قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل التاسع والثلاثون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل التاسع والثلاثون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في منزل أوس الجديد
شعرت ليان بالملل والضجر من جلوسها بمفردها أمام شاشة التلفاز ..
ونفخت لأكثر من مرة بضيق ..
أرجعت ساعديها خلف رأسها، وشبكت أصابعها معاً .. وحركت عنقها للجانبين .. وتنهدت بعمق ..
إشرأبت بعنقها محاولة رؤية عدي .. ولكنها لم تتمكن من رؤيته ..
أزعجها أنه لم يقاطع خلوتها ولو للحظة واحدة ..
لم تستطع تفسير هذا الإحساس الذي أصابعها بالضيق ..
وفي النهاية قررت أن تنهض وتذهب لرؤيته متعللة بشعورها بالبرد، ورغبتها في غلق نوافذ الشرفة ...

إستند عدي بمرفقيه على حافة الشرفة، وحدق أمامه بنظرات هائمة ..
وقفت ليان خلفه، وراقبته للحظات، وأدركت أنه لم يشعر بوجودها، فعبست بوجهها، وهتفت بصوت شبه محتد:
-I am cold ( أنا بردانة )، فهاقفل ال ..آآ..
انتبه عدي لصوتها، وأدار جسده في إتجاهها بعد أن اعتدل في وقفته، وقاطعها بصوت رخيم:
-ليان، ماتمشيش، أنا عاوز أتكلم معاكي شوية
قطبت جبينها، وردت عليه بتذمر مصطنع وهي تشير بإصبعها للخلف:
-وأنا مش فاضية، في movie ( فيلم ) بأشوفه
هز رأسه بخفة وهو يتابع بإبتسامة مهذبة:
-مش هأخرك كتير!

عقدت ساعديها أمام صدرها، ونظرت له بجمود وهي تسأله بإقتضاب:
-خير ؟
أخذ هو نفساً عميقاً، وحبسه في صدره لثوانٍ قبل أن يطلقه ليستطرد حديثه قائلاً بصوتٍ شبه أسف وهو مطرق رأسه قليلاً للأسفل:
-أنا عملت حاجات كتير غلط في حياتي، وعارف إني خدعتك وضحكت عليكي، وخدتك سِكة عشان أداري بيها عيوبي بدل ما أصلح من نفسي
إرتخت تعابير وجهها المشدودة وهي تصغي إليه، وحدقت فيه بنظرات غريبة .. بينما تابع عدي بندمٍ:
-أنا ظلمتك معايا، واستغليت ظروفك واللي حصل معاكي عشان مصلحتي وبس، ومافكرتش فيكي إنتي!

توقف عدي عن الحديث، وفرك أصابع كفيه بتوتر، ثم أخرج تنهيدة حارة من صدره، وإختنق صوته قليلاً وهو يكمل بخفوت:
-وللأسف أذيتك وأذيت نفسي معاكي!
تهدل كتفي ليان، وإرتخى ساعديها مصدومة من إعترافه بذنبه نحوها ..
رفع عدي رأسه لينظر إليها، فرأت في عينيه لمعان قوي .. وعبرات عالقة بين أهدابه ..
اقترب هو منها، وتابع بشجن:
-يمكن كلامي مايفرقش معاكي أو حتى يأثر عليكي، بس اللي عاوزك تعرفيه إني اتعالجت الوقتي، وإني آآ.. حبيتك بجد، وخايف عليكي أوي وآآ...

ازدرد ريقه المرير، ومد يديه ليمسك بكفيها، ثم حدق فيها بنظرات نادمة، و أضاف بصعوبة:
-ونفسي ترجعي تثقي فيا زي الأول وتصدقيني!
حدقت فيه بإرتباك، وبدت مضطربة للغاية، ولكنها سريعاً ما سحبت كفيها منه، وهتفت بجمود وهي تتحرك مبتعدة عنه:
-صعب ده يحصل
وقف خلفها، وتوسلها بخفوت:
-بس مش مستحيل، صح ؟
لم تجبه، وإستندت بكفيها على حافة الشرفة، وظلت تنفخ بصوت مسموع ...

تنهد عدي بيأس، وتابع بحذر:
-أنا .. أنا مش عاوزك تعملي حاجة غصب عنك، بس اوعديني إنك تديني فرصة تانية!
انتصب كتفيها، وبدى وجهها خالياً من التعابير وهي تجيبه بإقتضاب:
-مش عارفة!
نكس رأسه بحزن، وغمغم بنبرة شبه مستاءة:
-عموماً مش هاضغط عليكي!

تنهدت بصوت مسموع، ولم تلتفت نحوه، فإقترب منها مجدداً، وإستند بكفه إلى جوارها .. فحدقت في يده، ولم ترفع رأسها للأعلى .. ثم أشاحت بوجهها للأمام ..
لم يتعجب تصرفها معه .. بل أخذ نفساً مطولاً، وزفره على مهل، ثم مط فمه ليضيف بإهتمام:
-في سؤال كده محيرني!
أجابته متسائلة بجدية:
-ايه هو ؟
انحنى بجذعه للأمام، وإستند على ساعديه، وحدق بها بعد أن أمال رأسه للجانب، وسألها بتريث:
-ليه كنتي خايفة أوي على تقى وعلى البيبي ؟

تنهدت بحرارة واضحة .. ثم أرجعت ظهرها للخلف، وأشارت بيديها وهي تجيبه بحيرة:
-مش قادرة أوصفلك احساسي بالظبط، بس آآ...
عضت على شفتها السفلى، وتابعت بإحساس غريب وهي تضع يدها على قلبها:
-بس أنا حسيت بيها بقلبي، وآآ.. وشوفت في عينيها أد ايه هي نفسها فيه، وشوفت في أوس حبه الحقيقي ليهم هما الاتنين، أوس الجندي اللي مايعرفش إلا القسوة والكره بقى بيحس ويحب بجد.

صمتت للحظة لتلتقط أنفاسها، وتسيطر على تأثير كلماتها عليها شخصياً، ثم تابعت بنعومة:
-احساس جديد جمعهم مع إنهم عكس بعض في كل حاجة، بس زي .. زي ما يكون بقى في رابط بينهم، والبيبي ده قربهم أكتر من بعض، فيمكن لو .. لو كانت خسرته كانت كل حاجة ضاعت!
راقبها عدي بإعجاب واضح، وهتف غير مصدقاً:
-ياه يا ليان، إنتي اللي بتقولي كده ؟
رفعت حاجبها مستنكرة وهي تجيبه بإقتضاب:
-ايوه! مستغرب ليه ؟

أدار جسده ناحيتها، وإستند بظهره على حافة الشرفة، وعقد ساعديه أمام صدره، وإلتوى فمه بإبتسامة عذبة وهو يبرر قائلاً:
-أنا مكونتش أعرف إنك بتفكري كده، كنت مفكرك البنت المستهترة اللي مش فارق معاها حاجة، ومكبرة دماغها على الأخر، المهم هي وبس!
ضاقت نظراتها، وأجابته بحدة:
-أنا معرفتش نفسي إلا لما آآ... لما مريت بتجارب غيرتني
تنهد بخفوت وهو يرمقها بنظرات رومانسية حالمة، وغمغم مع نفسه برجاء:
-أتمنى إني أخد فرصة تانية معاكي
وكأنها قرأت ما تبوح به عينيه، فأجابته في نفسها وهي تبتسم له إبتسامة باهتة:
-مش بعيد ... كل شيء جايز!

في غرفة نوم أوس وتقى
إرتسمت إبتسامة مشرقة على وجه تقى، وظهرت تعابير وجهها متهللة بدرجة ملحوظة رغم أنها كانت غارقة في سبات عميق ..
تحركت شفتيها عفوياً، وكذلك رأسها، وبدت سعيدة وهي ترى ذلك المنام الممتع ..

(( حدقت تقى في كفيها الممدودين أمامها، وأخفضت رأسها لتتأمل تلك العباءة البيضاء التي ترتديها، ثم إنتبهت إلى صوت هديل الحمام الذي يحلق فوق رأسها، فرفعت بصرها للأعلى، ودارت حول نفسها غير مصدقة ما تراه ..
شعرت ببرودة منعشة أسفل قدميها الحافيتين، وبنسمات رقيقة تداعب وجنتيها، فأسبلت عينيها لتتأمل المكان من حولها ..
أصوات تهليلات ممزوجة بالتكبيرات وصوت الآذان يصدح من بعيد ليجعل روحها تنتفض من السعادة
إلتوى ثغرها بإبتسامة راضية من تلك الروحانيات العالية التي تحيط بها ..

رقص قلبها طرباً .. ورمشت بعينيها غير مصدقة أنها قد جاءت إلى هذا المكان المقدس ذو المهابة العظيمة ..
ثم إنتبهت إلى صوته المألوف الذي يناديها:
-ت.. تقى
دارت برأسها للخلف، وضيقت عينيها بتعجب شديد لتتأمل ملامح أوس التي لم تعهدها فيه من قبل ..
كانت صورته مبهمة، ولكن تدريجياً إتضحت هيئته مع اقترابه منها ..
فغرت شفتيها مشدوهة، وإرتفع حاجبيها في عدم تصديق وهي تراه مرتدياً ثياب الإحرام وكاشفاً لكتفه الأيمن ..
رأت قطرات المياه تتساقط من جبينه، وإبتسامة صافية تعلو وجهه ..

لوح لها بذراعه وهو يردد بصوت رخيم:
-يالا يا تقى!
أدمعت عينيها فرحاً، ووضعت يديها على فمها لتكتم تلك الشهقات السعيدة التي جعلتها في حالة حماسة رهيبة ..
إنه هنا معها في الحرم المكي .. ))
لم تدرْ تقى أن عبراتها كانت حقيقية، ولم تكنْ تبكي في منامها فقط .. بل بللت دمعاتها وسادتها وهي غافية ..
لكن إحساس بالسكينة والصفاء النفسي أراحها بشدة ...

في منزل تقى عوض الله
فضل عوض المكوث بالمسجد، وقضاء ليلته فيه، ورفض أن يعود للمنزل حتى يتجنب رؤية فردوس بعد ما فعلته ...
بينما عادت تهاني إليه، ومكثت بمفردها فيه ..
دفنت هي وجهها بين راحتي يدها وأجهشت بالبكاء المرير حسرة على حالها بعد أن إختلت بنفسها في غرفة تقى ..
فقلبها يُعتصر آلماً على قسوة ابنها معها، وذلك الظلم المبين الذي وقع عليها من أختها، فجعلته يصدق أنها تقف وراء ما حدث لتقى ..
شهقت بنحيب وهي تهز رأسها مستنكرة ..

وقعت عينيها على تلك الحقيبة التي تحوي الكثير من الأوراق التي تدين مهاب الجندي، وربما تظهر براءتها .. فضاقت عينيها المتورمتين، وهتفت بسخط:
-يا ريتني ما وافقت اعمل كده! آآآه، يا ريتني
ثم لطمت على فخذيها بندم شديد ..
ظلت على تلك الوضعية الحزينة لوقت ليس بالقليل .. ولكنها انتبهت بعدها إلى صوت دقات خافتة على باب المنزل، فرفعت رأسها للأعلى، ونهضت بتثاقل من مكانها .. وسارت ببطء نحوه لتفتحه ...

عبس وجهها بشدة حينما رأت أختها فردوس أمامها ..
ورمقتها بنظرات إزدراء، ثم تركتها وانصرفت ..
نظرت لها فردوس بحزن، وعاتبتها قائلة وهي توصد الباب خلفها:
-مش .. مش هاتقوليلي حمدلله على السلامة ؟ ده ..ده أنا اتبهدلت وآآ..
إحتقن وجه تهاني، واصطبغت عينيها بحمرة محتدة، وإلتفتت برأسها نحوها، وصرخت فيها بعصبية مقاطعة إياها وهي تلوح بذراعيها:
-حرام عليكي يا شيخة، بتقولي اتبهدلتي ؟ اومال اللي حصل لبنتك وليا ده نسميه ايه ؟

ردت فردوس ببكاء زائف وهي تحاول تدقيق النظر في صورة أختها التي تتراقص أمام عينيها:
-أنا .. أنا اترميت من المستشفى، وملاقتش اللي يسندني لهنا وآآ...
قاطعتها تهاني بتهكم صريح:
-ده كتر خيرهم إنهم رضيوا يعالجوكي، واحدة زيك كانت هتموت بنتها المفروض يرجموها!
عاتبتها فردوس بضيق وهي تفرك عينيها:
-يا تهاني ماكونتش أعرف إن كل ده هايحصل، أنا كنت بأحمي بنتي من الناس المفترية
وقفت تهاني قبالتها، وصرخت فيها بإنفعال وهي تكاد لا تصدق ما لفظته الأخيرة من كلمات مستفزة:
-بتحميها ؟ بإنك تاخديها للموت بإيدك ؟!

ابتلعت فردوس ريقها، وبررت خطئها قائلة:
-أنا .. أنا حسبتها غلط .. كان المفروض أخدها على مستشفى أنضف و...
إرتفع حاجبي تهاني للأعلى في استنكار جلي، وشهقت بصراخ:
-إنتي بتقولي ايه ؟
ردت عليها فردوس بأسلوب فظ وهي تسحب مقعداً لتجلس عليه:
-ماهي كانت هاتطلق ومش هاتعيش مع ابنك، وبالفلوس اللي خدتها كنت هاعوضها
تحركت تهاني نحوها، وضربت بيديها على طاولة الطعام وهي تردد بصوت غاضب:
-فلوس!

هزت فردوس رأسها إيجاباً، وردت بسخط:
-أيوه، أومال أنا عملت ده ليه عشان نطلع من الفقر اللي كلنا عايشين فيه!
جحظت تهاني بعينيها الملتهبتين وهي تصيح بإهتياج:
-خدتي الفلوس من مهاب يا فردوس ؟
أجابتها فردوس بوقاحة وهي متجهمة الوجه:
-ايوه، هو جالي هنا، واتفق معايا على ده.

إعتدلت تهاني في وقفتها، وحدقت أمامها في الفراغ بنظرات مصدومة، ولطمت على صدرها في عدم تصديق، وغمغم بإندهاش:
-يعني اللي شوفته مكنش وهم! كان مهاب هنا! بيخطط وبيهد حياة ناس أبرياء
نهضت فردوس عن المقعد، أغمضت عينيها بقوة لتقاوم ذلك الصداع الذي يجتاحها، واقتربت من أختها، ووضعت يدها على كتفها، وقالت بخبث:
-احنا يا تهاني محدش حاسس بينا، والفرصة مابتجيش إلا مرة واحدة في العمر
أطاحت تهاني بيدها، وصاحت بغضب جم وقد تحول وجهها لكتلة حمراء:
-تقومي تبيعي بنتك بالفلوس يا فردوس ؟

أجابتها فردوس بصراخ مختنق مبررة جريمتها النكراء:
-أنا مابعتهاش، أنا اشتريت راحتها وراحتنا!
أشارت تهاني بإصبعها وهي ترمقها بنظرات مشمئزة، وتابعت بصوت ساخط:
-اتكلمي عن نفسك، إنتي ضحيتي ببنتك عشانك إنتي وبس مش عشانها!
نفخت فردوس وهي تضيف بصوت غير مكترث بتبعات جريرتها:
-وفيها ايه ؟ مكانتش هاتخسر كتير!
شهقت تهاني مصدومة من ردود أختها التي تخلو من الرحمة ..
هي تقف أمام إنسانة متحجرة القلب، جاحدة، لا تعرف الشفقة ..

هزت رأسها مستنكرة، وهتفت فيها بغضب:
-حرام عليكي، انتي بتفكري ازاي ؟ دي بنتك يعني لحمك ؟!
نظرت لها فردوس شزراً وهي تجيبها بإمتعاض كبير:
-يعني عاوزانا نموت هنا ومحدش يدرى بينا .. مش كفاية ابني راح زمان ببلاش بسبب الفقر، وملاقتش تمن لعلاجه!
أخذت نفساً عميقاً وزفرته وهي تتابع بغضب:
-استحملت اللي جراله، وصبرت نفسي، وقولت معلش أهوو ارتاح من الفقر .. يعني كنت هاعمله ايه ولا أدبر مصاريف علاجه منين ؟

زاد إحساسها بالصداع المهلك، وتابعت بحنق:
-ده أنا كل يوم باسأل نفسي يا ترى مين فينا هايحصله
أشارت تهاني بكفها في عدم تصديق وهي تردد بنبرة مصدومة:
-إنتي مش طبيعية، ده .. ده ربنا رحمه منك!
لوحت فردوس بذراعها وهي تكمل غير مكترثة:
-قولي اللي عاوزاه، الكلام مافيش جمرك عليه، لكن ساعة الفلوس كل حاجة هاتتغير!
كزت تهاني على أسنانها بغلظة وهي تصرخ فيها:
-بجد خسارة بنتك فيكي!

ردت عليها فردوس بفظاظة:
-بكرة هاتنسى، وهترجع تاني لحضني وآآ...
قاطعتها تهاني بنبرة هادرة وهي تهدد بإصبعها:
-إنتي بني آدمة استحالة حد يعيش معاها، من بكرة هادور على مكان تاني أقعد فيه إن شاء الله أبات على الرصيف، بس قعاد معاكي في مكان واحد مش هايحصل!
ثم سمعت كلتاهما صوت قرع الجرس، فكفكفت تهاني عبراتها، وتوجهت نحو الباب لتفتحه ..

جحظت بعينيها مصدومة، ووضعت يدها على فمها لتكتم شهقتها حينما رأته..
هو ليس وهماً، هو يقف أمامها بوجهه المتشنج، وتعابيره المتجهمة، ونظراته القاسية ..
ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة، وهمست متلعثمة:
-آآآ.. أوس...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة