قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثالث والأربعون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل الثالث والأربعون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في منزل أوس الجديد
إرتجف جسد أوس بالكامل متأثراً بكلمات تقى الأخيرة والتي إعترفت فيها بحبها له، فتسللت تلك الكلمات كالمخدر عبر جلده لتسري في عروقه، فسلبت عقله قبل قلبه..
نعم لقد كان غارقاً في حبها حتى النخاع .. واليوم هي تروي ظمأته ..

أرخى قبضتيه عن ظهرها، وأخفضهما قليلا على خاصرتها، وتراجع بجسده للخلف ليحدق بها بعينيه اللامعتين ليستوعب ما قالته توا .. بدى مندهشا، متأثراً، في حالة صدمة وذهول ..
أطرقت تقى رأسها خجلاً منه، وعضت على شفتها السفلى بتوتر واضح .. وتحاشت النظر إليه .. وأبعدت بكفيها يديه عنها ببطء ..
ولكنه رفعهما للأعلى ليحتضن وجهها براحتيه .. ثم رفع رأسها في مستوى نظره لتمسك عينيه بعينيها الزرقاوتين ..
كانت نظراتهما كافية للتعبير عن صدق إحساس كلاهما ..

سألها بصوت هامس ومرتبك:
-إنتي .. إنتي قولتي إنك بتحبيني، ده .. ده بجد ؟
هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي تجيبه بخفوت شديد:
-آآ.. ايوه!
تسارعت أنفاسه من فرط الحماسة الممزوجة بالسعادة الغامرة .. وإلتوى ثغره بإبتسامة مثيرة للغاية ..
لقد إستطاعت أن تمحو بكلماتها - التي طالما انتظرها منها - تلك الأحزان المتراكمة في صدره .. بل وتنقل روحه كلياً إلى عالم أخر خاص بهما ..

أنزل أوس يديه عنها، ورمقها بنظرات شغوفة .. وبكى تلك المرة بفرحة حقيقية ..
حدقت تقى في عبراته المنهمرة بإبتسامة ناعمة، ومدت أنامل كفها لتمسحهم برقة عن وجنته، فأحست بدفئهم، في حين أسند هو كفه على يدها، وقربه من فمه ليقبله بحرارة أشد، ولف ذراعه الأخر حولها ليحتضنها، وتابع بصوت رخيم:
-إنتي الملاك اللي نور حياتي!
إستندت تقى برأسها على كتفه، ووضعت يدها على صدره، وهمست قائلة بتنهيدة:
-نصيبنا نكون مع بعض، ومهما حاولنا نبعد فبنلاقي اللي يجمعنا تاني!

ثم أنزلت يدها التي يحتضنها كفه للأسفل لتضعها على بطنها، وأكملت بهمس رقيق:
-وابننا هو اللي جمع بينا!
-آآآآه يا تقى!
قالها أوس بتنهيدة حارة وهو يرفع رأسه للأعلى بعد أن أغمض عينيه ..
ثم تنهد مجدداً بعمق، وأحنى رأسه للأمام، وأكمل بنبرة رومانسية وهو محدق بها بنظرات العاشق المتيم:
-من زمان وأنا بأحلم باللحظة دي .. وإستنيتها كتير أوي، اللحظة اللي تحسي فيها بيا، وتقولي عن اللي جواكي ناحيتي!
إرتسمت إبتسامة مهذبة على ثغرها وهي تبرر قائلة:
-كان ليها وقتها يا أوس!

إلتوى فمه بإبتسامة راضية وهو يهمس بخفوت:
-بأحب اسمي وهو طالع من بين شفايفك!
توردت وجنتيها بكثافة .. وأسبلت عينيها خجلاً .. فتنهد بإرتياح، وأضافت هي بإرتباك:
-يالا عشان ترتاح! إنت .. إنت تعبان ومحتاج ده!
اعترض قائلاً بتذمر وهو يتحسس أنامل كفيها:
-لأ .. أنا عاوز أفضل صاحي، مش عاوز أفوق من الحلم ده
رمقته بنظرات دافئة، ورددت بإبتسامة لطيفة:
-بس ده مش حلم!

إبتلع ريقه وهو يردد بحماس خافت:
-معاكي كل حاجة بالنسبالي حلم
ضغطت على أصابعه قليلاً، وأضافت بجدية هادئة:
-الأيام لسه قدامنا، ها .. يالا!
امتثل أوس بالأخير إلى طلبها، وهز رأسه موافقاً، فقد كان جسده منهكاً للغاية، ولم يعد بإستطاعته البقاء مستيقظاً .. ولكن أراحه أنه نال في نهاية المطاف على ما كان يحلم به .. (( حب تقى ))
أمسكت تقى بفردتي الحذاء بقبضتها، ثم لفت ذراعها حول خصر أوس، وسارت معه بخطوات متمهلة نحو غرفتهما ..

ولج الاثنين إلى الداخل، وعاونت هي زوجها في التمدد على الفراش، فتقلب على جانبه، ورمقها بنظرات حنونة مطولة قبل أن يغمض جفنيه، ثم نامت هي إلى جواره، ولكن تلك المرة وهي تحيطه من ظهره بذراعها ..
تفاجيء من فعلتها الجريئة، فإحتضن كفها الناعم براحتيه، وإرتسم على وجهه المتعب إبتسامة ساحرة ..
مسدت بيدها الأخرى على رأسه بحركة هادئة وثابتة، فشعر بملمس أناملها يتخلل خصلات شعره، فتنهد بحرارة، وغفا سريعاً وهو في أحضانها ...

بدى صباح اليوم التالي غير عادياً، ففيه ظفر أوس على إعتراف ثمين بحب تقى له ..
ولأول مرة منذ فترات طويلة ينعم بنومٍ هانيء وعميق ..
فتح عينيه بتثاقل وأدار رأسه في إتجاه حبيبته، وحدق فيها بنظرات عاشق متيم ..
ثم إلتفت بجسده كلياً ناحيتها، ولم يبعد عينيه عنها ..
فتحت هي الأخرى عينيها لتجده محدقاً بها، فرمشت عدة مرات، وسألته بصوت متحشرج وناعس:
-صباح الخير
رمقها بنظرات رومانسية وهو يجيبها:
-صباح النور ..

عقدت ما بين حاجبيها، وسألته بقلق:
-إنت مانمتش كويس ؟
أجابها بصوت رخيم:
-لأ .. بالعكس دي أول مرة أنام فيها حلو
إبتسمت له برقة وهي تتابع بهمس:
-طب الحمد لله!
مسح على وجنتها بكفه، وتابع بجدية:
-خليكي انتي نايمة يا حبيبتي، لسه الوقت بدري، وأنا هاقوم أشوف اللي ورايا، اليوم مليان النهاردة
قطبت جبينها مندهشة، وسألته بإهتمام:
-إنت .. نازل ؟

رد عليها بهدوء:
-أيوه، إرتاحي إنتي يا حبيبتي!
ثم نهض عن الفراش فتابعته بنظراتها إلى أن ولج للمرحاض، ثم همست برجاء:
-ربنا يصبرك ويعديها على خير!

على مدار اليوم كانت الحركة غير عادية في منزل أوس، فالجميع كان يستعد لحضور مراسم دفن مهاب الجندي، ومن بعدها تلقي واجب العزاء فيه في دار المناسبات ..
رفضت ليان الذهاب إلى المدافن، فلم تكن أعصابها تتحمل رؤية جثمانه وهو يدفن تحت التراب ..

كانت أكثرهم حزناً على فراقه رغم أنها لم تكنْ إبنته الحقيقية، وكانت حانقة عليه في الأونة الأخيرة، ورغم هذا كان يبادلها مشاعر أبوية صادقة، وأحبها كثيراً .. فلم ترَ منه إلا الوجه الطيب ..
لم تتركها تهاني بمفردها، وظلت إلى جوارها تواسيها، وتشد من أزرها ..

كذلك قام الحارس الأمني جمال بغلق كافة نوافذ القصر وأبوابه، والتأكد من تأمينه قبل أن يسلم مفاتيحه إلى رب عمله أوس ..
وطلب منه الأخير أن يظل الجميع ملتزمين بنوبة حراستهم حتى يبلغهم بالجديد ...
كما تم إعطاء جميع موظفي شركاته إجازة مدفوعة الأجر لمدة يومين حداداً على وفاة أبيه ..

في المساء
وقف أوس على رأس المعزيين في إحدى دور المناسبات الشهيرة ليتلقى واجب العزاء في أبيه الراحل ..
كان يصافح المتواجدين بصلابة وثبات .. وظهر عليه بوضوح عدم التأثر رغم هول الفاجعة ..
لقد كان أمام الجميع أكثر جموداً، أكثر قوة، بل وأكثر هيبة وفخامة، وتحملاً للموقف المؤثر .. وكأن إعتراف تقى بحبها له قد أعطاه جرعة رهيبة للإستمرار خلال الأيام القادمة ..

تعجب عدي من التغيير الذي طرأ على رفيقه .. ووقف مشدوهاً من حالته ..
وظل يختلس النظرات نحوه بإندهاش أعجب .. وتمتم مع نفسه بفضول:
-استحالة يكون ده أوس، من اللي عرفته من المحامي، والكلام اللي اتقال ان حالته كانت صعب أوي!
حك رأسه عدة مرات، وتابع حديث نفسه بإستغراب:
-أكيد الناس دي كانت بتخرف، ده أوس زي ما يكون في قمة مجده، مش واحد واقف ياخد عزا!

تقدم كبير الأطباء من أوس، ومد يده ليصافحه قائلاً بحزن زائف:
-البقاء لله، قلبي عندك يا باشا، المرحوم كان غالي عندنا أوي، حقيقي أنا مش متخيل إنه فارقنا وراح كده!
رمقه أوس بنظرات ساخطة، ورد عليه بتهكم:
-لأ .. واضح
ثم شدد من قبضته عليه، وتابع بنبرة متوعدة:
-أتمنى إن كلامك ده مايتغيرش عنه بعد كده
شحب لون وجه كبير الأطباء نوعاً ما، وسأله بتوجس وهو يبتلع ريقه:
-آآ.. قصدك ايه ؟

تحولت عينيه للقسوة الشديدة، وتابع بنبرة شبه مخيفة:
-اصل أنا غير دكتور مهاب، مش بأقبل بالغلط، ولا بأسامح اللي بيغلط بالساهل!
إزدرد ريقه بصعوبة، وإرتبك قائلاً:
-أها .. آآ.. أكيد!
افتعل سامي الجندي عدة نوبات بكائية هيسترية ليثير تعاطف الجميع معه أثناء عزاء أخيه، ولكن لم يقتنع أوس بزيف ما يفعله .. فقد كان قناعه مكشوفاً أمامه .. وما زاد هذا إلا من حنقه ناحيته ..

اقترب منه أوس ووقف قبالته، وحدجه بنظرات جارحة .. بينما
نهض الأخير من على مقعده ليقف على قدميه، وهتف ببكاء مصطنع وهو يربت على كتف ابن أخيه:
-اه يا أوس، الموت خطف أبوك من وسطنا، أنا مش مصدق إن ده حصل! ده ..ده من دلوقتي واحشني!
إلتوى فم أوس ليقول بجمود وهو يرمقه بإزدراء:
-لأ صدق يا عمي .. وقريب أوي هتحصله إنت كمان!
إتسعت حدقتي سامي في صدمة، وهتف بتوتر:
-هاه، إنت بتقول إيه ؟

رد عليه بثقة وهو يرفع حاجبه لأعلى:
-حبل المشنقة مستنيك!
زاد جحوظ عينيه، وهتف مصدوماً وقد شحب وجهه بشدة:
-نعم!
أضاف أوس قائلاً بقسوة:
-نسيت أقولك المباحث قبضوا على واحد من الكلاب اللي حاولوا يقتلوني ويتعدوا على مراتي، وهو اعترف عليك!
تلعثم سامي بهلع، وإحتج قائلاً:
-ده .. ده .. كدب، محصلش، أنا .. أنا معرفش حاجة عن اللي انت بتقوله ده!

هز رأسه بخفة، وأكمل ببرود مخيف وهو يتعمد إهانته:
-عارف يا عمي، إنت متعملش كده لأنك أوطى من ده بكتير!
صاح سامي بغضب فلفت الأنظار حولهما:
-إيه الكلام الغريب اللي بتقوله ده، احترم نفسك يا أوس، إنت بتغلط في عمك الكبير!
وضع أوس يده على كتف عمه، وضغط عليه بقوة، وأردف بإستهزاء:
-يا ريت تمسح دموعك دي، لأنها متخيلش عليا!

ثم فرك أوس طرف ذقنه، وأدار رأسه للجانب، وهتف بصوت مرتفع:
-أه صحيح، مش تيجي يا أحمد تاخد بخاطر عمي سامي وتعزيه!
ظهر الحارس الأمني السابق أحمد من على بعد، واقترب منهما، فزدات نظرات سامي الجندي خوفاً .. وابتلع ريقه بذعر ...
وقف أحمد قبالته، ورمقه بنظرات حادة، واستطرد حديثه قائلاً بهدوء:
-البقاء لله يا سامي بيه
صاح فيه سامي غير مصدقاً، وقد برزت عينيه من محجريهما:
-هاه .. آآآ.. إنت ؟!

تابع أوس قائلاً بإبتسامة أكثر قسوة:
-نسيت أقولك، ماهو أحمد راح النيابة وقال كل اللي يعرفه عن اتفاقك مع أمجد باشا سعفان، محامي القضايا الوسخة، فإتحركت المباحث والتحريات، ووصلوا لطرف الخيط اللي هيوديك في داهية ..
هز سامي رأسه غير مصدقاً، وتجمدت الكلمات على فمه، فعجز عن الرد ..
ضغط أوس بقبضته أكثر على كتف عمه، وأضاف بتهكم وهو يرمقه بنظرات مهينة:
-شيد حيلك لأني هاخد عزاك قريب!

دفعه سامي بعنف من صدره، وقال بغضب وهو يسير بخطى أقرب للركض:
-ده اسمه جنان، مش حقيقي مش حقيقي
إلتوى فم أوس بإبتسامة باردة، وهتف بنبرة ساخطة وهو يتابعه بعينيه القاتمتين:
-شرفت يا عمي!
انتظر أحمد للحظات حتى اختفى سامي الجندي من المشهد، فضغط على شفتيه قائلاً بتلعثم:
-أوس باشا، أنا آآ...

قاطعه أوس بهدوء جاد:
-متقولش حاجة يا أحمد، إنت عملت معايا خدمة مش هنسهالك أبداً
ابتلع أحمد ريقه، وبدى مضطرباً وهو يقول:
-يا باشا، حضرتك مش عارف أنا آآ...
قاطعه أوس مجدداً بصوت أكثر هدوءاً وهو يرمقه بنظرات ممتنة:
-مافيش داعي لأي مبررات، إنت ليك مكافأتك عندي
رد عليه أحمد معترضاً:
-كتر خيرك يا باشا، أنا مش عاوز ده!

أردف أوس قائلاً بجدية وهو يرمقه بنظرات ثابتة:
-عدي عليا في الشركة أول الأسبوع، هتلاقي وظيفتك مستنياك!
هز أحمد رأسه إيجاباً وهو يردد بسعادة:
-الله يكرمك يا رب!
كذلك حضر الطبيب مؤنس إلى العزاء، وبحث بعينيه عن أوس .. فوجده في أحد الأركان، فأسرع نحوه، وهتف قائلاً بصوت جاد:
-البقاء لله يا باشا
إلتفت أوس برأسه ناحيته، ومد يده ليصافحه، وهو يرد عليه ب:
-الدوام لله!

تنهد الطبيب مؤنس بتعب، وتابع بحذر:
-أنا عارف إن الظرف مش مناسب، بس كنت عاوز أبلغ حضرتك إني مش هاسحب البلاغات اللي مقدمها في النقابة ولا آآ...
قاطعه أوس قائلاً بعدم إكتراث:
-اعمل اللي انت شايفه صح، أنا مش هادخل، بس هايكون لينا كلام مع بعض بعدين
-تمام يا باشا
قالها مؤنس وهو يوميء برأسه بحركة خافتة قبل أن يصافحه مجدداً ...

في السجن النسائي
في غرفة مدير السجن
ولجت ناريمان إلى داخل غرفة المكتب بعد أن تم إستدعائها لمقابلة مدير السجن لإبلاغها بأمر هام ..
إزدردت ريقها، وحدقت فيه وهي تسأله بفضول:
-خير يا فندم
أشار لها مدير السجن بيده، واستطرد قائلاً بجدية:
-اقعدي يا ناريمان
تحركت نحو المقعد المقابل لمكتبه، وجلست عليه، وضاقت نظراتها وهي تسأله بإهتمام:
-حضرتك طلبت تشوفني الوقتي ليه ؟

أخذ هو نفساً عميقاً، وزفره على مهل، ثم أجابها بصوت خشن:
-أنا عندي ليكي أخبار مش تمام، بس من حقك تعرفيها
انقبض قلبها، فقد شعرت أن هناك خطباً ما وراء إستدعائها في تلك الساعة، وإضطربت أنفاسها، وتحركت عينيها بتوتر وتسائلت بنفاذ صبر:
-أخبار إيه؟
رد عليها قائلاً بهدوء وهو يطالعها بنظرات جادة:
-مهاب الجندي طليقك
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تسأله بصوت لاهث وقد زاغت أبصارها:
-ماله ؟

أجابه وهو يراقب ردة فعلها بحذر:
-مات في حادثة وآآ...
هبت من مكانها مصدومة، وقاطعته بصراخ حاد:
-بتقول ايه، يعني ايييييه مات ؟
نهض هو الأخر من على مقعده، وحذرها قائلاً بصوت شبه آمر:
-اقعدي، واهدي واسمعي للأخر!
صاحت بتهكم وهي تضرب بقبضتيها سطح مكتبه بإهتياج:
-أهدى ازاي وانت بتقولي مات، ازاي يموت كده أصلاً قبل ما أخد حقي منه!

إصطبغت عينيها بحمرة الغضب، وهزت رأسها بعصبية وهي تتابع بإستنكار ومشيرة بإصبعها نحوه:
-إنت .. إنت أكيد بتكدب، دي .. دي تمثيلية كلكم عملينها عشان تجننوني!
إحتقنت عينيها بشدة، وإختنق صوتها وهي تكمل بإنفعال:
-ده أنا خلاص قربت أوصل لدليل براءتي، تقوم انت تقولي مات، بالبساطة دي، لألألألأ .. استحالة أصدق الكدب ده، مهاب لسه عايش!

أدرك مدير السجن أنه لن يستطيع التحكم في إهتياجها وعصبيتها الزائدة بمفرده لذا ضغط على زر جانبي مثبت في طرف مكتبه الخشبي، وانتظر للحظة حتى ولجت إحدى الضابطات، فهتف فيها بصوت آمر:
-تعالي خديها برا
أمسكت الضابطة بناريمان، وقيدت حركتها، وحاولت دفعها خارج المكتب، ولكن قاومتها الأخيرة بشراسة، وهتفت بجنون والشرر يتطاير من عينيها:
-لأ سبوني، مهاب الجندي مامتش، مهاب لسه عايش، إنتو عاوزين تجننوني! هو عايش، ده استحالة يمون!
صاح مدير السجن بصوت شبه غاضب وهو يشير بيده:
-وديها الحجز
ظلت تصرخ ناريمان بعصبية وهي تبكي بحرقة قائلة:
-انتو كدابين، كدابين، كدابين! مهاب لسه عايش!

بعد مرور عدة أيام
واظبت تقى على حضور جلسات علاجها النفسي لكي تحرز تقدماً إيجابياً في علاقتها مع أوس .. وتكسر نهائياً ذلك الحاجز الذي يقف بينهما ...
رافقتها المدبرة عفاف، وكانت تنتظرها بالخارج حتى تنتهي من جلستها، ثم تعاود الاثنتين معاً إلى المنزل ..

إنشغل أوس في حصر جميع ممتلكات أبيه الراحل، وفي ترتيب أوضاعه، وكذلك في متابعة علاجه النفسي السري مع طبيبه المخضرم فهمي محفوظ ..
لم يردْ استعجال الأمور أو إستباقها قبل آوانها مع تقى فيفسدها بتهوره، وكافح ليتريث في إظهار مشاعره المشتعلة بحبها الجارف وتجسيدها في علاقة حقيقية بينهما، وإمتثل لأوامر طبيبه بإتاحة الفرصة لها لتتخذ بنفسها تلك الخطوة الهامة وتقرر هي أولاً تصعيد علاقتهما إلى المستوى الأعلى ..

كما استمرت زيارات عدي المستمرة إلى ليان، وحديثه الودي معها ..
كانت في بعض الأحيان تتجاوب معه وتبوح بما يثقل صدرها من هموم، وفي أحيانٍ أخرى تظل صامتة وتكتفي بالإيماء برأسها ..
شجعته تهاني على البقاء بجوارها، وتحمل مزاجها حتى تتخطى تلك الأزمة .. ولم يمانع هو في فعل هذا .. فهو في النهاية يريدها معه، وأن يبدأ معها من جديد ...

أُلقي القبض على سامي الجندي بعد أن أثبتت التحريات تورطه في التخطيط لتدبير محاولة قتل ابن أخيه، كما تم الإستعانة بكاميرات المراقبة السرية الموضوعة في الطريق الرئيسي الذي بدأت عليه المطاردة في التعرف على أوجه المشاركين في تلك الجريمة ومنها توصلوا إلى هويتهم، وألقي القبض على معظمهم، وأرشدوا على باقي زملائهم ..
إنهار سامي خلال التحقيقات، وإعترف على معاونة محاميه أمجد سعفان في التخطيط معه لتلك الجناية، وألقي القبض على الأخير .. وتم إيداع الجميع في الحبس لحين جلسة محاكمتهم ..

في مركز ما للإنجاب والحقن المجهري
اصطحب عبد الحق زوجته إلى أحد مراكز الحقن المجهري المتخصصة، وبعد إنتهاء الفحوصات والكشوفات الدقيقة، تم تحديد الموعد المناسب لإجراء تلك العملية المكلفة ..
لم يعبأ هو بتكاليفها، فشاغله الأكبر كان تعويض بطة عما مرت به ..

وفي اليوم المحدد للحقن، أمسك عبد الحق بكف زوجته بطة وهي تدفع على الناقلة عبر الممر المؤدي إلى غرفة العمليات، وطمئنها قائلاً:
-إن شاء الله هاتنجح العملية
ردت عليه بنبرة مرتجفة وهي محدقة به:
-أنا .. أنا خايفة مايحصلش حبل، وتخسر فلوسك وآآ...
قاطعها بنبرة خافتة:
-سبيها على الله، وماتفكريش في ده.

هتفت والدتها قائلة بتضرع وهي ترفع كفيها للأعلى:
-ربنا معاكي يا بنتي ويجبر بخاطرك
أشارت ممرضة ما بيدها وهي تقول بجدية:
-بعد اذنكم يا جماعة، ماينفعش حد يدخل جوا
رد عليها عبد الحق بإمتعاض وهو يترك يد زوجته:
-حاضر يا ست
ثم إلتفت إلى بطة ورمقها بنظرات حانية، ومط فمه ليقول بتشجيع:
-خدي بالك من نفسك، وأنا بأدعيلك.

هزت رأسها بحركة بسيطة وهي تودعه وملوحة بيدها قبل أن تغلق الممرضة الباب خلفهما ..
تنهد عبد الحق بتوتر، وحك رأسه بعصبية وهو يحدث نفسه بخوف:
-إكرمنا يا رب!
ثم إستند بمرفقه على الحائط، وغمغم مع نفسه بكلمات مبهمة ..
تحركت أم بطة نحوه، وربتت على ظهره، وهمست ممتنة:
-تسلم يا عبده على اللي عملته مع بنتي، واحد غيرك كان آآ..

قاطعها قائلاً بجدية وهو يستدير برأسه نحوها:
-متقوليش كده يا حماتي، بطة غلاوتها عندي كبيرة، ربنا بس يكرمنا وتنجح العملية، ساعتها الفرحة هاتعرف سكتها معانا!
إبتسمت له قائلة بنبرة متعشمة:
-إن شاء الله ربنا هيراضيك، وهيعوضك خير!
ظل عبد الحق مسلطاً نظراته على باب الغرفة، وانتظر على أحر من الجمر خروج الطبيبة لتطمئنه ..
لم يتوقف لسانه عن الدعاء .. وثنى ركبتيه ليجلس مترقباً ..

وبعد برهة، خرجت الطبيبة وعلى ثغرها إبتسامة ودودة، فهب واقفاً من مكانه، وأسرع نحوها، وسألها بتلهف:
-ها يا ضاكتورة ؟ إيه الأخبار ؟
هزت رأسها بحركة خفيفة وهي تجيبه بنبرة مطمئنة:
-اطمن، الحمدلله إحنا عملنا اللي علينا، وحقنا البويضة المخصبة في الرحم، وفي إنتظار تساهيل ربنا وحدوث الحمل
رفع بصره للسماء وهتف برجاء:
-يا رب اكرمنا من عندك!
ثم عاود النظر إلى الطبيبة، وسألها بتلهف:
-طب هاشوف بطة امتى ؟

أجابته بهدوء وهي محتفظة بنفس إبتسامتها المهذبة:
-شوية وهترجع أوضتها، وهناك تقدر تشوفها
نظر لها بسعادة، وهتف ممتناً:
-كتر خيرك يا ضاكتورة
إحتضنته والدتها بسعادة، وهتفت بنبرة متفائلة:
-اللهم لك الحمد والشكر، مبروك يا بني!
قبل كتفها، وأردف قائلاً بنبرة شاكرة:
-باركلينا لما تنجح يا حماتي
هتفت بحماس وقد أدمعت عينيها قليلاً:
-إن شاء الله هتنجح، وربنا هيجبر بخاطركم! ده انتو استحملتوا كتير، وربنا نصير المظلومين...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة