قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الرابع

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الرابع

( وانحنت لأجلها الذئاب )

غفت تقى في مكانها، واستسلمت لبوادر النوم من شدة الإرهاق، والإجهاد المتواصل، وقلة الطعام، ومن سبب أخر ليست على علم به بعد ..
اقتربت منها الممرضة، وأشفقت على حالها، وغمغمت بتنهيدة مطولة:
-عيني عليها! من بدري وهي على الحال ده!
وبحذر بائن حاولت إفاقتها وهي تقول بصوت خافت:
-يا مدام، اصحي
فتحت تقى عينيها بتثاقل، وشعرت بوخز في مرفقها الذي كانت تستند عليه، وتحشرج صوتها وهي تتسأل بصوت ناعس:
-ف.. في ايه ؟

ردت عليها بإبتسامة زائفة:
-جوزك خرج من العمليات من شوية، واتنقل على العناية المركزة
انتبهت حواسها بالكامل لعبارتها الأخيرة، وانتفضت مذعورة من المقعد، وتسائلت بخوف وهي ترمش بعينيها الذابلتين:
-طب .. طب هو عامل ايه ؟
لوت الممرضة فمها وهي تجيبها بأسف:
-ماخبيش عليكي، حالته حرجة، بس ادعيله!

ابتلعت ريقها بصعوبة .. وبدت أكثر شروداً وهي تتوقع خسارته بين لحظة وأخرى، لذا دون أدني لحظة تأخير هتفت بتلهف عجيب:
-أنا .. أناعاوزة أشوفه
هزت رأسها نافية وهي تجيبها بنبرة رسمية:
-للأسف مش هاينفع، الزيارة ممنوعة بأمر الدكاترة
مدت تقى يديها المرتجفتين نحوها، وتلمست برعشة ذراعها، وتوسلتها بأعين لامعة:
-بس آآ.. بس انا محتاجة أشوفه
-ممم...

رجتها بإستعطاف بادي في نبرتها:
-من فضلك، خليني بس أبص عليه
عضت الممرضة على شفتيها، وهمست بإذعان وهي تتلفت حولها بحيطة:
-طب بصي، الرجل تهدى في العناية، وأنا .. وأنا هحاول أطلعك تشوفيه!
ابتسمت لها تقى بإمتنان، في حين أضافت هي قائلة بتحذير:
-بس الله يكرمك يا مدام مش عاوزة شوشرة، تبصي أوام أوام عليه، وتمشي على طول
أومأت برأسها عدة مرات موافقة، ورددت بتوتر:
-ح... حاضر!

في سيارة عدي
جلست تهاني في المقعد الخلفي صامتة، ولم تنبس بكلمة منذ إنتهاء زيارتها مع ابنتها ليان ..
تطلع إليها عدي من المرآة الأمامية، وحاول أن يتجاذب معها أطراف الحديث، لكنها كانت في شاردة في عالم أخر ..
ردت عليه المدبرة عفاف بهدوء:
-معلش يا عدي باشا، اللي حصل مش سهل
زم فمه قائلاً بضجر:
-أنا بس عاوز أعرف منها عملت ايه مع ليان، وهي احساسها كان ايه لما شافتها!

أكملت هي بهدوء وهي تمعن النظر فيه بعينيها:
-مافيش حاجة بتستخبى
تنهد قائلاً بتذمر:
-مشكلتها انها مانطقتش بكلمة من ساعة ماخرجت!
بررت لها موقفها ب:
-ماهي صدمة كبيرة عليها برضوه
هز رأسه في عدم إقتناع وهو يضيف بضيق:
-أنا مش متخيل إن د. مهاب يعمل كده.

-محدش عارف التفاصيل ولا ايه اللي جرى زمان
رفع حاجبه للأعلى وصر على أسنانه قائلاً بجدية:
-بس أكيد هي عارفة
هزت كتفيها في حيرة، وأجابته بخفوت:
-مقدرش أفيدك يا عدي باشا!
صمت للحظة ومن ثم تشدق قائلاً بتعب:
-عامة إحنا قربنا نوصل للحارة، وبعدها هاطلع على الشركة وأحاول أفكر بهدوء في كل حاجة.

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب
أمسكت السكرتيرة بهاتفها المحمول، وظلت تقلب في موقع الفيس بوك لتتابع أخر الأخبار والمستجدات عليه وهي جالسة في المطعم الملحق بتلك المؤسسة العريقة ..
ووقعت عينيها على خبر مثير للإهتمام .. فقرأته بهمس:
-(( من مصادر موثوقة، رجل الأعمال المصاب هو من رواد صناعة الصلب في مصر )) ...!

قطبت جبينها في إستغراب، وفتحت الموقع الناشر للخبر، وبدأت تطالع تفاصيله بفضول كبير..
كانت التفاصيل تشير إلى رب عملها .. وابتلعت ريقها متوجسة وهي تخمن هويته ..
اعتدلت في جلستها، وتركت قدح قهوتها لتنهض مسرعة من مقعدها حينما قرأت أول حرفين لإسمه ( أ .. ج ) .. وركضت في إتجاه مكتبها وهي تهاتف على عجالة مدير المجموعة ( عدي )

بداخل سيارة عدي
انتبه عدي إلى رنين هاتفه المحمول، فإلتقطه بإصبعيه، ونظر إلى اسم المتصل، فوجدها سكرتيرة مكتب أوس، فحدث نفسه بصوت مسموع نسبياً:
-تلاقيها عرفت حاجة عن أوس وهتبلغني
ضغط على زر الإيجاب، ووضع الهاتف على أذنه، وهتف متسائلاً بجدية:
-خير، في جديد عندك؟
ردت عليه بصوت مذعور:
-في خبر كده قريته على النت يا فندم، وأنا .. وأنا شاكة انه ليه علاقة بالباشا أوس.

صاح بها بعنف وقد تشنجت قسمات وجهه:
-أوس، خبر ايه ده، انطقي!
انتبهت تهاني لإسم ابنها، وخفق قلبها قلقاً عليه .. وركزت أنظارها على عدي محاولة فهم ما الذي يدور ...
أخبرته السكرتيرة بتوتر شديد عن إصابته بطلق ناري في حادث بالطريق الصحراوي ...
جحظت بعينيه مصدوماً، وتسائل غاضباً:
-انتي عرفتي منين الكلام ده ؟ مين بلغك بيه ؟ حد من الحرس اتصل ؟ قولي!
تلعثم صوتها وهي تجيبه:
-ال.. آآ.. الموقع الاخباري ده هو اللي ناشر التفاصيل!

هتف بإنفعال بعد أن أوقف السيارة إضطرارياً:
-كدب .. تلفيق، المواقع اللي زي دي بتنشر أخبار غلط عشان تجيب متابعين وتعمل قلق وشوشرة!
توترت وهي تبرر ما عرفته بخوف:
-بس .. بس يا فندم، هما .. هما ناشرين مع الخبر صورة ل... آآ... لمراته
نطق عفوياً بإسمها دون لحظة تفكير:
-ت.. تقى!
إرتسمت علامات الإرتباك والحيرة على وجه تهاني، وإنتصب في جلستها، وراقبت عن كثب ما يحدث ..

لم يختلف حال المدبرة عفاف عنها كثيراً، فتابعت بتوجس كلماته المقتضبة عنهما ..
صاح عدي بلهجة آمرة:
-ابعتيلي فوراً لينك الموقع ده، وأرقامه، لازم أتأكد بنفسي
-تمام يا فندم!
أنهى المكالمة معها، ونفخ بغضب .. ثم ضرب بقبضته المقود .. وكز على أسنانه قائلاً بشراسة:
-لو طلع الخبر ده بصحيح، هاتبقى كارثة!
ترددت عفاف في سؤاله، ولكن كانت تهاني أشجع منها، فهتفت دون وعي:
-ابني ماله ؟

رد عليها عدي بإقتضاب:
-مافيش
تشبثت بمسند مقعده، ومالت برأسها نحوه، وهتفت بصوت مرتعد:
-ازاي ؟ وأنا .. وأنا سمعاك بتقول ان آآ...
زفر عدي بضيق وهو يجيبها بهدوء زائف:
-اهدي يا مدام تهاني، مافيش داعي للقلق
تشنج صوتها وهي تسأله بفزع:
-أقلق! ده ابني، انت .. انت بتكلمني عن روحي، في ايه ماله ؟ أوس ابني جراله ايه ؟
أجفل عينيه، وأخذ نفساً عميقاً زفره بحذر ليجيبها:
-حاجة كده عرفتها ومش متأكدين لسه منها
صرخت بإنفعال مفاجيء:
-ابني جراله ايييييه ؟!

في المشفى الحكومي
مرت الدقائق على تقى وهي تنتظر بجوار الدرج كأنها دهر ...
ظلت تراقب المارة بأعين زائغة، وبقلب منقبض .. جاهدت لتسيطر على إرتجافتها المستمرة، لكنها عجزت، فكل شيء بداخلها غير مستقر .. حتى أنفاسها ..
طلبت منها الممرضة سابقاً أن تقف على مسافة قريبة منها حتى تتمكن من رؤية إشارتها حينما يحين الموعد فتستطيع الدخول خلسة إلى غرفة العناية والإطمئنان على زوجها .. ونفذت هي – دون إعتراض - ما طلبته منها ..

لوحت الممرضة من بعيد بذراعها عالياً، ولكن لم تنتبه لها تقى، فقد كانت شاردة الذهن .. يمر ببالها طائف لحظاته الأخيرة .. فعضت الأولى على شفتيها مغتاظة، ثم سارت بخطوات سريعها نحوها، وأمسكت بها من ذراعها قائلة بضجر:
-بقالي ساعة بشاورلك، مش معقول مخدتيش بالك!
اهتز جسد تقى من لمستها المفاجئة .. وتذكرت قبضة أوس عليها، فإبتلعت ريقها بتوجس، ونظرت لها بإضطراب، ثم أجابتها بصوت مبحوح ومتردد:
-م... معلش .. مخدتش بالي.

حدجتها بنظرات قوية وهي تحذرها هامسة:
-طب يالا أوام .. هما 5 دقايق بالكتير، تبصي عليه وتمشي، ولو اتقفشتي أنا ماليش دعوة
أومأت برأسها إيجاباً وهي تقول:
-ح.. حاضر
أدارت لها ظهرها، وهتفت بصرامة خافتة:
-تعالي ورايا
سارت تقى خلفها وهي تشعر بثقل في ساقيها المنهكتين ..
ربما خوفها مما قد يصدمها يجعلها عاجزة عن السير بصورة طبيعية ..

إستدارت الممرضة عبر ممر طويل شبه مظلم، وخالي من الممرضي، وأشارت لها بيدها قائلة بخفوت:
-أخر الطرقة دي هتلاقي أوضته، هو تالت سرير على الشمال
-هو .. هو مش لوحده
-انتي مش في مستشفى خاص يا مدام، دي حكومي، وزي ما انتي شايفة الحال هنا!

جابت تقى بعينيها المكان بنظرات سريعة، ولوت فمها بإنزعاج .. فحوائط الممر كئيبة للغاية – وذات لون رمادي داكن يقبض الأرواح – وتعلوها تشققات مثيرة للإشمئزاز .. بالإضافة إلى روائح غير مستساغة تنبعث من المناور الجانبية ..
تنفست بعمق، وسارت ببطء نحو وجهتها ..
اخترق آذانها صوت دقات قلبها المتلاحقة .. وشعرت بدمائها تتدفق بغزارة إلى عروقها ..
جف حلقها، وزادت مرارته .. وتمتمت برعب رهيب:
-يا رب .. يا رب!

وقفت تقى أمام باب الغرفة، وقلبها يكاد ينفجر في ضلوعها من فرط التوتر الممزوج بالخوف ..
إستندت بكفيها على حافتي الباب، ودارت بعينيها الزرقاوتين في إتجاه اليسار - حيث يوجد فراشه – وحبست أنفاسها وهي تتطلع نحو الحائل القماشي الذي يفصله عن باقي الأسرّة الشاغرة ..
أبطأت في خطواتها وهي تتجه صوبه .. وإرتفع صدرها وهبط وهي ترى مقدمة فراشه ..

امتزج رنين الأجهزة الطبية مع دقات قلبها، ولم تشعر بمن حولها .. وكأن الغرفة قد أصبحت خاوية إلا من كليهما ...
سمعت أصوات ضربات قلبه المنتظمة عبر الجهاز الموصول به .. وتنهدت بعمق ..
أغمضت عينيها، وكورت قبضة يدها اليسرى .. وأخذت نفساً مطولاً، وبأطراف أنامل يدها اليمنى، تلمست الحائل القماشي، واقتربت أكثر منه ..
استطاعت أن تشعر بهيبة حضوره الطاغي رغم سكونه التام .. وتدريجياً بدأت تسلط أنظارها عليه .. فرأته ممدداً بلا حركة، وموصولاً بالأسلاك الطبية .. وخراطيم هواء تخترق فمه وأنفه ..

أما صدره العاري فتم تغطيته بالشاش الطبي حيث موضع استئصال تلك الرصاصة التي اخترقته ..
وضعت يدها على فمها لتكتم تلك الشهقة المتآلمة والتي صدرت تلقائياً منها .. ..
لم تتصور أن يكون ذلك المتسلط القاسي – متحجر القلب - والذي إعتادت أن تراه في أقوى حالاته و جنى عليها يوماً بلا رحمة يرقد اليوم على الفراش كباقي البشر الطبيعين ..
مشهد زلزل كيانها .. وهز بقوة صورته المحفورة في عقلها ...

ترقرقت العبرات بشدة في مقلتيها، ولم تقاوم إنسيابها .. وهمست بصدمة:
-آآ.. أوس!
كادت تفقد توازنها .. فهي ليست على ما يرام، فالمجهود العصبي أكبر من طاقتها على التحمل، لذا تشبثت بفراشه، وجلست بحذر على طرفه، وأعطت لنفسها فرصة لتتمالك نفسها ..
ثم عاودت النظر إليه بتدقيق شديد ..
فهو مازال يحتفظ بتلك اللمحات القاسية في وجهه رغم صمته المريب ..
مسحت بأطراف أصابعها العبرات العالقة في أهدابها .. وأردفت قائلة بصوت منتحب:
-شوفت الأيام بتدور ازاي علينا ؟ مين بقى الجاني ومين بقى الضحية!

صمتت للحظة لتسيطر على حالها، وتمنع نفسها من الإنخراط في نوبة بكائها ..
نظرت له بأسف وهي تضيف:
-محدش بيفضل على حاله، المشوار كان لسه في أوله معانا ... بس .. بس القدر لعب لعبته وقرر عننا!
زاد نحيبها وهي تقاوم تلك الذكريات الموجعة التي قضت عليها سابقاً، وهمست بنشيج:
-تفتكر هانقدر ننسى اللي فات، ونعيش عادي، جايز نسامح، بس آآ.. بس صعب ننسى اللي حصل، كل واحد فينا جواه جرح كبير .. جواه آلم وعذاب .. و..آآ..
قاطع حديثها المسترسل صوت رجولي خشن متسائلاً بعنف:
-بتعملي ايه هنا ؟

انتفضت تقى مذعورة من مكانها، وأدارت رأسها للخلف لتجد طبيباً متجهم الوجه يرمقها بنظرات ساخطة .. فابتلعت ريقها متوجسة، وتحشرج صوتها وهي تحاول أن تجيبه:
-أنا .. آآ..
صاح بها بغلظة أرعبتها:
-مين سمحلك تدخلي هنا ؟
أشارت بيدِ مرتجفة وهي تجيبه بتلعثم:
-م.. محدش .. أنا .. كنت ..آآآآ
قاطعها بصوت آمر يحمل الإهانة وهو يرمقها بنظرات قوية:
-اطلعي برا، دي العناية يا مدام مش عنبر مفتوح لكل من هب ودب يدخل فيه على كيفه!

حضرت الممرضة على إثر صوته المرتفع، ورمقت تقى بنظرات معاتبة وهي تهتف بصوت متقطع:
-ايوه يا دكتور
نهرها بغضب وهو يشير بإصبعه:
-كنتي فين والمدام أعدة هنا ؟!
بدى التوتر واضحاً على تعابير وجهها وهي تجيبها بإرتباك:
-أنا يا دكتور آآ...
قاطعها بصوت محذر قائلاً:
-أحسنلك تشوفي شغلك كويس بدل ما تتجازي.

-ح.. حاضر
-ناقص نقلبها أعدة شعبي ..!
ثم حدج تقى بنظرات حادة وهو يوجه لها حديثه قائلاً بصوت جاف:
-برضوه لسه واقفة عندك، اتفضلي!
أطرقت رأسها في خزي .. وتحركت ببطء لتبتعد عن الفراش، ولكنها تسمرت مصدومة في مكانها، وخفق قلبها بشدة، وإضطربت أوصالها حينما سمعت صوت ( أوس ) يناديها بخفوت:
-ت... تقى ...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة