قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الأربعون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الأربعون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في منزل تقى عوض الله
شهقت تهاني مصدومة حينما رأت أوس أمامها، وشعرت برجفة تجتاحها من هيبته التي تفرض نفسها تلقائياً في أي مكان يظهر فيه ..
إبتلعت ريقها بخوف، وحاولت أن تستأنف حديثها، ولكن تجمدت الكلمات على شفتيها .. لقد ظنت أنه جاء ليكمل عتابه اللاذع لها بسبب ما فعلته مع ابنتها ليان، واصطحابها لقصر أبيه ..

رمقها أوس بنظرات غريبة استشعرتها، ثم استطرد قائلاً بجمود ليقطع حاجز الصمت:
-عاوز أدخل أوضة تقى!
تعجبت من طلبه المريب، وهتفت بلا تردد:
-آآ... اتفضل يا بن..آآ..
تلافت سريعاً خطئها، وتابعت بحذر وهي تشير بيدها بعد أن أفسحت له المجال للمرور:
-قصدي يا أوس باشا، ده بيتك!
مرق إلى الداخل، ووقعت عينيه على فردوس .. فضاقت نظراته، ورمقها بنظرات إحتقارية، ثم تابع قائلاً بصوت قاسي وهو يشير بإصبعه:
-ليكي حساب معايا!

سال لعاب فردوس بفزع عقب جملته الأخيرة، وإرتعشت في مكانها مصدومة .. وتسائلت مع نفسها بهلع، هل سمع حديثها مع أختها، وعرف بكل شيء تفوهت به ..
سيطر الخوف عليها، وزادت رجفتها وهو تتوقع الأسوأ منه ..
نظرت لها تهاني بذهول، وأيقنت من كلمات ابنها المقتضبة أنه ينتوي شراً لأختها ..
خطى أوس بخطوات ثابتة إلى داخل غرفة تقى، ثم بحث بعينيه بدقة عن فردة الحذاء الأخرى، وبالفعل وجدها موضوعة بجوار الوسادة على الفراش الذي يتوسط الغرفة، فإلتوى ثغره بشبح إبتسامة رقيقة، لكن سريعاً ما تلاشت ليحل محلها التجهم والعبوس ..

إقترب من الفراش، ثم إلتقطها بيده، ودسها سريعاً في جيبه، وكأنها كنزه الثمين الذي يخشى ضياعه .. وتحرك مبتعداً عن الفراش ..
دلفت تهاني إلى داخل الغرفة خلفه، وتنحنحت بخفوت وهي تشرع حديثها قائلة بصوت متحشرج:
-أنا .. أنا كنت عاوزاك تسمعني قبل ما تمشي
إلتفت أوس نحوها، ورمقها بنظرات جامدة دون أن تتبدل تعابير وجهه المتجهمة ..
إزدردت ريقها بصعوبة، وتابعت بنبرة شبه مختنقة وقد لمعت عينيها بوضوح:
-أنا عارفة إني غلطت، ومكنش ينفع أخد ليان عند أبوك، وبأعترف بده بس .. آآ..

تقطع صوتها وهي تتوسله:
-بس بلاش تحرمني منها، دي بنتي الوحيدة، أنا ماستهلش إنك تعمل فيا كده!
دنت منه لتضيف بإستعطاف وقد إنهمرت العبرات من مقلتيها:
-أرجوك، عشان خاطري ده لو كان ليا عندك خاطر، طب .. طب أقولك على حاجة، اعمل اللي انت عاوزه فيا، بس متحرمنيش منها، دي الحاجة الوحيدة اللي فضلالي، كفاية إني خسرتك، فبلاش هي كمان، أنا .. أنا ممكن أموت فيها!

لم تتبدل نظراته، وظلت تعابير وجهه على وضعيتها القاسية ..
ظنت تهاني أنها سيرفض طلبها، فتلفتت برأسها بصورة هيسترية وكأنها تبحث عن شيء ما، حتى ثبتت أنظارها على الحقيبة التي تحوي الأوراق الهامة .. فركضت نحوها، وأمسكت بها لتفتحها، ثم أخرجت ما فيها من أوراق مطوية، وألقت بالحقيبة على الأرضية، ووقفت قبالته مرة أخرى، ورفعت يدها بهم، وإستعطفته بنبرة ذليلة وهي تطالعه بعينيها الباكيتين:
-خد الورق ده، أنا مش عاوزاه خلاص، اعمل فيه ما بدالك إن شاء الله حتى تحرقه، بس بلاش تحرمني من ليان، أنا مايهمنيش اكون بريئة قصاد الناس، أو حتى كرامتي ترجعلي، أو الناس تعرف إن مهاب مجرم، كل اللي يهمني انتو وبس، أيوه، إنتو عندي بالدنيا، إنتو أغلى من نفسي!

ثم مدت يدها لتسحب كفه، ووضعت بهم الأوراق، ورمقته بنظرات أكثر رجاءاً، وأضافت بشجن:
-خدهم! بس رجعلي ليان!
قبض أوس على الأوراق بكفه، ولم ينبس ببنت شفة .. ولكنه شعر بغصة مريرة، وبضيق في صدره ..
هو بات متيقناً من ندمها الحقيقي، ومن مشاعرها الصادقة كأم ..
ورغم هذا رفض أن يبوح بما في صدره ..
استشعرت تهاني أن قلبه ربما سيرق من أجلها وسيرتضي بتلك المقايضة التي ستكلفها كل شيء .. لكنها راضية بها طالما ستعيد ابنتها إلى أحضانها ..

تفاجئت هي به يزيحها بقبضته الأخرى عن طريقها ليتحرك نحو الخارج ..
شهقت بأنين وقد ظنت أنه رفض توسلاتها، ونبذ رجائها .. ثم وضعت يدها على فمها لتبكي بحسرة وخزي ..
هبت فردوس في مكانها مذعورة حينما رأت أوس واقفاً قبالتها .. ونظراته المشتعلة تكاد تفتك بها ..
حاولت أن تحافظ على رباطة جأشها أمامه، ولكن الخوف كان بادياً في نظراتها الزائغة ..
إرتجفت شفتيها وهي تنطق بتلعثم:
-أنا .. آآ.. كنت .. آآ...

ولكن باغتها أوس بصفعة مدوية على صدغها، فصرخت متأوهة منه .. ونظرت له بذهول حقيقي من عينيها الجاحظتين، وأسندت يدها عليه لتتأكد من فعلته ... وهمست مصدومة:
-انت .. انت ب.. بتمد ايدك عليا ؟
رفع أوس إصبعه في وجهها، وهدر بها بنبرة عنيفة وهو يحدجها بنظرات محتقنة للغاية:
-اييييييه وجعك ؟
باغتها بصفعة أخرى أشد قسوة على يدها الموضوعة على صدغها، فإنتفض جسدها، وأضاف قائلاً بصوت متصلب:
-عاوزك تعرفي إن ده جزء على مليون من اللي هاعمله فيكي!

ذهلت من تكراره للصفعة، وهتفت بإندهاش:
-إنت .. آآ..
تابع أوس قائلاً بنبرة عدائية للغاية وقد تحولت مقلتيه لجمرتين من النيران الملتهبة:
-هاخليكي تحسي بكل ثانية إتألمت فيها تقى بسببك!
عجزت عن الحديث، وإرتعدت أوصالها بشدة، وكافحت لتقول:
-آآ..

هدر أوس صارخاً بعصبية:
-يمكن هي في يوم تسامحك، وتنسى، بس أنا غيرها، لا بأعرف أسامح، ولا بأعرف أنسى اللي يجي على اللي يخصني!
ردت عليه فردوس بنبرة مرتجفة للغاية:
-إنت .. مش فاهم حاجة، أبوك هو اللي آآ...
قاطعها بصراخ أعنف وهو يشير بإصبعه المتصلب:
-بس، ماتفتحيش بؤك خالص، انتي تخرسي وتسمعيني كويس!
إنتفضت من صراخه، ورمقته بنظرات خائفة ..

ضغط أوس على شفتيه بقوة، وأكمل بصوت محتد:
-أنا مش زي جوزك طيب وفي حاله، ولا زي تقى، ولا حتى زي مهاب اللي اتفقتي معاه على مراتي!
اقترب منها حتى باتت تشعر بأنفاسه الغاضبة على وجهها، وتابع قائلاً ببطء وهو يضغط على كل حرف:
-أنا أوس الجندي!
أغمضت عينيها هلعاً، وأرجعت رأسها للخلف وهي تحاول المدافعة عن نفسها قائلة:
-هو ض... آآ..

أطبق أوس على عنقها، وضغط عليه بأصابعه المتشنجة ليخنقها، فإنفرجت شفتيها محاولة التنفس، وجحظت بعينيها برعب .. وشعرت بالدماء تتدفق بغزارة إلى عقلها ليزيد من صداعها المهلك
كز هو على أسنانه، وتابع بنبرة قاسية:
-كان ممكن ببساطة تيجي تبلغيني بإتفاقكم الوسخ، وبدل المليون اللي رمهالك، كنت هاديكي 10 مليون غيرهم!
وضعت تهاني يديها على صدرها من الخوف بعدما رأت ابنها وهو على وشك الفتك بأختها .. وهزت رأسها بصورة هيسترية مستنكرة هذا ورددت بهلع:
-لألألأ ..!

أطلقت عيني أوس شرر مخيف وهو يكمل بغلظة:
-ولو حياة بنتك ماتسواش عندك إلا مليون، فأنا سلامة تقى عندي مايكفيهاش فلوس الدنيا كلها!
ثم أرخى قبضته عنها، ودفعها بعنف للخلف، فسعلت لعدة مرات بحشرجة كبيرة ..
أشار لها بإصبعه مهدداً مرة أخرى:
-انتي هاتعرفي يعني إيه وجع وعلى إيدي!
نظرت له من طرف عينها، وأردفت قائلة بندم زائف:
-ح.. حرام عليك، ده .. ده أنا أم وآآآ...

قاطعها بصوت هادر وقد تشنجت تعابير وجهه للغاية:
-اخرسي، كلمة أم تمسحيها من قاموس كلماتك خالص!
ثم إلتفت نحو تهاني، ورمقها بنظرات جادة قبل أن يتابع بتهكم:
-أومال دي اسميها ايه ؟ اللي مستعدية تعمل أي حاجة عشان بس أضحك في وشها! وأوافق بنتها تاخدها في حضنها ؟
استعطفته ببكاء مصطنع:
-ده أنا خالتك، يعني .. يعني في مقام أمك دي.

هدر بها بإنفعال وهو يلوح بذراعه مهيناً إياها:
-متقارنيش نفسك بيها، إنتي تتحطي تحت جزمتي! وادهسك!
استفز فردوس تحقيره لها، فصاحت محتجة بشجاعة زائفة:
-انت مفكر نفسك ملكت الدنيا بفلوسك، لأ أنا أقدر آآ...
قاطعها بسخط وهو يحدجها بنظرات إزدراء:
-خلي تهديداتك لنفسك .. أهي تشجعك لأنك هتحتاجيها الأيام الجاية!
سألته متوجسة وهي تبتلع ريقها:
-قصدك ايه ؟

حدجها بنظرات أخيرة مشمئزة، ولم يجبها بل ترك الأمر لمخيلتها .. ثم أولاها ظهره، واتجه نحو الباب ..
تابعتهما تهاني بصدمة ولم تستطع النطق بكلمة، وتعلقت نظراتها به وهو يتحرك نحو عتبة المنزل، ولكنه توقف عن السير، وإستدار برأسه للخلف، وإلتقط نظراتها المحدقة به، ثم حدثها قائلاً بنبرة متصلبة وهو يطالعها بنظرات مريبة:
-أنا مستنيكي تحت في العربية يا ..آآ
صمت للحظة قبل أن تتحول نبرته للين وهو يتابع بهدوء:
-يا ماما!
شهقت غير مصدقة ما لفظه تواً .. وإهتز جسدها بإرتجافة رهيبة زلزلت كيانها، كما خفق قلبها بقوة رهبةَ من تلك الكلمة التي طالما انتظرتها، وتمنت لو سمعتها لمرة واحدة تنطق من بين شفتيه...

في قصر عائلة الجندي
إختطف مهاب من يد المحامي نصيف تلك التصاريح التي أحضرها له، وسأله مستفهماً:
-يعني المفروض أعمل ايه ؟
أجابه الأخير بجدية وهو يشير بيده:
-تروح فوراً على بورسعيد، هما هيدخلوك المينا، وهتسأل هناك عن سفينة شحن طالعة اليونان، المفروض هاتطلع كمان 8 ساعات بالكتير، إنت لازم تكون جواها قبل كده
هز مهاب رأسه قائلاً بتلهف:
-بيتهيألي هالحق أوصل قبلها بكتير! المسافة مش بعيدة!

أومأ نصيف برأسه إيجاباً قائلاً بهدوء:
-أيوه .. أنا مظبط كل حاجة!
سأله مهاب بقلق وهو ينظر له:
-طب .. طب والتصاريح ولو حد وقفني وآآ... ؟
قاطعه بثقة:
-متقلقش، الأوراق سليمة
ربت مهاب على ذراعه ممتناً، فأضاف نصيف قائلاً بجدية:
-المهم إنت إلحق وقتك!
هز رأسه موافقاً وهو يجيبه:
-ايوه، أنا هاتحرك حالاً
وبالفعل أسرع مهاب في خطواته ناحية الدرج ليصعد إلى غرفته، ليعد حقيبة سفر صغيرة يأخذها معه ..

في سيارة أوس الجندي
ضرب أوس بأصابع كفه على المقود بحركة ثابتة، وإستند بذقنه على مرفقه الأخر، وحدق في المرآة الجانبية للسيارة ..
شرد مع نفسه ليفكر فيما فعله .. لا يعرف كيف رق قلبه هكذا ليدعو تلك السيدة التي طالما كرهها ب ( أمه )، وطلب منها بسهولة القدوم معه ..
لكن إحساسه بظلمها وقهرها، وبمدى معاناتها المستمرة، وذلها من أجل نيل رضائه فقط جعلته يصفح عنها ( إلى حدٍ ما ) ...
انتصب أوس في جلسته، وبدى على وجهه الإرتباك وهو يرى والدته مقبلة عليه ..

لم يختلف حالها عنه كثيراً .. فهي لم تعد تشعر بقدميها منذ أن أبلغها بإنتظاره إياها بالأسفل .. ولأول مرة منذ أدهر تستشعر العطف والرقة منه ..
على إستحياء فتحت الباب الأمامي لتجلس إلى جواره .. ثم أغلقته بهدوء، وحدقت أمامها ..
أدار أوس محرك السيارة، وانطلق بها مسرعاً، بينما طالعته هي بنظرات أمومية حانية من طرف عينها، وحاولت أن تختلس النظرات إليه دون أن تشعره بهذا ..
وعلى الرغم من تحديقه في الطريق أمامه بملامح جامدة إلا أنه كان متيقناً من مراقبتها له ..
بحثت تهاني عن وسيلة لتختلق حديثاً ودوداً معه، فأهداها تفكيرها للسؤال عن تقى، لذا رسمت إبتسامة مهذبة وهي تسأله بصوت خفيض:
-ت.. تقى عاملة ايه الوقتي ؟

أجابها بإيجاز ووجهه خالي من التعبيرات:
-بخير
-هو احنا رايحين فين الوقتي ؟
سألته بحذر وهي تبتلع ريقها ..
لم ينظر نحوها، وأجابها بإقتضاب:
-على بيتي!
إتسعت عينيها في عدم تصديق، وتسائلت في نفسها بحماس هل هو حقاً يدعوها للمكوث في منزله ..
رقص قلبها طرباً من السعادة، وتشكلت إبتسامة واضحة على ثغرها ..
لم ترغبْ في إضافة المزيد حتى لا تفسد الأجواء اللطيفة بينهما ..

في قصر عائلة الجندي
أغلق مهاب صندوق السيارة الخلفي بعد أن وضع به حقيبة سفره، ثم انطلق مسرعاً نحو مقعد القائد ليدير محركها، وضغط على دواسة البنزين ليخرج من بوابة القصر الرئيسية دون أن يبلغ الحراسة بأي تعليمات ...
نظر له الحارس الأمني جمال بإستغراب، وغمغم مع نفسه متعجباً:
-هو مسافر فين الوقتي ؟ باين كده الموضوع فيه إن!

في السجن النسائي
وضعت ناريمان يدها على فمها وهي تتحدث بخفوت في الهاتف المحمول الذي أعطته إياها الصول، وتسائلت هامسة:
-يعني ايه مش عارفة توصليلها ؟
أجابتها هياتم بهدوء:
-يا مدام ناريمان أنا بأكلمها من بدري، وموبايلها مقفول!
هتفت فيها بصوت منزعج رغم خفوته:
-اتصرفي يا هياتم، لازم توصليلها، وتعرفي إن كانت جابت الورق ولا لأ
أجابتها هياتم بنبرة جادة:
-حاضر، بكرة هاعدي عليها!

مطت ناريمان فمها وهي تتابع هامسة:
-طيب ماتنسيش، وأنا هاكلمك تاني!
ثم أنهت المكالمة معها، وأعادت الهاتف إلى الصول التي غمزت لها وهي تقول بمكر:
-الحلوان يا ستنا!
ابتسمت لها ناريمان إبتسامة مصطنعة وهي تضع الأموال في قبضتها:
-أه أكيد
إعتلى ثغر الصول إبتسامة عريضة وهي تدس النقود في جيب سترتها الميري

في منزل أوس الجديد
إستلقى عدي على الأريكة بعد أن تركته ليان وذهبت إلى غرفة أوس لتنام بجوار تقى ..
أغمض جفنيه ليستريح، ولكنه سمع صوت فتح باب المنزل، ففتح عينيه، وإعتدل في نومته، وحدق بالباب ..
هب من مكانه مذهولاً حينما رأى تهاني تدلف للصالة، فأسرع نحوها، وسألها متلهفاً:
-انتي دخلتي هنا إزاي ؟ وعرفتي مكان الشقة منين ؟ وآآ...

ابتلع باقي الكلمات في جوفه حينما رأى أوس خلفها، فرفع حاجبيه للأعلى، وسأله بذهول أكبر:
-إنت! طب إزاي ؟
أشار له أوس بعينيه ليكف عن الحديث، وتشدق قائلاً:
-خليها تنام مع ليان ؟
اعترض قائلاً وهو يشير بيده:
-بس ليان نايمة مع تقى جوا في الأوضة وآآ..
قاطعته تهاني قائلة بخفوت:
-أنا ممكن أنام في أي حتة، محدش يشيل همي!
أردف أوس قائلاً بجدية:
-وديها عند أوضة ليان وأنا هاجيبهالها هناك
لم تصدق تهاني أذنيها، وظنت أنها تحلم حلماً جميلاً لم ترغب في أن تفيق منه أبداً .. نعم فهي مع فلذات أكبادها تحت سقف واحد ..

بخطوات حذرة ومتسللة، دلف أوس إلى داخل غرفة نومه، ورأى زوجته وشقيقته الصغرى تنامان في هدوء، فإعتلى ثغره إبتسامة صافية ..
ثم إقترب من جانب الفراش الذي تنام عليه ليان، وانحنى بجذعه قليلاً، ووضع يده على ذراعها ليوقظها برفق وهو يهمس لها:
-ليان! اصحي
إعتصرت الأخيرة جفنيها بقوة لتفتحهما، وردت عليه متسائلة بصوت ناعس:
-في ايه يا أوس ؟

همس لها بجدية وهو يهزها:
-روحي نامي في أوضتك
أغمضت عينيها، وتململت في الفراش، وغمغمت بصوت ثقيل وناعس:
-لأ مش قادرة أقوم، خليها بكرة، أنا مبسوطة هنا
إعتدل أوس في وقفته، ورمقها بنظرات شبه مغتاظة، ثم إعتلى ثغره فجأة إبتسامة عابثة، وهز رأسه متوعداً لها ..

نزع بهدوء سترته، وأسندها على الأريكة، وشمر عن ساعديه، واقترب من الفراش مجدداً، ثم لف ذراعه حول عنق شقيقته ليكمم فمها، فشهقت بصوت مكتوم، وفتحت عينيها مصدومة، وأزاح بيده الأخرى جانب الغطاء الذي يغطيها، ثم مرره أسفل ركبتيها، وحملها بين ذراعيه، وسار مبتعداً بها عن الفراش ..
ركلت ليان بقدميها في الهواء وهي لا تصدق ما فعله معها ..
حاولت أن تصرخ ولكن صوتها كان مكتوماً للغاية ..
خرج أوس بها من الغرفة حاملاً إياها، فتفاجيء عدي بما يفعله، وفغر فمه مشدوهاً، وركض نحوه متسائلاً بذهول:
-إنت بتعمل ايه بالظبط ؟!
-خد مراتك!

قالها أوس وهو يلقي بها على رفيقه الذي أسرع بتلقفها منه بذراعيه فحملها بهما، وضمها إلى صدره ..
خفق قلب ليان من تلك الحركة المباغتة، وصاحت بإنزعاج وهي تلف يدها حول عنق عدي:
-إنت اتجننت يا أوس! ايه اللي بتعمله ده ؟!
غمز أوس لعدي وهو يقول بإيجاز:
-اتعامل بقى!
حدقت ليان في عدي بصدمة، وابتلعت ريقها بإرتباك واضح وهي ترى نظراته المتطلعة إليها بشغف كبير ..
بينما تشكلت إبتسامة متسلية على وجهه وهو يستشعر بسعادة إرتباكها المغري ..

عاد أوس إلى الغرفة، وتمطع بكتفيه، وبذراعيه، ثم فرك عنقه بأصابعه، واتجه نحو سترته، وإلتقطها بإصبعيه، ووضع يده في جيبها ليخرج منها فردة الحذاء الأخرى، ثم ألقها على الأريكة ..
فرك بأصابعه تلك الفردة التي صارت معشوقته، ودنا من الفراش مجدداً، ثم إستلقى عليه، وراقب حبيبته تقى بنظرات عاشقة، ومد أنامله ليتحسس بشرتها، ثم انحنى عليها ليطبع قبلة صغيرة على وجنتها، وهمس لها بحرارة:
-بأحبك!

أبعد أوس رأسه للخلف، وابتسم لها بعذوبة آسرة، ثم جمع فردتي الحذاء معاً، وأسندهما على الوسادة أمام وجهها حتى تكون أول ما تراه عينيها حينما تفتحهما ...
تثاءب بإرهاق وهو يرجع رأسه للوراء، ثم أغمض عينيه وتلك الإبتسامة الهادئة لا تفارق محياه ...

عند رصيف ميناء بورسعيد
وصل مهاب إلى مدخل الميناء بعد أن قطع مسافة الطريق الطويلة في وقت قصير بسبب سرعته الجنونية ..
كانت كل ثانية تمر عليه تزيد من هلعه من إحتمالية تعرضه للمسائلة القانونية وربما القبض عليه والزج به في السجن ..
فحص الضابط المسئول عن دخول الأفراد والسيارات للميناء التصاريح التي بحوزته، ورمقه بنظرات مطولة قبل أن ينطق بجمود:
-اتفضل، ورقك سليم
تنفس مهاب الصعداء، وأخذ منه الأوراق، ثم انطلق بالسيارة للداخل ...

في نفس التوقيت بمكان أخر بالميناء
حرك أحد سائقى هيئة الميناء الرافعة التي تنقل الحاويات الثقيلة بحذر شديد نحو أحد الأرصفة ليصيح فيه زميله الأخر بنفاذ صبر:
-انت يا عم، خلص بقى خلينا نروح، الوردية قربت تخلص!
رد عليه السائق بضيق:
-ما أنا شغال قصادك، شايفني بألعب يعني
هتف فيه بصوت مرتفع وهو يلوح بيده:
-طب نزل الونش خليني أربط أخر كونتينر ( حاوية )
بينما أضاف عامل أخر:
-بسرعة يا عمنا، الوقت أزف.

-ماشي يا سيدي
قالها السائق بإمتعاض واضح على وجهه ..
ثم ضغط على زر الإنزال، وراقب بدقة حركته، ولكن أرقه إهتزازته الغريبة ..
تجمع العاملون حول الرافعة، وقاموا بعقد الأربطة المعدنية حول الحاوية، وتأكدوا من إحكام ربطتها، وما إن انتهوا من عملهم حتى ابتعدوا عنها، وتراجعوا للخلف، وأشار أحدهم للسائق قائلاً بصوت مرتفع:
-اتوكل على الله وارفع!
رد عليه السائق بنبرة عالية وهو يشير بيده:
-ماشي!

وبالفعل ضغط على زر التشغيل لتعمل الرافعة وترتفع تدريجياً للأعلى حتى صارت على علو مقبول، فأدار المقود للجانب لتتحرك معه الرافعة بحذر وتنتقل للجانب الأخر من رصيف الميناء ..
شعر السائق بإرتجاجة قوية في الرافعة، فإنقبض قلبه لوهلة وحبس أنفاسه، وظن أنها ستسقط .. فأوقف تشغيلها، وانتظر لعدة لحظات مترقباً .. لكنها لم تحرك ساكناً، وظلت على وضعيتها الثابتة .. فتنهد بإرتياح، وأعاد تشغيلها ..

في نفس اللحظة كانت سيارة مهاب الجندي تمر أسفل مسار الرافعة ..
حدق هو في الطريق أمامه بجمود، وإلتوى فمه بإبتسامة خبيثة أظهرت أسنانه وهو يردد لنفسه بغبطة:
-ابقوا وروني هتوصلولي إزاي! وأنا هاعرف أنتقم من كل واحد بطريقتي!
وإذ فجأة إنقطع رابط الرافعة المعدني، فهوت بالحاوية التي تحملها فوق سيارته، فهشمتها على الفور، وأحدثت دوياً هائلاً هز أرجاء الميناء لتتناثر بعدها الدماء على الأرصفة والحاويات الأخرى المتراصة على الجانبين، ومعها قطعاً صغيرة من أشلاء ما تبقى من جسد مهاب...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة