قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل التاسع والأربعون

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء 3 بقلم منال سالم

رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل التاسع والأربعون

( وانحنت لأجلها الذئاب )

في صباح اليوم التالي
في مطار القاهرة الدولي
أجهشت ليان بالبكاء وهي تحتضن تقى بقوة، فمسحت الأخيرة على ظهرها برفق، وهمست لها محذرة:
-بلاش تعيطي، أنا دموعي قريبة!
إنتحبت ليان بخفوت وعينيها تلمعان من العبرات:
-مش قادرة، هاتوحشيني أوي!

لف أوس ذراعه حول شقيقته، وقبل جبينها قائلاً بجدية:
-يا ليو احنا راجعين تاني
طالعتها بعينيها الدامعتين وهي تقول بصوت شبه باكي:
-انا عارفة يا أوس، بس اتعودت على وجودكم معايا
جذبها عدي ناحيته، وطوقها بذراعها من خصرها، وضربها بمقدمة رأسه في جبينها، ومازحها قائلاً:
-دي عمرة يا ليان مش هجرة.

ضربته في صدره بقبضتها وهي تقول بضيق:
- إنت بايخ على فكرة!
إحتضنت تهاني ابنها، ومسدت على رأسه وهي تقول بصوت أمومي حاني:
-ربنا يسلم طريقك يا بني، وترجعولنا بالسلامة
أجابها أوس بإبتسامة عذبة:
-اللهم أمين
اتجهت تهاني ناحية تقى، ثم لفت ذراعيها حولها، وهتفت بنبرة أقرب للبكاء:
-هتوحشيني يا تقى!

ردت عليها تقى برقة:
-وانتي يا خالتي
ثم تحركت مبتعدة عنها، وأضافت بعتاب:
-مش كنتي جيتي معايا!
مسحت على وجنتها، وهزت رأسها وهي تقول:
-المرة الجاية يا حبيبتي، تتعوض إن شاء الله!
بادلتها تقى إبتسامة ناعمة، ثم ردت بصوت خفيض:
-إن شاء الله
هتف عدي بجدية وهو يشير بيده محذراً:
-طب يالا يا جماعة عشان تلحقوا الطيارة، كده الوقت هيسرقكم!

وقف أوس قبالة رفيق عمره، ثم مد يده ليصافحه، ومن ثم دفعه ناحيته ليحتضنه وهو يقول:
-تمام .. سلام يا صاحبي
ربت عدي على ظهر أوس عدة مرات، ورد عليه بتنهيدة:
-مع السلامة يا اخويا
ثم أمسك أوس بقبضة زوجته تقى، ولوح الإثنين للجميع وهما يتحركان في إتجاههما ..
هتفت تهاني بصوت مرتفع وهي تشير بكفها:
-خدوا بالكو من نفسكم يا ولاد، وطمنونا عليكم أول ما توصلوا!

ردت عليها تقى بإيماءة خفيفة:
-بأمر الله
بينما صاح أوس بإقتضاب:
-باي!
أجهشت ليان بالبكاء، ومسحت أنفها بالمنشفة الورقية، فأردف عدي قائلاً بسخرية:
-ياني يا ليوو، هتقلبي على جو أمينة زرق ( ممثلة مصرية ) تاني!

رمقته بنظرات حادة وهي تعاتبه:
-يووه، حتى في العياط مش عارفة أخد راحتي!
نظرت لهما تهاني بقلق، وسألتهما متوجسة:
-هتتخانقوا يا ولاد ؟
رد عليها عدي بإبتسامة عريضة:
-لا يا مدام تهاني، احنا بنحب نرخم على بعض، وهو أنا أقدر أزعل ليو حبيبتي!
نظرت تهاني إليهما بسعادة، وأردفت قائلة بنبرة راجية:
-ربنا يباركلي فيكو ويحميكو!
ضغط عدي بقبضته على ذراع ليان، وهمس لها:
-مش يالا بينا يا حبيبتي!
أومأت برأسها موافقة قائلة بخفوت:
-اوكي .. يالا

على متن الطائرة
ساعد أوس زوجته في إحكام ربط حزام الأمان الخاص بها بعد أن جلست على مقعدها بالطائرة ..
نظرت له بخجل، وهمست ممتنة:
-شكراً
مال عليها أوس بعد أن خلل أصابعه في أصابع كف يدها، وسألها بهدوء:
-فرحانة يا تقى ؟
تنهدت في إرتياح، ونظرت حولها بسعادة وهي تقول:
-اوي، انت مش متخيل احساسي عامل ازاي
رفع أوس كفه إلى فمه، وقبله بحنو، ثم تابع قائلاً بنبرة رخيمة:
-طب .. طب أنا عندي ليكي مفاجأة كمان!
عقدت تقى ما بين حاجبيها، وتسائلت بإستغراب:
-تاني ؟

رد عليها بثقة وهو يغمز لها:
-تاني وتالت وعاشر ومليون مرة!
سألته بفضول وقد زاد بريق عينيها:
-طب ايه هي ؟
أشار لها برأسه قائلاً بهدوء:
-بصي وراكي
إلتفتت تقى برأسها للخلف، وتفاجئت بوجود والديها في المقاعد الخلفية، فشهقت مصدومة، وتسارعت أنفاسها، وعاودت النظر إليه، وسألته بعدم تصديق:
-انت .. انت جبت بابا وماما معانا ؟

هز رأسه بحركة بسيطة وهو يجيبها بهدوء:
-أيوه، حسيت إن ده هايفرحك أكتر
تحركت بجسدها نحوه لتحتضنه، وهتفت بنبرة لاهثة:
-حبيبي، أنا مش لاقية كلام أقوله ليك يعبر عن اللي جوايا
مسح أوس على ظهرها بكفه، ورمقها بنظرات عاشقة، ثم شجعها قائلاً:
-قومي سلمي عليهم
اختفت الإبتسامة من على ثغرها فجأة، وتذكرت ما فعلته والدتها معها، فتلعثمت قائلة بنبرة حائرة:
-بس .. ماما .. كانت .. وآآ...

ابتلع أوس تلك الغصة العالقة في حلقه، فمازال قلبه يحمل الضيق من فعلة والدتها الشنيعة .. ولكنه تحامل على نفسه من أجل زوجته .. لذا تحدث بحذر وهو يطالعها بنظراته القوية:
-انسي اللي حصل، وسامحيها، هي برضوه أمك!
ثم رسم على ثغره إبتسامة هادئة وهو يتابع:
-وبعدين عشان العمرة تتقبل، ولا انتي عاوزة تتحرمي من الثواب ؟
هتفت تقى بسعادة جلية وقد لمعت العبرات في عينيها:
-أنا بأحبك أوي أوي.

رد عليها أوس بتنهيدة حارة:
-وأنا بأعشق أي حاجة منك!
ثم ساعدها مجدداً في حل حزام الأمان، و نهضت هي بحذر من على مقعدها، وسارت بخطى أقرب للركض نحو والديها لتحتضن كلاهما بتلهف، وتعبر عن إشتياقها الكبير لهما ..
قبلت والدها عوض من كفه، ثم هتفت بمزيج بين البكاء والضحك وهي تحتضنه:
-أنا مش مصدقة عينيا، إنتو هنا ومعايا!

وتلك المرة أبدت فردوس أسفها الحقيقي لإبنتها وهي تستمع إلى صوتها المعبر عن حبها الصافي لهما، و تأكدت في النهاية أنها لم تحصد من ركضها الدؤوب وراء الأموال إلا الشقاء والتعب .. وأنها غفلت عن السعادة الحقيقية في وجود ابنة بارة تحبها، وتسعى لإرضائها ..
كذلك إلتزمت بتعهدها مع أوس بألا تفتح باب الماضي مرة أخرى، وألا تشير إلى ما مضى وخاصة ( إتفاق الشيطان ) ..
دققت تقى النظر في والدتها، وإستغربت من إرتدائها لنظارة قاتمة، فسألتها بإهتمام:
-إنتي لابسة النضارة ليه يا ماما ؟ مال عينيكي ؟

صدمت تقى حينما علمت بما آلم بوالدتها، وشهقت بآسى، وأدمعت عينيها حزناً عليها، وتأسفت لها لتقصيرها في حقها .. وهمست بإستعطاف وهي تحتضنها:
-سامحيني يا ماما، أنا مكونتش أعرف باللي حصلك، والله ما حد قالي، أنا أسفة أوي، يا ريتني عرفت من بدري، كنت وقفت جمبك ومش سيبتك للحظة واحدة! أنا أسفة يا ماما، حقك عليا!

خفق قلب فردوس بتحسر على دناءتها السابقة .. فإبنتها في الأخير لم تملك إلا قلباً طيباً، وهي - كأمها - لم تكن تحمل سوى قلب ملوث سعى إلى إفساد حياتها، وإلى حرمانها من أغلى شيء في الوجود ...
راقبهم أوس بنظرات متابعة، وإرتسم على ثغره إبتسامة راضية وهو يرى تلك الهالة الآسرة من البراءة والنقاء تجتمع حول زوجته، والتي أخذت بيده إلى طريق جديد دون أن تدري أنها كانت ملاكه الذي أخرجه من أحلك الظلمات، فأبصر على يدها نوراً جديداً ..

لقد فهم الآن معنى الآية القرآنية (( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) .. وأدرك أن الزوجة الحقيقية هي تلك التي تسكن إليها روحه قبل جسده، فتنبت بينهما المودة والرحمة، وتغلف حياتهما بالسعادة والحب!

في الحرم المكي
إستشعرت تقى وهي تطأ بقدميها الأراضي المقدسة ذلك الإحساس المرهف بالرهبة الممزوجة بالسعادة ..
فرؤيتها تتجسد الآن أمام أنظارها .. بل إنها تعيشها كاملة بكل جوارحها ..
هي بصحبة زوجها ووالديها، ومن حولها يرفرف حمام الحرم ..
تلفتت حولها بفرحة غامرة، وتسابقت دقات قلبها مع أصوات التهليلات والتكبيرات التي تحيط بها ...

هي الآن راضية ومرضية عن حالها، وحياتها ..
هي الآن تنعم بالهدوء والحب النقي بعد عواصف البغض والذل ..
هي الآن تجني حصاد ثمار صبرها وتحملها تلك الإبتلاءات ..
انتبهت إلى صوت الأذان وهو يصدح في الميكروفون القريب، فخفق قلبها أكثر، ونهج صدرها بقوة، وهتفت بحماس وعينيها تفيض من الدمع:
-اللهم لك الحمد والشكر ...!

انتهى كلاً من أوس وتقى من أداء مناسك العمرة كاملة، وتحلل كلاهما من الإحرام .. ثم عادا إلى الفندق الذي يمكثان به ..
بدى على وجهها الحزن، وترقرقت العبرات في عينيها، فقد
أرادت أن تمكث ليلة إضافية، فالرحيل عن تلك البقعة الطاهرة أضنى قلبها ..
لم يدخر أوس وسعه من أجل إرضائها، فلبى لها أمنيتها على الفور، وبقيا ليومين إضافيين ..
في حين إستقل والديها الطائرة عائدين إلى القاهرة ...

وقفت تقى أمام الحائط الزجاجي المطل على الحرم المكي وهي تتطلع بسعادة على ذلك المنظر المهيب ..
تنهدت في إرتياح بعد أن عرف فؤادها السلام والسكينة .. وإستندت بكفيها عليه وهي تخرج تنهيدات حارة من صدرها ..
أشعل أوس سيجارته ليدخنها، وإنشغل بمتابعة أعماله في القاهرة من خلال حاسوبه الشخصي ..
لم ينتبه لفرطه في التدخين، فإمتلأت الغرفة بدخان سجائره المتتالية ..

إحتقن وجه تقى نوعاً ما، وشعرت بإختناقها من كثرة إستنشاقها لذلك الدخان ..
عجزت هي عن التنفس بصورة طبيعية، فإلتفتت برأسها إلى أوس، ورأته منكباً على حاسوبه ..
أصابها دوار شديد، وبدأت تسعل بخفوت، وحاولت ألا تصدر جلبة .. لكنها لم تستطع، فهتفت بصعوبة:
-آآ.. أوس!
-ايوه يا حبيبتي
قالها أوس وهو مسلط أنظاره على شاشة حاسوبه ..

دنت منه تقى، ومدت يدها إليه وتابعت بصعوبة بالغة:
-أنا .. أنا بأتخنق!
رفع رأسه نحوها، ونظر إلى حالتها بذعر بائن في نظراته، ثم هب واقفاً من على الفراش بعد أن ألقى بحاسوبه، وركض نحوها صائحاً بخوف:
-تقى!
خارت قواها، ولم تستطع ساقيها حملها، ولكن كان أوس الأسرع في الوصول إليها، وأسندها بذراعيه، ثم إنحنى ليحملها، ووضعها برفق على الفراش ..
سألها بهلع وهو يمسح على وجهها بكفه:
-تقى مالك ؟ ردي عليا! تقى!

أجابته بصوت مختنق ومتقطع وهي تسعل وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة:
-مش .. مش قادرة من ..دخان .. ال.. السجاير!
هتف بفزع بائن في نبرته:
-أنا أسف يا حبيبتي، مخدتش بالي والله!
غابت هي عن الوعي، فصرخ بذعر أكبر وهو يحاول إفاقتها:
- تقى ردي عليا، تقى!

صاح هو مستغيثاً بمن ينجده، وبالفعل تم الإتصال بالإسعاف القريب، وقام المسعفون بإفاقتها، ثم نُقلت إلى المشفى القريب للإطمئنان على حالتها الصحية ...
لم يشعر أوس بفداحة الأمر إلا حينما رأها تعاني بسببه من جديد ...
وضع يده على فمه ليكتم شهقاته، واستجمع رباطة جأشه ليظل متماسكاً أمام الجميع ..
حبس أنفاسه مترقباً خروج الطبيب في أي لحظة من الغرفة، وما إن رأه يخرج منها حتى إندفع نحوه، وسأله بتلهف:
-مراتي عاملة إيه ؟

أجابه الطبيب بهدوء:
-هي الوقتي أحسن، اطمن
سأله بنبرة أكثر تلهفاً وقد زاد لمعان عينيه:
-طب أقدر أشوفها ؟
رد عليه بإقتضاب:
-اه، شوية وهتتنقل على غرفة عادية، وتقدر تشوفها هناك!
تنفس أوس الصعداء حينما سمح له الطبيب بالدخول لرؤيتها، فبكى عفوياً حينما رأها ممددة أمامه ..
اقترب منها بخطى بطيئة، وتسارعت دقات قلبه حتى كادت أن تصم آذانه ..

وقف قبالتها، ومرر عينيه عليها، ثم مد كفه ليمسك بكفها، ورفعه إلى فمه ليقبله نادماً ..
تلمس بيده الأخرى وجهها برفق شديد، وانحنى ليقبل جبينها، وهمس بشجن:
-سامحيني يا حبيبتي، أنا السبب
بللت عبراته صدغيه وهو يتابع بآسى:
-أوعدك مش هادخن تاني، بس قومي وكلميني، تقى!
فتحت عينيها بتثاقل، وسألته بنبرة واهنة:
-هو .. هو حصل ايه ؟

احنى جذعه عليها، وإحتضنها بشغف، وهمس بصوت باكي وهو يقبل كفها بأسف:
-بأحبك، متعمليش فيا كده، قوليلي بتكرهي السجاير بس متخوفنيش عليكي، أنا روحي كانت هاتضيع مني!
ردت عليه بوهن:
-ح.. حاضر
بللت عبراته كفها الذي يحتضنه، ثم قبله مطولاً .. ورمقها بنظرات نادمة على فعلته الحمقاء ...

ومن وقتها أقلع أوس عن التدخين، ولم تلمس شفتيه أي سيجارة، وحَذَرَ على نفسه التواجد في أي مكان يجلس به أي مدخن، وبات معروفاً عنه رفضه التام للتدخين سواء في أي إجتماع أو إتفاق يحضره .. ووضع قانوناً خاصاً به في جميع شركاته يغرم مادياً من يدخن في مؤسسته .. وحرص جميع العاملين معه على الإلتزام به..
كما إهتم أوس بحضور المتابعة الدورية للحمل، ولم يفوت أي جلسة كشف تخص تقى، فكان على إطلاع أولاً بأول بنمو طفلته في أحشائها ..

غمرت السعادة قلب تقى وهي ترى زوجها يشاركها أبسط الأمور ..
و حينما كانت تئن ليلاً من التعب والإرهاق، كان يظل إلى جوارها مستيقظاً، يمسد على رأسها، ويدلك كتفيها حتى يرتخي جسدها، وتغفو على صدره، فيعدل من نومتها، ويدثرها جيداً .. وينام إلى جوارها وهو متأملاً وجهها البشوش ...
لم يدخر وسعه في تلبية كل رغباتها – حتى الغريب منها، وظل مرافقاً لها وحريصاً على صحتها ..

بعد مرور ثلاثة أشهر
عند قصر عائلة الجندي سابقاً
أصر أوس على حضور زوجته إفتتاح دار رعاية المسنين الجديدة، ولم يخبرها عن إسمها، والذي فضل أن يكون مفاجأة أخرى لها ...
ترجلت تقى من السيارة وهي مستندة على يد زوجها، ورمقته بنظرات ناعمة وهي تتحرك معه للأمام ..
مسح أوس على كفها بأنامله وهو يتأبط ذراعها، وخطى ببطء معها، فقد كانت مرهقة من الحمل ..
إبتسمت في طريقها للجميع ممن تعرفهم أو لا .. وجابت بعينيها بنظرات خاطفة المكان من حولها ..

تعجبت هي من تغطية جميع لافتات الدار .. ولكنها لم تتسائل عن السبب وإكتفت بمتابعة التغيير الجذري الذي تم إحداثه في حديقة القصر الخارجية ..
ومر ببالها ومضات سريعة عن ذلك المكان ..
من قدومها للعمل فيه جبراً، ومن إصابتها في قدمها وتحملها للآلم النفسي قبل الجسدي ..
ثم فرارها منه بمساعدة المدبرة عفاف ..

أدارت رأسها في إتجاه أوس، ورمقته بنظرات مطولة متأملة فيها ملامح وجهه المرتخية، وإبتسامته الآسرة ..
نعم لقد تغير تماماً مثل القصر، و من أجلها فقط فعل المستحيل لتصفح عنه وتغفر له، وأصبح شخصاً جديداً فأحبته بصدق، وعشقته بجوارحها ..
أفاقت من شرودها على صوته الهاديء:
-بصي هناك يا حبيبتي!

رفعت بصرها إلى حيث أشار بعينيه، فوجدت غطاءاً كبيراً ينزاح ببطء عن اللافتة، فراقبته بعدم إهتمام ..
ثوانٍ قليلة مرت قبل أن يُكشف عن إسم الدار ..
رمشت بعينيها غير مصدقة وهي تقرأه بصوت خافت يحمل الفرحة:
-دار التقى لرعاية المسنين!
إلتفتت نحو أوس، وهتفت بسعادة:
-دي .. دي على اسمي!

أجابها مبتسماً وهو يرمقها بنظراته العاشقة:
-طبعاً، بس المرادي مش مني، دي من ماما
إحتضنت تهاني تقى بحنان، وقبلتها من وجنتها بعاطفة قوية ثم أضافت بمرح:
-دي أقل حاجة أقدمهالك يا بنتي على اللي عملتيه معايا ومع ابني!
أدمعت عيني تقى، وهتفت بنبرة ناعمة:
-أنا .. أنا مش عارفة أقول ايه، ده كتير والله!

هتفت ليان بحماس وهي تشير بيدها:
-يالا يا مامي عشان تقصي الشريط
هزت تهاني رأسها معترضة، وقالت بإصرار:
-مش لوحدي، ابني معايا!
ابتسم أوس مجاملاً، وتحرك خطوة للأمام ليقف إلى جوارها، وحدق فيها مبتسماً .. ثم وضع الاثنين كفيهما معاً ليقصا الشريط الورقي، فهتف عدي معلناً بصياح:
-مبروووووووك!

إلتفت أوس بجسده ناحية تقى، ثم إحتضنها
تعالت التصفيقات من الحاضرين، وولج الجميع إلى الداخل ليروا القصر بعد تعديله ..
إنبهر الحاضرين بتهيئة المكان ليصبح مركزاً لائقاً بكبار السن، ومزوداً بأحدث وسائل الرعاية والإهتمام ..
وتم تخصيص جانب كبير فيه لرعاية غير القادرين منهم بالمجان ...

بعد مرور ثلاثة أشهر
بعد مجهود مضني من محامي ناريمان، ومساعدة جمعية النساء الشهيرة تم تبرئتها من تهمة قتل ممدوح، وإعتراف المحامي الخاص بمهاب – نصيف - بارتكاب موكله الراحل لتلك الجريمة النكراء ...
كما حكم عليها بالسجن في قضية التزوير في أوراق رسمية، وتغير النسب، والتلاعب في مستندات طبية، و التي أقيمت ضدها من أوس الجندي، ورُفض الطلب الذي تقدمت به للحصول على إفراج صحي ..
وأقام أيضاً دعوة لرد شرف والدته وتبرئة اسمها من أي تهم سابقة قد تم تلفيقها لها خاصة وأن دلائل برائتها كانت بحوزته .. فإستعان بها في تلك القضية ..

في منزل أوس الجديد
عقد أوس رابطة عنقه، ومشط شعره بالفرشاة، ثم نشر عطره على قميصه، وإلتفت برأسه ناحية تقى التي كانت تقف على أعتاب باب المرحاض وهي ممسكة بأسفل بطنها ..
تأملها أوس بقلق، وسألها بجدية:
-انتي تمام ؟
أومأت برأسها وهي تجيبه بوهن:
-أها
رمقها أوس بنظرات متفحصة وهو يقول:
-أنا حاسس إنك هاتعمليها وتولدي
هزت رأسها نافية مجيبة إياه بخفوت:
-لأ .. لسه بدري!

ضغط على شفتيه ليقول بإصرار:
-تقى، شكلك بيقول كده!
ابتسمت له إبتسامة باهتة وهي ترد:
-صدقني أنا كويسة!
تنهد بصوت مسموع، وأضاف قائلاً بجدية:
-اوكي .. أنا هاكمل لبسي وهاخلص الاجتماع اللي عندي وأجيلك!
ضغطت تقى على شفتيها بقوة وهي تجيبه:
-ماشي
أضاف أوس قائلاً بصوت جاد:
-تقى لو عوزتي حاجة اتصلي بيا على طول وهتلاقيني عندك!

ردت عليه بنبرة شبه متآلمة بعد أن اعتصر الآلم بطنها:
-حاضر، متقلقش عليا، أنا معايا عفاف وماريا
تابع بجدية وهو يرمقها بنظراته الدقيقة:
-برضوه، ده مايغنيش عني
-أكيد
شعورت هي بوخزات رهيبة وحادة تجتاح أسفل بطنها، وضربات متلاحقة في ظهرها، وجاهدت لتتحملها، ولكنها فاقت قدرتها، فصاحت صارخة بآلم كبير:
-آآآآآه!

ركض أوس ناحيتها، وأسندها بذراعيه، وسألها بقلق:
-تقى!
ضغطت هي على ساعده، وبكت مستغيثة:
-مش قادرة، الحقني!
رد عليها أوس بتوبيخ قليل:
-قولتلك من الأول، إنتي شكلك بتولدي
صاحت فيه بإنفعال وهي تغمض عينيها بقوة:
-اتصرف، آآآه!
تسائل أوس بحيرة وهو يتلفت حوله:
-الشنطة بتاعتك فين، أنا مجهزها بنفسي!

ردت عليه بصوت متآلم وهي تصرخ:
-معرفش، آآآه، الحقني بسرعة
هتف قائلاً بنبرة مرتفعة، وهو يميل بجسده للأسفل ليحمل زوجته:
-حاضر، يا عفاف، تعالي بسرعة، تقى بتولد
ردت عليه عفاف قائلة بتلهف:
-حاضر يا باشا، كل حاجة جاهزة، اطمن!...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة