قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الرابع والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الرابع والعشرون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

سارت فردوس بعد أن تركت القابلة أم نجاح عبر عدة أزقة ضيقة، وحواري متفرعة لتصل إلى مكان شبه مقفر .. يحتوي على مساكن متهالكة للغاية، يجلس قاطنيها على درجاتها المتدنية ..
خطت على الطريق الغير ممهد وهي تتفحص المكان بنظرات دقيقة متأملة معالمه ..
سيطرت رائحة عفنة على المكان بأكمله بسبب قرب مفرغ النفايات من المنطقة ..

أشخاص أشكالهم مريبة كانوا يجلسون على قارعة الطريق يدخنون السجائر وما بها من مواد مخدرة ومحظورة ..
وسيدات هيئتهن غير مريحة بالمرة يتبادلن الغمزات واللمزات ..
ابتلعت فردوس ريقها بتوجس، ورفعت رأسها بتعالٍ زائف وهي تتجه للأمام ..
وقعت عينيها على لافتة بالية ( بُهتت ) أحرفها، وقرأتها بهمس:
-م.. مستوصف!
إلتوى ثغرها بإبتسامة شبه راضية، فقد أوشكت على تحقيق غرضها ..

وقفت على بعد من تلك البناية القديمة .. لتتفحصها بدقة ..
فرأت عدة سيدات يقفن في مجموعات، ومعهن أطفال من الجنسين .. بالإضافة إلى عدة كهول تمكن المرض منهم يقفون في الخارج ويدخنون السجائر بشراهة لا تتناسب مع وضعهم الصحي ..
ألقت بطرف حجابها خلف ظهرها، وشدت كتفيها، وسارت في إتجاه المدخل ..

مرت هي من جوار سيدة مسنة، يخرج من صدرها سعال متواصل، فنظرت لها بتأفف وهي تسد فمها بطرف حجابها حتى لا تلتقط أي عدوى منها ..
تأملت المكان بنظرات أكثر تمعناً لتنحفر معالمه في ذاكرتها ..
كان المستوصف يقع في قبو البناية، ولاحظت أن أغلب رواده من المسنات والنساء والفتيات الصغيرات ..
تعجبت من هذا، ولكنها لم تكترث كثيراً .. فهي قد جاءت لغرض معين، وتسعى للتأكد منه ...
بحثت بعينيها عن الممرضة المسئولة عن حجز الكشوفات الطبية هنا، فوجدت امرأة سمراء البشرة تجلس على مكتب خشبي قديم، وإلى أمامها عدة أوراق ..

اقتربت منها، وانحنت بجسدها عليها لتسألها بهمس:
-هو ده ياختي مستوصف الشعب ؟
رمقتها الممرضة السمراء بنظرات إحتقارية وهي تجيبها بتهكم:
-ايوه يا ستي، هو!
ترددت في سؤالها أمام الجالسات عن عملية الإجهاض، فدارت حول المكتب، ومالت عليها لتهمس لها بحذر وهي تتلفت حولها:
-طب أنا كنت عاوزة أسأل عن آآآ... آآ..

قاطعتها الممرضة بنفاذ صبر:
-قولي يا ست، انا مش ورايا اليوم بطوله عشان تتهتهي!
دست فردوس يدها في فتحة صدر عباءتها السوداء، وأخرجت منها نقدية طوتها في راحتها .. ثم وضعتها في كف الممرضة وغمزت لها وهي تقول بخفوت:
-تعالي على نفسك ياختي شوية
تنحنحت الممرضة بإحراج زائف، وأوصدت درج مكتبها، وغمغمت بصوت مرتفع وهي تنهض عن مقعدها الخشبي:
-تعالى مكاني يا مدبولي
إلتفت ممرض ما بجسده ناحيتها، ورد قائلاً بحنق:
-رايحة فين يا ولية ؟

ردت عليه بإزدراء وهي مكفهرة الوجه:
-هاتنيل أخش الحمام، هو أنا مش بني آدمة
نفخ بغيظ، ثم هتف بحدة:
-طب ماتعوقيش!
أشارت له بعينها وهي تحذره بجدية:
-خد بالك بس من الدرج، ده في المعلوم
سألها بضجر وهو يحدجها بنظرات مشمئزة:
-انتي مش قافلة عليه ؟
ردت عليه بعصبية وهي تشير بإصبعها أمام حاجبها بحركة متهكمة:
-ايوه، بس الحرص واجب يا إدلعدي!

كز على أسنانه قائلاً بإيجاز:
-ماشي!
-تعالي ورايا
قالتها الممرضة بخفوت وهي تدفع فردوس من كتفها للجانب .. فإستجابت الأخيرة لها، ولحقت بها ..
وقفت الممرضة السمراء في زاوية ما، وضيقت عينيها نوعاً ما، ثم سألتها بجدية:
-كنتي عاوزة ايه بقى ؟
تلعثمت فردوس وهي تجيبها بهمس:
-ب.. بنتي غلطت، واد ابن حرام لعب على عقلها، وآآ..

عبست الممرضة بوجهها، وقاطعتها بصوت غير مكترث:
-فهمت ماتلوكيش كتير!
ثم ضيقت عينيها فأصبحتا حادتين، وسألتها بخبث:
-وانتي عاوزة ايه ؟ ترجع بكرتونتها ؟
هزت فردوس رأسها نافية، وصاحت بتوتر وهي تشير بكفيها في الهواء:
-لالالا .. مش كده، هي حبلت منه
مطت الممرضة شفتيها للجانبين، وغمغمت بسخط:
-قطيعة
إزدردت فردوس ريقها، وتنهدت بصعوبة وهي تضيف:
-أنا .. أنا عاوزاها تسقط الحبل ده
-مممم..

ثم تابعت بلؤم وهي تتأمل هيئتها:
-وأنا تحت أمرك في أي طلبات تعوزيها
لوحت الممرضة بذراعها، وهتفت مستنكرة:
-ياختي أنا مش باخد حاجة ليا، كله للضاكتور بدران!
ضغطت فردوس على رسغ الممرضة، وهمست بلؤم:
-بردك ليكي الحلاوة لو الحكاية تمت على ايدك
سألتها الممرضة مستفهمة وقد لمعت عينيها بشراهة:
-هي حبلى في كام شهر ؟

حكت فردوس مقدمة رأسها، وفكرت ملياً في المدة التي أعقبت زواج ابنتها، ورددت بحيرة:
-هاه .. آآ.. تقريبا شهر ولا اتنين .. مش عارفة بالظبط!
زمت الممرضة ثغرها، وعلقت بتهكم:
-وسابت نفسها كل ده ؟!
كزت فردوس على أسنانها بشراسة لتجيبها بحزن زائف:
-ماهو ابن الكلب استغفلها، لعب عليها بالبيضة والحجر!
أضافت الممرضة بإستهزاء:
-مالكيش حق، كنتي خدي بالك! ولا إنتي آآآ..

قاطعتها فردوس بحدة:
-انتي هاتبكتيني ؟ أنا جاية هنا عشان أشوف حل
فغرت الممرضة فمها لتصيح بإحتجاج وهي تشير بيدها:
-نعم! أبكتك ؟ ليه يا إدلعدي، ده كل اللي جايين هنا محتاجينا، مش احنا اللي عاوزينهم!
نفخت فردوس من الضيق بسبب تفوهها بتلك العبارة، ورأت امتعاض وجه الممرضة، فتوسلتها قائلة:
-حق عليا، أنا مقصدش، بس آآ...

قاطعتها الممرضة بتجهم وهي ترمقها بنظرات إحتقارية:
-تقصدي ولا لأ، القصد أنا هابلغ الضاكتور بدران باللي قولتيه وابقي تعالي اسألي!
سألتها فردوس بجدية:
-هو ماينفعش تسأليه الوقتي ؟
ردت عليها بتهكم ساخر:
-لأ .. عنده عملية ختان عقبال عنك!
غمغمت فردوس بنبرة محتقنة مع نفسها:
-ولية لسانها عاوز حَشُه
ثم ضغطت على شفتيها لتسألها بهدوء مصطنع:
-طب هو بيخلص امتى ؟

هزت كتفيها بإستهزاء، وأجابتها بفتور:
-براحته، مالوش مواعيد
تنهدت فردوس بإنهاك وهي تتابع:
-خلاص أنا هاعد أستناه لحد ما تسأليه!
دفعتها الممرضة السمراء من كتفها، وصاحت بقسوة:
-انتي حرة، وحاسبي بقى خليني أشوف النسوان المرقعة اللي هنا!
ثم تحركت مبتعدة عنها لتعاود الجلوس عند مكتبها في الإستقبال ..
بصقت فردوس على جانبها، وتمتمت بسخط:
-يخربيتك مَرَة سو!

في مشفى الجندي الخاص
وقف مهاب أمام المرآة المعلقة في المرحاض الملحق بمكتبه، وعدل من ياقة زية الطبي، وإرتدى فوق رأسه غطاء الحماية .. ثم إلتوى فمه بإبتسامة ماكرة وهو يرد على كبير الأطباء:
-انت فعلاً من أكتر الناس المخلصة عندي هنا
ابتسم كبير الأطباء مجاملاً وهو يقول:
-احم .. شكراً يا دكتور مهاب، ده احنا عِشرة سنين، ومصلحتك تهمني!
بادله مهاب إبتسامة باهتة، وغمغم مع نفسه بخفوت وهو يكز على أسنانه:
-مش زي مؤنس وعينته، أنا مش عارف ايه اللي مخليني سايبه شغال هنا لحد الوقتي، واحد بالمباديء اللي عفا عليها الذنب ده لازم يطرد، وإلا هايبوظ كل اللي بأعمله!

لم يفهم كبير الأطباء تلك الكلمات المبهمة، وسأله بفضول:
-بتقول حاجة يا دكتور ؟
سأله مهاب بجدية:
-وصلتك المكافأة ؟
أومأ برأسه إيجاباً وهو يجيبه بغبطة:
-ايوه .. مكنش فيه داعي للتعب ده، كفاية أفضالك السابقة وآآ...
قاطعه مهاب بجدية وهو يرمقه بنظرات ذات مغزى:
-دي حاجة بسيطة، أنا بأحب أكافيء الرجالة المخلصين بتوعي!

أكمل كبير الأطباء حديثه بهدوء:
-أكيد، احنا كلنا هنا يهمنا مصلحة أوس باشا، وصحته!
تابع مهاب قائلاً بصوت شبه منزعج:
-طبعاً، انت لو مكونتش قولتلي عن موضوع حمل البت دي أنا .. أنا مكونتش هالحق أتصرف!
رد عليه كبير الأطباء مؤيداً إياه:
-أكيد، الأشكال دي مش سهلة، بس الممرضة كانت أمينة معانا، وجت بلغتني بإن دكتور مؤنس طلب منها تتابع البنت دي عشانها حامل، وتهتم بيها طول ما هي هنا!
سبه مهاب قائلاً بصوت محتد:
-أها، غبي!

ثم رفع وجهه في وجه كبير الأطباء، وأشار له بيده قائلاً بجدية:
-عاوزك تصرف مكافأة مجزية للبنت دي!
أومأ الأخير بعينيه وهو يردد بصوت حاسم:
-اعتبره حصل يا دكتور
إرتدى مهاب القفاز الطبي في يديه، وكز على أسنانه قائلاً بشراسة:
-لولا كده كان زماني نايم على وداني، وبنت ال *** بتنهب في مالي ومال ابني من بعدي!

لمعت عينيه بقسوة، وغمغم مع نفسه بصوت عدائي:
-بس مش هاتلحق تتهنى، أنا نفذت خطتي، وهامسحها من على وش الدنيا! لأ ومش بإيدي، بإيد أقرب حد ليها .. أمها!
راقب كبير الأطباء تصرفات مهاب بهدوء، وهمس لنفسه:
-ده انت داهية .. مش أي حد يقدر عليك! بس اللي يجي منك مصلحة!

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب
طرق عدي بأصابعه على سطح مكتبه وهو يطالع أحمد الواقف قبالته بنظرات جارحة .. في حين أطرق الأخير رأسه، وبدى متوتراً للغاية .. فمنزلة هذا الرجل لا تقل أهمية عن أوس الجندي .. ووصوله إليه تعني تمكنه من تحقيق هدفه ..
قطع الصمت السائد بينهما صوت عدي وهو يسأله بغلظة:
-جاي هنا ليه ؟

ارتبك أحمد نوعاً ما، وأجابه بصوت مضطرب:
-كنت .. كنت عاوز الباشا أوس
رمقه عدي بنظرات مهينة وهو يتابع ببرود:
-انت مش حكايتك خلصت معاه، ولا انت عاوز تقع تاني في طريقه ؟
رد عليه أحمد بتوتر وهو يرمش بعينيه:
-أنا.. أنا مش عاوز منه حاجة، أنا جاي أحذره وبس
انتبه عدي لكلماته الأخيرة، وردد بإستهزاء:
-تحذره! إنت ؟!

هز أحمد رأسه وهو يجيبه بحذر:
-ايوه، ماتستقلش بيا يا باشا، أنا برضوه كنت في يوم شغال مع الباشا، وأعرف مراته
نهض عدي من على مقعده، وهتف فيه بصوت صارم وهو يشير بإصبعه:
-امسك لسانك أحسنلك، وإياك تفكر تجيب سيرتها ولا آآآ...
قاطعه أحمد بنبرة مرتبكة:
-أنا مقصدش، بس هما ناويين يلبسوها الليلة، وياخدوني في السكة معاها!
اتسعت حدقتي عدي بإهتمام واضح، وسأله مستفهماً:
-مش فاهم، وضح أكتر!

ابتلع أحمد ريقه، وتابع بقلق:
-قريب الباشا، سامي الجندي، كان بيخطط لحاجة كبيرة أوي مع المحامي بتاعه
صرخ فيه عدي بصوت هادر وهو يدور حول مكتبه غير مصدقٍ ما لفظه للتو:
-ايييه ؟ انت اتجننت، انت عارف ده يبقى مين ؟
نظر له أحمد بثبات عجيب، وهتف مبرراً:
-ايوه، هو عمه، بس للأسف نسى ان الباشا ابن أخوه، وان تقى تبقى مراته!
سأله عدي بجدية أشد وهو يحدجه بنظرات نارية:
-وضح كلامك أكتر!.

في مشفى الأمراض النفسية
بدت تقى في حالة صدمة بعد أن إسترسلت في الحديث عن أسوأ لحظاتها، وعن تجربتها المدمرة التي أفسدت حياتها، وعن مخاوفها التي تتجسد يومياً أمامها فتزيد من هلعها ...
ربت الطبيب عزت على كتفها مطمئناً إياها وهو يتحدث بنبرة هادئة:
-اهدي يا مدام تقى، كل ده هيتعالج مع الوقت، أنا مش عاوزك تفكري في حاجة من اللي حصلت
لم تجبه تقى بل ظلت على وضعها الخائف ..

في نفس التوقيت اقتحم أوس الغرفة ليطمئن على زوجته، فوجدتها على تلك الحالة، فإحتقنت عينيه بشراسة، وركض نحوها، ثم جثى على ركبته أمام مقعدها، وأمسك بكفيها فوجدهما باردين، فسلط أنظاره على الطبيب، وحدجه بنظرات مميتة وهو يصرخ فيه:
-إنت عملت فيها ايه ؟
أجابه عزت ببرود استفزه:
-اهدى يا أوس باشا! ده طبيعي في حالتها
نهض أوس من على الأرضية بعد أن ترك كفيها، وإنقض على الطبيب ليمسك به من ياقته، وهزه بعنف وهو يتوعده:
-مش هارحمك لو أذيتها!

حاول عزت تهدئته، وإزاحته يديه عنه، وهتف بصوت متحشرج:
-يا باشا إهدى، هي هاتبقى كويسة
هدر فيه أوس بصوت عنيف:
-انت أعمى مش شايف منظرها، ده غير إنها حامل!
توسل له عزت برجاء:
-اسمعني بس وأنا هافهمك
دفعه أوس بقوة للخلف، وهو يصيح بغضب:
-اوعى ..!

ثم اقترب من مقعد زوجته، واحنى جذعه عليها، ثم مد ذراعيه أسفل جسدها ليحملها ..
ضمها إلى صدره، ونظر إلى وجهها الشاحب بفزع .. وأدار رأسه في إتجاه الطبيب، وصرخ فيه بنبرة عدائية:
-لو جرالها حاجة مش هارحمك، مش هاسيبك!
وقف عزت خلفه، وهتف موضحاً:
-يا باشا، صدقني هاتبقى كويسة، ده طبيعي جدا وآآآ...
قاطعه أوس بصوت غليظ وهادر وهو يحدجه بنظرات شرسة:
-اخرس!

ثم اتجه بعدها إلى خارج الغرفة حاملاً إياها ...
كانت نظراته وتعابير وجهه تدل على رعبه عليها ..
سار بخطوات أقرب إلى الركض ناحية مخرج المشفى ..
تسارعت دقات قلبه مع أنفاسه بصورة مقلقة ..
كان يود أن يزور شقيقته، وتتعرف هي على زوجته، وتتقارب الاثنتين معاً .. وتصبح بينهما علاقة ودية .. ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن ..
فصحة زوجته، وابنه الذي لم يرْ الحياة بعد، أهم ما يشغل باله الآن ...

رأة أفراد حراسته الخاصة فأسروع بفتح باب سيارته، وأسند هو تقى بحرص على المقعد الخلفي .. ثم دار حول السيارة ليركب إلى جوارها، وأمر سائقه بصوت غليظ وهو يصفق الباب بقوة:
-اطلع على عيادة الدكتورة بارسينيا!
هز السائق رأسه، وأجابه بخنوع:
-أوامرك يا باشا

في المستوصف الشعبي
جلست فردوس إلى جوار بعض السيدات ذوي الأعمار المختلفة .. وتأملتهن بحذر .. وإستمعت بلا قصد إلى همهمات دائرة بينهن، ولكنها كانت حوارات مثيرة للإهتمام..
ضيقت عينيها أكثر، وأصغت إلى إحداهن وهي تتابع بخفوت:
-وعنها ياختي، كل ما ربك يعدلهالي، أجي هنا، والضاكتور بدران يقوم بالمطلوب معايا، وأرجع صاغ سليم
سألتها السيدة الجالسة إلى جوارها بفضول:
-انتي مش خايفة تكشفي ؟

ردت عليه ثالثة بسخرية:
-يباركله الصيني، بيحل كل حاجة
أضافت الأولى قائلة بمزاح:
-على رأيك، وأهوو كله بتمنه، والزبون اللي عاوز يدفع!
ثم قهقهت السيدات بضحكات رقيعة، في حين إبتلعت فردوس ريقها بإنزعاج، وشعرت بمغصة في أسفل معدتها .. فقد أدركت أن تلك السيدة ما هي إلا ساقطة، تتاجر بشرفها، وتخدع فرائسها بلا ضمير في مقابل المال السريع ..

اضطرب تفكيرها .. فهي ربما تكون مثلها، ولكن مع فارق أنها تتاجر بإبنتها وبجنينها ..
شعرت بتأنيب الضمير، وحاولت أن تقاوم تلك الفكرة التي تراودها .. ونهضت عن المقعد لتجلس على أخر بعيد في إحدى الزوايا ..
لطمت سيدة أخرى على صدغها بحركات خفيفة، ثم مسحت أنفها بمنشفة ورقية مهترأة وهي تتمتم بصوت شبه باكي مع ابنتها الجالسة إلى جوارها:
-تفتكري اللي عملانه صح ؟

ربتت المرأة على فخذ والدتها، وأجابتها بثقة:
-ايوه يامه، كده أحسنلها
نظرت لها والدتها بأعين دامعة، ورددت بخوف:
-بس أنا سمعت إنهم بيقولوا ده مالوش لازمة!
هتفت المرأة بصوت قاتم:
-يامه هما بيفهموا في الدين ؟ لأ طبعاً، وبعدين ما احنا جايبنها عند دكاترة فاهمين!

إهتز جسد الوالدة وهي تهمس بتحسر:
-ربك يسترها، هي بردك لسه صغيرة
لوت المرأة فمها لتقول بسخط وهي تحدج والدتها بنظرات خاوية:
-صغيرة ايه، دي عندها 14 سنة، وسنة كمان بالكتير وهنجوزها
إعترضت الوالدة قائلة بصوت مختنق:
-بس بردك، مكنش ليه لزمة نعمل ده!

أضافت المرأة بصوت جامد يحمل القسوة:
-انتي عاوزة حد يضحك عليها، ولا يستعبطها وساعتها نندب حظنا! استهدي بالله يامه، وادعيلها
تنهدت الأم بصوت حزين وهي تهمس برجاء:
-ربنا يسترها معاكي يا بنتي!

بداخل إحدى الغرف المظلمة بالمستوصف
جلست فتاة صغيرة – لا تتخطى الخامسة عشر من عمرها - على فراش يتوسط غرفة ما إضاءتها خافتة، ونظرت حولها بذعر قليل .. فرأت أجهزة طبية متعددة، وطاولة موضوع عليها عدة ألات وأدوات تستخدم في العمليات الجراحية ..
إرتعاشة خفيفة دبت في جسدها المغطى بقميص بلاستيكي من اللون الأخضر .. ونظرت إلى طرف الفراش حيث يتفرع منه مسندين للأعلى ..
شبكت أصابع يديها معاً وأمعنت النظر في الإبرة الطبية المغروزة في كفها، وحاولت أن تبلل حلقها الذي جف تماماً من فرط التوتر ..

هزت ساقيها المتدليتين من أعلى الفراش بحركة خفيفة ثابتة، وإستدارت برأسها للجانب حينما سمعت صوتاً رجولياً آجشاً يأمرها بصلابة:
-افردي ضهرك على السرير
هزت الفتاة رأسها ممتثلة لأوامره، وتمددت على الفراش
اقترب منها طبيب ما، يغطي معظم وجهه بقناع أبيض، وغرز وصلة بلاستيكة في الإبرة الطبية ليبدأ محلول ما في التسرب إلى عروقها ..
نظرت له الفتاة بقلق، وبدأت تشعر بثقل في جفنيها حتى غابت عن الوعي تماماً ..

انضم إليه طبيب أخر كاشفاً وجهه، فكانت ملامحه متجهمة للغاية، وله ذقن كثيفة، ونظرات حادة ..
حدج تلك النائمة بقوة قبل أن ينطق بصوت خشن:
-انت خدرتها ببنج كلي ؟
أجابه بعدم أكتراث:
-ايوه
إحتج الطبيب بدران قائلاً وهو يحك ذقنه:
-مالوش لازمة، كان كفاية جزئي، ده ختان!

برر الطبيب شامل فعلته قائلاً بمكر:
-ما أنا عارف إنه ختان، بس أنا غرضي اعمل حاجة تانية
حدجه بدران بنظرات حادة وهو يردد بضيق:
-برضوه، انت مش ناوي تبطل العادة الوسخة بتاعتك دي
إلتوى فم شامل بإبتسامة وضيعة وهو يجيبه مبرراً:
-ده داء فيا، أبطله ليه ؟
ثم تحسس ذراع الفتاة المغيبة عن الوعي بأصابعه، وقبله بشراهةٍ وهو يضيف بنبرة شيطانية:
-وبعدين أنا بأموت في الوظاويظ الصغيرة، أحب أكون أول واحد يلمسهم!

نهره بدران محذراً:
-يا شامل ممكن حد من البنات دول يقول لأهاليهم وتتكشف!
اقترب منه شامل، غمز له بمكر وهو يجيبه بخبث:
-وهاتكشف إزاي، هما زي ما هما، وأنا بأعمل اللي عاوزه في حتة تانية!
نظر له بدران بتأفف، وهتف بإشمئزاز بعد أصابه الغثيان من تخيل ما يمكن أن يفعله:
-ده حرام ونجاسة!

برر شامل فعلته المشينة قائلاً بجدية:
-أل يعني احنا بنعمل الحلال أوي، ما إنت فاهم كل شغلنا هنا عبارة عن ايه ؟
زفر بدران بصوت مرتفع، وأردف قائلاً بإنزعاج:
-بكرة نشطب العيادة ونسيب أم المخروبة دي، ونبدأ على نضيف!
هتف شامل بنبرة غير مكترثة:
-ولحد ما ده يجي، ونتوب، أنا هافضل كده!

أدرك بدران أن زميله وشريكه في العمل لن يكف عن أفعاله المخجلة والتي يندى لها الجبين، فأولاه ظهره، وتابع قائلاً بقرف:
-أووف، اما تخلص ابقى ناديني أعملها ال آآ...
قاطعه بحماس وهو يمسح على صدره:
-ماتتعبش نفسك، أنا هاخلص كله
لوح له بدران بذراعه وهو يقول محذراً:
-اعمل اللي يريحك، بس اقفل الباب كويس، وشغل لمبة العمليات عشان الواد مدبولي التمرجي!

رد عليه شامل بثقة:
-عامل حسابي
إلتوى فم بدران ليضيف بتهكم:
-اه صحيح، ما انت قديم في الوساخة، ودي مش اول مرة!
-بالظبط
تابع شامل بنظرات وضيعة الطبيب بدران وهو ينصرف من باب أخر جانبي من الغرفة، ثم سلط أنظاره على جسد الفتاة المسجى أمامه .. وتلمس ساقيها بإنتشاء مريض ...

تقوس فمه بإبتسامة خبيثة وهو يتحسس مواضع حرجة من جسدها، ثم بدأ في نزع القميص الطبي عنها لتظهر أمامه عارية .. فسال لعابه بغزارة ..
احتضنها بذراعيه، وقبلها بشراهة ..
إثارة جامحة سيطرت عليه وهو يعبث كما يريد بتلك التي لا حول لها ولا قوة ..
مد ذراعيه أسفل جسدها ليتمكن من إدارتها للجانب، ومن ثم أنامها على بطنها، وسحب ساقيها للأسفل ..

لمعت عينيه ببريق خسيس، وبدأ في نزع حزام بنطاله، وكذلك السحاب .. ثم ألصق نفسه بها، ووضع يديه على ظهرها ليضغط عليه بقوة .. واستمتع بدناءة وحقارة في إرتكاب المحرمات بها
كانت الفتاة الصغيرة مغيبة، لا تدري ما الذي يفعله بها .. لكن ملامح وجهها متشنجة، وحركات لا إرادية عصبية تسيطر على جفنيها ...

دقائق مرت عليه وهو يتصبب عرقاً، ويعثو بنشوة مريضة معها حتى شعر بإرتخاء جسده، فتركها على وضعها كالبهيمة، وتراجع للخلف ليضبط أنفاسه اللاهثة ..
مسح وجهه بكفه، وأخذ نفساً عميقاً، ثم أدار رأسه ناحية الطاولة الموضوع عليها الأدوات الطبية الحادة، وإلتقط مشرطاً منه، وردد بصوت لاهث:
-الوقتي بقى نشوف شغلنا اللي بجد...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة