
-خلاص يا عدي، نفذ اللي قولت عليه، وسيبني أتصرف بطريقة أوس الجندي!
رد عليه عدي بتوجس كبير وهو يبتلع ريقه:
-ويا خوفي من طريقتك!

في سيارة أوس الجندي
قاد أوس سيارته بنفسه بعد أن عَهِد لرفيقه عدي مهمة الإعتناء بزوجته وشقيقته أثناء غيابه ..
رن هاتفه، فإلتقطه من على تابلوه السيارة، وأجاب على الإتصال الهاتفي الذي أتاه من أحد حراسه المسئولين عن مراقبة فردوس، وأردف قائلاً بجدية:
-المدير نفذ الأوامر، وطردها من المستشفى، ورفض أي حد يعالجها زي ما حضرتك أمرت.

أصغى إليه أوس بإنتباه تام، ثم استطرد حديثه متسائلاً بجمود:
-وهي راحت فين دلوقتي ؟
أجابه الحارس بنبرة رسمية:
-في طريقها للحارة!
هز أوس رأسه بخفة، وتابع بإيجاز:
-تمام، خليك مراقبها وبلغني بالجديد!
رد عليه الحارس بخنوع:
-حاضر معاليك
ثم أنهى معه المكالمة، وتابع قيادة السيارة إلى وجهته الهامة ...

في منزل أوس الجديد
أوصل عدي كلاً من ليان وتقى إلى منزل أوس، ثم وقف بالخارج ليهاتف شركة الحراسات الأمنية لترسل طاقماً خاصاً لتأمين مدخل البناية والمنزل .. وهاتف بعدها سكرتيرة الشركة لتأجيل كافة المواعيد والإرتباطات ليوم أخر ..
عاونت ليان تقى في الجلوس بداخل غرفة نومها، ورغم إعتراضها على هذا إلا أنها لم تكن قادرة على المجادلة، فالتعب والإنهاك باديان عليها بصورة واضحة
أحضرت لها المدبرة عفاف ثياباً منزلية فضفاضة لتبدل ملابسها فيها ..

في حين أعدت لها ماريا طعاماً ساخناً وشهياً لتتناوله، ولكنها رفضت، وفضلت أن تستلقي قليلاً ..
تمددت ليان إلى جوارها حتى غفت ..
كانت تقى مرهقة بدرجة كبيرة، فلم يمضِ عليها إلا لحظات حتى غطت في نوم عميق ..
مسحت ليان على شعرها بحركة دائرية ثابتة، ونظرت لها بإشفاق وهي تهمس بأسف:
-أكيد كان صعب عليكي أوي!

وضعت عفاف يدها على كتف ليان، وضغطت عليه برفق هامسة لها:
-سبيها تنام شوية وتعالي برا يا حبيبتي!
أومأت الأخيرة برأسها موافقة، ثم نهضت بحذر من على الفراش ..
بينما أعادت عفاف ترتيب الغطاء على تقى، ودثرتها جيداُ، ثم انحنت لتقبلها من جبينها، وانصرفت الاثنتين خارج الغرفة بهدوء ...

عبثت ليان بخصلات شعرها وهي تنفضها في الهواء، ثم تمطعت بكتفيها، وهي تجلس على الأريكة ..
أرجعت ظهرها للخلف، وأسندت رأسها للوراء، ثم أغمضت عينيها المرهقتين ..
شعرت بقبضتين توضع على كتفيها، وتفركهما برفق، فتأوهت بصوت مكتوم .. وهمست ممتنة:
-ميرسي يا عفاف! أنا فعلاً مش قادرة من كتافي
رد عليها عدي بإبتسامة ناعمة وهو يجيبها بخفوت:
-اطلبي انتي بس!

فتحت عينيها مصدومة، وانتفضت مذعورة من مكانها، وحدقت فيه بذهول وهي تردد قائلة:
-إنت!
عبس قليلاً بوجهه وهو يسأله مندهشاً:
-مالك متفاجئة ليه ؟
ردت عليه بتساؤل وهي تشير بإصبعها:
-هو انت مش مشيت ؟
هز كتفيه نافياً وهو يجيبها بهدوء:
-لأ .. أنا قاعد معاكو النهاردة
رفعت حاجبيها للأعلى، وهتفت معترضة:
-هه، طب ليه ؟

عقد ساعديه أمام صدره بعد أن إنتصب بجسدة، وغمز لها قائلاً بثقة:
-أوس طلب مني ده، تقدري تعترضي عليه ؟
نفخت بصوت مسموع فهي تعلم جيداً أن أخيها حينما يقرر شيئاً فيصبح أمراً نافذاً لا جدال فيه ..
تابع عدي قائلاً بهدوء:
-خدي راحتك، أنا مش هازعجك، وهافضل هنا
جلست على الأريكة، وأمسكت بجهاز التحكم عن بعد، وردت عليه بفتور:
-اعمل اللي يعجبك! I don’t care ( لا أهتم )
رمقها بنظرات ناعمة .. ثم أرخى ساعديها، ودس قبضتيه في جيبي بنطاله، وتحرك مبتعداً في إتجاه الشرفة ..
إختلست ليان النظرات نحوه من طرف عينها، وأثارها الفضول لتعرف ما الذي يفعله، ولكنها قاومت تلك الرغبة، وحدقت بنظرات فارغة في شاشة التلفاز ..

في قصر عائلة الجندي
اندفع أوس بسيارته بسرعة مخيفة عبر بوابة القصر الرئيسية بعد أن فتحها له الحارس الأمني، ولحقت به سيارة حراسته الخاصة ..
تابعه الحارس الأمني جمال بنظرات متعجبة، وأشار لزملائه بغلق البوابة، ثم غمغم مع نفسه بفضول:
-واضح إن الليلة دي مش هاتعدي على خير! شكل الباشا على أخره!

ترجل أوس من سيارته، وترك محركها دائراً، وأشار للحراسة بالبقاء في الخارج، ثم انطلق مسرعاً على الدرجات الرخامية ليدلف للداخل ..
وقف أوس في منتصف بهو القصر، وجاب بعينيه القاتمتين المكان من حوله، ثم هدر قائلاً بصوت جهوري غاضب:
-د. مهاب يا جندي!
أخذ نفساً عميقاً، وزفره وهو يصرخ بصوت أقوى:
-تعالى وكلم ابنك!

خرج مهاب من مكتبه على إثر صوته، ونظر له بجمود .. ثم نهره قائلاً ببرود مستفز:
-ايه في ايه ؟ بتزعق كده ليه
أدار أوس رأسه في إتجاهه، ورمقه بنظرات نارية وهو يردد بإهتياج:
-كويس إنك هنا ... جه وقت الحساب يا باشا، بس المرادي معايا أنا!
لوى مهاب فمه مستهزئاً .. ثم مط شفتيه ليضيف بسخرية وهو يشير بيده:
-مممممم .. حساب! الكلام ده جديد، بس قبل ما تفكر تتهمني بحاجة، أنا ايدي نضيفة!

تقوس فم أوس بوضوح وهو يرد عليه بتجهم:
-لأ واضح! مهاب باشا الجندي بيشغل كلابه، لأ ومع مين مع مرات ابنه وحفيده اللي لسه مشافش الدنيا!
غمز له أبيه قائلاً بإستخفاف:
-تؤ .. مش للدرجادي! ده أنا على طول بأعمل كل حاجة بنفسي!
هدر به أوس بعصبية وقد أطلقت عينيه شرراً كبيراً:
-ازاي تهدد حياة مراتي وابني وتعرضهم للخطر ؟ كنت مفكر إني مش هاعرف وإني هاسكت عن اللي عملته ده!
رد عليه مهاب ببرود مثير للأعصاب:
-ومين قالك إني جيت جمبهم، أنا بعيد عن الصورة كلها!

صرخ فيه أوس بإهتياج:
-إنت اللي وراها!
قهقه والده بطريقة مستفزة وهو يتابع بسخرية:
-لالالا يا أوس، أنا كده مش هاحترم ذكائك، ده أنا طول اليوم في المستشفى وكنت في عمليات وآآآ...
قاطعه أوس بصوت قاتم وهو يكز على أسنانه:
-المرادي إنت سبت وراك دليل، وللأسف أنا شوفت عربيتك خارجة من الحارة!
إبتسم مهاب بعدم إكتراث، وتابع بهدوء:
-ولو إنه مش دليل قوي، بس شغال.

صاح فيه أوس بجموح وهو يرمقه بنظرات جارحة:
-إزاي جالك قلب تعمل كده وتوجع ابنك في مراته وابنه ؟
رد عليه بإزدراء:
-مش دول اللي تحزن عليهم ..!
استشاط أوس غضباً، وبرزت عروقه المشتعلة بوضوح، بينما تابع مهاب بقسوة رجل لا قلب له:
-وبعدين أنا يدوب بس زقيت أمها عشان تخلص منها، ولو مانفعش أهي تكرهها، وتنتقم منها، ويمكن يخلصوا الاتنين على بعض، ونرتاح كلنا منهم!

هدر فيه ابنه بإنفعال وهو يلوح بإصبعه:
-انت .. إنت مش أب، ولا بني آدم ولا حتى آآآآ...
قاطعه مهاب بغضب زائف:
-احترم نفسك، وقبل ما تغلط فيا، روح شوف أمها ؟ شوية فلوس رميتهالها تحت جزمتي، فوراً ركعت عند رجلي تقولي أمين ... بالظبط زي أختها زمان، الكل بيريل على الفلوس!
صرخ فيه أوس بجنون وقد إتسعت مقليته المحتقنتين:
-إنت بتقول ايه ؟ فلوس ايه دي ؟

أجابه بهدوء نسبي وهو يطالعه بنظرات جامدة:
-مليون جنية التمن اللي قبضته، ولو كنت زودت شوية كمان، كان ممكن تعمل أكتر من كده بكتير!
ضغط أوس على شفتيه بعنف، وكور قبضه ليضيف:
-فكرك هاسيبك، أنا بنفسي هاكشفك وآآ...
قاطعه مهاب بإستخفاف وهو يربت على كتفه:
-مش هاتقدر يا أوس، أنا أبوك، وعارف بأقول ايه، وقبل ما تعمل أي حاجة هتلاقيني في وشك بمنعك
أزاح أوس يده عنه، ورمقه بنظرات إحتقارية، وتابع بشراسة:
-يبقى انت متعرفنيش كويس، أوس بتاع زمان اتغير، واللي قدامك واحد تاني مستعد يقتل عشان مراته وابنه.

هز رأسه نافياً وغمز له قائلاً بهمس شيطاني ليستفزه:
-تؤ .. إنت زي ما إنت .. أنا مربيك وعارفك كويس
نظر له أوس بجفاء واضح، وهدر بثقة:
-لأ يا باشا، المرادي إنت غلطان!
حرك مهاب رأسه معترضاً، ورد ببرود وهو ينظر له بتسلية:
-لألأ .. أنا واثق من اللي بأقوله!
-بس مش معايا يا .. يا د. مهاب!

قالها أوس بنبرة قاتمة للغاية وهو يشهر سلاحه أمام وجه أبيه والذي حدق فيه مصدوماً من حركته المباغتة، ولكن سريعاً ما إستعاد بروده، وإلتوى فمه قائلاً بإستهزاء:
-استحالة تضرب نار على أبوك
لم يحدْ أوس بنظراته المميتة عنه، وضغط على شفتيه ليقول بعنف:
-انت متعرفنيش لسه يا د. مهاب
تحداه أبيه تحدياً مقيتاً، ولوى فمه قائلاً بعدم مبالاة:
-اضرب يا أوس، وريني!
ظل أوس متسمراً على وضعيته تلك، مسلطاً سلاحه في وجه والده .. ومحدقاً فيه بنظرات خاوية من الحياة ..

اقترب مهاب منه أكثر، وألصق فوهة المسدس في جبهته، وبرزت أسنانه وهو يتسائل بعبث:
-بقى هاتعرف تموت أبوك ؟ هاتقدر ؟!
رد عليه أوس بصوت متشنج:
-ايوه، اعملها لو جيت على اللي تخصني
رفع مهاب حاجبه للأعلى، وأكمل تحديه قائلاً بفحيح شيطاني:
-طب اضرب، وريني رجولتك! ها، يالا!

أزاح أوس زر الأمان، وحدق في أبيه بنظرات قاتل محترف، ولم يرتد له طرف لثانية واحدة، بينما تابع مهاب بقسوة:
-ها، مش عارف تضرب نار ؟ أجي أوريك!
تعمد الأخير إستفزاز ابنه وإيصاله إلى أقصى درجة من عدم التحكم في النفس، فأضاف قائلاً بإستخفاف وهو يحدجه بنظرات مستهزأة:
-إنت جبان، زي ما إنت، ما اتغيرتش، وعمرك آآآ...

لم يكمل مهاب عبارته الأخيرة حيث قاطعه صوت الطلقة النارية التي إنطلقت مباغتة بعد أن ضغط أوس على الزناد، فإنتفض هو فزعاً، وشهق مصدوماً منه، ولكنه سريعاً ما أفاق من هلعه، وأدرك أن الطلقة لم تصبه، وتحسس جسده ليتأكد من هذا، وعاود النظر إلى ذراع ابنه التي تحركت ناحية الجانب لسنتيمترات معدودة .. فتنفس الصعداء بعد أن قطعت أنفاسه للحظة ..

لم تهتز عضلة واحدة من وجه أوس، ولم تتبدل نظراته المميتة والتي تعلقت باللوحة الخلفية، فإزدرد مهاب ريقه بتوتر، وإستدار برأسه للخلف لينظر إلى ما يحدق فيه ابنه، فرأى أن الطلقة قد أصابت ما بين حاجبيه في تلك اللوحة الفوتغرافية التي تخصه والمعلقة على الجدار خلفه، فإتسعت حدقتيه رعباً، وشحب لون وجهه بشدة...

استطرد أوس حديثه قائلاً بشراسة وهو يضغط على أسنانه بقوة:
-انت غلطان يا دكتور، أنا اتغيرت، ولو كنت زي ما أنا .. كنت هتلاقيني قتلتك ومش ندمان للحظة إني عملت ده!
ثم رمق أبيه بنظرات أكثر قساوة، وتابع بغلظة:
-بس .. عشان مراتي فأنا اتبدلت وبقيت حد تاني!
تلعثم مهاب وهو يحاول الحفاظ على ثباته الزائف:
-أنا .. آآ...

صاح أوس مقاطعاً بنبرة عدائية:
-إنت نهايتك اتكتبت يا دكتور، بس المرادي مش بإيدي، بإيدك انت ..!
ثم رمقه بنظرات أخيرة إحتقارية قبل أن يوليه ظهره وينصرف بخطوات سريعة غاضبة ..
تسمر مهاب في مكانه مصدوماً .. فلم يستوعب بعد أنه كاد يُقتل على يد إبنه بلا ذرة ندم واحدة منه ..
ابتلع ريقه مجدداً، ودس يده في جيبه ليخرج هاتفه منه بعد أن شعر بإهتزازه فيه ..
نظر إلى شاشته، وأجاب على الإتصال قائلاً بصوت متحشرج:
-آلو .. ف .. في ايه ؟
أردف كبير الأطباء قائلاً عبر الهاتف:
-دكتور مهاب، سوري إن كنت هازعجك، بس الموضوع ماينفعش يتأجل!
سأله مهاب بنفاذ صبر:
-خير.

رد عليه كبير الأطباء بجدية:
-د. مؤنس قدم بلاغ في النقابة عن سيادتك، وقال عن مخالفات كتير في المستشفى
جحظ بعينيه مصدوماً، وهتف بإندهاش:
-ايييييه ؟
أضاف كبير الأطباء قائلاً بإنزعاج:
-وعرفت كمان إنه طالع بكرة في برنامج حواري يتكلم عننا
سأله مهاب بنبرة مغلولة:
-ازاي ده حصل ؟ وإنت عرفت منين ؟
أجابه كبير الأطباء بحذر:
-في حد من حبايبي بلغني، فأنا قولت أحذرك وآآ...
قاطعه مهاب بإقتضاب:
-اقفل الوقتي وأنا هاتصرف
رد عليه الأخير على مضض:
-طيب!

مرر مهاب يده على رأسه وهو يدور حول نفسه في البهو محدثاً نفسه بإرتباك:
-لو مؤنس فتح العينين عليا حاجات كتير هاتتكشف!
إزدرد ريقه ليكمل بقلق:
-طب .. طب هو ممكن يكون وصل لتهاني وعرف ياخد منها الورق، طب ازاي ؟ لالالا .. مش ممكن ده يحصل! هو أصلاً مايعرفهاش
وقف في مكانه، وحدق في الفراغ، ثم هتف بجدية:
-أنا لازم أخرج من البلد فوراً قبل ما تطربق على دماغي ومعرفش أتصرف!
ضغط مهاب على زر الإتصال بمحاميه نصيف، ووضع الهاتف على اذنه، ثم صاح فيه بحدة:
-ايوه يا نصيف، في كارثة هاتحصل ومحتاج أهرب من هنا بسرعة...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة