قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل السادس والعشرون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل السادس والعشرون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل السادس والعشرون

في منزل مسعد غراب،
أرسلت هند إلى رفيقتها هدير تلك الصورة التي التقطتها مع إيناس خلال حفل عيد الميلاد لترى التغيير الجذري الذي حدث لها، وكيف تحولت إلى إحدى الجميلات ذات الذوق العالي في الأناقة، فما كان من الأخيرة إلا هاتفتها على الفور، فأجابت عليها هند وهي تقف في الشرفة لتتجنب الضوضاء العالية..
استمعت هي إلى صوت هتاف غاضب من الطرف الأخر يعنفها:
-أنا بعتاكي عشان تبوظي الدنيا، تقومي تحرقي دمي.

ردت عليها هند بإمتعاض:
-يعني عاوزاني أبوظه ازاي؟ ده احنا في بيت كله ظباط
صاحت بها بنبرة منفعلة:
-كنتي اتصرفي وعرفيني من بدري!
ردت عليها هند بحذر:
-ما أنا لما شوفتها اتفاجئت إنها عاملة كده، وبصراحة هي طلعت مزة جامدة!
اغتاظت هدير من وصف رفيقتها لإيناس، وظنت أنه مبالغ فيه، فهتفت بنبرة محتدة:
-هند، مترخمييش، خليكي متبعاها كويس
ردت عليها هند بإيجاز:
-طيب
تساءلت هي بإهتمام واضح في نبرتها:
-اومال باسل موجود؟

اجابتها هند بجدية:
-اكيد طبعاً
زاد حنقها، وتابعت نبرة مغلولة:
-كمان، اووف، من ساعة اللي حصل وهو مش بيرد على أي رقم غريب!
ردت عليها هند موضحة بنبرتها الخافتة:
-ما هو انتي اتصرفتي غلط، كان المفروض آآ...
قاطعتها هدير قائلة بجدية:
-هند بلاش تفترضي حاجات دلوقتي، وركزي في اللي عندك، وبلغيني بكل جديد!
-اوكي، باي!
قالتها هند وهي تتجه عائدة إلى الصالة لتراقب الوضع...

ولج باسل إلى داخل المطبخ ليغسل كفه الذي تلطخ ببقايا أثار أحمر الشفاه الخاص بإيناس..
وضع القليل من سائل التنظيف في راحة يده، وفركها مع الأخرى جيداً محاولاً إزالته..
ضغط على شفتيه بقوة، وتمتم بخفوت مع نفسه بتهكم:
-ده عاوز تنر ( مادة مذيبة ) عشان يطلع من ايديا، هي كانت حاطة بوهية على بؤها!
دخلت إسراء إلى المطبخ هي الأخرى وهي تحمل عدة صحون متسخة، وابتسمت لباسل قائلة بود:.

-انت فين يا باسل، أنا عملالك طبق محترم برا على السفرة
انتبه لصوتها، وأجابها بهدوء وهو يدير رأسه في اتجاهها:
-أنا موجود هنا، كنت بأغسل ايدي!
سألته بغرابة وهي قاطبة لجبينها:
-طب ما روحتش الحمام ليه؟!
تنحنح بحرج بسبب سؤالها المباغت هذا، فمن الطبيعي أن يتوجه الشخص للمرحاض لغسل يديه، لكن وجوده في المطبخ ربما يثير ريبتها، وببراعة حافظ على ثبات إنفعالاته وهو يجيبها:
-احم، كان تقريبا في حد فيه!

ردت هي عليه بنزق وهي تسحب عدداً من الصحون النظيفة من دولاب المطبخ:
-تلاقيها البت إيناس، ماهي مش باينة من بدري!
هز كتفيه في عدم إكتراث وهو يردد بفتور:
-جايز برضوه!
تابعت هي قائلة بجدية:
-أما أروح أشوفها واستعجلها، لأحسن دي لما بتدخل فيه بتبات هناك!
رد عليها باسل بإيجاز:
-براحتك
وقبل أن تنصرف من أمامه، أدارت رأسها ناحيته وهتفت بإلحاح جاد:
-ماتنساش الجاتوه والحاجة الحلوة برا على التربيذة!
ابتسم قائلاً بهدوء:.

-ماشي، تسلم ايدك
زادت ابتسامته المغترة إتساعاً لنجاحه في ابعاد الشكوك عنه، وتبعها إلى الخارج بعد لحظات بعد أن جفف يده بمنشفة ورقية..

أمسكت سابين بالشوكة لتقتطع قطعة من قالب الحلوى وتناولتها في فمها، وعيني مسعد لم تفارقها للحظة..
كان ينظر لها بهيام واضح مستمتعاً بقربها منه..
هو يعرف أنه من الخطأ التمادي في هذا الإحساس، وليس من المفترض أن يحبها، لكنه لم يقاوم تأثيرها الذي تغلل فيه، وأصبحت أهم شيء في حياته..
شعرت هي بنظراته المسلطة عليها دون أن ترفع وجهها إليه..
لكن قلبها كان في حالة ثورة هائلة، يخفق بقوة وتتسارع دقاته بتلهف..

هي محافظة على هدوء تعابير وجهها، وسكون تصرفاتها، لكنها كانت تتقاتل من داخلها..
هي تحب التواجد معه، تتمتع بتلك اللحظات التي يكونان فيها سوياً، وأصبح وجوده في حياتها جزءاً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه، إن لم يكن كلياً..
أهذا هو الحب؟ هكذا تساءلت مع نفسها بخجل..
مد مسعد يده بقطعة جاتوه مغروزة في شوكته، وهمس لها برجاء:
-ممكن تاكلي دي مين؟
هزت رأسها نافية بإيماءة خفيفة، وأجابته معترضة:.

-نو ( لا ) موسأد، أنا زيد في كالوريز ( دهون )
عبس بوجهه مردداً بإندهاش:
-كلور! لأ دي معمولة بالسمن البلدي ومتوصي عليها
ابتسمت لطرفته المازحة، وردت عليه موضحة:
-أقصد أنا هاكون Fat ( زائدة الوزن )
ابتسم لها قائلاً بمرح:
-اللي فات مات يا سابين، كلي بس!
اقترب أكثر منها، وهمس لها بحرارة شعرت بها على وجنتها وهو يتابع بإلحاح:
-ماتكسفيش ايدي، وحياتي عندك، وحياة آآ، مش عارفين بس، كليها، دي قطمة!

ابتسمت له بإستحياء وهي ترد عليه هامسة:
-اوكي
تنهد بحرارة أكثر وهو محدق بها بنظراته المتأملة لأدق تفاصيلها التي بات يعشقها بشدة..

راقبتهما صفية بإبتسامة عريضة متشكلة على ثغرها، وغمغمت مع نفسها بتضرع وهي ترفع كفيها للأعلى:
-يا رب يفرح قلبك يا حبيبي، وتكون هي المناسبة ليك!
وقف إلى جوارها زوجها محمد، وسألها بإستغراب:
-انتي بتدعي على مين كده؟
ردت عليه بتجهم قليل:
-أنا بأدعي لابني ربنا يعدلهاله ويلاقي بنت الحلال.

نظر إلى حيث هي تنظر، وزفر بخفوت، فهو قد فهم مقصد زوجته، ولكنه لم يرد إفساد فرحتها الزائفة لأنه يعلم مسبقاً أن وجود سابين هنا في منزل العائلة مؤقتاً، وقريباً سترحل عن هنا، وينتهي كل شيء..
راقبها وهي ترمق الاثنين بنظرات متفائلة، فأشفق عليها، فهي في النهاية أم تريد أن تفرح بفلذة كبدها وترى أحفاده يركضون حولها..
لف ذراعه حول كتفيها، ومازحها قائلاً:
-واضح كده إنك لاقيتيها
أجابته صفية بثقة:
-ايوه!

رد عليها مداعباً إياها وهو يضغط على كتفها بقبضة يده:
-مع إنها خسارة في ابنك
عبس وجهها بشدة، وارتفع حاجبها للأعلى في استنكار، ووبخته بصوت قاتم:
-جرى ايه يا سيادة اللوا، تكونش حاطط عينك عليها؟
رد عليها بجمود:
-لا عيني ولا ايدي! أنا داخل أخد الدوا بتاعي وأغير هدومي خليني أرتاح من الدوشة دي كلها!
ردت عليه بتبرم:
-يكون أحسن برضوه!
تركها وإنصرف وهي تتمتم مع نفسها بكلمات مبهمة..
-بعد اذنك يا حاجة صفية!

التفتت هي إلى صاحب الصوت الرجولي المألوف بعد تلك العبارة الأخيرة، فرأته المعلم كريم، فابتسمت له وهي تردد:
-منورنا والله يا مستر، إن شاء الله تكون اتبسطت النهاردة
رد عليها بنبرة مجاملة:
-الحفلة كانت كويسة، وعيد ميلاد سعيد على الباشا مسعد
هتفت صفية بود:
-تسلم يا رب
أضاف هو قائلاً بهدوء:
-ومبروك لإيناس على نجاحها، أنا بأدور عليها مش لاقيها
ردت عليه بعبوس قليل وهي تتلفت برأسها للجانبين باحثة عن ابنتها:.

-تلاقيها بس هنا ولا هنا، مشغولة مع أختها وبتشوف الضيوف
هز رأسه بإيماءة خفيفة وهو يقول:
-أها، ربنا معاها
ثم مد يده بعلبة طولية صغيرة موضوعاً بداخلها قلم حبر ذهبي، وأوضح قائلاً:
-عموماً، أنا كنت عاوز أديها الهدية المتواضعة دي، حاجة بسيطة تقديراً مني على تفوقها الدراسي!
أخذتها منه صفية، وشكرته قائلة بإمتنان:.

-كتر خيرك يا مستر، مكانش ليه لازمة تكلف نفسك والله، كفاية إنك شرفتنا النهاردة، وتعبك ومجهودك اللي باين معاها طول السنة!
رد عليها بجدية:
-إيناس تستاهل كل خير، وأتمنى أشوفها دايماً على القمة
هتفت بتهذيب:
-يا رب يسمع منك يا مستر كريم!
تنحنح بصوت خفيض قبل أن يتابع بنبرة ثابتة:
-طب أستأذن أنا بقى، وفرصة سعيدة إني شوفتكم النهاردة
ردت عليه بجدية:
-ما لسه بدري، خليك شوية كمان وآآ...
قاطعها قائلاً بإصرار:.

-معلش ورايا إرتباطات!
ابتسمت له بدفيء وهي تودعه:
-أنست وشرفت يا مستر، وخلينا نسمع صوتك
رد عليه بإقتضاب:
-إن شاء الله!

يئست إسراء من إيجاد أختها في أي مكان بالمنزل، فتشت عنها في المرحاض، وفي الشرفة، وفي غرفة والديها، وأخيراً أخيها، وفي النهاية قررت البحث عنها في غرفتها..
تعجبت من وجود مفتاح الغرفة بالخارج، وأدارت المقبض فتفاجئت بالباب موصوداً..
ورددت مع نفسها متساءلة بإندهاش:
-وده مين اللي قفله بالشكل ده؟
لوت ثغرها للجانب وهي تكمل بضجر:
-تلاقي حد من القردين اللي معايا عمل نصيبة ومش قايل!

قامت بفتح الباب وتفاجئت بوجود إيناس بها غافية على الفراش، فزادت دهشتها، واقتربت من فراشها، وهتفت فيها بنبرة مرتفعة:
-نوسة، إنتي نمتي ولا ايه؟
نظرت لوجهها فرأته ملطخاً، ومساحيق التجميل الموضوع على قسماتها قد فسد إلى حد كبير، فعقدت ما بين حاجبيها بريبة، وتساءلت بغموض:
-البت دي جرالها إيه؟
هزتها من ذراعها بقوة وهي تصيح فيها:
-نوسة، بت يا نوسة، فوقي، انتي أخدة منوم ولا ايه؟!

ظلت تهزها عدة مرات حتى بدأت تفيق تدريجياً..
استغرقها الأمر عدة دقائق لتستوعب ما حدث لها..
وضعت إيناس يدها على فكها تتحسس الآلم الرهيب الذي أحدثه باسل به..
اشتعلت عيناها غضباً، وكزت على أسنانها لتقول بهمس غاضب:
-ماشي، والله ما ساكتة
نظرت لها إسراء بريبة ورددت بعدم فهم:
-إنتي حصلك ايه؟ ومين بهدلك كده؟ اوعي يكون حد من العيال عمل فيكي مقلب
نفخت بحنق وهي تقول:
-اه ما هو عيل بارد ورخم.

ابتسمت لها بود، وربتت على ذراعها قائلة بحرج:
-معلش، مش قادرة عليهم لوحدي، أبوهم مدلعهم على الأخر!
ردت عليها إيناس بتبرم:
-خلاص يا إسراء، مش مشكلة
دققت إسراء النظر في وجه أختها، ورأت تلك الكدمة البارزة والملتهبة عند فكها بوضوح، فسألتها مندهشة وهي تمد يدها لتمسكها:
-بس إيه الكدمة الحمرا دي؟ هو انتي وقعتي؟
أبعدت إيناس يدها عنها بتأفف وهي تعيد رأسها للخلف، وردت عليه بنبرة محتقنة:
-أه خدت بوكس!

رفعت إسراء حاجبها للأعلى بتعجب، ورددت مندهشة:
-نعم
أدركت إيناس أن لسانها قد زل بحماقة قد تودي بيها إلى كارثة حقيقية إن عرفت أختها الكبرى ما حدث، فإرتبكت قليلاً وهي تجيبها كاذبة:
-قصدي دخلت في بوز التسريحة
تفحصتها إسراء بعدم اقتناع، ولوت ثغرها وهي تردد بجدية:
-مش تاخدي بالك!
ردت عليها إيناس ساخرة:
-حاضر المرة الجاية هابقى ألبس خوذة!
نظرت لها إسراء شزراً بسبب اسلوبها التهكمي، وتابعت قائلة بلهجة آمرة:.

-طيب قومي اغسلي وشك ورتبي نفسك وآآ...
قاطعتها إيناس قائلة بإرهاق:
-لأ أنا هاغير هدومي وأرتاح
هزت إسراء موافقة إياها، فلا داع لوجدها الآن، لأن الحفل قد أوشك على الإنتهاء، وهتفت بفتور:
-ماشي، هو معظم الناس أصلاً مشيوا!
نفخت إيناس قائلة بإرتياح:
-كويس
استدارت إسراء بظهرها لتتجه نحو باب الغرفة، وأشارت بيدها وهي تكمل بنفس الصوت الآمر:
-طب يالا، غيري هدومك عقبال ما أجيبلك تلج تحطيه عليها
ردت عليها إيناس بهدوء:.

-ماشي يا إسراء
انتظرت خروج أختها من الغرفة، فنهضت عن الفراش، واتجهت نحو المرآة لتنظر إلى هيئتها..
قربت ذقنها منها، وحدقت فيها بنظرات مشتعلة حينما رأت أثر الكدمة البارز..
ضغطت على شفتيها بغيظ كبير، وهتفت متوعدة بنبرة عدائية:
-والله ما سكتالك يا بسلة! أنا تديني بالبوكس؟ ماشي، هاتشوف!
تحسست موضع الآلم برفق، ثم حكت رأسها بيدها الأخرى وتساءلت مع نفسها بفضول:
-وبعدين ايه حكاية مهلة سنتين دي كمان؟!

ودعت صفية معظم الضيوف، واصطحبتهم إلى باب المنزل بعد أن ألقى عليه التحية مسعد..
كان باسل على وشك الإنصراف لكن منعه رفيقه قائلاً بجدية:
-استنى يا باسل، مش عاوزك تمشي الوقتي
سأله الأخير باستغراب:
-ليه؟
أجابه مسعد بنبرة شبه حزينة وهو ينظر في اتجاه سابين:
-أنا جاي معاك هنتكلم تحت في كام حاجة، بس هاقعد مع سابين الأول
سأله باسل بجدية وهو يشير بعينيه:
-انت هاتقولها اللي حصل النهاردة؟

هز رأسه بإيماءة خفيفة وهو يجيبه قائلاً:
-ايوه، لازم تعرف، محدش ضامن بكرة هايحصل فيه ايه
تفهم الأخير رغبته، ورد عليه بنبرة عادية وهو يشير بيده:
-ماشي، هاروح أساعد الست صفية تكون انت انجزت
لوح مسعد بيده له، وأردف مازحاً:
-اه يا ريت، وابقى سيأ ( امسح ) الأرض بالمرة
اغتاظ باسل من رد رفيقه الأخير، وعنفه قائلاً بغلظة:
-مش خدام أهلك أنا
ابتسم له مسعد ببلاهة وهو يقول بحذر:.

-بهزر معاك يا باسل، متخدش الموضوع على صدرك يا أخي!
نظر له الأخير بحدة، ورد عليه بإيجاز:
-ماشي
تحرك مسعد في اتجاه سابين التي كانت تجمع الصحون المتسخة معاً على الطاولة لترصها فوق بعضها البعض لتحملها مرة واحدة، ووقف إلى جوارها، ثم ابتسم لها بحزن وهو يستأذنها بصوت خافت:
-سابين، ممكن كلمة
بادلته ابتسامة رقيقة وهي ترد عليه:
-شور ( بالطبع ) موسأد!
أشار لها بيده وهو يكمل بصوت هاديء يحمل الجدية:.

-تعالي، هانقعد في البلكونة شوية
أومأت برأسها إيجاباً مرددة برقة:
-اوكي
ثم تحرك الاثنين في اتجاه الشرفة ليجلسا فيها سوياً وبعيداً عن أعين المتطفلين...

وقف باسل في منتصف الصالة يتلفت حوله بحيرة محاولاً التفكير في كيفية مساعدة السيدة صفية في ترتيب المنزل وإعادته لوضعه السابق بعد انصراف الضيوف منه..
تفاجيء بمن بجذبه من كف يده مردداً بإلحاح:
-عمو، هاتلي الحتة اللي هناك دي!
نظر باسل إلى جانبه فرأى الصغير فارس ينظر له بنظرات قوية، فابتسم له بتصنع وهو يقول:
-انت ماشبعتش يا بني، هايجيلك اسهال
رد عليه فارس بعبوس:
-دي فيها شوكولاته وأنا بأحبها، هاتها بقى!

أحضر له باسل قطعة الجاتوه المتبقية الموضوعة أعلى الرف الزجاجي، والتي تركها أحد المدعوين هنا دون أن يمسها، وأعطاها للصغير وهو يقول بهدوء:
-خد يا بني
زادت ابتسامة فارس إتساعاً، وهتف بسعادة وهو يقطمها في فمه:
-مشكر!
استدار باسل برأسه للجانب فلمح السيدة صفية وهي تنحني لتجمع بقايا علب المشروبات الزجاجية الفارغة، فاتجه إليها، وهتف متساءلاً:
-عاوزة مساعدة يا طنط؟

اعتدلت في وقفتها، ووضعت يدها على خصرها، وتنهدت في إنهاك وهي ترد عليه:
-كتر خيرك يا بني، الناس قلبوا البيت وبهدلوه!
رد عليها بأسف وهو يجوب بعينيه المكان بنظرات عامة وشمولية:
-ايوه، ماهو عشان كده معدتش حد بيعمل أي مناسبة في بيته!
وافقته الرأي قائلة بتعب:
-عندهم حق، احنا لسه ورانا هم ما يتلم، عاوزين نروق المكان ده كله ونضفه!
هز رأسه بالإيجاب، وتابع بصوت هاديء وهو يشير بيده:.

-أها، طب شوفي عاوزاني أعمل ايه وأنا موجود!
ابتسمت له بود لعرضه المساعدة، وربتت على ذراعه قائلة بإمتنان:
-وده يصح بردك، انت تقعد يا حبيبي، وأنا هاجيب ( المكسحة ) اللي عندي تساعدني!
تعجب من ذلك اللقب الذي قالته، وسألها بفضول وهو قاطب جبينه:
-قصدك مين؟
أجابته بإمتعاض وهي تشير بيدها:
-هو في غيرها إيناس، مش شايفاها من بدري، تلاقيها بس عاملة الشويتين دول عشان تهرب من ترويق البيت وتنضيفه معايا!

حك باسل مؤخرة رأسه بحرج، فهو يعرف السبب الحقيقي لإختفاء إيناس الغير مبرر، وحاول الدفاع عنها دون أن يثير ريبة والدتها، فتشدق قائلاً بحذر وهو يتنحنح بصوت خفيض:
-احم، اعذريها يمكن، آآ، تعبانة ولا حاجة!
تنهدت صفية بإنزعاج وهي ترد عليه:
-ربنا يعين اللي هايتجوزها، محتاج طولة بال وصبر، دي تجنن العاقل يا بني!
ابتسم لما قالته، ووافقها الرأي قائلاً:
-اه والله، عندك حق!

خرجت إيناس من الغرفة بعد أن بدلت ثيابها بمنامة طويلة، كنزتها من اللون الأحمر ومطبوع عليها رسمة كرتونية، أما بنطالها فهو مزيج من اللونين الأحمر والأزرق موضوعة بداخل مربعات كبيرة أو ما يطلق عليه ( بنطال كاروه )..
ظلت تفرك في ذقنها وهي تتأوه بآلم، ثم صاحت بنبرة عالية:
-إسراء، هاتلي التلج اللي يكرمك
أتاها صوتها من داخل المطبخ:
-طيب، هاحطهولك في قربة وجاية
ردت عليها إيناس بإمتعاض:.

-طيب، بس أوام الله يكرمك
ثم اتجهت بعدها إلى الصالة بخطوات متثاقلة لتجلس على الأريكة بإسترخاء،
نفخت بصوت مسموع، وحدقت أمامها بنظرات عادية، ولكن اتسعت مقلتيها بشدة، و تصلبت في جلستها حينما رأته جالساً قبالتها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة