قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثالث والعشرون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثالث والعشرون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في مشفى الأمراض النفسية
أمسك أوس بكف تقى وهو يسير معها إلى داخل المشفى ..
رهبة غريبة سيطرت عليها وهي تخطو نحو أحد الأروقة ..
كان المكان منظماً، ونظيفاً، وألوان جدرانه مريحة للعين بدرجة كبيرة .. ولكن توترها من ذلك اللقاء حال دون تذكرها لتفاصيله بدقة ..
اعترض طريقهما ذلك الطبيب يتولى رعاية أوس في المنزل ..
حدقت فيه بتمعن، وظلت صامتة وهي تتابع حديثه الجاد مع أوس ..

أردف مؤنس قائلاً بإبتسامة باهتة:
-في ميعاد مظبوط يا باشا
رد عليه أوس بإيجاز جاد:
-انت عارفني
إلتفت مؤنس برأسه نحو تقى، وسألها متحمساً:
-أخبارك ايه يا مدام ؟
أجابته بخجل وهي مطرقة الرأس:
-كويسة
أردف قائلاً بنبرة رسمية وهو يشير بيده:
-يا رب دايماً، الدكتور عزت سليمان منتظرنا جوا، اتفضلوا.

ضغط بأصابعه على كف تقى، وصاح بجدية:
-اوكي .. تعالي يا تقى
تسائلت تقى مع نفسها عن هوية ذلك الطبيب الذي سيقابله كليهما الآن، فما تعرفه مسبقاً أنها على موعد مع شقيقته .. وليس مع طبيب ما ..
لم ترهق عقلها بالتفكير في تلك المسألة، وإنساقت وراء أوس في خطواته ...

طرق مؤنس على أحد الأبواب قبل أن يفتحه ويشير بيده وهو يقول بجدية:
-اتفضلوا .. دكتور عزت، ده أوس باشا الجندي، وحرمه مدام تقى!
نهض الطبيب من على مقعده، ودار حول مكتبه ليصافح أوس، وهتف قائلاً وهو يرسم على وجهه إبتسامة مجاملة:
-أهلاً وسهلاً بيكم
بادله أوس المصافحة وهو يردد بإقتضاب:
-أهلا يا دكتور
تسائل الطبيب عزت وهو ينظر في إتجاه تقى:
-ازيك يا مدام تقى ؟

أجابته بإختصار وهي تنظر له بحذر:
-بخير
أدار عزت رأسه في إتجاه أوس، وأردف قائلاً بجدية:
-تسمحلي يا أوس باشا أقعد مع المدام شوية ؟
اتسعت حدقتيها بإندهاش، ونظرت إلى أوس بنظرات زائغة، فطمئنها بإبتسامة واثقة قبل أن ينطق بهدوء:
-اطمني، الدكتور عزت من أشطر الدكاترة النفسيين
عقدت ما بين حاجبيها بغرابة .. ونظرت بغموض له، ورددت في نفسها كلمة ( طبيب نفسي )، وحاولت تخمين سبب تلك المقابلة ..
تسارعت دقات قلبها نوعاً ما .. ودبت في أوصالها رجفة خفيفة ..

تشدق الطبيب عزت قائلاً بحماس:
-مدام تقى، أنا مش عاوزك تقلقي من حاجة، أنا موجود هنا عشان أساعدك!
سألته بتلعثم وهي تحاول السيطرة على خوفها:
-ت.. تساعدني ؟
هز رأسه وهو يجيبها بهدوء تام:
-ايوه، أي واحد فينا بيتعرض لضغوط ومشاكل بتخلي أعصابه مشدودة وبتأثر عليه وعلى تصرفاته.

إستدار أوس بجسده ليقف قبالة زوجته، ثم احتضن كفها براحتيه ليبث إليها الثقة، وابتسم لها قائلاً:
-شوفي يا تقى، دكتور عزت هيتابع معاكي من أول النهاردة حالتك النفسية، وهيساعدك بجد!
سألته بإرتباك وهي تطالعه بنظرات شبه خائفة:
-طب و.. وليان أختك وآآ...
قاطعها بثبات وهو يمسح طرف ذقنها بإصبعيه:
-هانقابلها بعد ما تخلصي معاه، أوكي ؟

أومأت برأسها قائلة بإستسلام:
-ماشي
تركها أوس بمفردها مع الطبيب وانصرف بصحبة مؤنس لتبدأ هي معه رحلة علاجها الجدية حتى تتخطى تلك الأزمات التي عصفت بحياتها فتعود كما كانت من جديد...

أشار لها عزت لتجلس على تلك الأريكة، وتمدد جسدها عليه، ولكنها رفضت، وأثرت الجلوس على المقعد المعدني ..
لم يعارضها، وترك لها حرية الإختيار ..
فركت تقى أصابعها بتوتر .. وتدلى كتفيها بقلق بالغ ..
طأطأت رأسها للأسفل لتنظر إلى حجرها .. وأغمضت عينيها هلعاً ..
نعم هي على وشك خوض تلك التجربة المؤلمة من جديد، والعيش فيها لحظة بلحظة ..
تجربة جاهدت لتناسيها، والمضي قدماً دون العودة إليها ..

كانت تخشى إستعادة ذكريات أبشع لحظات حياتها، وأسوأ لياليها ..
بدت أنفاسها غير منتظمة .. ورعشة خفيفة تمكنت من ساقيها ..
تأملها الطبيب عزت بدقة مدركاً بوضوح مدى الصراع النفسي بداخلها ...
هي تكافح للصمود، ولكنها مدمرة داخلياً .. ودوره الآن أن يعيد بناء جسور الثقة مع نفسها، ومع من تسبب في أذيتها ..
أردف عزت قائلاً بهمس:
-مدام تقى، عاوزك تتنفسي بهدوء .. مافيش داعي للخوف ده كله، انتي هنا في أمان
احتضنت نفسها بذراعيها، وإنكمشت على نفسها أكثر ..
أخذ عزت نفساً مطولاً، وزفره على مهل وهو يتابع بنبرة رزينة وثابتة:
-الخوف موجود بس في عقلك، وأنا هساعدك تتغلبي عليه!

في الخارج
تشجع مؤنس قائلاً بجدية وهو يسير بجوار أوس في الرواق:
-بأحيك يا باشا على الخطوة دي، فعلاً هاتفرق كتير مع المدام
رد عليه بتنهيدة مطولة:
-هي محتاجة ده اوي
أكمل مؤنس قائلاً بثقة:
-دكتور عزت من كبار أخصائي الأمراض النفسية، وهيتعامل مع المدام بمهارة
حدق أوس أمامه وهو يردد بجدية:
-يهمني إنه يجيب نتيجة معاها!
رد عليه مؤنس بحماس:
-هايحصل إن شاء الله
إلتفت أوس برأسه نصف إلتفاتة، وتسائل بصوت قاتم:
-قولي هو دكتور فهمي في مكتبه ؟

هز رأسه وهو يجيبه بإختصار:
-ايوه!
أشار له أوس بكفه ليكف عن السير معه وهو يتابع بحسم:
-طيب أنا هاروح أشوفه لوحدي
ابتسم له مؤنس إبتسامة باهتة وهو يقول:
-اوكي يا باشا، وأنا موجود هنا لشوية كمان، فلو عوزت حاجة اطلبني هتلاقيني فوراً!
-تمام
-عن اذن سيادتك
تحرك أوس في إتجاه الدرج ليصعد للطابق الأعلى حيث توجد غرفة الطبيب النفسي الشهير ( فهمي محفوظ )، ودلف إلى الغرفة ليقابله حيث الميعاد المتفق بينهما مسبقاً ...

في مشفى الأمراض النفسية
نهض الطبيب فهمي من على مقعده فور رؤيته لأوس الجندي، واستقبله بإبتسامة مرحبة وهو يمد يده ليصافحه، وهتف قائلاً بسعادة:
-حمدلله على سلامتك يا أوس باشا
صافحه بقوة وهو يجيبه بجدية:
-الله يسلمك
سألها فهمي وهو يشير له بالجلوس:
-ازي صحتك دلوقتي ؟
رد عليه أوس بإقتضاب وهو يجلس على المقعد المواجه له:
-أحسن!

زم فهمي فمه ليضيف بعتاب زائف:
-أنا بأعاتب على حضرتك عدم انتظامك في جلسات علاجنا السرية، خصوصاً الفترة الأخيرة!
إلتوى فم أوس بإبتسامة متهكمة:
-هو كان بإيدي! ما إنت عارف اللي حصلي!
تنحنح بحرج وهو يكمل بحذر:
-أيوه، وأتمنى إننا نواظب خلال الفترة الجاية
ضغط على شفتيه قائلاً بتنهيدة:
-هحاول.

تشدق فهمي قائلاً وهو يعتدل في جلسته:
-أنا فاهم إن سيادتك يا باشا عندك مشغوليات، وإلتزامات، بس ده مهم جداً، إحنا بدأنا في مشوار، وعاوزين نكمله للأخر!
زفر أوس قائلاً بنفاذ صبر وهو يشيح بذراعه:
-أنا بأعمل كل اللي طلبته مني، بس لسه في حاجز بينا!
نفخ مجدداً وهو يتابع بنبرة شبه محتدة:
-حاسس إني هافشل ومش هاقدر أكمل.

انحنى فهمي بجسده للأمام قليلاً، ورد عليه بهدوء محاولاً إمتصاص غضبه:
-أوس باشا، كون إن حضرتك جيت هنا عشان تتعالج، ده في حد ذاته أكبر خطوة للنجاح .. اعتراف الشخص بمرضه هو الخطوة الأولى في مراحل العلاج الصح، وزي ما فهمت حضرتك طبيعة المرض اللي عندك ايه، وطرق علاجه إزاي، وأنا معاك لحد نهاية المشوار
تنهد أوس بعمق وهو يعيد رأسه للخلف متذكراً ذلك اليوم الذي قرر فيه أن يواجه أكبر مخاوفه، ويغير من نفسه كلياً عن طريق اللجوء للعلاج النفسي بعد حادثة تقى الشهيرة ...
نعم لقد نجح في إخفاء الأمر بالتعاون مع طبيبه النفسي المعالج له حتى يمتثل للشفاء ...

ولج أوس الجندي إلى غرفة مكتب أحد الأطباء النفسيين المعروفين بكفاءتهم وحرفيتهم في مجال عملهم ..
نظر له فهمي بإستغراب، وهتف محتجاً على طريقة إقتحامه لمكتبه:
-انت ازاي تدخل عليا كده ؟
سأله أوس بصوت صارم وهو يحدجه بنظرات قاسية:
-انت فهمي محفوظ ؟
أجابه فهمي بغيظ وهو يبادله النظرات الحادة:
-ايوه، وانت بقى مين ؟

لوى أوس فمه متابعاً بفظاظة:
-مش مهم أنا مين!
أمسك بياقة الطبيب، وربت على كتفه قليلاً، فشعر الأخير بنوع من الإستفزاز له، وكان على وشك الحديث لكن منعه صوت أوس الحازم ب:
-أنا عاوزك في موضوع مهم
أزاح فهمي يد أوس بعيداً عنه، ورمقه بنظرات محتقنة وهو يهتف بضيق:
-أنا ماقبلش بالأسلوب ده في الحوار معايا!
أشار بإصبعه وهو يكمل بوعيد:
-وحسابي هايكون مع اللي سمحلك تدخل هنا!

تقوس فم أوس بإبتسامة متهكمة وهو يرد عليه:
-العيادة مافيهاش حد برا غير أنا وأنت و... وبس!
جحظ فهمي بعينيه، وهتف متسائلاً بإستغراب:
-هاه! يعني ايه ؟
لكزه أوس في كتفه وهو يدور حوله، وأمره بهدوء:
-اقعد كده يا دكتور واسمعني كويس
رمقه فهمي بنظرات غاضبة، وسأله بصوت محتد:
-انت عاوز ايه ؟

أخذ أوس نفساً عميقاً، حبسه للحظات في صدره، ثم أطلقه دفعة واحدة وهو يجيبه:
-أنا عندي مشكلة، وسألت وعرفت إنك من أشطر الدكاترة
رد عليه فهمي بسخط، وقد ظهرت عروقه المتشنجة بوضوح في جيبنه وعنقه:
-ولما حضرتك سألت عني، مجتش ليه زي بقية الناس الطبيعين تحجز كشف عادي وآآآ...

قاطعه أوس بصرامة، ونظراته الجامدة مسلطة عليه:
-ماهو ده اللي عملته، أنا حاجز العيادة كلها ليا النهاردة
توتر فهمي قليلاً وهو يهتف بصدمة:
-انت ؟ هو .. هو إنت آآ.. حضرتك أوس الجندي
-ايوه!
ازدرد ريقه بهدوء، وأشار له قائلاً بحرج:
-اتفضل يا باشا، أنا أسف، مكنتش أعرف إنه حضرتك.

تحرك أوس خطوتين ليقف قبالة فهمي، وحدجه بنظرات عدائية، ثم كز على أسنانه قائلاً بتحذير:
-قبل ما أبدأ أتكلم معاك، لو كلمة واحدة اتقالت برا الأوضة دي، صدقني هاتندم على ده! ومش هاقولك ردي عليك هايكون ازاي، هاسيبك لخيالك!
ابتلع فهمي ريقه بصعوبة .. فكلمات أوس لوحدها كفيلة بدب الرعب في قلب أي شخص عاقل .. ونظراته تؤكد صدق تهديداته الصريحة .. لذا هتف بنزق:
-يا فندم من غير ما تقول، حضرتك أي حوارات بين الدكتور والحالة المتابعة معاه بتكون في سرية تامة، ومافيش مخلوق بيعرف عنها.

مط أوس فمه ليقول بإختصار:
-تمام
أشار فهمي بيده نحو المقعد الوثير وهو يضيف بتريث:
-اتفضل حضرتك ارتاح هنا، وآآ..
قاطعه أوس بصلابة وهو يسحب المقعد ليجلس عليه:
-أنا كويس كده!
انتصب أوس في جلسته، وأسند ساقه فوق الأخري، ثم أمال رأسه للجانب، وظل يتطلع لفهمي بنظرات تحمل الكثير ..

تنحنح فهمي بخفوت، وإدعى السعال، وأردف قائلاً بحذر:
-تمام يا فندم .. وقت ما تكون مستعد ابدأ
طال صمت أوس .. وظل محدقاً في الفراغ أمامه لوهلة .. ولم يحاول الطبيب مقاطعته، ترك له الفرصة ليستعيد شتات أمره ..
استجمع أوس شجاعته، وأخذ نفساً عميقاً ليسيطر على ثباته الإنفعالي أمامه، ثم بدأ حديثه قائلاً بجمود:
-أنا .. أنا عندي مشكلة.

هز فهمي رأسه متفهماً، في حين تابع أوس بصعوبة:
-أنا .. عنيف في علاقاتي، وآآ..
توقف عن إتمام جملته، وضغط على أسنانه بقوة .. وكور قبضته المستندة إلى فخذه ..
اضطربت ضربات قلبه، وجاهد ليحافظ على ثبات إنتظام أنفاسه رغم تسارعها ..
راقب فهمي ردود فعله، وهمس له بهدوء:
-كمل حضرتك، أنا سامعك!

بدأ أوس في شرح حالته بكلمات منتقاة بعناية وحِرص حتى يتمكن الطبيب من معرفة طبيعة مرضه ..
كان في البداية غامضاً، وأكثر تحفظاً، وإجتهد الطبيب في إخراج ما يكنه في صدره حتى استشف تماماً بعد عدة جلسات متعاقبة نوع المرض الذي يعاني منه، ودرجة إصابته، ولكنه لم يعلق عليه حتى يتأكد من شكوكه ..
كذلك ترك له الحرية للتحدث بعشوائية دون أن يعقب عليه أو يقاطعه .. واكتفى بتدوين ملحوظات عامة ..

بدى أوس مشتتاً وهو يسرد تفاصيل حرجة من طفولته، ومن مرحلة شبابه ..
كان يحاول ألا يتحدث بتعمق عن أدق تفاصيله، واكتفى بطرح الخطوط العريضة لها ..
ولكن مع تكرار جلسات التداعي الحر السرية بينهما وشعوره بالأمان بدأ رويدا رويداً في الإستفاضة والاسترسال في الحديث معه .. وذكر كل ما يخص معاناته النفسية، فيما عدا ما حدث مع تقى ...

فسر الطبيب فهمي حالته قائلاً بهدوء:
-المرض اللي حضرتك بتعاني منه، بيطلق عليه علمياً ( السادية )، وده درجات مختلفة، أخطرها السادية الإجرامية ..
أما طبيعة الإصابة بيه فبتكون أما بالاستعداد الوراثي، أو في اضطراب هرموني، أو وجود علاقات مرضية غير سوية، وطبعاً وجود تاريخ للاستغلال الجنسي!
ابتلع أوس ريقه وهو يصغي بإنصات لما قاله الطبيب، وبدى مهتماً بكل كلمة يقولها ...

إستأنف فهمي حديثه بهدوء رزين:
-ومن كلام سيادتك، فالطفولة ال آآ.. يعني اللي مريت بيها، ووجود علاقات مرضية عند أفراد العائلة إنعكست عليك، وأوجدت نوع من القوة المفرطة والعنف في علاقاتك بالغير عشان تداري ضعفك .!
تشنجت تعابير وجه أوس نوعاً ما .. فقد كشفه الطبيب فهمي أمام نفسه ..
كور قبضتي يده، وضغط على أصابعه بقسوة ..
حاول فهمي أن يخفف وطأة الحديث، فأردف قائلاً بحذر:
-دور الطب النفسي هنا يعالج المشكلة دي بجدية، بس لازم المريض يتعاون مع الدكتور، وإلا كل ده هيضيع هباء.

ظل أوس صامتاً، واكتفى بالتحديق أمامه في الفراغ ...
دقق فهمي النظر إليه، وسأله بصوت جاد:
-تسمحلي أسأل سيادتك في حاجة ؟
قطب أوس جبينه، ورد عليه متسائلاً بصوت جامد:
-ايه هي ؟
هتف الطبيب فهمي دون تردد:
-انت متجوز ؟!

إتسعت حدقتي أوس قليلاً، ورمقه بنظرات حادة للغاية .. فحاول فهمي أن يوضح سؤاله قائلاً بحذر:
-أقصد يعني لو حضرتك متجوز، فإيه هي طبيعة العلاقة الحميمية مع مراتك ؟
ازدرد أوس ريقه بتوتر شديد، وزاد تشنجات وجهه للغاية .. حتى أن عينيه إحتقنتا للغاية .. لقد تجسد نصب عينيه واقعة مضاجعة تقى رغماً عنها وهي مقيدة بالفراش .. ورغم توسلاتها وبكائها الصارخ إلا أنه نهش بلا رحمة عذريتها ليسقط مع فعلته قناع قوته الزائف .. ويتعرى أمام نفسه مع إنهيارها فينكشف ضعفه الحقيقي ...
أدرك فهمي من صمته الذي طال أن هناك مشكلة ما قد حدثت مع زوجته .. ففكر في طريقة علمية تدفعه بلا ضغط للبوح بما صار معها، فربما تكون هي إحدى ضحايا عنفه، وعانت من ساديته مثلما يعاني الآن من ماضيه .. فإجتهد في حثه على الحديث، واستغرق وقتاً في إكتساب ثقته ليقر بما فعله في حقها ...

أفاق أوس من ذكرياته على صوت فهمي المألوف وهو يردد بجدية:
-أنا عامل لحضرتك برنامج مكثف هايفيد إن شاء الله في الفترة الجاية، أهم حاجة بس الانتظام، وزي ما عملنا الخطوات السابقة هانقدر نكمل اللي جاي
رد عليه الأخير بإيجاز:
-اوكي ..

في الحارة الشعبية
نزلت فردوس من منزلها بعد أن عاد زوجها عوض، وتحججت بنقص بعض المواد التموينية وذهابها لإحضارها من الجمعية التعاونية القريبة ..
لم يهتم بما تفعله، ودلف إلى غرفته ليرتاح ..
في حين إتجهت هي نحو البناية التي تقطن بها القابلة أم نجاح، ولحسن حظها قابلتها وهي تتمازح أمام المدخل مع إحدى الجارات ..
هتفت فردوس بصوت مرتفع وهي عابسة الوجه:
-أم نجاح، إنتي يا ولية.

استدارت أم نجاح برأسها نحو مصدر الصوت، فرأت فردوس مقبلة عليها، فلوت فمها قليلاً وهي تجيبها:
-خير يا أم تقى ؟
وقفت إلى جوارها وهتفت بجمود مريب:
-عاوزاكي شوية
لوحت لها بيدها وهي تقول بفتور:
-طب تعالي، محدش غريب
إحتقن وجه فردوس قليلاً، وصرت على أسنانها لتقول بصوت شبه محتد:
-بأقولك يا ولية عاوزاكي في موضوع مهم، تقوليلي تعالي مافيش حد غريب.

لوت ثغرها، وردت بإيجاز:
-طيب .. جاية معاكي!
سارت الاثنتين معاً في أزقة الحارة حتى أصبحت كلتيهما بعيداً عن أعين الناس، فسألتها أم نجاح بإستفهام وهي تنظر لها من طرف عينها:
-خير ؟ عاوزاني في ايه ؟
ردت عليها فردوس بضيق بعد أن توقفت عن الحركة:
-بصي، من غير لف ولا دوران، واحدة من حبايبي بنتها واقعة في نصيبة
رسمت فردوس في عقلها خطة محكمة من أجل استدراج ما تريد معرفته من تلك القابلة دون أن تلفت الأنظار إليها ..

لطمت أم نجاح على صدرها، وتسائلت بتلهف وهي ترفع حاجبها للأعلى:
-خير في ايه ؟
عبست فردوس بوجهها، وأجابتها بصوت قاتم:
-لأ مش خير خالص، واد ابن حرام لاف على البت، وآآ..
اتسعت عيني أم نجاح بصدمة وهي تستمع إلى الجزء الأول من جملتها، وإنتبهت حواسها لفردوس وهي تكمل بسخط:
-وغواها، والبت حبلت منه!

حركت أم نجاح شفتيها للجانبين، وغمغمت بحسرة:
-يادي النصيبة!
تنهدت فردوس بضجر وهي تكمل:
-وبعدها خلع ولا عاوز يتنيل يكتب عليها ولا حتى يتجوزها عرفي!
شهقت أم نجاح بصوت مرتفع وهي تتسائل ب:
-يا نصيبتي! وأمها كانت فين ؟
لوت فردوس فمها لتجيبها بتهكم:
-نايمة على ودانها.

بصقت أم نجاح إلى جوارها وهي تتمتم بسخط:
-نسوان أخر زمن!
تابعت فردوس حديثها بهمس:
-الولية أمها عاوزة تستر على البت، وتخليها تسقط، وجات تستنجد بيا، وأنا مش عارفة أعملها ايه!
رفعت أم نجاح كفيها للأعلى، وأردفت قائلة بإعتراض جلي وهي تهز رأسها مستنكرة:
-ياختي أنا ماليش في الحاجات دي!

أمسكت فردوس بكفها، وضغطت على أسنانها وهي تقول بحذر:
-ما أنا عارفة!
ضيقت عينيها أكثر لتتسائل بمكر:
-بس ماتعرفيش حد كده يكون ليه في الليلة يخلصهالنا من بعيد لبعيد ؟
وتنهدت بأسف زائف وهي تكمل:
-بردك دي أعراض وشرف
فركت أم نجاح ذقنها، وأشاحت بوجهها للجانب وهي تفكر ملياً فيما قالته ..

زمت فردوس شفتيها لتضيف بخبث وهي تدعي حسرتها على ما حدث لتلك الفتاة:
-استري على البت يا أم نجاح
نفخت أم نجاح بضيق وهي ترد عليها ب:
-يا أم تقى انتي عارفة أنا أخري أولد، لكن تسقيط وترقيع، والأفلام دي ماليش فيها وآآآ...
قاطعتها فردوس بإستعطاف وهي ترمقها بنظرات شبه متوسلة:
-يعني انتي يرضيكي أكسر بخاطر الولية، دي متعشمة جامد فيا!

صمتت أم نجاح مجدداً .. وأخذت تفكر في حل لتلك المعضلة العويصة بجدية ..
فإلتوى ثغر فردوس قليلاً لإستجابة الأخيرة لها .. ونجحت في جعل وجهها خالياً من أي تعابير تكشف خدعتها ..
بعد عدة دقائق، تشدق أم نجاح قائلة بإمتعاض:
-بصي .. هو اللي أنا أعرفه إن في مستوصف كده في حتة مدارية قريبة من هنا، الضاكتور اللي فيه بيخلص حاجات زي كده
سألتها فردوس بإهتمام وهي مضيقة لعينيها بشدة:
-وده مكانه فين ده ؟
أجابتها الأخيرة بهدوء وهي تشير بيدها:
-هو عند آآ (( ... ))

في مسكن عبد الحق المتواضع
إستلقى عبد الحق على الفراش بعد أن دعك يديه جيداً من الكريم الموضوع العبوة التي أعطتها له والدته، وتمدد عليه مرتدياً فقط سرواله الداخلي ..
تحمس بشدة وهو يصيح:
-يالا يا بطة، كل ده بتعملي ايه
ردت عليه بصوت مرتفع من الخارج
-مش بأشطف المواعين
هدر عبد الحق بسباب لاذع وهو يوبخها قائلاً:
-سيبكم من أمهم دلوقتي، وتعالي بدل ما أجيلك
ولجت بطة إلى داخل الغرفة وهي ترتدي قميصاً قصيراً من اللون القرمزي الفاتح يبرز مفاتنها الأنثوية بدرجة مثيرة للغاية ..

وضعت يدها المبتلة في منتصف خصرها، وتغنجت بجسدها وهي تجيبه بدلال:
-ماتصبر يا عبده شوية، هي الدنيا هتطير!
عض عبد الحق على شفته السفلى، ونظر لها بنظرات جريئة متفحصة لمعالم جسدها بالكامل، وهتف بتنهيدة حارة:
-ده أنا اللي عقلي هايطير، تعالي بقى!
اقتربت منه بطة وتعمدت أن تتمايل بجسدها أكثر لتزيد من إثارته، وما إن أصبحت على مسافة قصيرة حتى إنتفض من مكانه ليجذبها من رسغها، فلم تستطع أن تحافظ على إتزانها بسبب حركته المباغتة، وسقطت عليه، وعاتبته بنبرة رقيقة:
-آآآآي، ما بالراحة يا عبده!

رد عليه بنظرات أكثر جراءة وهو يهمس لها:
-وحياتك كله بشويش بشويش
إلتقط أنف بطة رائحة غريبة، فتسائلت وهي عابسة الوجه:
-ايه الريحة دي ؟
رد عليها بخفوت وهو يشير بيده:
-ده .. ده ريحة الكريم
عقدت ما بين حاجبيها مندهشة، ورددت بعدم فهم:
-كريم!

أجابها مازحاً وهو يتحسس عنقها:
-ايوه، حاجة كده نظام لهاليبو يا وله
حركت فمها قائلة بإستنكار:
-مش فاهماك ياخويا
تلمس عبد الحق خصلات شعرها، ولفها على إصبعيه، وأجابها بهدوء:
-شوفي يا بطوطتي، الكريم ده فيه الخلاصة
مال على فروة رأسها ليتنشق عبير شعرها، وهمس لها بتنهيدة حارة:
-سيبلي نفسك وانتي هاتعرفي
نظرت له بإستغراب، وهمست بنعومة:
-ناوي على ايه ؟ مش مرتحالك
سال لعابه وهو يفتح غطاء العبوة ليغمس أصابعه فيها، وهمس لها عابثاً:
-ناوي على كل خير.

أمسك عبد الحق بذراع زوجته، ومرر أصابعه عليه برقة ليرتعش جسدها من لمساته على بشرتها الناعمة ..
قرب وجهه من وجهها، ومن ثم مال عليها برأسه، وإنهال عليها بقبلات عميقة، ومطولة ليؤجج مشاعرها في أنحاء متفرقة من جسدها ..
أغمضت عينيها لتستمتع بكل لحظة مع زوجها، وبادلته قبلات حارة .. ومسحت على رأسه بأصابعها، وتمسكت أكثر به، وضغطت على كتفه ..
تذكر هو حديث والدته بأن يفرك ما بين ساقيها بهذا الكريم العجيب قبل أن يشرع في علاقتهما الزوجية حتى يضمن نجاحها ..

وبالفعل فعل هذا، جثى عليها بجسده، ومد يده ليتحسسها، فشعرت بطة بلمسته المداعبة لها، ثم برطوبة شديدة بالأسفل، وأعقبها وخزات حادة ألهبتها ..
بدت منزعجة للغاية، وتلوت بجسدها بطريقة غير مريحة .. وإكتسى وجهها بحمرة شديدة ..
نعم هناك شيء غير طبيعي بالمرة .. وكأن جسدها السفلي قد تحول لكتلة من اللهب، أو جمرة مشتعلة على النيران ..
استشعر عبد الحق تلك السخونة المنبعثة منها، فإعتقد أن الكريم قد أتى بمفعوله معها، فزدات حماسته، وشرع في فرك سَوءَتِها أكثر ليزيد من إثارتها ..
ولكن جاءت النتيجة بالعكس، حيث صرخت بطة بإهتياج:
-بس، كفاية.

إستمر عبد الحق في فرك جسدها مكملاً بعدم فهم:
-ليه يا بطوطتي، ده احنا بنسخن لسه!
دفعته بطة بقبضتيها من صدره العاري بعيداً عنها وهي تصرخ بآلم:
-مش قادرة، نار فيا، آآآآه
مسح عبد الحق بلسانه على أسنانه، وهمس بإنتشاء وهو يحاوطها أكثر بذراعيه:
-ما أنا حاسس بده، آآآآه!
ثم غمغم بخفوت:
-يالهوي عليكي يامه، بركاتك، الكريم جاب نتيجة!
سألته بتوجس وأسفل جسدها يحترق من الآلم:
-انت بتبرطم بتقول ايه ؟

لاحظ عبد الحق عدم إستجابتها له، ونفورها منه، ومحاولتها الإبتعاد منه، فضغط على كتفيها بقبضتيه ليثبتها، وصاح بضجر:
-في ايه يا بت، ما تظبطي أدائك معايا
أغمضت عينيها، وتأوهت من الآلم وهي تصرخ مستغيثة:
-آآآه، انت مش حاسس بيا، آآآه!
تراجع قليلاً للخلف، فهبت من على الفراش، وصرخت بصوت متشنج:
-آآآآه .. نار، أنا والعة، في حاجة مش مظبوطة
نظر لها بغموض، وسألها متوجساً:
-استني، رايحة فين ؟

وضعت بطة يديها أسفل جسدها، وضغطت على أسنانها وهي تجيبه بصوتها المختنق:
-هاروح أبرد نفسي بالمياه
ثم ركضت خارج الغرفة، وهي تتأوه بصوت مرتفع ..
صاح بها عبد الحق مندهشاً:
-يا بت!
زفر بغضب وهو يسب قائلاً:
-يخربيتك! ضيعتي الليلة أونطة!
سمعت صوته من الداخل، فتمتمت مع نفسها بخوف:
-ده انا اللي بأضيع!

ولجت بطة إلى داخل المرحاض، واغلقت الباب خلفها، ثم إنتزعت عنها قميصها، وألقته على الأرضية، ومدت يدها لتفتح الصنبور وتملأ ذلك الدورق الصغير بالمياه لتغسل به جسدها وتطفيء النيران المشتعلة به .. ولكن زاد الأمر سوءاً، حيث أحرقتها المياه، وألهبت عضوها الأنثوي بشدة .. فصرخت متآلمة ..

هب عبد الحق مذعوراً من على الفراش، وركض ناحية المرحاض وهو يصيح بقلق:
-في ايه يا بطة ؟ بتصوتي ليه كده ؟
أمسكت بجسدها وهي تتلوى بقسوة، وصرخت ببكاء واضح بعد أن سقطت على الأرضية:
-الحقني يا عبده، هاموت، آآآآه!
ثم أطلقت صرخة مخيفة إهتزت لها جدران المرحاض القديم...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة