قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الرابع والأربعون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الرابع والأربعون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في منزل تقى عوض الله
تحرك عوض ببطء ناحية باب منزله، وإستدار برأسه ناحية فردوس الجالسة على طاولة الطعام، وضيقت نظراته نحوها، واستطرد حديثه قائلاً بصوت جاد:
-أنا نازل أجيب عيش بلدي من الفرن، وبعدها هاجيب البقالة، وهاعدي على الشيخ أحمد أساعده في تجهيز شنط الغلابة
أجابته بعدم إكتراث وهي تقرب ( الفاصوليا ) الخضراء من عينيها للغاية لتقلم طرفيها بإصبعيها:
-اعمل اللي انت عاوزه.

ثم أخفضت نبرة صوتها لتغمغم بسخط وهي ترهق عينيها لترى على قدر المستطاع:
-كفاية عليا القرف اللي أنا فيه!
أغلق عوض الباب خلفه بهدوء، بينما ألقت هي بما أمامها من خضار، وزفرت بحنق وهي تردد:
-مابقتش عارفة أشوف ولا أروح ولا أجي، بقى دي أخرتها! أدفن بالحيا هنا، لأ وعاجزة كمان! آآآآه .. أنا اللي جبته لنفسي، آآآآه!
ثم إستمعت إلى صوت قرع الجرس، فنفخت من الضيق، وهتفت بنفاذ صبر:
-ايه اللي رجعك تاني يا عوض!

إستندت بكفيها على الطاولة، ونهضت بحذر من على مقعدها، ثم إتجهت نحو الباب لتفتحه .. وتحركت دون أن تتمعن بدقة في الواقف على عتبته ..
أضافت متسائلة بتذمر وهي توليه ظهرها:
-ناقصك ايه يا عوض ؟
إلتقط أنفها رائحة ذلك العطر المميز الذي تعرفه، فشحب لون وجهها، وإلتفت فجأة نحوه، وتسائلت بذعر:
-إنت .. إنت جاي هنا ليه ؟

أجابها أوس بنبرة قاتمة وهو يرمقها بنظرات متفحصة:
-هو إنتي مفكرة إني هاسيبك بالساهل ؟
لوحت بذراعيها، وصاحت بإنفعال:
-عاوز مني ايه تاني ؟ أنا بقيت عاجزة، مافيش مني أمل!
أجابها بتهكم وهو يحدجها بنظرات جافة:
-إنتي اللي عملتي ده في نفسك مش أنا!
إغتاظت من تذكريه جريمتها بكلماته المقتضبة، فهتفت بنفاذ صبر:
-قول جاي ليه وخلصني!

رد عليها بنبرة قاسية:
-إنتي مش هاتخلصي مني، هافضل أطلعلك زي العفريت في كل وقت وفي كل مكان
لطمت على صدرها قائلة بحنق:
-آه يا غلبي!
أضاف قائلاً بنبرة محذرة للغاية وقد ضاقت نظراته:
-اسمعيني كويس لأني مش هاعيد كلامي مرتين!
ضغطت على شفتيها لتهتف بإمتعاض:
-خير
تابع بنبرة مهددة رامقاً إياها بنظرات حادة:
-أنا جاي أحذرك إنك بس لو فكرتي تقولي لتقى عن اتفاقك الوسخ وبيعك لابننا بمليون كتير هاندمك أكتر!

تلعثمت وهي تصيح بحنق لتدافع عن نفسها:
-إنت آآ...
قاطعها بلا تريث وهو يقول بنبرة جادة:
-أنا متوقع إنها تيجي في يوم وتسامحك، هي قلبها طيب، وخصوصاً إنك للأسف أمها!
ثم توقف للحظة قبل أن يتابع بنبرة عدائية وقد تحولت نظراته للشراسة:
-فإنتي أوعي بغباءك تقوليلها عن دناوتك وقذارتك، لأني أوعدك بشرفي قبل ما لسانك يفكر يقول كلمة هايكون مقطوع، سامعة!
هزت رأسها بخنوع بعد أن استشعرت تهديده الجاد لها، وهتفت بخوف:
-ح... حاضر!

رمقها أخيراً بنظرات إحتقارية قبل أن يتركها وينصرف ..
بصقت فردوس خلفه قائلة بإزدراء:
-كان يوم إسود يوم ما دخلت عليا بالخراب، وما نابني منك إلا قلة البخت والعمى!
ثم تحركت ببطء لتصفق الباب بقوة وهي تتمتم بكلمات مبهمة تحمل السخط ..

سار أوس في الحارة، ونفث دخان سيجارته المشتعلة وهو يسلط أنظاره على المسجد الموجود بها ..
ألقاها أسفل قدمه، ثم تحرك بثبات نحوه ..
رأه الشيخ أحمد وهو مقبل عليه، ففتح ذراعيه ليرحب به، وهتف بحماس وإبتسامة عريضة متشكلة على ثغره:
-يا مراحب يا بني، نورت بيت الله!
بادله أوس إبتسامة هادئة، وإحتضنه قائلاً بجدية:
-أخبارك إيه يا شيخنا
رد عليه الشيخ أحمد بنبرة راضية:
-أنا في نعمة الحمد لله، إنت اللي فينك وفين أراضيك ؟

أجابه بإيجاز وهو يحرك رأسه بحركة ثابتة:
-موجود
ربت الشيخ على كتف أوس، وأردف قائلاً بنبرة حزينة ومواسية:
-البقاء والدوام لله يا بني، أعذرني أنا معرفتش أجي العزاء، بس سمعت باللي حصل للمرحوم، ربنا رحمته واسعة
إبتسم له ممتناً وهو يقول:
-أها
ثم تلفت حوله باحثاً بعينيه عن عوض، وتسائل بجدية:
-قولي يا شيخنا هو عم عوض فين ؟

أشار له الشيخ أحمد بيده وهو يجيبه بنبرة هادئة:
-تلاقيه بس بيعمل مشوار هنا ولا حاجة
إستأنف أوس حديثه بتنهيدة مطولة:
-أنا كنت جاي اطمن عليه، وأشوف إن كان هو محتاج أي مساعدة وآآ...
قاطعه الشيخ أحمد قائلاً بإبتسامة سعيدة:
-عم عوض، ده إنت على نياتك خالص! ده راجل نفسه عزيزة، عمره ما يقبل الإحسان أو المساعدة من حد!

قطب أوس جبينه مندهشاً من ذلك الرد الغريب، وإحتج قائلاً:
-بس أنا مش غريب دلوقتي وأقدر آآ...
قاطعه مجدداً بنبرة متريثة:
-أنصحك يا بني بلاش تحسسه بإنه محتاج مساعدة لأنه مش هايقبلها حتى لو كنت مين، فإنت لو عاوز تعمل الخير بجد قدامك أماكن كتير تانية محتاجة لده!
تسائل أوس بتوتر قليل قد ظهر في نبرته وهو محدق فيه:
-تفتكر ربنا ممكن يكون قبل توبتي ؟

أومأ الشيخ أحمد برأسه إيجاباً، ورد بثقة:
-طبعاً، طالما قلبك اتفتح للإيمان، وبقيت بتكره تعمل المعاصي إعرف إنه مهدلك طريق الهداية!
إبتسم له أوس إبتسامة مطمئنة، وتابع متسائلاً بإهتمام:
-يا ريتك تقولي إيه اللي أقدر أعمله كمان عشان أكفر عن ذنوبي ؟
أجابه الشيخ أحمد بنبرة هادئة:
-ربنا سبحانه وتعالى بيقول ((وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))، فإنفق يا بني بيمينك ما لا تعلمه شمالك في كل وقت حتى لو في ضيقة، وطلع زكاتك في ميعادها، واصفح يا بني عن المسيء واللي أذاك، واكتم غيظك، ساعتها هتحس بأد ايه ربنا كان نعمه وفضله واسع عليك!

ضغط أوس على شفتيه قائلاً بتنهيدة مطولة:
-يا ريت أقدر على كل ده!
ابتسم له الشيخ أحمد بثقة، وحثه قائلاً:
-هاتقدر، طالما نويت خير، إنما الأعمال بالنيات ولكل إمريء ما نوى!
أردف أوس قائلاً بإمتنان وقد لمعت عينيه:
-شكراً يا شيخنا على كلامك ده، أنا حقيقي بأدينلك بالفضل على اللي أنا فيه
أشار الشيخ أحمد بكفه وهو يجيبه بنبرة راضية:
-أشكر ربنا لأنه هو اللي نور بصيرتك وهداك لصراطه المستقيم .. ربنا يثبتلك ويعوضك خير!
ثم صافحه أوس وودعه، وعقله أصبح مشغولاً بأمر ما .. فقد قرر أن يفاجيء زوجته بشيء قد أجله منذ فترة لتكون البداية الحقيقية له معها...

في مشفى الجندي الخاص
رحب العاملون بالمشفى من أطباء وطاقم تمريض بالطبيب مؤنس الذي تولى إدارة المشفى بعد إجتماع مجلس إدارتها وإختياره بالتزكية ليكون بديلاً عن كبير الأطباء في تولي جميع شئونها ..
كان كبير الأطباء في طريقه للخارج وهو يحمل صندوقاً كرتونياً يضم ما تبقى من متعلقاته الخاصة، فنظر بطرف عينه إلى مؤنس، وبدى عليه الغيظ ..
أوقفه مؤنس قائلاً ببرود:
-من فضلك إستنى!

رمقه كبير الأطباء بنظرات محتقنة، وردد قائلاً بسخط:
-خير يا د. مؤنس
وقف قبالته، ورمقه بنظرات باردة، ثم تابع بنبرة شبه مهينة:
-معلش سامحني، مش عاوزك تعتبر الموضوع شخصي، بس هاتتفتش قبل ما تمشي من هنا!
جحظ كبير الأطباء بعينيه مصدوماً، وهتف معترضاً بشدة:
-دي إهانة أنا مقبلهاش
رد عليه مؤنس بعدم إكتراث:
-اعتبرها زي ما تعتبرها، ده نظامي هنا مع أي حد يخون الأمانة
ثم أشار للأمن الداخلي بالحضور ليكملوا مهمتهم مع كبير الأطباء الذي فرك وجهه بغل وهو ينظر إلى الجميع .. ولكنه لم يقوَ على الرفض، وتم تفتيشه جيداً قبل تركه ليرحل نهائياً عن هذا المكان ...

في منزل أوس الجديد
أخفضت تهاني نبرة صوتها وهي تتلو بخشوع تام بعض آيات الذكر الحكيم من القرآن الكريم في الصالة الخارجية ..
أدمعت عينيها تأثراً بتلك الأية: (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))
فحمدت الله في نفسها أنه – سبحانه - زلل لها العقبات ليعود إليها فلذات أكبادها .. ثم رفعت بصرها للسماء، وهمست بخنوع:
-سبحانك يا رب، قادر على كل شيء، جمعتني بولادي، ورفعت البلاء عني، وكرمتني بحب ابني ليا، اللهم لك الحمد والشكر، يا رب ديمها نعمة، أنا حمداك وشكراك على كل حاجة، يا رب احفظهوملي من كل شر، وريح بالهم وعوضهم خير! يا رب فرح قلبهم، وإسعدهم وآآ..
لم تشعر هي بوقوف أوس خلفها، ولا بإنصاته لتضرعها وشكرها للمولى ودعائها المتواصل له ولشقيقته ..
تنهد بعمق، ثم تنحنح بصوت خشن لتنتبه له .. وتحرك نحوها ...

توقفت تهاني عن الدعاء، ومسحت براحتيها وجهها، وحدقت فيه بنظرات حانية ..
جلس أوس إلى جوارها على الأريكة، ثم أخذ نفساً عميقاً، وزفره على مهل ..
سألته بتوجس وهي قاطبة الجبين:
-خير يا بني ؟ في حاجة مضيقاك ؟
أجابها بنبرة متريثة وهو يضغط على شفتيه:
-لأ مافيش، بس أنا فكرت كتير في موضوع كده لحد ما خدت فيه القرار النهائي!
تسائلت بقلق وقد تحركت عينيها بتوتر:
-موضوع ايه ده ؟

أجابها بإيجاز دون أن تطرف عينيه:
-قصر بابا!
تابعت بتوجس:
-هاه.. ماله؟
إبتسم لها بعذوبة وهو يقول:
-أنا .. أنا هديهولك تتصرفي فيه زي ما إنتي عاوزة
إتسعت عينيها مندهشة، وهتفت مصدومة:
-ايه ؟
هز رأسه بحركة خفيفة، ومسح على ذراعها قائلاً بهدوء:
-ايوه، ده تعويض بسيط عن اللي حصلك زمان!

أمسكت بكف ابنها، ورمقته بنظرات حنونة، ومسحت بيدها الأخرى على صدغه، ورددت بإمتنان:
-يا بني أنا مش عاوزة حاجة غير إنك تكون جمبي ومعايا، ده عندي يكفيني
حرك رأسه قائلاً بجدية:
-معلش، أنا مُصر
هزت كتفيها في حيرة قائلة:
-طب أنا هاعمل ايه بقصر كبير زي ده ؟ أنا مش محتاجاه!
عقد ما بين حاجبيه، وهتف بهدوء:
-براحتك اتصرفي فيه زي ما يعجبك، ده بقى يخصك
تشكل على ثغرها إبتسامة ودودة، وشكرته بإمتنان:
-مش عارفة أقولك ايه يا بني ؟
تنهد قائلاً بصوت خافت:
-متقوليش حاجة يا ماما.

زفرت تهاني بحرارة وهي تردد بسعادة:
-دي احسن كلمة بتقولهالي يا بني .. كلمة ماما .. تسوى عندي الدنيا باللي فيها!
إبتسم لها أوس، ولم يعقب، بينما ترددت هي في إخبارها بطلب ما .. فقد خشيت أن يرفضه، ولكنها رغم هذا قررت سؤاله على أي حال ..
ابتلعت ريقها، واستطردت قائلة بحذر:
-هو .. هو أنا لو طلبت منك حاجة ترفضها يا بني
إنتصب في جلسته، ورد بجدية:
-خير!

مطت فمها قليلاً، وأكملت بنبرة شبه مترددة:
-أنا .. انا كنت عاوزة اروح أقعد مع أختي فردوس يومين كده
أمعنت هي النظر في وجهه لعلها تستشف من تعابيره رده عليها، لكن كان وجهه جامداً للغاية .. فهمست بتلعثم:
-لو .. لو مش موافق خلاص، أنا بس كان غرضي اطمن عليها بعد اللي حصل، مهما كان هي مالهاش إلا أنا .. وآآ.. وتقى معدتش بتروحلها، وعوض زي ما إنت عارف صحته على أده وآآ..

تذكر أوس حديث الشيخ أحمد عن كظم الغيظ والصفح .. فقاطعها قائلاً بفتور:
-اعملي اللي يعجبك
إبتسمت له إبتسامة باهتة، وشكرته قائلة:
-كتر خيرك
إشرأب أوس بعنقه قليلاً، وتسائل بإهتمام جدي على تعابير وجهه ونظراته:
-ممم.. أومال فين تقى ؟
إجابته مبتسمة وهي تشير بعينيها:
-بتلبس جوا، هاتروح تتابع مع الدكتورة بتاعتها!
نهض من جوارها، وأردف قائلاً بحماس وقد لمعت نظراته:
-تمام، أنا رايح اشوفها!
رمقته بنظرات حانية وهي ترد عليه بصوت خافت:
-خد راحتك يا بني.

في نفس التوقيت، انتهت تقى من إرتداء ثيابها .. وأغلقت أزرار ياقة كنزتها البيضاء، ووضعت على كتفيها سترتها الصفراء .. ثم جلست على طرف الفراش، وجذبت بنطالها الجينز للأسفل، وانحنت للأمام ومدت يديها لتعقد رباط حذائها الرياضي على هيئة أنشوطة ..
تنهدت بضيق، وشعرت بدوار خفيف وهي تحاول عقده .. فإعتدلت في جلستها، ووضعت يدها أعلى معدتها، وأغمضت عينيها، ثم أخذت نفساً عميقاً .. ولكنها شهقت مصدومة حينما شعرت بأصابع تتلمس قدمها فأصابتها بالإرتعاش ..

فتحت عينيها مذعورة، ورأت أوس جاثياً على ركبته أمامها يتأملها بنظرات والهة، ومسنداً لقدمها على فخذه ..
إزدردت ريقها بتوتر، وتوردت وجنتيها خجلاً، وسألته بإرتباك واضح:
-إنت .. إنت بتعمل ايه ؟
إلتوى ثغره بإبتسامة مغيرة وهي يجيبها بصوت خافت:
-هاربطهولك!
إتسعت عينيها الزرقاوتين في إندهاش، وانفرجت شفتيها في ذهول من تصرفه المربك ..

حاولت هي أن تسحب قدمها منه، وهتفت معترضة وهي تسند يدها على كتفه:
-لأ مايصحش، أنا هاربطها بنفسي
هز رأسه نافياً بحركة خفيفة وواثقة، وثبت قدمها جيداً بقبضته، ورفع حاجبه للأعلى متحدياً، ورد عليها بثقة:
-تقى! متجادليش معايا!
ثم غمز لها وهو يتابع بمكر:
-هتخسري!

عضت على شفتيها بتوتر ملحوظ بسبب حركته المباغتة، وسحبت يدها للخلف، وضغطت على أصابعها بإرتباك وتحاشت النظر نحوه ..
إرتسم على ثغره إبتسامة شيقة وهي يرى وجهها مصطبغاً بتلك الحمرة المغرية .. وما إن انتهى حتى أنزل قدمها، وإعتدل في وقفته، ثم طالعها بنظرات أكثر رومانسية، وتابع بجدية:
-أنا جاي المرادي معاكي
وقفت هي الأخرى، وحدقت فيه بإستغراب كبير، وهتفت بتلعثم:
-هاه! مش .. مش إنت عندك شغل وآآ...

قاطعها بهدوء وهو يمد كفيه ليمسك بيديها:
-لأ .. مش كتير، وبعدين عدي موجود هايخلصه ويبقى يجيلنا هنا!
ثم تحرك نحوها خطوة واحدة لتتقلص المسافات بينهما، ورمقها بنظرات متلهفة مشتاقة إليها تكشف عما يحسه نحوها، فإزدردت ريقها بتوتر، وشعرت بتأثيره الطاغي عليها ..
فسحبت يديها خجلاً منه، وأدارت ظهرها نحوه، وهتفت بصوت مرتبك وهي تعبث بياقة كنزتها:
-آآ... ليان جاية معانا.

وضع أوس يده على كتفها، وأدارها ببطء ناحيته، ثم أمسك بياقة كنزتها، وقام بتعديلها بحركة مغرية وهو يتعمد التحديق فيها بنظرات أكثر عشقاً ورومانسية وهو يهمس لها:
-تمام .. كده مظبوطة!
رمشت بعينيها متوترة، وابتلعت ريقها مجدداً، هي تحاول مقاومة الإنسياق وراء تيار تلك المشاعر الجميلة التي تحركها .. وتجعل قلبها يخفق بشدة ..

لن تنكر أن أوس إقتحم حياتها بشكل سافر، وشكل وجوده فارقاً مثيراً للجدل معها، ولكنها رغم كل الصعوبات والتحديات التي واجهتها معه، كانت الأكثر تأثيراً عليه، بل وغيرته للأفضل، وأظهرت بجدارة الجانب الأخر من شخصيته ..
رسمت هي إبتسامة خجلة على شفتيها، ثم تسللت من بين يديه بحذر، وهمست له بإستحياء:
-شكراً
مسح أوس على رأسه بإستياء .. فمازالت تقى تتحاشى التجاوب مع مشاعرها نحوه رغم وضوحها عليها، وإحساسه بتأثرها بها ..
فحاول ألا يظهر إنزعاجه من ذلك فتسائل بجمود:
-هي ليان لسه حابسة نفسها ؟

ردت عليه تقى بصوت رقيق:
-يعني، أنا بأحاول أقنعها تيجي معايا الكشف بس مش كانت بترضى، بس النهاردة وافقت عشان آآ... آآ...
توقفت عن إتمام عبارتها، فقطب جبينه مهتماً، وسأله بجدية:
-عشان ايه ؟
ردت عليه بإرتباك:
-هي الدكتورة بارسينيا قالت إننا هانعرف نوع البيبي ايه
هتف بحماس بعد أن أمسك بها من ذراعيها:
-بجد ؟ وماقولتيش يا تقى ؟

أطرقت رأسها قائلة بتوتر:
-ماهو .. ماهو لسه هانشوف وآآ..، وأنا عارفة إنك مشغول ووراك حاجات كتير مهمة وآآ...
سحبها فجأة من ذراعها نحوه، وألصق رأسها بصدره، ولف ذراعه الأخر حول خاصرتها، وقاطعها بنبرة والهة وقد زاد بريق عينيه:
-بس مش أهم منك!
شعرت تقى بإحتوائه لها، وإستمعت إلى نبضات قلبه التي تتسارع من أجلها، بينما تابع قائلاً بمكر:
-كمان أنا مجهزلك مفاجأة حلوة
أرجعت رأسها للخلف، ورددت بإستغراب وهي ترفع حاجبيها للأعلى:
-مفاجأة!

وضع أوس إصبعيه على طرف ذقنها، ورفع وجهها للأعلى نحوه، ونظر مباشرة في عينيها الزرقاوتين، وزادت إبتسامته إغراءاً وهو يهمس لها:
-ايوه، ومش هتعرفيها إلا بعد الكشف!
هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي تبادله نظرات مغرية .. فدفعه حماسه وشغفه بها لتلمس شفتيها بشفتيه، فاحنى رأسه نحوها ببطء، بينما أغمضت هي عينيها مستسلمة تلك المرة له، فكان على وشك تقبيلها برضائها، ولكن إقتحمت خلوتها ليان التي كانت تهتف بصوت مرتفع:
-تقى جهزتي ؟

دفعت تقى عفوياً أوس بقبضتيها من صدره، وتراجعت مبتعدة عنه، وقد إكتسى وجهها بالكامل باللون الأحمر، وبدت في وضع تحسد عليه وهي تجيبها بتلعثم جلي:
-آآ..ايوه يا .. ل.. ليان
رمق أوس ليان بنظرات مشتعلة للغاية، وكانت قسماته توحي بالغيظ الممزوج بالحنق، وود أن يمسك بها ويقيدها، ثم يصفعها تأديباً لها على فعلتها الحمقاء التي أفسدت تلك الأجواء التي لن تعوض بالساهل مع زوجته ..

وضعت ليان يديها على خصرها، وحدقت في الإثنين بإستغراب، وتسائلت ببرود:
-في ايه ؟ مش انتو جاهزين، مستنين ايه ؟
أجابها أوس بصوت محتقن:
-استنينا برا الوقتي
عقدت ساعديها أمام صدرها، وسألته بنبرة مستفزة:
-ليه ؟
كز على أسنانه، وتحولت نظراته للشراسة، وتحرك نحوها، لكن أوقفه صوت تقى المتوتر وهي تسير مسرعة في إتجاهها:
-أنا .. أنا خلصت، جاية معاكي!

تأبطت ليان في ذراعها، وأكملت ببرود:
-اوكي .. Let's go ( هيا بنا )
تسمر أوس في مكانه متحسراً، وضغط على شفتيه قائلاً بحنق:
-ماشي يا ليان، مش هاعديهالك!...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة