قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثاني

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثاني

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في منزل عبد الحق بالزقاق الشعبي
نفخت إحسان بغضب لأكثر من مرة وهي ترى ابنها ينقل أخر ما تبقى من أثاثه إلى خارج المنزل، وغمغمت بضيق:
-خلاص كده!
نظر لها بطرف عينه، وأجابها بجمود:
-كده احسن يامه، شيل ده من ده يرتاح ده عن ده!

توسلت له بإستعطاف:
-طب سيب السرير يمكن تحب تبات هنا!
صمت ولم يعقبْ .. فأضافت قائلة بتهكم:
-ولا انت مصدقتك، السنيورة قالتلك يالا فإنت على طول زي الدلدول ماشي وراها
رد عليها بضيق وهو ينفخ في الهواء بغيظ:
-يامه كفاية الله يكرمك
تابعت قائلة بسخط وهي تلوي فمها:
-مشيت ورا مراتك وسبت أمك اللي ربتك، دي أخرتها!

رد عليها عبد الحق بضجر وهو يشير بيده:
-يامه انتي على عيني وراسي، بس أنا مش هاخلص من أم الخناقات اللي بينكم، وأنا عاوز أرتاح
إدعت البكاء، وأطرقت رأسها في حزن زائف لتتمتم ب:
-وربنا يا عبده ماعملتلها حاجة، دي هي اللي اتبلت عليا!
تنهد بإنهاك ليجيبها بحذر:
-عارف يامه
أثارت تلك الكلمات المقتضبة حفيظتها، وتسائلت بفضول وهي قاطبة لجبينها:
-عارف ايه ؟

انتبه عبد الحق لزلة لسانه، وتوتر قائلاً:
-هاه .. ولا حاجة، خدي بالك من حالك، وأنا هابقى أشق ( اطمئن ) عليكي كل شوية، سلام!
ثم تركها وإنصرف دون أن يضيف كلمة أخرى، بينما زادت حيرتها، وهتفت متسائلة:
-قصده ايه الواد ده ؟! أنا الفار بيلعب في عبي!
ضيقت عينيها وهي محدقة أمامها لتضيف بتوعد:
-أنا لازم استقصى ورا الموضوع ده! ويا ويلهم لو كان ملعوب عليا ...!

في منطقة ما بالصحراء
هب الضابط من مكانه مذعوراً، وركض ناحية تقى الممددة على الرمال، وجثى على ركبته، ثم مد ذراعه من خلف ظهرها، ورفعها للأعلى قليلاً، وحاول إفاقتها صائحاً ب:
-يا مدام فوقي، سمعاني يا ست!
ثم ضرب على وجنتها بخفة، وهو يكمل بصراخ:
-انتي يا مدام!
رفع وجهه في إتجاه أمين الشرطة الذي كان يتحدث في هاتفه المحمول وصاح بغضب:
-هات يا بني مياه من العربية!
-تمام يا باشا!
أحضر الأمين زجاجة مياه بلاستيكة، وفتحها، ومد يده بها إلى الضابط الذي أفرغ البعض من محتواها على يده، ثم نثرها على وجهها، فشهقت مجدداً، ولم تفتح عينيها..

تنهد الضابط بإرتياح، وأردف قائلاً بسخط:
-المشرحة مش ناقصة قتلى!
أدار رأسه ناحية أمين الشرطة، ونهره بحدة:
-انت هاتتفرج عليا كتير، ما تشوف المرمي هناك ده كمان
رد عليه الأمين بتلعثم:
-حاضر!
ثم ركض في إتجاه أوس، وجثى إلى جواره ليتابعه بإهتمام ..

في المشفى الخاص بالأمراض النفسية
دلف عدي مع الطبيب إلى داخل غرفة المكتب، فإبتسمت لهما المدبرة عفاف، وتسائلت بإهتمام:
-ايه الاخبار ؟
أجابها الطبيب بهدوء حذر:
-بداية مبشرة، لكن لسه المشوار في أوله
ابتسمت له بتفائل قائلة:
-البركة فيك يا دكتور
تمتم قائلاً بجدية وهو يجلس على مقعده:
-إن شاء الله
التفتت عفاف إلى عدي، ومدت يدها بهاتفه المحمول قائلة بصوت رقيق:
-اتفضل الموبايل يا عدي باشا
رفع عدي حاجبه للأعلى، وسألها بنبرة شبه حادة وهو يأخذه منها:
-هو كان معاكي ؟!

ردت عليه عفاف بهدوء حذر بعد أن رأت نظرات الإتهام واضحة في عينيه:
-لا يا فندم، حضرتك نسيته هنا على المكتب، وأنا احتفظت بيه لحد ما ترجع واسلمه
تنحنح في حرج، وأجفل عينيه وهو يكمل بندم:
-آآ.. تمام، شكراً يا عفاف
تفقد هاتفه المحمول، فأضافت عفاف قائلة بجدية:
-أوس باشا اتصل من بدري، و.. ومدام تهاني ردت عليه
اتسعت عينيه وهو يردد:
-ايييه، اتصل!

ثم أدار رأسه للجانب ليرمق الطبيب بنظرات قوية وهو يقول بجدية:
-عن اذنك يا دكتور شوية
ابتسم له الطبيب ابتسامة مصطنعة قائلاً:
-خد راحتك!
أمسك عدي بالمقبض، وأداره، ودلف إلى الخارج ليقف في الرواق، ثم وضع الهاتف على اذنه، وتمتم مع نفسه بضيق:
-أوووف، كان لازم اخد بالي ان الموبايل مش معايا!
سمع هو رسالة صوتية مسجلة تبلغه بأن الهاتف غير متاح حالياً ..

أبعد الهاتف عن اذنه، وضغط على زر الإتصال مجدداً، وأضاف بنبرة منزعجة:
-وده وقته تفصل الموبايل فيه!
ظل عدي ينفخ في ضيق، ثم رفع يده فوق رأسه، ومرر أصابعه في شعره، وحدث نفسه بضجر:
-كتير الواحد بيحس انه مش عارف يفهمك!
ثم إنتصب في وقفته فجأة بعد أن دار بخلده كلمات عفاف الأخيرة قبل أن يخرج من الغرفة، وهتف مصدوماً:
-ازاي مخدتش بالي من كلام عفاف، تهاني ردت على أوس!

في بقعة ما نائية بالصحراء
وصلت سيارات الإسعاف ومعها سيارتي شرطة إلى الموقع المنشود ..
وأسرعوا بوضع أوس ونقله بحذر إلى داخل سيارة الإسعاف، وبقى عدد من رجال الشرطة والتحريات في المكان لدراسة ما حدث ..
كذلك قام أحد المسعفين بإفاقة تقى، فأخذت الأخيرة نفساً عميقاً، وتسائلت بصوت ضعيف وغير مفهوم:
-آآ... الحقوه، هو .. آآآ..

رد عليها المسعف بصوت هاديء وهو يعيد وضع قناع الأوكسجين على فمها وأنفها:
-انتي بخير يا مدام، اهدي!
جاهدت هي لتفتح عينيها وتتمكن من رؤية ما يحدث حولها، فبدت الرؤية غير واضحة في البداية، فرمشت بعينيها لأكثر من مرة، ثم تلفتت حولها – برأسها - بذعر، وأدركت أنها بداخل سيارة الإسعاف، وممددة على التروللي المعدني ..
أزالت القناع عن وجهها، وإستندت على مرفقيها محاولة النهوض، فمنعها المسعف قائلاً بجدية:
-ارتاحي يا مدام، انتي لسه دايخة!
لم تستمع إلى تعليماته، وأزاحت يديه بعيداً عنها، وهمست بضعف:
-انقذوه .. ه.. هايموت!
سألها المسعف بإهتمام:
-مين ؟

أجابته بتلعثم وهي تحاول النهوض:
-آآ.. أوس .. ج.. جوزي
تمكن المسعف من تثبيتها على التروللي، وأجابها بصوت جاد:
-ايوه .. اللي كان معاكي، اطمني، هو في العربية التانية، وطالعين به على أقرب مستشفي
حدقت به تقى وسألته بصوت مبحوح:
-هو .. هو لسه عايش صح ؟
رد عليها المسعف بصوت شبه قاتم:
-مقدرش افيدك الصراحة! لأني معرفش، أنا كنت مسئول عنك وبس
انقبض قلبها مجدداً، وهتفت بتلهف:
-ع.. عاوزة أشوفه!

هز المسعف رأسه مجيباً إياها بهدوء:
-احنا هانحصله يا مدام، ماتقلقيش .. ارتاحي انتي بس لحد ما نوصل!
سألته مجدداً بأعينها اللامعة ب:
-ي.. يعني هو عايش ؟!
لوى المسعف فمه ليجيبها بإيجاز:
-افتكر كده
تنهدت بعمق رغم قلقها، وأغمضت عينيها، فمازالت هي تحت تأثير الصدمة، وغير قادرة على استعادة توازنها بشكل تام ...
طرق المسعف بيده على زجاج السيارة الأمامي، وهمس للسائق قائلاً:
-المدام اللي معانا فاقت، بلغ الظابط!
إلتفت السائق له، وأجابه بجمود:
-تمام

في المشفى الخاص بالأمراض النفسية
اصطحبت الممرضة تهاني عبر الطريق المؤدي إلى غرفة الطبيب بعد أن إنتهت مقابلتها المليئة بالمصارحة والمشاعر الفياضة .. وربتت على ظهرها قائلة بإبتسامة:
-ان شاء الله هتبقى كويسة، المستشفى هنا متميز، والدكاترة معروفين بالإسم!
ردت عليها تهاني بصوت مختنق وهي تمسح أنفها بمنشفة ورقية:
-نفسي بنتي ترجع تعيش تاني في حضني، واعوضها عن اللي فات!
هزت الممرضة رأسها وهي تتابع بهدوء:
-هايحصل، بس زي ما حضرتك عارفة كل حاجة بتاخد وقتها، و آآ...

قاطعتها بنظرات نادمة، وصوت متحسر:
-ده عمري راح كله من غير ما اعرف انها عايشة، سنيني ضاعت من غير ما احس بيها، يا رب قدرني وأعوضها!
ابتسمت لها الممرضة دون أن تعقب .. ثم أشارت لها بيدها قائلة بخفوت:
-احنا وصلنا يا فندم .. اتفضلي
تنهدت تهاني بإنهاك قائلة:
-تسلمي يا بنتي، ومش هاوصيكي عليها!
هتفت الممرضة قائلة بثبات:
-كلنا هنا في خدمتها، هي مش محتاجة أي توصية!
-كتر خيرك!

خرج عدي من مكتب الحسابات الملحق بالمشفى بعد أن وضع دفعة مقدمة في حساب زوجته، ثم عاود الإتصال بأوس، فلم يجد سوى صوت الرسالة التقليدية المسجلة ( الهاتف خارج نطاق التغطية )، فنفخ من الضيق قائلاً:
-في ايه بس ؟ مش عارف أوصلك خالص!
دعك عينيه، ثم قطب جبينه، وهاتف سكرتيرة المقر الرئيسي للشركة متسائلاً بجدية:
-أوس باشا جه أو اتصل ؟
ردت عليه السكرتيرة برقة:
-لأ يا فندم، مافيش أي أخبار عنه
سألها بصوت آجش:
-الحراسة بتاعته رجعت ؟

-لأ يا عدي باشا، الأمن مابلغش بوصول أي حد من طقم الحراسة
-أوكي، عرفيني لو في حاجة
-حاضر يا فندم
أنهى معها المكالمة وهو يفكر ملياً في إحتمالية شعور أوس بالضيق بسبب مكالمة ( تهاني )، فحدث نفسه بصوت مسموع قائلاً:
-لازم أسأل عفاف عن اللي حصل بالظبط مع تهاني! بس الأول أوصلها للحارة وبعد كده أعرف اللي أنا عاوزه منها بالتفصيل!

بالقرب من مشفى حكومي نائي
بعد برهة من الوقت وصلت سيارة الإسعاف التي تقل تقى إلى المشفى العام والأقرب إلى موقع الحادث .. ومن قبلها وصلت السيارة الخاصة بأوس ..
نهضت تقى من على التروللي، ورفضت أن يقدم لها أي مساعدة رغم حاجة الوهن والإعياء البادية على وجهها وجسدها، وترجلت من سيارة الإسعاف، وأسرعت في خطاها محاولة الوصول إلى الاستقبال والسؤال عن حالة أوس ..
كان المشفى أقل بكثير من المستوى الذي يليق بشخصية ثرية كأوس الجندي، ولكنه كافي لإسعافه فوراً، وإنقاذه من الموت ..
دلفت إلى البهو، وتلفتت حولها بنظرات حائرة محاولة الوصول لمكتب الإستقبال، وبالفعل لمحت مسند رخامي قديم ومرتفع عن الأرضية، وتقف خلفه ممرضة ما ممسكة بهاتف أرضي تتحدث فيه .. فسارت نحوها بخطوات أقرب للركض، وإستندت بكفيها على حافة المسند، وتسائلت بصوت لاهث وهي جاحظة العينين:
-هو .. هو فين ؟

أبعدت الممرضة سماعة الهاتف عن أذنها، ووضعتها على كتفها، وسألتها بعدم فهم:
-بتسألي عن مين بالظبط ؟
ردت عليها تقى دون تردد:
-أوس الجندي
قطبت الممرضة جبينها أكثر، وحدقتها بنظرات متفحصة، وسألتها ببرود:
-مين ده ؟

هتفت بصوت متقطع وهي تشير بيدها:
-اللي جه من شوية هنا، ومضروب بالنار
هزت رأسها، وأجابتها وهي تشير بعينيها:
-أها .. هناك في الطواريء
ركضت تقى إلى حيث أشارت، فصاحت بها الممرضة بصوت مرتفع:
-استني يا استاذة، ممنوع الدخول!

لم تصغْ إليها، وإنما واصلت الركض حتى توقفت أمام باب معدني - يرتد للخلف وللأمام حينما تدفعه بقبضة اليد – فتسمرت في مكانها، وحدقت باللوحة المضئية باللون الأحمر أعلاه وقرأت كلمة (( طواريء )) بصوت خافض ..
ابتلعت ريقها في حلقها الجاف .. وتنفست بتوتر كبير، وضمت قبضتي يدها معاً أمام صدرها، وجاهدت لتستجمع شجاعتها وتدلف للداخل لتراه ...
-رايحة فين يا مدام ؟
قالها ممرض ما بصوت خشن، فأدارت هي رأسها نحوه، وأجابته بصوتها اللاهث والمتردد:
-د...داخلة أشوف آآ.. أوس!
لوى الممرض فمه، وأردف قائلاً بسخط:
-أوس
ابتلعت ريقها وهي تتابع بتوتر:
-أها .. ده .. ده يبقى جوزي
رمقها الممرض بنظرات جافة، وأكمل قائلاً بجمود:
-حتى لو كان ايه، فماينفعش يا مدام تخشي جوا، الدكاترة بيتعاملوا مع الحالة
سألته بتلهف بادي عليها:
-طب.. طب هو هيبقى كويس ؟

هز كتفيه في عدم مبالاة مجيباً إياها بنفس الجمود:
-مش عارف، بس شوية وهايطلعوا الدكاترة من جوا، ويطمنوكي
ثم سمعت صوتاً رجولياً قوياً يأتيها من الخلف قائلاً بصرامة:
-مدام، استني من فضلك!
انتبهت إلى مصدره، ونظرت نحوه قائلة:
-هاه
حدقت هي في هيئة هذا الشخص الذي إستوقفها، ورمقته بنظرات سريعة متفحصة ..

أضاف الشخص قائلاً بنبرة ثابتة وهو يتأملها بدقة:
-مع حضرتك المقدم طارق، من مباحث قسم (( ...))، وجاي هنا أحقق في اللي حصل!
هزت رأسها بعد أن عرفت هويته، فتابع بنبرة رسمية وهو يشير بيده:
-عاوز أخد من حضرتك كام اجابة على أسئلتي
أومأت برأسها موافقة وردت عليه بنبرة مضطربة:
-م.. ماشي، هارد على كل اللي .. آآ.. عاوزه، بس أطمئن عليه الأول!
رفع المقدم طارق كفه أمام وجهها معترضاً، وهتف ببرود:
-معلش يا مدام، دي تحقيقات، ولازم نعرف منك شوية تفاصيل عشان نوصل للجناة في أسرع وقت، فيا ريت تتعاوني معايا!

تنهدت في إستسلام لتجيبه:
-ط.. طيب
تابع هو قائلاً بجمود:
-اتفضلي معايا هناك
ابتلعت ريقها وسألته متوترة:
-هانروح فين ؟
رد عليها بهدوء مريب وهو يتفحصها بنظرات ثاقبة:
-مش بعيد، بس هانتكلم بعيد عن الدوشة دي!
إستدارت برأسها للخلف، وظلت محدقة بالباب المعدني وهي تكمل بصوت مرتبك:
-بس آآ.. أنا .. انا عاوزة اطمن على آآ...
قاطعها قائلاً ببرود:
-يا مدام لو في جديد هانعرف كلنا أكيد، بالعكس احنا يهمنا نطمن على أوس الجندي عشان ناخد أقواله هو كمان!
-أها
-اتفضلي!
اضطرت هي أن تستجيب له، وسارت معه إلى حيث أشار لتجيبه عما يريد من أسئلة ...

بداخل غرفة الطواريء
التف الأطباء حول أوس الجندي، ومزق أحدهم قميصه، بينما انتزع أخر متعلقاته الشخصية، وحرص ثالث على التصرف بحنكة من أجل وقف النزيف المستمر وانقاذه ..
لم يعرف أي أحد هويته بعد، ولكن وضعه غير مستقر ..
أشار طبيب ما للممرضة بعينيه وهو يلقي في يديها ما جمعه:
-سلميهم لقرايبه ولو موجودين
أومأت برأسها إيجاباً وقائلة بهمس:
-حاضر يا دكتور
أردف طبيب أخر قائلاً بجدية:
-باين عليه شخصية مهمة
رد عليه زميله بهدوء:
-أها .. من شكل الحاجة اللي معاه.

أمسك الطبيب الثالث بالمشرط، وهتف بصرامة:
-ركزوا دلوقتي في اللي هانعمله
-تمام ..
-المريض حالته حرجة
-ربنا يستر
-احنا المهم نوقف النزيف ونشيل الرصاصة
-مكانها قريب أوي
تشدق طبيب ما بهدوء:
-سنتيمتر كمان وكانت هتبقى في مقتل
همس زميله قائلاً بمزاح:
-حظه!

رد عليه الطبيب الثالث قائلاً بجدية:
-لأ عمره!
-فعلاً، ونعم بالله
وباشر الجميع عملهم بدقة من أجل إنقاذ حياته ..

في نفس التوقيت، في الإستقبال الملحق بالمشفى
قطم أحد الأشخاص قطعة كبيرة من رغيف الخبز الذي بحوزته، بعد أن دس في فمه قطعة من المخللات، وتابع حديثه دون أن يعبأ بالطعام الذي يُقذف من فمه للخارج ب:
-يا بت مافيش خبر كده ولا كده، ده أنا بتنشأ على أي حاجة أجيبها للأستاذ فيديني الحِلوان
أجابته الممرضة حُسنية الجالسة إلى جواره وهي تبتلع الخيار المخلل بتذمر:
-هو أنت مشغلني المخبر بتاعك يا حمدي!
رد عليها حمدي عصفورة بمكر وهو يمسح أسنانه بطرف لسانه:
-ماهو كله لمصلحتنا في الأخر، واحنا عاوزين نسترزق من الأخبار اللي بنجيبها!

زمت ثغرها قائلة بإستنكار:
-ما انت شايف مافيش أي جديد هنا، كله محصل بعضه!
مال عليها وهمس لها بخبث:
-خليكي ناصحة يا بت، واتعلمي، وأهوو قرش من هنا، على سبوبة من هناك هانكمل اللي ناقصنا، ونتنيل نتجوز
نفخت من الضيق، ودست في فمها قطعة مخلل، وتابعت:
-يوووه، ما أهوو على يدك، المستشفى الخربانة دي مافيش فيها حاجة تتقال!
نظر إليها بنظرات إحتقارية، وهمس بسخط:
-فقر!

تلفت حمدي حوله، ووقعت عينيه على ذلك التجمع الغفير أمام باب الطواريء، وتسائل بفضول وهو يحاول أن يشرأب بعنقه:
-أومال ايه اللمة اللي هناك دي ؟
نظرت إلى حيث ينظر، وردت بفتور:
-والله ما أنا عارفة
لكزها في كتفها، وهتف بخشونة:
-طب قومي شمشمي على أي خبر، وتعالي قوليلي!
بلعت الطعام، ورمقته بنظرات محذرة، ثم نهضت عن المقعد وأردفت قائلة بجدية:
-طيب .. اوعى تاكل القرنبيط!
رمقها بنظرات متأففة وصاح بحنق:
-يا ولية هاسيبهولك، بس انجزي في يومك!

لوت فمها قائلة بتذمر وهي تحدجه بنظراتها الحادة:
-ماشي .. رايحة أهوو ..!
اقتربت الممرضة حُسنية من الضابط ومن معه، واسترقت السمع في محاولة مستميتة منها لتستشف أي معلومة، ولكن رأها أحد العساكر فنهرها قائلاً بضيق:
-في حاجة ؟
أغلقت فمها المنفرج، وأجابته بتلعثم:
-هاه، لأ .. ده أنا بس بأشوف في ايه!
نظر لها بحدة، وأردف قائلاً بجمود واضح:
-مايخصكيش!

إكفهر وجهها، وبرزت عروق جبينها من الغيظ، وحدجته بنظرات منزعجة وهي تقول بغضب:
-جرى ايه يا شاويش، ده انتو هنا في قلب المستشفى بتاعتنا، وآآ...
قاطعها محذراً بتهديد صريح:
-اتمشي من هنا بدل ما أبلغ الباشا عنك، واقوله بتعطلي شغلنا!
زفرت بصوت مسموع قائلة بإستسلام وهي تلوح بكف يدها أمام وجهه الصارم:
-طيب، خلاص، يعني هاتجيبلي الديب من ديله!

دست يديها في جيبي معطفها الأبيض، وحدثت نفسها بتبرم ب:
-لو رجعت لحمدي وقولتله معرفتش أجيب حاجة هايسمم بدني بكلمتين، أما أروح أشوف كده في الإستقبال، يمكن حد هناك يكون عارف حاجة!
وبالفعل توجهت ناحية رفيقتها العاملة بإستقبال المشفى، وتبادلت معها الحوار المازح، ثم سألتها بلؤم وهي مستندة برأسها على مرفقها:
-اومال ياختي المستشفى هنا مش على بعضها من الصبح ليه ؟
تنهدت الأخيرة بإنهاك، وردت عليها بصوت فاتر:
-ماهو زي كل يوم.

قطبت الممرضة حُسنية جبينها، وسلطت أنظارها عليها، وأردفت قائلة بتركيز:
-لأ مش فهماني، ده في بوليس ونيابة وتحقيقات هنا
أجابتها زميلتها بعدم إكتراث:
-تلاقيها حاجة تبع الحالة اللي جت مضروبة بالنار
اتسعت عينيها في إهتمام، وهتفت مصدومة:
-مضروبة بالنار، يا ساتر يا رب!
ثم صمتت للحظة، وتابعت متسائلة بفضول:
-وعلى كده حالته خطيرة الجدع ده ؟

ردت عليها قائلة بلا مبالاة:
-والله هما جابوه على أخر وقت، والدكاترة في الطواريء معاه
سألتها الممرضة وهي تهز رأسها ب:
-أها، وده تبع مين ؟
هزت كتفيها وهي تجيبها بصوت عادي:
-معرفش، بس هو اسمه أوس الجندي
رفعت الممرضة حاجبيها للأعلى، وتسائلت بحيرة وهي تضع إصبعيها على طرف ذقنها:
-أوس الجندي، مين ده ؟
لوت رفيقتها ثغرها قائلة بعدم إهتمام:
-ولا أعرفه.

ضربت الممرضة بكفها على السطح الرخامي قائلة بفتور:
-أها ... يا خبر بفلوس بكرة يبقى ببلاش ..!
ثم رسمت ابتسامة زائفة على وجهها، وتشدقت بإمتنان مصطنع:
-تسلمي ياختي
-على ايه، ما احنا بندردش مع بعض
-ايوه، بدل ما اليوم فقر ومش بيعدي، يالا هاروح أشوف ورايا ايه أعمله
-ماشي!

عادت الممرضة حسنية إلى حمدي وهي محملة بالأخبار العادية من وجهة نظرها ..
وما إن رأها هو مقبلة عليه حتى إعتدل في جلسته، وسألها بجدية وهو يطوي ورقة الصحيفة الملطخة بالزيت:
-عرفتي في ايه ؟
ردت عليه بنبرة عادية وهي تجلس إلى جواره:
-واحد مضروب بالنار
حدق بها بإهتمام وسألها دون تأخير:
-من مين ؟

قطمت بقية رغيف الخبز وهي ترد عليه بجمود:
-معرفش
سألها بجدية ب:
-طب ايه السبب ؟
ردت عليه بفتور أكبر وهي تبتلع طعامها:
-معرفش
أردف حمدي قائلاً بسخط وهو يرمقها بنظراته المحتدة:
-أومال أنا باعتك ليه ؟!

مسحت فمها بطرف كمها، وردت عليه بحدة:
-يباي، ده اللي قدرت أوصله
نفخ من الضيق، وأطلق سبة خافتة .. ثم سألها مجدداً بسخرية:
-ويا ترى عرفتي اسمه ايه ؟ ولا كان صعب عليكي يا فالحة ؟!
ردت عليه بثقة قائلة وهي تجمع بقايا الطعام من جوارها:
-اه عرفت ياخويا.

صاح بها بنفاذ صبر:
-ماتقولي
تجشأت وهي تجيبه ببرود:
-واحد كده اسمه ابصر ايه .. آآ.. اه .. أوس الجندي!
اتسعت حدقتيه في صدمة كبيرة، وبرزت أسنانه السوداء قائلاً بذهول
-بتقولي ميييييييين...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة