قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثامن عشر

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثامن عشر

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في مشفى الجندي الخاص
لم يترك أوس المجال لأبيه مهاب لكي يضيف كلمة أخرى تحمل الإهانة إلى زوجته، فأولاه ظهره، وقبض على كف تقى بأصابعه أكثر ليضمن عدم إفلاتها منه، وتحرك نحو باب الغرفة بخطوات قوية ساحباً إياها خلفه ليترك والده بمفرده في حالة عصبية شديدة يسب ويلعن بسخط جلي ...
ورغم الوخزات التي تحدث آلماً في صدره، إلا آلم إهانة زوجته أكبر من أي شيء ..

تحامل على نفسه حتى وصل بها إلى المصعد .. فإلتقى به الطبيب مؤنس وسأله متوجساً:
-رايح فين يا أوس باشا ؟
رمقه بنظرات محتقنة، ولم يجبه، فعاود سؤاله بصيغة أخرى:
-ماينفعش تمشي وانت في الحالة دي، كده ممكن آآآ...
قاطعه بصوت غاضب وهو يجز على أسنانه بقوة:
-ششش .. مش هاستنى لحظة واحدة هنا، حتى لو كان فيها موتي!

انقبض قلب تقى، وزادت رجفته عقب تلك العبارة الأخيرة ..
ونظرت له بخوف واضح في عينيها الدامعتين.. ثم أطرقت رأسها للأسفل في خزي، وابتلعت في حلقها مرارة القهر و الخزي .. فهي دوما تجد من يشعرها بدونيتها وحقارتها ..
وصل المصعد إلى الطابق، وفتحت أبوابه على مصرعيها، فدلف أوس داخله وهو ممسك بتقى التي كانت مستسلمة في حركاتها ..

نظر نحوها فوجدها على حالتها الحزينة تلك، فأدرك مدى تأثير كلمات والده الموجعة عليها، فنفخ بتنهيدة حارقة، وإستدار قليلاً بجسده ليقف قبالتها، ثم رفع كفه نحو ذقنها ليرفع رأسها نحوه، وهمس لها قائلاً بحذر:
-انسي اي كلام اتقال جوا، محدش هايقدر يلمسك طول ما أنا موجود
وكأن كلماته كانت القشة التي منحتها الفرصة للبكاء أمامه بقهر أكثر، وظلت تشهق بأنين موجع ..

شعر بآلمها، وبروحها التي تحترق من الذل والمهانة، فلف ذراعه الأخر حولها، وقربها أكثر إلى أحضانه، وألصق صدرها في كتفه لتبكي عليه، ومسح على ظهرها بنعومة .. وهو يحاول السيطرة على أعصابه المشتعلة أمامها ..
قبل كفها قبلة مطولة، وكز على أسنانه قائلاً بحرص في محاولة يائسة منه للتهوين عليها:
-ماتعيطيش يا تقى، متخليش حد يهزك، انتي مراتي، وكرامتك دلوقتي من كرامتي، وأي حد هايتعرضلك كأنه جه عليا!
صمت لثانية ليحدق أمامه بنظرات مميتة، وتابع بوعيد:
-وأنا مش بأسامح في اللي يخصني!

في نفس التوقيت كان عدي يقف أمام المصعد الموجود في طابق الإستقبال لكي يصعد للإطمئنان على أوس .. فإذ به يتفاجيء بوجوده بداخله حينما فتحت أبوابه..
نظر له مدهوشاً وهو يردد بصدمة:
-أوس!
لاحظ إحتضانه لتقى ولبكائه الشديد، فتسائل متوجساً وهو يوزع أنظاره بينهما:
-حصل ايه ؟
رد عليه أوس متسائلاً بجمود، ونظراته أدعى للقلق:
-عدي، معاك العربية ؟

أومأ رفيقه برأسه قائلاً بإيجاز:
-ايوه
تابع قائلاً بصوت صارم وهو يخرج من المصعد وزوجته مستندة إلى صدره:
-هاتها قدام البوابة، ووصلنا على بيتي!
تسائل عدي بصوت منزعج رامقاً الاثنين بنظرات غامضة:
-انت .. انت هتسيب المستشفى في حالتك دي ؟
حدجه أوس بنظرات قوية، وهتف بنفاذ صبر:
-عدي، أنا مش هارغي كتير، هات العربية!

ضغط رفيقه على شفتيه، وتشدق قائلاً:
-اوكي .. اللي انت عاوزه!
ثم أسرع في خطواته ليحضر سيارته الخاصة ..
كذلك صُدم معظم المتواجدين في الإستقبال بوجود أوس سائراً على قدميه، ومحتضناً لزوجته، وكأنه يحميها منهم .. فصدرت همهمات جانبية عنهما، ولكن لم يجرؤ أحد على الوقوف في طريقه أو حتى سؤاله ..

بعد أقل من دقيقتين، كان أوس يجلس في المقعد الأمامي في سيارة عدي، وفي الخلف تقى وهي عابسة الوجه ..
تحرك رفيقه بها نحو وجهته دون أن يضيف أي أسئلة تزيد من توتر الأجواء ..
ضغط أوس على أصابعه بقوة محاولاً التنفيس عن غضبه ..
وتسائل بصوت متحشرج:
-معاك سيجارة ؟
نظر له عدي مصدوماً، وسأله بإستغراب شديد:
-انت هتدخن الوقتي ؟

زفر بصوت مسموع وهو يجيبه بنبرة محتدة:
-أنا مش طايق نفسي
مط عدي فمه ليضيف بنبرة منزعجة:
-ما انت لو تفهمني حصل ايه وآآ..
أشار له أوس بعينيه بنظرات ذات مغزى نحو تقى، ففهم الأخير على الفور أن الأمر يخصها .. لذا اقتضب حديثه، واكتفى بالتعليق بحذر:
-مافيش داعي وانت لسه في حالتك دي
نفخ أوس من الضيق، وأدار رأسه للجانب لينظر للطريق عبر زجاج نافذته ..

في منزل عبد الحق بالزقاق الشعبي
مدت إحسان يدها بكوب الشاي الساخن إلى القابلة أم نجاح، وأردفت قائلة بمعاتبة زائفة:
-بقى كده ماتجيش يا ولية، وتسيبني ملطوعة أستناكي!
تناولته منها، وأسبلت عينيها لتقول مبررة:
-وحياتك يا ست إحسان مافضيت خالص، العيال قاطمين وسطي وآآ...

قاطعتها بنبرة جادة وهي محدقة بها:
-سيبك من الكلام اللي لا هيودي ولا هايجيب، أنا كنت عاوزة أسألك في حاجة كده!
قطبت أم نجاح جبينها، وتسائلت بهدوء:
-خير يا ستي ؟
ردت عليها بنبرة لئيمة وقد تحولت نظراتها للقتامة:
-البت بطة
ازدردت أم نجاح ريقها، وتبدلت ملامح وجهها للقلق والإنزعاج، وتسائلت متوجسة:
-م... مالها ؟

أخفضت نبرة صوتها لتتابع بخبث:
-مخابيش عليكي، ابني قالي على كلام كده مفهمتوش، فقولت اسألك انتي
فغرت فمها مصدومة وهي تردد بقلق:
-هاه .. آآ..
سألتها إحسان بصوت قاتم دون أنترمش بعينيها:
-ايه حكايتها معاكي بالظبط ؟

تلعثمت أم نجاح وبدت مضطربة وهي تحاول إختلاق أي كذبة مقنعة ..
-آآآ..هو .. مش سقطت وآآ..
قاطعتها إحسان بصوت غليظ:
-بصي من الأخر كده، أنا ابني مابيخبيش عني حاجة تخصه حتى لو كانت ايه!
ثم زادت من صلابة نبرتها وهي تتابع بثقة:
-وحكايتك معاها أنا كشفتها
تعرقت أم نجاح بشدة، وجف حلقها .. فقد وقعت بسهولة في فخ جارتها التي خدعتها بكلماتها الواثقة .. وهتفت محتجة:
-أنا .. أنا ماليش دعوة، وحذرتها من الأول!
أدركت إحسان أن هناك ملعوباً خفياً قد صار من وراء ظهرها، فتشنجت قسمات وجهها، وصرت على أسنانها لتصيح بغضب:
-انطقي يا ولية، عملتوا ايه سوا ؟

عند مشفى الجندي الخاص
استطاع أحمد أن يدلف بسهولة إلى داخل المشفى دون أن يمنعه أحد، فشعر بالإرتياح لقرب تحقيق غرضه ..
ولكن سريعاً ما تلاشت أحلامه حينما عرف برحيل أوس المفاجيء، فأسند كفي يده على السطح الرخامي لمكتب الإستقبال، وهتف مصدوماً وهو جاحظ العينين:
-مشى! امتى ؟

ردت عليه الممرضة بهدوء وهي تسند سماعة الهاتف على كتفها:
-من شوية
أكمل قائلاً بذهول وهو يفرك فروة رأسه بعصبية:
-كده عادي، من .. من غير ما حد يمنعه!
رمقته الممرضة بنظرات حادة لتجيبه بصوت شبه منزعج:
-والله هو حر في تصرفاته!
ضرب بقبضته على السطح الرخامي، وأولاها ظهره ليقول بضجر:
-يادي النحس، مش عارف أقابله خالص! أووف، مقدميش دلوقتي غير أفضل قدام الشركة لحد ما أوصله، ده الحل الوحيد اللي قصادي ...!

في منزل أوس الجديد
أوصل عدي أوس وتقى إلى البناية الحديثة التي يقطنان بها، وما إن تأكد من صعودها إلى المنزل حتى استقل سيارته عائداً إلى الشركة ..
بدى التعب والإنهاك ظاهراً عليه، ولكنه تحامل أكثر حتى لا يسبب القلق لتقى التي كانت في حالة يرثى لها ..
مد يده داخل جيبه ليخرج ميدالية مفاتيحه، ومن ثم دس مفتاح المنزل في موضعه لينفتح الباب ..
تنحى جانباً، وأشار بيده لتقى وهو يقول بهدوء:
-تعالي ..

ترددت في الدخول .. وإنكمشت على نفسها أكثر ..
شعور بالرهبة يسيطر عليها من الآن ..
لاحظ إرتباكها، فتابع قائلاً بتنهيدة:
-احنا هنا بُعاد عن أي قلق .. اطمني
مد كفه نحوها، فنظرت له بتوتر، ثم سلطت أنظارها مدخل المنزل المظلم ..

لم يمهلها الفرصة للتفكير، فإلتقط كفها بأصابعه، وسحبها ببطء للداخل ..
جابت تقى بعينيها المكان، وحبست أنفاسها بترقب ..
تأملها أوس بحذر، وبحث بأصابعه عن مفتاح الإنارة ليضيء بهو المنزل ..
أُضيئت الصالة، فرمشت هي بعينيها لتعتاد على الإضاءة القوية ..
وابتلعت ريقها بإرتباك بعد أن سمعت صوت غلق الباب من خلفها ...
ألقى أوس بالمفاتيح على الطاولة القريبة، وتحرك للأمام نحو أقرب أريكة ..
ظلت هي متسمرة في مكانها محاولة إستجماع شجاعتها للتحرك خلفه ..

لم يحاول الضغط عليها، أو جبرها على اللحاق به ..
اكتفى فقط بإختلاس النظرات نحوها ليخمن شعورها نحو بقائهما بمفردهما في المنزل ..
جاهدت تقى لصرف تفكيرها عن أي أفكار مزعجة .. وتنفست بعمق وهي تجوب بعينيها أرجاء الصالة الخارجية ..
ظلت تطمئن نفسها بأن كل شيء على ما يرام ...
احنى أوس رأسه للأمام، وأغمض عينيه للحظات .. فقد أنهكته الحركة الزائدة ..
زادت حدة الوخزات في صدره، فأسند قبضته المتكورة عليه، وضغط على شفتيه مقاوماً الآلم به ..

وقعت عينيها عليه، فخفق قلبها بقوة وهي تراه على حالته تلك، واقتربت منه بحذر لتسأله بصوت مرتبك:
-انت .. انت كويس
لم يرفع رأسه، ولم يعلق وظل على وضعيته الصامتة تلك .. فزاد قلقها أكثر عليه ..
اقتربت منه بخطوات بطيئة، ومع هذا كانت دقات قلبها في تسارع حتى كادت أن تخترق أذنيها ..
تقلصت المسافة بينهما بدرجة كبيرة حتى أصبحت على بعد إنش منه ..
مدت يدها المرتجفة نحوه، وأسندتها على كتفه لتضغط عليه برفق .. وسألته بخفوت وهي تبتلع ريقها:
-انت .. انت تعبان ؟

هز رأسه قليلاً وهو يجيبها بهمس:
-شوية
ربتت على كتفه بحنو، وتابعت قائلة بقلق بادي في نبرتها ونظراتها:
-طب .. طب ادخل ارتاح جوا
تنهد بعمق، وأجابها بصوت منخفض وشبه متقطع وهو مغمض العينين:
-أنا .. أنا مش عاوز أسيبك لوحدك
هتفت قائلة بإصرار وهي تتطلع إليه بريبة:
-أنا كويسة، خش ارتاح انت.

هز رأسه مجدداً، ثم أنزل قبضته ليستند على مسند الأريكة، وحاول النهوض بمفرده، لكنه أخذ وقتاً مطولاً ليفعل هذا، فإرتفعت نسبة القلق لديها ..
لذا سألته عفوياً وهي تمد يدها نحوه:
-تحب أساعدك ؟
رفع رأسه ببطء لينظر نحوها بحنو .. ورسم ابتسامة هادئة على ثغره وهو يجيبها هامساً:
-أنا كويس، متقلقيش
أخفض رأسه للأسفل، وكز على أسنانه بعد أن تشنجت تعابير وجهه وهو ينهض عن الأريكة ..
أصرت تقى على مساعدته، وهتفت بجدية استغربها:
-طب هات ايدك، أنا هاسندك!

ضاقت عينيه بإندهاش، ونظر إلى أصابعها الممدودة نحوه بدقة .. وزادت إبتسامته الهادئة إشراقاً، وقبل بعرضها، وأمسك بكفها ..
وضعت تقى كفها الأخر أسفل مرفقه لتتمكن من إيقافه، ولكنها لم تتوقع قدر القوة التي تحتاجها لفعل هذا وهي في حالتها الواهنة تلك، فسقطت عفوياً بجسدها عليه، فإرتطمت بذراعه وصدره .. فتأوه متألماً من تلك الحركة المباغتة، ومع هذا أسندها بذراعه الأخر .. وتلمس جبينها شفتيه، فرفعت رأسها لتنظر نحوه، فرأته عينيه عن قرب شديد تغازلان عينيها بشغف صادق ...

توردت وجنتيها حرجاً منه، وهمست معتذرة بتلعثم وهي تعتدل في وقفتها:
-أسفة .. أنا ..آآ.. مقصدش
مازحها أوس قائلاً بمرح وهو يطالعها بنظراته الشغوفة:
-من أولها كده .. حملك عليا، أنا مش هاقدر على الحركات دي!
أجفلت عينيها لتتجنب نظراته المحدقة به .. وأمسكت بكفه، وهمست بجدية زائفة:
-يالا ..!
ابتسم لها متنهداً بشوق:
-ماشي.

وبالفعل نهض من على الأريكة، وظلت هي ممسكة بكفه، ومسندة إياه وهما يتحركان سوياً نحو غرفة النوم ..
تعمد أوس السير ببطء لينعم بأكثر وقت بقربها وهي لا تهابه أو تخشاه ..
شعور طاغي بالسعادة يتخلل كيانه وهو يرى لهفتها الواضحة في تصرفاتها معه ..
تنهد بإرتياح لقراره الصائب بالبعد عن أي مصدر للتوتر في هذا الوقت الحرج ليبدأ معها مرحلة أخرى جديدة تعيد ترميم العلاقة بينهما ...

في منزل أوس الجديد
تحرك أوس بخطوات بطيئة وحذرة في إتجاه غرفة النوم، وكانت تقى تسنده من ذراعه الأيمن، أو هكذا ظنت ..
تنهد بعمق، وأردف قائلاً بصوت شبه متحشرج:
-شوية وهاكلم عفاف وأرتب معاها تيجي هنا، وهابعت لماريا عشان تقعد معاكي وأنا مش موجود
هزت رأسها لتردد بخفوت:
-أها ..

فتح أوس باب غرفة النوم .. فترددت تقى في الدخول، وشعر بإرتجافة أصابعها على مرفقه، فنظر لها بطرف عينه، فلمح نظرات الخوف في عينيها، وفهم سريعاً سبب رهبتها تلك .. فعض على شفته السفلى بضيق، وأخذ نفساً عميقاً، وحبسه في صدره ليسيطر على هدوئه أمامها .. ثم سحب جسده بهدوء، وهتف قائلاً بصوت خافت:
-أنا هادخل لوحدي!
ولم ينتظر منها أي رد حيث تحرك فوراً للأمام، ودلف إلى داخل الغرفة بمفرده ..
أطرقت رأسها خجلاً منه .. هو فهم مرادها دون الحاجة للتبرير ..
وضمت أصابع يديها معاً لتفركهما في حيرة ..

ثم ضغطت على شفتيها وغمغمت مع نفسها بتوبيخ:
-خشي يا تقى، مافيش حاجة تخوف جوا!
جلس أوس على الفراش وهو يستند بكفيه عليه، وتأوه بصوت خافت وهو يحاول الإنتصاب بظهره ..
فتلك الوخزات لا تزال تسبب له الوجع ..
وضع يده على قميصه ليبدأ في حل أزراره .. وما إن انتهى حتى حاول إنتزاعه من عليه بحذر، لكنه لم يتمكن بسبب الآلم الشديد ..

فاحنى رأسه للأمام .. وأغمض عينيه مجدداً
شعر بلمسة رقيقة على كتفه، ففتح عينيه ببطء ليجدها واقفة أمامه، وترمقه بنظرات عادية ..
تفاجيء من حضورها بالغرفة، واعتلى وجهه نظرات مصدومة ..
أشارت بإصبعها قائلة بهدوء:
-أنا هساعدك
نظر لها غير مصدق وجودها، ورد عليها بصوت خافت:
-مش مشكلة، الوقتي هاقلعه.

تابعت قائلة بإصرار:
-انت مش هاتعرف
ابتسم لها ابتسامة باهتة، واعترض بهدوء:
-متقلقيش، هاتصرف!
عبست بوجهها، وأردفت قائلة بجدية:
-خلاص بقى
استسلم أوس لإصرارها الذي فاجئه، وراقبها في صمت .. بينما مدت تقى كفها، وأمسكت بمرفقه الأيسر، ورفعته للأعلى، وقامت بحل زرار ساعده، ثم قامت بثني ذراعه لتتمكن من إخراج كم القميص منه ..

ركزت تقى كل تفكيرها فيما تفعله، ولم تنتبه لنظراته الممعنة التي تنطق صراحة بحبه الشغوف لها، وإشتياقه الرهيب للاستمتاع بملمس بشرتها ..
ود لو أخفضت رأسها قليلاً، وأسندته على صدره، لتستمع إلى دقات قلبه التي تهتف بإسمها، فتتأكد من استعداده التام ليفتاديها بروحه لأجلها ..
بحذر شديد أزاحت قميصه عن كتفه الأيسر ليبدو أمامها صدره بجراحه المضمدة، وتلمست دون قصد صدره وكتفه .. فزادت رغبته فيها .. وشوقه إليها .. وجاهد ليصرف عن تفكيره أي أفكار قد تفسد تلك الأجواء المميزة بينهما .. وظل يتنهد بحرارة وهو يتحاشى النظر نحوها حتى لا تكشفه نظراته المتلهفة إليها ...

في منزل عبد الحق بالزقاق الشعبي
شهقت إحسان مصدومة، واتسعت حدقتيها بذهول كبير ولطمت على صدرها بقوة بعد أن سردت لها القابلة أم نجاح ما اتفقت عليه مع زوجة ابنها بطة ..
نهضت عن الأريكة، ورمقتها بنظرات مميتة وهي توبخها بعنف:
-بقى انتي يا أم نجاح تسلمي دقنك لحتة بت زي دي
نهضت أم نجاح هي الأخرى من مكانها، وهتفت مدافعة:
-يا ست أم عبده، أنا ماليش دعوة هي قالتلي إن ..آآ...

قاطعتها بنبرة حادة وهي تلوح بذراعها:
-متكمليش، اشحال مكوناش اكلين عيش وملح مع بعض
بررت لها أم نجاح بإصرار:
-هي كان غرضها آآ...
قاطعتها بصوت غاضب وهي توليها ظهرها:
-بس مش عاوزة اسمع حاجة، كفاية اللي عرفته.

وقفت خلفها، وإستأنفت حديثها بقلق، خاصة بعد أن أدركت المشكلة التي تسببت في إحداثها:
-اهدي بس يا ست أم عبده، ماتخديش الأمور كده، هي عيلة وغلطت، وإنتي برضك حماتها، وهتعرفي تربيها
ضاقت عيني إحسان بنظرات شيطانية مخيفة، وغمغمت بنبرة عدائية:
-ده أنا هوريها على اللي عملته فيا!

ثم أمسكت بخصلة من خصلات شعرها، وتابعت بتوعد وهي تهزها:
-وحياة مقاصيصي دول لأندمها
ابتلعت أم نجاح ريقها بتوتر، وحركت ثغرها للجانبين بحركة منزعجة، وهمست لنفسها:
-ربنا يستر من اللي جاي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة