قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الخامس والأربعون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الخامس والأربعون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في العيادة النسائية
وقف أوس في الإستقبال الملحق بعيادة الطبيبة بارسينيا يتحدث في الهاتف مع رفيقه عدي ريثما تنتهي الممرضة من إعداد تقى للكشف ..
أكمل تدخين سيجارته، وهو يقول بهدوء:
-مافيش أعذار، خدها النهاردة، تمام!
-لو سمحت! التدخين ممنوع هنا!
قالتها ممرضة ما بنبرة جادة ...

إلتفت أوس برأسه نحوها، ورفع إصبعيه الممسكين بها متفهماً ما قالته .. ثم بحث بعينيه عن منفضة ليطفيء فيها سيجارته ... وبعدها أنهى المكالمة الهاتفية معه ..
لوحت له ليان بكفها من بعيد وهي تهتف بحماس:
-تعالى يا أوس، هنبدأ!
خفق قلبه بقوة، وتسارعت أنفاسه بصورة ملحوظة، وتوتر جسده من تلك الكلمات الحماسية .. فبدى وكأنه كان يعدو في سباق ركض للمسافات الطويلة .. فهو على وشك رؤية جنينه لأول مرة، والإستماع إلى نبضات قلبه الصغير ..

لا يعرف كيف أوصلته قدماه إلى غرفة الكشف ..
استقبلته الطبيبة بارسينيا بإبتسامة ودودة، وأشارت له بيدها ليلج للداخل ..
وقعت عينيه على تقى الممددة على الفراش الطبي، ورأى ذلك الجهاز الطبي الذي يلامس بطنها المكشوف، فإبتلع ريقه بتوتر أكبر .. ثم رفع بصره للأعلى ليحدق في شاشة التلفاز المتصلة بجهاز أخر ..
كانت الصورة سوداء، لم يستطع تبين ملامحها .. ولكنها خطفت أنفاسه ..

شرعت الطبيبة بارسينيا حديثها قائلة بصوت هاديء:
-تمام يا مدام تقى، الجنين في حالة ممتازة بالنسبة لعمره الزمني!
هزت تقى رأسها بسعادة، وحدقت هي الأخرى في الشاشة، وراقبت بشغف ما يحدث ..
مدت بارسينيا يدها للجانب، وضغطت على زر ما، ليصدح في الغرفة صوت نبضات متسارعة .. وفسرت قائلة:
-النبض كويس أوي
شهق أوس مصدوماً .. وعجز عن النطق بكلمة واحدة .. فهو الآن يستمع إلى صوت سلب عقله، وأطرب أذنيه .. فهو صوت تلك النطفة التي تحولت إلى روح تنبض بالحياة في رحم من أحبها بصدق ..

تابعت بارسينيا قائلة بإبتسامة ناعمة:
-ماشاء الله، واضح إنها هاتطلع بنوتة شقية!
إلتفت أوس برأسه نحو تقى، وحدق فيها مشدوهاً .. فهي تحمل في أحشائها ابنته ...
تفاجئت تقى هي الأخرى بماقالته الطبيبة، ونظرت إلى أوس بصدمة .. فقد كانت تتوقع أن نوع الجنين ذكراً ..
خشيت في نفسها أن يكون هذا الخبر مزعجاً لأوس .. وربما يتسبب في حزنه ..
تسائلت ليان بحماس وقد إتسعت عينيها بذهول:
-هي .. هي بنت ؟

أومأت بارسينيا برأسها إيجاباً وهي تضيف بتلك الإبتسامة الهادئة:
-ايوه .. مبروك عليكم .. مدام تقى حامل في بنت!
قفزت ليان في مكانها من فرط السعادة، وصاحت بحماس:
-واو .. أنا مبسوطة أوي، كده هاعرف أختار حاجة البيبي على ذوقي، بنوتة، واو!
أبعدت تقى نظراتها عن أوس، وفركت أصابعها بتوتر، وظل تضغط على شفتيها بحركة عصبية ..

نهضت الطبيبة بارسينيا من مقعدها، وتنحنحت بخفوت وهي تقول:
-تمام يا مدام تقى، حضرتك كملي لبسك، وهانتظرك في مكتبي
ثم تحركت نحو باب الغرفة، فلحقت بها ليان قائلة بجدية:
-دكتور بليز ممكن اسألك عن حاجة
وقفت الطبيبة قبالتها، وأردفت قائلة بهدوء:
-اتفضلي
أشارت بعينيها وهي تتابع بحذر:
-نتكلم برا أحسن
-اوكي تعالي
قالتها الطبيبة وهي تتحرك معها إلى خارج الغرفة ...

دنا أوس من تقى التب كانت تغطي بطنها بكنزتها، وجلس على طرف الفراش قبالتها، وحدق فيها لفترة دون أن ينبس ببنت شفة ..
عضت هي على شفتها السفلى، وهتفت بتلعثم:
-أنا .. آآ...
لم تستطع تقى أن تجد الكلمات لتكمل حديثها .. فتنهدت بعمق بينما أمسك أوس بكفيها، وضمهما معاً، وهتف بصوت هامس:
-أنا مش عارف أوصفلك إحساسي عامل إزاي، إنتي .. إنتي حامل في حتة مني!

نكست رأسها لتقول بنبرة شبه أسفة:
-أكيد إنت كان نفسك في ولد، وآآ..
إلتوى ثغره بإبتسامة عابثة، وقاطعها بصوت خفيض:
-ومين قالك كده ؟
إرتفعت نبرته قليلاً، وأضاف بحماسة وهو يفرك كفيها بأصابعه:
-تقى أنا فرحان إنها بنت .. تخيلي هيبقى عندي بنوتة شبهك، أنا .. أنا مش مصدق نفسي!
كانت على وشك البكاء وهي تقول بخفوت:
-ماهي ممكن تطلع شبهك إنت
أسبل عينيه نحوها، وهمس مستنكراً:
-لا إستحالة!

ثم وضع يده على طرف ذقنها، وتابع بنبرة آسرة أربكتها:
-هي هتاخد منك كل حاجة حلوة!
مرر أوس عينيه عليها، وأكمل بتنهيدات حارة وهو يتلمسها بنعومة:
-عينيكي، شعرك، شكلك، و.. آآ.. وقلبك!
إقشعر بدنها من لمساته المغرية، وتوترت بشدة، وقالت بصوت مرتبك:
-بس هتاخد منك حاجة أكيد!

مال برأسه عليها، واقترب من شفتيها، وهمس لها بإبتسامة واثقة:
-اسمي! ويا بخت اللي أوس الجندي أبوه!
إبتسمت بخجل منه .. وأوشك أن يطبع قبلة حارة على ثغرها .. ولكن اقتحمت ليان الغرفة دون سابق إنذار وهي تهتف بسعادة جلية:
-تقى، I am so happy ( أنا فرحانة جداً )، هابقى أنطي لبنوتة قمر!
إرتبكت تقى، وتراجعت بجسدها للخلف، وسحبت الملاءة عليها لتغطي وجهها الذي تورد بحمرة رهيبة ..

بينما عبس وجه أوس بشكل كبير، وإحتقنت نظراته بصورة واضحة، ونفخ قائلاً بعصبية وهو يضيق عينيه مغتاظاً:
-ليان! في حد يدخل كده! إنتي ايه!
ردت عليه ببرود إستفزه:
-في ايه يا أوس، أنا جاية أطمن على تقى!
غمغم أوس مع نفسه قائلاً بنفاذ صبر وهو يحدجها بنظرات غير مريحة:
-إنتي جبتي أخرك معايا ...!

نهض أوس عن الفراش، ورمق شقيقته ليان بنظرات حانقة، ثم إتجه نحوها، وقبض على ذراعها بغيظ .. وسحبها رغماً عنها إلى الخلف ناحية باب الغرفة، فقاومته وهي تتألم من قبضته:
-آووه، في ايه يا أوس
رد عليها بنبرة متجهمة:
-تعالي معايا
تلوت بذراعها بقوة، وتمكنت من تحريره، وركضت مبتعدة، وردت بتحدي:
-لأ .. أنا عاوزة أفضل مع تقى حبيبتي!
صر على أسنانه بشراسة، وتوعدها قائلاً:
-بقى كده! أوكي!

إحتضنت ليان تقى بذراعيها، وقبلتها من وجنتيها هاتفة بحماس:
-بصي بقى أنا مش هاسيبك لحد ما تولدي، هاكون معاكي ثانية بثانية
دس أوس يديه في جيبي بنطاله، ولوى فمه قائلاً بصوت خافت وبتهكم صريح وهو يرمقها بنظرات حادة:
-أها .. بتحلمي!
ردت عليها تقى بإبتسامة خجلة وهي مطرقة لرأسها:
-براحتك!
نفخ أوس بصوت مسموع، وهتف بضيق:
-ممكن تسيبني شوية مع مراتي أقولها كلمتين!

هزت كتفيها رافضة، وألصقت رأسها على كتف تقى، وتحدته قائلة ببرود:
-تؤ ... قول قصادي!
صاح أوس قائلاً بضيق:
-إنتي مش كنتي مكتئبة واخدة جمب ومنعزلة عن كل الناس!
ردت عليه بإبتسامة مستفزة:
-أها .. بس ده قبل ما أعرف إن تقى حامل في بيبي جيرل!
رفع حاجبه للأعلى مستنكراً، ورد عليه بحنق:
-بجد ؟!

نهضت عن الفراش، ووضعت يدها على خصرها، وتابعت بتنهيدة سعيدة:
-ويالا بقى عشان نروح ونعمل بارتي صغنون بالمناسبة دي
فرك أوس ذقنه بحركة ثابتة بإصبعيه، ورمقها بنظرات غير مريحة، وتقوس فمه بإبتسامة لئيمة وهو يرد عليها:
-ممممم.. ماشي، أنا عاوزك تخدي راحتك على الأخر!
ردت عليه ليان بحماس:
-Sure, bro ( طبعاً أخي )
ولجت الطبيبة بارسينيا للداخل مجدداً، وأردفت قائلة بإبتسامة دبلوماسية:
-واضح إن حضراتكم حابين تقضوا اليوم هنا.

ردت ليان عليها بتنهيدة سعيدة:
-احنا مبسوطين أوي
أومأت برسينيا برأسها إيماءة خفيفة، ومدت يدها بإسطوانة مدمجة لأوس وهي تتابع بنبرة هادئة:
-اتفضل حضرتك، دي عشانك
تناول أوس الأسطوانة منها، وسألها بإستغراب وهو يرفع حاجبه للأعلى:
-ايه دي ؟
ردت عليه بإبتسامة عادية وهي تشير بعينيها:
-ده فيديو عن البيبي.

تهللت أسارير أوس وبدت على وجهه علامات السعادة والحماس، ولم يعقب، فأضافت بجدية:
-طبعاً تقدروا تمارسوا علاقتكم الزوجية من غير أي مشاكل في الفترة دي، الشهور الأولى المتعبة عدت خلاص!
إستدار أوس برأسه ناحية تقى ليتأمل تعابير وجهها فوجدها ملامحها مزيج بين التوتر والخجل .. فتفهم حالتها، وعاود النظر للطبيبة التي إستأنفت حديثها قائلة:
-وهانتظرك في المتابعة كمان اسبوعين يا مدام تقى
رد عليها أوس بنبرة جادة وهو يقلب الأسطوانة المدمجة بكفه:
-أكيد
تأبطت ليان في ذراع تقى وعاونتها على النهوض ولم تكف عن الثرثرة معها بحماس عن مخططاتها المستقبلية بشأن الرضيعة الصغيرة...

وقف أفراد الحراسة الخاصة بأوس أمام سيارته، وفتح أحدهم الباب الخلفي حينما رأى عائلته مقبلة عليه ..
ركبت تقى أولاً، وتسابقت ليان مع أوس في الدخول، ودفعته من كتفه بقوة عجيبة لتجلس هي ملتصقة إليها، فزفر شقيقها بغضب من تصرفاتها المستفزة ...
ثم أشار لحراسته بالتحرك، وجلس وهو يتمتم بكلمات خافتة تحمل الغضب ..
استطرد السائق قائلاً بنبرة رسمية موجهاً حديثه لرب عمله، وهو ينظر في مرآة السيارة الأمامية:
-أنا وصلت مدام تهاني للحارة يا باشا
أجابه أوس بإقتضاب والعبوس واضحاً عليه:
-تمام! اطلع على البيت!

تسائلت ليان بإستغراب وهي محدقة في أوس:
-هي مامي مش في البيت ؟
رد عليها بضجر وهو ينظر لها شزراً:
-لأ
هزت رأسها بحزن قليل وهي تهمس:
-أوكي، هاتغيب كتير ؟
-معرفش
قالها أوس على مضض وهو يدير رأسه في إتجاه النافذة ..

فقد بلغ ذروة غضبه منها، وود أن يثور في وجهها ويوبخها، أو حتى يلقي بها خارج السيارة ليجلس بأريحية مع زوجته، شعر بنيران الغيرة تآكله .. هو يود الإنفراد بتقى، والإستمتاع معها، لكنها دوماً تقاطعهما في لحظات حرجة ..
إستدارت ليان في إتجاه تقى، وتابعت بحماس كبير:
-عاوزين نفكر في اسم كيوت كده للبيبي، بصي مش هايكون حاجة عادية، لأ .. اسم يكون مميز وآآ...
نفخ أوس من الغيظ وهو يحدث نفسه قائلاً بنفاذ صبر:
-لأ كده كتير بجد!

في منزل أوس الجديد
إستند أوس بقبضته على حافة الشرفة، وراقب الطريق بدقة، ونفث دخان سيجارته بعصبية وهو يغمغم بضيق:
-أووف، اتأخرت ليه ؟!
إلتوى ثغره بإبتسامة ماكرة وقد لمح تلك السيارة تقترب من بنايته .. وهمس بخبث:
-في ميعادك!
ألقى سيجارته أسفل قدمه، ودهسها ليطفئها.. ثم أسرع نحو غرفة شقيقته ..

كانت ليان قد إنتهت لتوها من تبديل ثيابها، وإرتدت منامتها الرياضية من اللون الرمادي الفاتح ..
تفاجئت بأوس يقتحم عليها الغرفة، فقطبت جبينها مندهشة، ومع هذا صاحت بحماس:
-ده أنا لسه كنت هاجيلك، بس حبيبت أغير هدومي الأول
حك أوس مقدمة رأسه، وتلفت حوله باحثاً عن شيء ما ..
وقفت هي إلى جواره، وتابعت بثقة وهي تلوح بذراعيها:
-تعرف يا أوس، احنا محتاجين نعمل Dicoration ( ديكور ) مناسب للبيبي جيرل، الألوان مش هاتكون بس بينك، لأ ممكن نعمل ميكس مع آآ...

لم يصغْ أوس إلى كلمة واحدة مما تقال على لسانها، بل ظل مشغولاً بالبحث عن ضالته بالغرفة، وبالفعل وجدها أعلى خزانة الملابس، فتقوس فمه بلؤم .. ثم أسرع بمد ذراعه للأعلى ليجذبها ..
تابعت ليان قائلة بإهتمام كبير:
-أنا عارفة Websites ( مواقع ) بتعمل Designs ( تصاميم ) حلوة أوي ..
عقدت ما بين حاجبيها بإندهاش، وسألته بفضول بعد أن رأته ينزل حقيبة سفرها للأسفل ويضعها على الفراش:
-هو إنت بتعمل ايه ؟

لم يجبها أوس، بل أسرع بفتح ضلفة الخزانة، وأخرج منها ثيابها، وقام بطيها دون ترتيب فوق بعضها البعض، و ( حشرها ) جميعاً في الحقيبة ..
إنزعجت ليان من تصرفاته الغير مفهومة، وهتفت متذمرة:
-أوس .. سيب هدومي!
ثم مدت يدها لتخرج ثيابها من الحقيبة، ولكنه منعها بذراعه، وحال دون وصولها لهم، فزاد حنقها منه، وهتفت بإنفعال:
-أوس! إنت عاوز ايه من هدومي ؟ ابعد عنهم!

إنتهى هو من غلق الحقيبة، ثم إعتدل في وقفته، ورمقها بنظرات عابثة وقد إرتسم على ثغره إبتسامة إنتصار، وهتف قائلاً بسعادة واضحة:
-هاتوحشيني يا ليو!
ثم طوق رأسها بذراعه، وجذبها نحوه، وألصق وجهها بصدره ليقبل رأسها من الأعلى، ثم أبعدها عنه، فنظرت له بإستغراب عجيب، وسألته بحيرة:
-هو انت بتعمل كده ليه ؟
ظلت تلك الإبتسامة العابثة متجلية على محياه، ثم إنحنى بجذعه فجأة للأمام، ولف ذراعه حول ركبتيها ليحملها على كتفه، فشهقت مصدومة، وركلت بقدميها في الهواء، وصاحت معترضة بذهول:
-أوس نزلني!

أحكم قبضته حولها، ثم أمسك بيده الأخرى حقيبتها، وخرج حاملاً للإثنتين ...
تحولت ملامح وجهه للجدية حينما رأى عدي واقفاً أمامه، فتسائل الأخير بتعجب:
-ايه اللي حصل يا أوس ؟
أنزل أوس شقيقته على قدميها، ثم دفعها في إتجاه رفيقه، وأجابه بنبرة شبه متصلبة:
-استلم!
هتفت ليان بحنق وهي ترمق أوس بنظرات مشتعلة:
-انت بتعمل ايه ؟

أمسك عدي بليان من ذراعيها ليثبتها في مكانها، فإستدارت ناحيته برأسها، وحدجته بنظرات غاضبة، ثم هتفت بإنفعال وهي تتلوى بجسدها محاولة تحريره:
-أنا مش فاهمة حاجة! إنتو بتعملوا ايه معايا
تابع أوس قائلاً بجدية وهو يشير بإصبعه:
-مراتك عندك، ومش عاوز أشوفكم قبل ما تقى تولد!
هتفت ليان معترضة بعصبية:
-إييييييه!

كافح عدي ليكتم ضحكاته، وحاول أن يهديء من عصبية ليان ويثبتها جيداً، ولكنها كانت تتحرك بصورة شبه هيسترية، وأكملت صياحها بصوت محتد:
-مش ماشية من هنا، وهاصوت وأخلي الناس تتفرج عليكم بالليل!
كانت على وشك الصياح، ولكن كمم عدي فمها ليمنعها عن هذا، وقيد رسغيها بقبضته الأخرى ..
حك أوس فروة رأسه ليفكر في حل سريع لتلك المشكلة، ثم إعتلى ثغره إبتسامة واثقة وهو يجيبها بتفاخر:
-عيب عليكي!

ثم اتجه ناحية غرفة الإستقبال بخطى سريعة، وأزاح بعض التحف التي تزين الطاولات الصغيرة الجانبية ليسحب من أسفلها تلك ( المفارش ) الثمينة .. وعاد إلى شقيقته، وجثى على ركبته أمامها، وقام بتقييد قدميها جيداً، ثم رسغيها، وأعقبها فمها، فنظرت له بنظرات محتقنة للغاية .. وقبلها من وجنتيها قائلاً بنبرة منتصرة:
-مافيش حاجة تغلى عليكي! باي!
ثم ربت على كتف رفيقه، وتابع بثقة وهو يرفع حاجبه للأعلى:
-عنك! أنا بنفسي هوصلهالك لتحت، وبشنطة هدومها!

وبالفعل انحنى أوس ليحملها على كتفه مجدداً، وسحب حقيبة سفرها بيده الأخرى، واتجه ناحية باب المنزل ليوصلها إلى سيارة رفيقه وزوجها ...
لم ينكر عدي أنه كان في قمة إعجابه بتصرفه الغير متوقع، بل ومتحمساً للغاية لتعود ليان إليه، ويعيشا سوياً بصورة طبيعية ..
أجلس أوس ليان على المقعد الأمامي، ووضع حقيبتها في الخلف، ثم ودعها قائلاً بصوت لاهث:
-خدي وقتك مع جوزك، باي يا ليو
ربت عدي على ظهره، ونظر له بإمتنان وهو يقول بخفوت:
-أنا مش عارف أقولك ايه ؟
رد عليه أوس بتنهيدة متعبة وملوحاً بذراعه:
-خدها وأمشي!
هز الأخير رأسه ودار حول سيارته ليركب خلف عجلة القيادة، وانطلق بها في إتجاه فيلته ...

إنتهت تقى من الإغتسال، وبدلت ثيابها في منامة حريرية وردية، وتمددت على الفراش، وسحبت الغطاء عليها لتدعي النوم ..
تذكرت كلمات الطبيبة الأخيرة عن إمكانية ممارسة علاقتهما الزوجية دون أي مشاكل ..
إزدردت ريقها متوترة من خوض تلك التجربة من جديد .. وحاولت أن تتغاضى عن التفكير فيها بكل تفاصيلها المؤلمة ..
كانت مشاعرها مرتبكة للغاية .. نعم هي في حالة تحسد عليها .. ما بين القبول والخوف .. المجازفة والتراجع ..

تخشى أن تهاجمها ذكرى تلك الليلة البائسة فتقضي على أحلامها الوردية التي بدأت تتشكل في مخيلتها ..
ولج أوس إلى داخل غرفته، وضاقت نظراته بشدة حينما رأها على وشك النوم ..
دنا من الفراش، وجلس على طرفه، وأخذ نفساً عميقاً، وزفره على مهل، ثم إستطرد حديثه متسائلاً بصوت رخيم:
-انتي هتنامي الوقتي ؟
أجابته مدعية الإرهاق:
-ايوه!

هز رأسه قائلاً بإستنكار:
-لأ .. ماينفعش!
أغمضت عينيها، فهتف مغتاظاً من بين أسنانه:
-طب .. طب والمفاجأة اللي عملهالك مش عاوزة تعرفيها برضوه ؟
تنهدت مستسلمة، وإعتدلت في نومتها، وابتسمت له برقة وهي تسأله:
-ايه هي ؟
أمسك براحة يدها، ورسم على ثغره إبتسامة راضية، ومسح عليها بأنامله بنعومة فإقشعر بدنها من لمسته الرقيقة .. وتابع بهمس وهو مسبل عينيه نحوها:
-أنا عارف إني جيت أوي عليكي، ظلمتك، وأجبرتك على حاجات إنتي مكونتيش عايزاها وآآ...

توقف للحظة ليتلقط أنفاسه، وأكمل بهدوء حذر:
-وأذيتك غصب عني!
أطرقت تقى رأسها للأسفل .. واضطربت نظراتها .. فقد بدأت ذكرى تلك الليلة الظلماء تتجسد في عقلها ..
وضع أوس إصبعيه على طرف ذقنها ليرفع وجهها نحوه، وتنهد بصوت مسموع ليضيف بندم واضح في نبرته ونظراته:
-ومهما عملت مش هاقدر أعوضك عن اللي عملته فيكي، بس .. بس إنتي الوحيدة اللي غيرتيني، كشفتيني قصاد نفسي! وعرفت أد ايه أنا ضعيف و.. وآآ.. مريض!
ترقرقت العبرات في عينيها تأثراً .. فقد أصابها حديثه في مقتل .. وتلاحقت ومضات سريعة من تصرفاته العنيفة معها في عقلها ..

إبتلع هو تلك الغصة المريرة في حلقه، وأكمل بشجن:
-كتير اتعذبت باللي عملته فيكي، وندمت .. ندمت على كل لحظة عانيتي فيها بسببي! وحاولت أغير من نفسي وأتوب بجد عن كل الذنوب اللي عملتها!
بدت متأثرة بكلماته، وتشنجت تعابير وجهها .. بينما إستأنف هو باقي حديثه بصوت حزين:
-يمكن معملتش فرح ليكي زي بقية البنات، ولا خليتك تحسي بفرحة العروسة! بس اللي أقدر أعوضك بيه الوقتي .. هو .. هو ده!
أخرج من جيبه دعوة صغيرة .. وأسندها برفق في راحة يدها، وتابع بصوت خفيض:
-يمكن .. يمكن ده يسعدك!

حدقت تقى في تلك الدعوة الصغيرة بنظرات مصدومة، وفتحتها لتقرأ ما بها ..
وتقطع صوتها وهي تردد بهمس:
-تأشيرة ع.. عمرة!
خفق قلبها بقوة، وتسارعت أنفاسها بصورة لاهثة .. وتحول عبوس وجهها إلى إبتسامة سعيدة ..
وتذكرت تلك الرؤية القريبة عن زيارتها لهذا المكان المقدس .. فإنهمرت عبرات الفرحة من مقلتيها مبللة وجنتيها ..
إحتضن أوس وجهها براحتيه، وحدق فيها بنظرات والهة، وأردف قائلاً بصدق:
-مكونتش بأفكر غير في إني أدور على أكتر حاجة ممكن تفرحك، وأعملها!

ظلت إبتسامتها مرتسمة على شفتيها، وردت عليه بصوت باكي وهي لا تكاد تصدق تحقق رؤيتها:
-إنت.. إنت عارف أنا آآآ...
قاطعها بوضع إصبعه على شفتيها، وهمس بنبرة عاشقة:
-مش عاوزك تقولي حاجة، كفاية نظرة الفرحة اللي في عينيكي دول، دي لوحدها ترضيني
لم تعرف تقى ما الذي تفعله من فرط سعادتها الغامرة، فلفت ذراعيها عفوياً حول أوس لتحتضنه .. فطوق هو الأخر ذراعيه حول جسدها، وضمها بقوة إليه .. وهمس لها بصوت عذب وهو مغمض العينين:
-وأنا .. معاكي عرفت يعني حب ...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة