قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الحادي والأربعون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الحادي والأربعون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

بداخل ميناء بورسعيد
ركض العاملون بالميناء نحو الرصيف الجانبي الذي وقعت فيه الرافعة بالحاوية التي تحملها، وصرخوا بفزع حينما تفاجئوا بوجود بقايا بشرية ودماء منتشرة في المكان، وأثار لتهشم سيارة ما أسفلهما ..
صاح أحدهم بهلع:
-يا ليلة كوبيا، حد يتصل بالاسعاف والبوليس!
تسائل أخر برعب وهو يتلفت حوله:
-انتو كلكو كويسين ؟

رد عليه عامل ثالث:
-تمم على العمال اللي عندك كلهم
هتف سائق الرافعة بخوف:
-سترك يا رب، قلبي حاسس من الأول إن اليوم ده مش هايعدي على خير!
تجمعت بعض الكلاب الضالة بالرصيف، وبدأ بعضها يلعق تلك البقايا العالقة بالأرضية الإسفلتية، فحاول أحد موظفي الأمن المتواجدين بالميناء إبعادهم وهو يهتف بحنق:
-هششش .. وده وقت كلاب، بتاكلوا ايه بس ؟!

دقق موظف الأمن النظر فيما يلعقوه، فوجدها بقايا بشرية، فشعر بالغثيان، وهتف بإشمئزاز وهو يلوح بعصاه الإلكترونية:
-هششش! ابعدوا من هنا!
لم يتحمل بشاعة المشهد، فأفرغ ما في معدته فوراً .. وتحرك مبتعداً ..
وفي غضون دقائق تحول الميناء إلى ساحة للجريمة، وأصبح يعج برجال الشرطة والمباحث والتحريات الخاصة لمعرفة هوية المتوفي ...

في منزل تقى عوض الله
أغلقت فردوس درج الكومود الموجود بغرفة نومها وأمسكت بالشيك النقدي بأصابعها، وجاهدت لتقرأ ما فيه، ولكن كانت الرؤية مشوشة للغاية ..
إنتحبت بصوت خافت، وغمغمت مع نفسها بضجر:
-بكرة بنتي هاترجعلي تاني، وهاتنسى اللي حصل! والفلوس دي هاتخليني أخرج من الوحلة اللي أنا فيها، وأطلع على وش الدنيا
زادت حدة الصداع المهلك في رأسها، فضغطت بكفها على رأسه المتألم، وهتفت بصوت مختنق:
-آآآآه، دماغي هاتنفجر، مش قادرة، آآآه!

تركت فردوس الشيك على الفراش، وضغطت بكفيها على جانبي رأسها بعد أن نكستها للأسفل ..
ثم استجمعت قوتها، ونهضت عن الفراش، وخرجت من الغرفة لتبحث عن مسكن للآلام ..
زادت حدة الضربات بصورة مميتة، فصرخت بإهتياج وهي تضع كفيها على رأسها، ثم سقطت على الأرضية وأكملت صراخها المتواصل ...
استمع الجيران إلى صوت صراخها المفزع، فطرقوا على باب منزلها، ثم حطمه أحدهم، واندفعوا للداخل لنجدتها ..

هتفت إحداهن بقلق:
-مالك يا ست فردوس ؟
لطمت أخرى على صدغها وهي تردد بخوف:
-يا لهوي بالي، نادولها الاسعاف!
أضاف رجل ما قائلاً بجدية:
-احنا نوديها على أقرب مشتشفا ( مستشفى )
ثم تعاونوا فيما بينهم لحملها، ونقلها إلى أقرب مشفى ...

في المشفى الحكومي القريب
تم إدخال فردوس لغرفة الطواريء لمعالجتها فوراً .. وتكفل أحد الجيران بدفع الرسوم لها ..
بينما لم تكف هي عن العويل ولا عن الصراخ بسبب الآلم الشديد ..
أعطاها الطبيب إبرة مسكنة لتخبو آلامها قليلاً، ثم قام بفحص جرحها الذي لم يشفَ بعد .. ونظر إلى رفيقه بإمتعاض، وتبادلا الاثنين حديثاً غير مفهومٍ ..
وبعدها تم إيداعها في عنبر السيدات بالمشفى حتى الصباح الباكر ..

في منزل تقى عوض الله
عاد عوض إلى منزله مع أول ضوء للنهار، وتفاجيء بتحطم باب منزله .. فتوجس قلبه خيفة .. وتلفت حوله برعب ..
وتسائل بنبرة خائفة:
-هو .. هو حصل ايه هنا ؟
ولج إلى داخل منزله، وبحث عن قاطنيه فلم يجد أي أحد بالداخل، فزاد رعبه .. وخرج سريعاً ليطرق باب الجارة المقابلة لهم ..
فتحت له السيدة إجلال الباب بعد لحظات، ونظرت له بتعجب وهي تسأله:
-خير يا عم عوض ؟

إستدار برأسه للخلف، وأشار بكفه المجعد وهو يرد بتلهف:
-أنا لسه راجع من الجامع، وباب البيت مكسور وآآ...
قاطعته بإندهاش وهي تضع إصبعيها على طرف ذقنها:
-هو انت متعرفش اللي جرى للست فردوس ؟
سألها بقلق بالغ وقد إتسعت عينيه المرهقتين:
-حصلها ايه ؟

أجابته بنبرة حزينة وهي تضغط على شفتيها:
-يا حبت عيني فضلت تصوت وتصرخ من دماغها، فولاد الحلال نقلوها على المستشفى!
فغر فمه مدهوشاً، وتسائل بقلق:
-هاه، مستشفى ايه دي ؟
ردت عليه بنبرة عادية وهي تهز كتفيها:
-والله ما أنا عارفة!
هز رأسها بحركة خفيفة متكررة، وتابع بفتور:
-ماشي يا حاجة، كتر خيرك.

ثم أولاها ظهره وتحرك عائداً إلى منزله، فهتفت فيه إجلال بتمني:
-ربنا يشفيهالك يا عم عوض!
لم يجبها بل ظل على حالته المشدوهة تلك وهو يلج إلى منزله ..
استخدم هو المزلاج لغلق الباب المحطم، وسار بخطى بطيئة نحو غرفته ..
ظل يتمتم قائلاً بتحسر وخيبة أمل:
-عملتي في نفسك كده ليه يا فردوس ؟ لله الأمر من قبل ومن بعد!

أسند عوض عكازه إلى جوار الفراش، ثم جلس بحذر عليه، وأخذ يضرب كفاً على كف .. وحرك رأسه للجانبين مستنكراً .. فوقعت عينيه مصادفةً على تلك الورقة المطوية على فراشه، فمد يده ليمسكها، وقرأ ما بها، فتحولت نظرات الحزن إلى صدمة واضحة، وهتف بعدم تصديق:
-مش ممكن! إنتي تعملي كده يا فردوس!

في منزل أوس الجديد
أفاق أوس من غفلته القصيرة، فشعر بآلم حاد في عنقه، ففركه بكفه وهو يضغط عليه .. ثم نهض بحذر من على الفراش حتى لا يوقظ تقى ..
وقف قبالتها واضعاً يديه على خصره، لوى فمه قليلاً وهو يفكر في شيء ما، وسريعاً تشكل على ثغره إبتسامة عابثة .. ثم بحرص بالغ، مد يده ليقرب كفها من فردتي الحذاء حتى تستشعر ملمسهما الناعم وهي غافية، ولم ينسَ أن يطبع قبلة صغيرة على جبينها ..

طالعها أوس بنظراته الشغوفة، وأبعد خصلات شعرها المتمردة عن وجهها، ثم اعتدل في وقفته، ودلف إلى المرحاض ليغتسل، وبعدها بدقائق اتجه إلى خزينة الملابس، وأخرج من ضلفته حلة جديدة ليبدل فيها ثيابه قبل يخرج من الغرفة بهدوء شديد ..

إندهش عدي من استيقاظ أوس مبكراً، وسريعاً أطفأ سيجارته المشتعلة في المنفضة، ونهض عن الأريكة ليسأله بتعجب:
-انت لحقت تنام ؟
رد عليه أوس بصوت خشن وهو يسعل قليلاً:
-مافيش وقت للنوم، لسه عندي حاجات عاوز أخلصها
سأله عدي بإهتمام وهو قاطب جبينه:
-طب انت رايح فين الوقتي ؟
أجابه أوس بإيجاز وهو ينتصب بكتفيه:
-رايح الشركة
عقد عدي ما بين حاجبيه في إستغراب وهو يسأله:
-بدري كده ؟

هز رأسه قائلاً بإقتضاب:
-أيوه ..!
وإلتفت بعدها حوله متسائلاً بجمود:
-أومال ليان فين ؟
أجابه عدي مبتسماً ابتسم له عدي وهو يحك فروة رأسه:
-مع مامتها جوا
هز أوس رأسه بخفة، وتابع بصوت جاد وهو يشير بيده:
-تمام، أما تفوق براحتك ابقى حصلني على الشركة!
اعترض عدي قائلاً بإصرار:
-لأ استنى أنا جاي معاك، بس هاعدي على الفيلا أغير هدومي الأول
ضغط أوس على شفتيه ليرد بإختصار جاد:
-اوكي!

بصعوبة بالغة تمكنت ليان من النوم في أحضان والدتها بعد تلك الليلة الفائتة التي قضتها مع عدي .. فقد رفض الأخير أن يتركها دون أن يعبث معها قليلا ً ..

(( خفق قلب ليان بإرتباك جلي، وشهقت مذهولة من تلك الحركة المباغتة التي قام بها شقيقها بإلقائها على عدي ليمسك هو الأخر بها ببراعة بذراعيه، ويحول دون سقوطها .. بينما طوقت هي عنقه بذراعها ..
توردت وجنتيها بحمرة بائنة، وهتفت بتذمر وهي تركل بقدميها في الهواء بعد أن انصرف أوس:
-نزلني، مش خلاص مشى!
ابتسم لها إبتسامة مراوغة، وأجابها بمكر وهو يغمز لها:
-هو قالي أتعامل!

تعمدت العبوس بوجهها، ورمقته بنظرات حادة وهي تهتف فيه بنبرة شبه منفعلة:
-يوووه، نزلني بقى
نظر لها مستنكراً، ورفع حاجبه للأعلى، ورد عليها معاتباً:
-دي شكراً بتاعتك، مش بدل ما كنتي تقعي!
تجهمت ملامح وجهها، وهتفت بتحدي:
-أنا عاوزة أقع
ضاقت عينيه بصورة مثيرة، وهمس بمكر:
-بجد ؟!
ردت عليه بنفاذ صبر وهي عاقدة ما بين حاجبيها بشدة:
-أيوه
مازحها عدي متسلياً معها، حيث أرخى ذراعيه قليلاً لتشعر بتهديده الجاد بإيقاعها .. وتسائل بجدية مصطنعة وهو يطالعها بنظرات والهة:
-يعني كده ؟

إنتابها حالة من الخوف، وتشبثت أكثر بعنقه، وصاحت بتوتر:
-حاسب!
استمتع عدي بلهوه معها، فكرر تلك الفعلة قائلاً بإبتسامة واسعة:
-طب ولا كده ؟!
تعلقت بعنقه، وعانقته بطريقة حركت مشاعره بشدة، وأصابته بالتوتر الرهيب وهي تهتف متوسلة:
-No, no , no ( لا، لا ) .. بطل بقى بليز!
تنهد بعمق وهو يهمس لها بحرارة:
-ماتخفيش، مش هاوقعك أكيد.

ثم أنزلها بحذر لتقف على ساقيها، وظل محاوطاً خاصرتها بذراعه، ورمقها بنظرات رومانسية مثيرة، وهو يبتسم لها بإغراء خطير ..
ازدردت ليان ريقها بتوتر واضح، وشعرت بتأثيره عليها، فخجلت منه، وسحبت ذراعيها من حول عنقه بإرتباك، وأسرعت بالإنصراف من أمامه راكضة لتعود إلى غرفتها، فتفاجئت بوجود والدتها بها، فهتفت بتلهف:
-مامي
فتحت تهاني ذراعيها في الهواء، وردت عليها بفرحة وعينيها دامعتان:
-ليان! بنتي!

ركضت ابنتها ناحيتها، وإرتمت في أحضانها، وأسندت رأسها على كتفها، وسألتها بصوت شبه باكي:
-انتي هنا يا مامي ؟
مسحت تهاني على ظهر ابنتها، وتابعت بتنهيدة سعيدة:
-ايوه يا حبيبتي، أنا هنا معاكي، ومش هاسيبك ))

تقلبت ليان في الفراش لتنام على جانبها، وإبتسمت لنفسها إبتسامة خفيفة وهي تغمض عينيها مرة أخرى ..
لقد كانت من قبل ناقمة على عدي، وتبغض وجودها بقربه بعد إكتشافها لخديعته، وعاهدت نفسها ألا تكون لقمة سائغة له أو لغيره وألا تستسلم لمشاعرها تحت أي ضغط .. ولكن بعد مصارحته الأخيرة لها، وإعترافه بخطئه وإبدائه لندمه الشديد وتوبته، رق قلبها نحوه، واستشعرت من جديد تأثيره القوي عليها، بل إنه حرك بها تلك الأحاسيس الغريبة التي تشتاقها فباتت غير متيقنة من قرارها السابق ...

في المشفى الحكومي
حركت فردوس رأسها على الجانبين وهي تئن بصوت خفيض .. ثم مدت يدها لتتحسس موضع الآلم .. ونادت بصوت واهن:
-ح.. حد يساعدني، آآآه، مش قادرة من دماغي!
جاءت إليها الممرضة، وتفقدتها سريعاً، ثم ردت عليها بجمود:
-اهدي يا ست، شوية وهتاخدي حقنة المسكن التانية!
سألتها فردوس بصوت متألم وهي تحاول فتح عينيها المتعبتين:
-أنا فيا إيه ؟ مش قادرة من دماغي! وعيني .. مش .. مش شايفة بيها كويس!

ضغطت الممرضة على شفتيها لتجيبها بإمتعاض:
-معلش، من أثر الخبطة الجامدة اللي كانت في دماغك، فإلتهبت وآآ..
اقتضبت الممرضة حديثها، فسألتها فردوس بتلهف وهي تدير رأسها في اتجاهها:
-وآآ.. ايه ؟
نفخت الممرضة وهي تقول على مضض:
-بصي هو الدكتور شوية وهايعدي عليكي يفهمك حالتك بالظبط!

أمسكت بها فردوس من قبضتها، وهتفت فيها بعصبية:
-ماتسبنيش كده، قوليلي فيا ايه
لمحت الممرضة الطبيب وهو يدلف للعنبر النسائي، فتشدقت قائلة:
-اهوو .. الدكتور جه هناك، ثواني أندهولك
وبالفعل تحركت الممرضة نحوه، وتحدثت معه بهدوء، فعاد الأخير إلى فردوس، وفحصها متسائلاً بجدية:
-ازيك دلوقتي يا حاجة ؟

ردت عليه متآلمة:
-مش كويسة خالص، دماغي وعيني فيها زغللة وآآ...
مط فمه، وتابع بهدوء جاد:
-شوفي يا حاجة، مخبيش عليكي، في مشكلة خطيرة عندك ولازم تتعاملي معاها من دلوقتي
إنفرج فمها بهلع:
-هاه
تابع قائلاً بتفسير وهو يشير بيده:
-نتيجة الضربة القوية اللي اتعرضتيلها ده أثر على مراكز حساسة في المخ، وخصوصاً مراكز الإبصار فده أدى لضعف الرؤية عندك، وآآ...

توقف عن الحديث فإنقبض قلبها بفزع، وسألته بصوت لاهث:
-وايه ؟
نكس رأسه قليلاً، وأجابه بحذر:
-وللأسف بعد فترة النظر هايروح خالص
صرخت بصدمة كبيرة:
-اييييييه!
تابع قائلاً بنبرة مواسية:
-ده قضاء الله طبعاً
جحظت بعينيها، وصرخت بهوس وهي تمسك بياقة الطبيب بقبضتها:
-أنا هاتعمى، لألألألأ!

أزاح يدها قائلاً بضيق:
-اهدي يا حاجة، ماينفعش اللي بتعمليه ده
هزت رأسها مستنكرة، وهتفت بتوسل باكي:
-مش عاوزة أتعمى، أنا عاوزة اشوف! طب .. طب مافيش علاج ؟ أنا مستعدة أدفع لحد مليون جنية!
أردف الطبيب قائلاً بجمود:
-هو للأسف مش هنا في المستشفى دي، الإمكانيات محدودة، لكن يمكن تلاقي في مستشفى استثماري أو آآ...

قاطعته بصراخ وهي تشير بيدها المرتجفة:
-ماشي، مش مهم أي فلوس، المهم إني أشوف ونظري مايروحش!
تحركت بصورة هيسترية على الفراش، وتابعت بصراخ:
-خرجوني من هنا، خلوني أجيب الفلوس، وألحق نفسي!

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب
إستند أوس بذقنه على مرفقه، وفحص بعينين ثاقبتين كل ورقة من الأوراق التي أعطتها إياه والدته تهاني ..
تجهم وجهه بشدة، وأظلمت عينيه وهو يقرأ تلك الحقائق المفزعة التي كشفت القناع الأخر لأبيه بوضوح ..
هو عَهِده بغيضاً، عنيفاً، ذو سلوكيات عدائية منحرفة .. لكنه لم يتوقع أن يكون بمثل تلك الدناءة والخسة ..
فقد تلاعب بمصائر الكثيرين وأفسد حياة الأبرياء على مدار عقود ...

كما إكتشف بينهم وجود عقود زائفة، وتحاليل غير صحيحة تم التلاعب بها، وأوراق تخص ممدوح، ووالدته ..
فغر فمه مشدوهاً وهو يقرأ ما حوته تلك الأوراق .. ثم حدق أمامه في الفراغ بنظرات خاوية وهو يكاد لا يصدق هذا ..
دلف عدي إلى داخل مكتبه، فرأه على تلك الحالة المصدومة، فسأله بتوجس:
-انت كويس يا أوس ؟
لم يجبه الأخير، وظل على تلك الوضعية الجامدة ..
ثم انتبه عدي لصوت السكرتيرة المرتبك:
-سوري يا فندم على المقاطعة!

نظر الإثنين نحوها، فتابعت بتوتر وهي تشير بكفيها:
-في يا فندم ظابط برا عاوز يقابل حضرتك ضروري
ردد أوس بإستغراب وهو يرمقها بنظرات قوية:
-ظابط ؟!
سألها عدي بجدية:
-وده عاوز ايه؟
-دخليه!

قالها أوس بصوت آمر وهو يشير بإصبعه لها ...
خرجت السكرتيرة من المكتب، وسمحت للضابط بالدخول، فنهض أوس عن مقعده، وسأله بجدية وهو يحدجه بنظرات حادة:
-خير يا حضرت الظابط ؟
مط الضابط شفتيه، وتابع قائلاً بحذر:
-أوس باشا احنا عاوزين سيادتك تشرفنا شوية في بورسعيد!
ضاقت نظرات أوس، واكتسى وجهه بعلامات الإندهاش، وردد بنبرة شبه مصدومة:
-نعم! بورسعيد!

هز الضابط رأسه بحركة خفيفة مكملاً بإحتراز:
-ايوه، للأسف عندي خبر مش كويس يخص والد سعادتك!
هدر فيه عدي بنفاذ صبر:
-في ايه حصل ؟ ما تكلم على طول يا حضرت الضابط
التفت الضابط نحو عدي ورمقه بنظرات منزعجة، ثم عاود النظر إلى أوس، وأجابه بنبرة شبه أسفة:
-الدكتور مهاب آآ.. مات!

تجمدت تعابير وجه أوس، وتسمر في مكانه مصدوماً من ذلك الخبر المفجع، ولم يحرك ساكناً .. بينما صاح عدي بإستنكار:
-بتقول ايه ؟ وإزاي ده حصل ؟!
أجابه الضابط بنبرة رسمية:
-أنا معنديش تفاصيل كفاية، بس لازم الباشا يجي معايا الوقتي!

حدق عدي في أوس فوجده شارداً في عالم أخر، وكأنه ليس متواجداً معهما في المكتب .. فإقترب منه، ووضع يده على كتفه، وهزه بخفة وهو يقول بجدية:
-أوس .. لازم تروح دلوقتي تشوف الموضوع ده
إلتفت أوس ناحيته، ورمقه بنظرات خاوية، ثم همس بصوت آمر:
-ماتبلغش حد باللي حصل! وخليك هنا!
أومأ عدي برأسه موافقاً وهو يبتلع ريقه، في حين تحرك أوس مع الضابط إلى خارج المكتب ...

في منزل أوس الجديد
تثاءبت تقى بصوت خافت وهي تتململ في الفراش، وشعرت بملمس ناعم تحت كفها، ففتحت عينيها ببطء، ورفعت أناملها الرقيقة للأعلى لتجد فردتي حذاء الرضيع أسفل راحة يدها، فرمشت بعينيها عدة مرات لتتأكد من أنها مستيقظة وليست في حلم جميل ..
رفعت رأسها بحذر وتأملت الحذاء بنظرات مصدومة .. وتشكلت إبتسامة سعيدة على محياها ..

قربت تقى الحذاء من فمها لتقبله، فاشتمت فيه رائحة عطر أوس المميز .. فزادت إبتسامتها إشراقاً ..
تلفتت حولها باحثة عنه، ولكنها لم تجد أي أحد بالغرفة .. فنهض من على الفراش، وتوجهت إلى الخارج وهي قابضة على فردتي الحذاء ..
تسمرت في مكانها مشدوهة حينما رأت تهاني أمامها ..
بينما إستقبلتها الأخيرة بإبتسامة ودودة وهي ترحب بها:
-صباح الخير يا بنتي!

تلعثمت متسائلة وهي تتحرك نحوها بخطوات سريعة:
-خ.. خالتي! انتي .. انتي هنا ؟
حركت رأسها إيجاباً وهي تجيبها بسعادة:
-أيوه يا حبيبتي!
ثم احتضنتها برفق، وقبلتها من وجنتيها، وأضافت بثقة وفخر:
-ابني الغالي أوس جابني هنا!

إتسعت مقلتي تقى في ذهول أخر مثير، وهتفت بعدم تصديق:
-ايييييه! مين ؟
ربتت تهاني على ظهرها بحنو، وأضافت بإبتسامة لطيفة:
-تعالي اقعدي جمبي وأنا هاحكيلك على اللي حصل كله...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة