قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل السابع

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل السابع

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل السابع

في مركز التدريب،
تحركت سابين خلف مسعد وتلفتت حولها بحذر متأملة أوجه المحدقين بها وكأنها كائن فضائي قد هبط تواً من مكوكه الصاروخي..
كانت الحرارة عالية للغاية، ولا يوجد أي مساحة للإستظلال بها..
لوحت بيدها في الهواء محاولة تحريك تلك النسمات الثابتة لعلها ترطب عليها، لكن دون جدوى..
تساءلت هي بصوت مرهق:
-موسآد، ألا يوجد مظلات؟
إستدار برأسه نحوها، وسألها بعدم فهم وهو محدق بها:
-ايه؟
ردت قائلة بإنهاك:.

-مظلات!
هز رأسه بالإيجاب وهو يقول بحماس:
-اه طبعاً موجود، ده احنا عندنا تشكيل بالكامل على أعلى مستوى ممكن تتخيليه!
سألته بتلهف وهي تتلفت حولها:
-فين؟ ( Where )
أومأ بعينيه وهو يجيبها بثقة:
-في المركز بتاعهم، هما مش هنا، وبيقوموا بمهمات في آآ...
أدركت سابين أن مسعد لم يفهم سؤالها جيداً، فقاطعته معترضة وهي تشير بيدها:
-نو نو نو ( No, no) موسأد، إنت مش إفهم، أنا أتكلم عن مظلة، ممم، Umbrella ( شمسية ).

حك مؤخرة رأسه بيده، وسألها بحرج:
-اللي هي آآ، بسطيهالي شوية
ردت عليه بجدية:
-Umbrella!
بدى مسعد غير قادراً على فهم لكنتها، فعضت على شفتها السفلى وهي تحاول إجابته باللغى العربية، فخرج صوتها متلعثماً وهي تقول:
-هي شم، شم، آآ..
قاطعها قائلاً بحماس مفرط:
-شمامة
إرتفع حاجبها للأعلى، وفغرت فمها لتردد بحيرة:
-ماذا ( What )؟
فسر لها قائلاً بهدوء:.

-شمام، بتاع أصفر كده بيتاكل، بيتقال عليه في الفلاحين أناناس، وهو شبه الكنتالوب وآآ...
قاطعته قائلة بعد أن توصلت لمعنى الكلمة الصحيح:
-لأ، هي شمسية!
أرجع رأسه للخلف، وتنهد بعمق وهو يضيف بعتاب زائف:
-آها، طب ما تقولي شمسية، لزمتها ايه تعوجي بؤك عليا
ابتسمت له ابتسامة باردة وهي تسأله:
-سوري، هي فين؟
أجابها بإيجاز وهو يهز كتفيه في عدم مبالاة:
-مافيش!
ردت عليه بلكنة عربية متكسرة:
-هاه، فيش!

حرك رأسه مؤكداً بجدية:
-ايوه، مافيش شماسي هنا!
قطبت جبينها بشدة، واحتجت قائلة بضيق واضح في نبرتها وتعابير وجهها:
-ليه موسأد؟ دي مهمة، إحميك من الشمس!
برر لها قائلاً بإمتعاض وقد ظهرت علامات الوجوم إلى حد ما في تقاسيمه المشدودة:
-يا صابرين احنا مش بتوع شمسيات ومظلات والحركات دي، احنا أقصى طموحنا هنا ناخد أجازة ومانشوفش وش ناس معينة، ومحدش يقرفنا فيها!
-اوه! غريب ( Wired ).

اعترض طريق مسعد أحد زملائه، وتشكل على وجهه ابتسامة سخيفة وهو يتساءل بفضول:
-مين دي يا مسعد؟ مش تعرفنا يا بطل!
رد عليها بنبرة قاتمة وهو يرمق زميله – فادي – بنظرات ساخطة:
-اهو ده واحد من الوشوش اياها!
هتف فادي قائلاً بإصرار:
-مردتش عليا! مين دي يا باشا؟
أجابه مسعد بفتور:
-خبيرة أجنية يا فادي!
أردف فادي قائلاً بسخرية:
-خميرة
احتقن وجه مسعد نوعاً ما، ورمقه بنظرات قوية وهو يتابع بنبرة جادة للغاية:.

-بأقولك خبيرة دولية جاية هنا، فبلاش ألشك الرخم الله يكرمك
تفحص فادي سابين بنظرات دقيقة أحرجتها من رأسها لأخمص قدميها وهو يكمل بتعجب:
-واحنا من امتى بيبعتولنا صواريخ كده أرض جو من غير ما يقولولنا؟!
تحرك مسعد بجسده ليسد عليه الرؤية، وتابع قائلاً على مضض:
-بأقولك ايه يا فادي دي تقفيل بلاد برا، أمريكاني يعني، ومتوصي عليها من فوق أوي!
ثم رفع إصبعه ليحذره قائلاً:.

-فخلي بالك، شغل العواطف والترحيب الأوفر والحركات النص لبة دي ماتكولش معاها، فمافيش داعي منه!
حك مؤخرة رأسه بعدم اقتناع وهو يتمتم:
-ماشي، ماشي، بس قولي هي جاية زيارة عندنا؟
نفخ مسعد بنفاذ صبر وهو يجيبه:
-حاجة زي كده!
سأله فادي بفضول وهو يضيق نظراته:
-يعني هاتقعد معانا؟
أجابه بإمتعاض بادي في نبرته:
-احتمال!
ارتسمت ابتسامة عريضة على ثغره، وهتف بتحمس زائد:.

-يا سيدي احنا عاوزين نخدم، ونقوم بواجب الضيافة مع الأجانب، لزوم تنشيط السياحة!
رد عليه مسعد ساخراً:
-اه، ما أنا عارف قلبكم الرهيف، فجأة الحس الوطني زاد عندكم وفاض!
أضاف فادي قائلاً ببرود:
-طبعاً
ثم تحرك للجانب، وحدق في سابين بنظرات مطولة وهو يسألها بصوت رخيم:
-والجميل اسمه ايه؟
وضع مسعد يده على كتف فادي، وضغط عليه بقوة وهو يقول بحنق:
-صابرين مابتعرفش عربي، فلخص.

قطب فادي جبينه بإندهاش، ومط فمه قليلاً بتعجب وهو يردد بعدم تصديق:
-مممم، صابرين، بقى الحلاوة دي كلها اسمها صابرين
رد عليه مسعد بإمتعاض:
-حكمة ربنا زي ما أنا اسمي مسعد!
أضاف فادي قائلاً ببرود مستفز:
-يا شيخ، طب أنا بأعرف لغات كويس!
هز مسعد رأسه بحركة خفيفة وهو يضيف ساخراً:
-ايوه، معاك لغتين وهاتخويها بالتالتة قريب
قهقه فادي بطريقة سخيفة، ثم هتف:
-دمك خفيف يا مسعد
نفخ مسعد بصوت مسموع وهو يرد عليه:.

-متشكر يا سيدي
لوح فادي بيده وهو ينظر في إتجاه سابين ليضيف:
-عاوز أقولك يا أستاذة إن مسعد ده أكتر واحد آآ...
قاطعه مسعد ليقول بحنق:
-مختلف هنا
مازحه فادي قائلاً بضحكة عالية:
-لأ متخلف!
انزعجت سابين من أسلوب ذلك الشخص السمج، ورمقته بنظرات ساخطة وزفرت بهدوء..
انزعج مسعد من اسلوبه الفج في المزاح، وحذره بجدية واضحة:
-هاتغلط يا فادي؟!
رسم فادي على شفتيه ابتسامة هادئة وهو يرد عليه بحذر:
-بأهزر معاك، فكك بقى!

ثم اندفع بجسده ناحية سابين التي تراجعت خطوة للخلف، ومد يده ليصافحها وهو يقول بنبرة دبلوماسية:
-هالو أنا فادي
ردت عليه سابين بفتور وهي تسحب يدها سريعاً من قبضته:
-هاي أنا سابين!
تعمد فادي أن يتحدث باللغة الإنجليزية مع سابين، فقد وجدها فرصة للتودد إليها دون أن يعترضه مسعد، لذا رفع حاجبيه في إعجاب، وتمتم قائلاً وهو يغمز لها:
-واو، اسمك جميل ( Nice name by the way ).

ظهر على وجه سابين علامات الإنزعاج واضحة من طريقته المصطنعة، ومع هذا أجبرت نفسها على الحفاظ على هدوئها أمام ذلك السخيف، وضغطت على شفتيها لتجيبه بإبتسامتها المهذبة:
-ثانكس
سألها فادي بفضول وهو يعمق نظراته نحوها:
-هل هذه أول زيارة لكِ لمصر ( Is it your first time to visit Egypt )؟
أومأت برأسها إيجابا وهي ترد عليه برقة:
-أها، نعم
أضاف هو قائلاً بإبتسامة عريضة:.

-أتمنى أن تستمتعي بإقامتك معنا ( Hope you enjoy staying here )!
لم يفهم مسعد كلمة واحدة مما تقال وظل يحرك رأسه ببلاهة وهو ينظر نحوهما، ولكن نفذ صبره، فصاح بحنق:
-وأنا هاقضيها متفرج كده كتير، قصر يا سيدي في الكلام
نظر له فادي قائلاً بعتاب:
-حاضر، مش بأرحب بالخبيرة
رد عليه مسعد بسخط وهو يرمقه بنظرات منزعجة:
-كفاية ترحيب، حتى كتر السلام بيقل المعرفة.

تجاهل فادي حديث مسعد، وإستدار برأسه ليتأمل سابين مجدداً بنظراته الجريئة، ثم أضاف بتهكم متعمداً إهانة زميله وهو يشير نحوه بإبهامه:
-ضعي في الإعتبار أن مسعد لا يعرف الإنجليزية، هو جاهل وغبي ( Mos ad doesn t know English at all, he s stupid and dump )
ردت عليه سابين بضيق:
-أها، أعرف هذا ( Yeah, I know this )
سأله مسعد بجدية وقد استشعر وجود خطب ما:
-انت بتقولها ايه؟
ابتسم له ببرود وهو يجيبه:
-بشكرلها فيك.

رمقه مسعد بنظرات حادة وهو يتابع بتبرم:
-لأ واضح فعلاً، أنا حاسس بده
اقتربت سابين من مسعد، وارتفع بقدميها عن الأرضية الإسفلتية قليلاً لتهمس له في أذنه بلكنتها العربية الغريبة:
-هو قول إنت هومار ( حمار ) في إنجليش
سمعها فادي، وتعجب من ردها باللغة العربية، فتنحنح بحرج، وهتف مسرعاً بمزاح:
-دونكي يعني!
حدجه مسعد بنظرات نارية، وكز على أسنانه بقوة قائلاً:
-كتر خيرك يا فادي
أضاف فادي بنبرة سخيفة:.

-عشان تعرف معزتك عندي!
رد عليه مسعد بهدوء مصطنع:
-شكراً يا سيدي، تسلم على ذوقك، يعني مش عارف من غيرك شكلي كان هيبوظ ازاي أكتر من كده!
ثم إستدار برأسه ناحية سابين، وصاح بها بنبرة شبه آمرة:
-يالا يا صابرين لأحسن لو طولنا شوية هانفجر هنا!
-اوكي
قالتها سابين وهي تتحرك خلفه بخطوات مسرعة..
ظلت أنظار فادي معلقة بهما، وحك موخرة رأسه عدة مرات وهو يتنهد بحرارة، ثم حدث نفسه بمكر:
-شكلها هتلعب معانا كلنا!

في منزل مسعد غراب،
اتجهت السيدة صفية لتفتح باب المنزل بعد أن سمعت تلك الدقات الخافتة عليه، وارتسم على محياها إبتسامة عذبة وهي ترحب بالضيفة قائلة:
-تعالي يا هدير، خشي يا بنتي
قبلتها هدير من وجنتيها، وهتفت بإبتسامة رقيقة:
-هاي طنط، إزيك؟
ردت عليها صفية بنبرة أمومية:
-الحمدلله يا بنتي!
ثم ربتت على ظهرها وهي تسألها بإهتمام:
-اخبارك انتي ايه؟ ومامتك صحتها عاملة ايه؟
هزت رأسها بحركة خفيفة وهي تقول بهدوء:.

-تمام يا طنط
ثم بحثت بعينيها عن إيناس، وتساءلت بجدية:
- هو، هو إيناس موجودة؟
أومأت صفية برأسها إيجاباً وهي ترد:
-أيوه، خشيلها، هتلاقيها في أوضتها!
رسمت هدير ابتسامة ناعمة على ثغرها، ونظرت لها ممتنة وهي ترد:
-اوكي يا طنط.

تفاجئت إيناس برفيقتها هدير تقتحم عليها الغرفة، فنهضت من على الفراش، وحدقت فيها بذهول، وسألتها بإندهاش:
-في حاجة حصلت يا هدير؟ إنتي جيتي ليه هنا؟ هو المستر قال حاجة جديدة وأنا معرفش؟
أشارت لها بكفها وهي تجيبها بهدوء:
-اهدي يا نوسة، مافيش حاجة حصلت!
سألتها الأخيرة بنزق وهي قاطبة لجبينها:
-أومال جاية بنفسك هنا ليه؟!
ردت عليها هدير ببرود وهي ترمقها بنظرات غير مريحة:
-وحشتيني!

زاد انعقاد ما بين حاجبي إيناس، ونظرت لها بعدم تصديق، ثم هتفت معترضة:
-ده بجد!
زادت ابتسامتها الغامضة اتساعاً وهي ترد عليها:
-أه طبعاً
عقدت إيناس ساعديها أمام صدرها، وضاقت نظراتها بشدة وهي تحدق بها، ثم أردفت قائلة بعدم اقتناع:
-هدير، جيتك النهاردة مش عادية
لوحت لها رفيقتها بإصبعها، وطلبت منها بهدوء:
-اقفلي بس الباب علينا وهافهمك!
تحركت إيناس صوب الباب، وأرخت ساعديها، وردت متمتمة بإيجاز:
-اوكي.

تأكدت هي من غلق الباب، ثم استدارت لتواجه رفيقتها، وسألتها بلا تردد:
-خير؟!
جذبتها هدير من ذراعها لتجلس إلى جوارها على طرف الفراش، ثم ضافت نظراتها المتفرسة في ملامح وجهها، وأخفضت نبرة صوتها وهي تسألها بفضول جلي:
-قوليلي يا نوسة مين المز اللي كان معاكي؟
فغرت إيناس شفتيها بتعجب لتقول:
-مز!
أومأت برأسها وهي تهتف بحماس واضح في تعابير وجهها وتصرفاتها:
-ايوه، الشاب اللي بطول وعرض اللي كان ماشي معاكي.

هزت إيناس كتفيها نافية:
-بس أنا مكونتش ماشية مع حد
غمزت لها هدير وهي تتابع بلؤم:
-عليا برضوه، ده أنا شيفاكي معاه!
أنكرت إيناس قائلة بإصرار:
-يا بنتي محصلش
عبست هدير بملامح وجهها، وزمت فمها وهي تحتج قائلة:
-إيناس، مش تلفي عليا، أنا شوفتك بعينيا وانتي راجعة معاه هنا!
فكرت إيناس قليلاً فيما تقوله رفيقتها، وشردت لوهلة مستعيدة ما حدث معها، ثم تشدقت ب:
-لأحسن تكوني بتكلمي عن باسل!

انفرجت شفتي هدير بإعجاب واضح وهي تقول:
-ايه ده، هو اسمه باسل، واو، لايق عليه!
هزت إيناس كتفيها في عدم مبالاة، وتابعت بفتور:
-بس ده صاحب أخويا
حركت هدير رأسها مستنكرة وهي تقول بعبوس زائف:
-صاحب أخوكي! وماشي معاكي عادي؟!
ردت عليها إيناس بجدية:
-يا هدير ده اكبر مني بكتير، يعني الفرق بينا مش أقل من عشر سنين!
عضت هدير على شفتها السفلى بإعجاب، وأردفت بنبرة متحمسة:
-واو، كمان، يعني فاهم وخبرة!

نهرتها إيناس قائلة بحدة:
-انتي يا بت هبلة، ده زي أخويا!
اعترضت هدير على ما تقوله ب:
-اخوكي مين، مافيش كلام من ده معاه!
تعجبت إيناس مما تصرح به رفيقتها، وقطبت جبينها بحيرة، وبرقت عينيها وهي تهتف بإنزعاج:
-هدير، وضحي كلامك!
تنهدت هدير بعمق، ثم همست بنبرة هائمة وهي تشرد بنظراتها:
-المز شكله جامد طحن، يستاهل الواحد يمشي معاه!
وفجأة تحولت نظراتها للجدية وهي تحذرها:
-اوعي تضيعيه منك.

التوى ثغر إيناس بإبتسامة ساخرة وهي ترد بإستخفاف:
-بطلي هبل!
وضعت هدير يدها على فخذ رفيقتها، وضغطت عليه قليلاً وهي تضيف بجدية:
-يا نوسة أنا عاوزة مصلحتك، واحد زي ده هتلاقي ألف واحدة تحوم حواليه!
نهضت إيناس من جوارها، وأولتها ظهرها، ثم شردت لوهلة فيما قالته، وتخيلت نفسها برفقة باسل يسيران سوياً بمفردهما..

ولكنها سريعاً ما نفضت تلك التخيلات عن ذهنها، وازدردت ريقها، ثم تنحنحت بخفوت، واحتجت بجدية زائفة وهي ترد:
-هدير إحنا في إعدادي، وكام شهر وهنبقى في ثانوي، ماينفش الكلام ده، كمان هو مش بيفكر أصلاً فيا بالطريقة دي!
أرجعت هدير جسدها للخلف، ووضعت ساقها فوق الأخرى، ثم هزتها بحركة ثابتة وهي تسألها ببرود:
-ليه يعني؟
ابتلعت إيناس ريقها بتوتر، وهتفت بجدية مبالغة:
-لأنه ماينفعش!

أخذت هدير نفساً عميقاً، وزفرته على مهل، ورفعت كفها للأعلى، ثم تابعت بهدوء وهي تنظر إلى طلاء أظافرها:
-خليكي ناصحة، واجبريه يشوفك قصاده!
حكت إيناس جبينها، وسألتها بإهتمام:
-قصدك ايه؟
اعتدلت هدير في جلستها، وردت عليها بنبرة عملية:
-ده فرصة، شاب وبيشتغل واكيد عنده شقته، والنوع ده من الشباب بيحب يخطب الصغرين، و سنة ولا اتنين ويخطبك وتتجوزوا!

اندهشت إيناس من تفكير رفيقتها الذي يتجاوز مرحلتهما العمرية الحالية، ورمشت بعينيها عدة مرات محاولة إستيعاب ما تقوله...
ثم حذرتها قائلة وهي تشير بسبابتها:
-بس لو انتي فضلتي زي ما انتي كده شبه البويز مش هايفكر فيكي من أساسه!
-ممممم
أضافت هدير بخبث وقد نهضت عن الفراش:
-أنا عاوزة مصلحتك، وقولت اللي يملاه عليا ضميري
بدى الإرتباك واضحاً على تعابير وجه إيناس، وفركت فروة رأسها بحيرة وهي تغمغم بقلق:.

-مش مرتاحة يا هدير
لفت هدير ذراعها حول كتف رفيقتها، وهمست لها بمكر:
-فكري فيها براحتك، وهتعرفي إني غرضي مصلحتك، أوكي؟
ثم سحبت ذراعها، وتحركت بخطوات رشيقة نحو الباب..
سألتها إيناس بتلهف وهي تتابعها بنظراتها:
-انتي رايحة فين؟
ردت عليها بنعومة:
-هارجع البيت
استغربت إيناس من إنصرافها المفاجيء، وهتفت:
-بس انتي جيتي فيه ايه وآآ..
قاطعتها هدير بنبرة رقيقة:.

-هانبقى نرغي براحتنا بعدين، المهم انتي فكري في اللي قولته، اوكي!
ضغطت إيناس على شفتيها لترد قائلة:
-ماشي، ربنا يسهل
لوحت لها رفيقتها بكفها وهي تقول:
-باي يا نوسة
-باي باي
جلست إيناس على طرف الفراش لتفكر ملياً فيما قالته رفيقتها، ما أثار إندهاشها حقاً هو مفهومها الغير عقلاني في تناول أمور لا تتناسب مع عمرهن الزمني..
ومع هذا تغير منظورها للمسألة برمتها، وبدأت تفكر فيها من ناحية أخرى...

في مركز التدريب،
توقف مسعد أمام عدة مبانٍ منخفضة متلاصقة – مطلية باللون الأبيض الذي يميل للرمادي – لا تتجاوز الثلاث طوابق، ثم التفت برأسه نصف إلتفاتة نحو سابين، واستطرد حديثه قائلاً بهدوء:
-المفروض إنتي هاتقعدي هنا
حدقت هي في المباني بنظراتِ دقيقة وتأملت هيئتها بفضول عجيب..

فقد كانت مختلفة عما خطر في تصورها، فكانت أقرب للمساكن العادية التي يرتادها المصطافون قديماً كما رأت في صور والدها الفوتغرافية القديمة، لا يوجد بها أي شيء مميز..
تحرك مسعد للأمام، ومر في الرواق حتى وقف أمام باب خشبي أزرق، وأسند الحقيبة إلى جوارها، ثم أخرج المفتاح الصغير من جيبه، ووضعه في موضعه وفتحه، ثم دفعه بيده لينفتح على مصرعيه، واستدار برأسه للخلف ليقول بنبرة مرتفعة:
-تعالي يا صابرين.

اتجهت نحو الباب، ووقفت على عتبته، وحدقت في الظلام الدامس الذي يغلف الغرفة، وشعرت بثقل الهواء في الداخل، ثم ابتلعت ريقها، وهمست متساءلة بجدية وهي تشير بإصبعها:
-أنا Stay here ) أبقى هنا )؟
رد عليها مسعد بهدوء:
-هو أنا مش فاهم بتقولي ايه، بس ده مكانك، وإن شاء الله تعجبك الأوضة!
تسمرت هي في مكانها، فصاح بها بحماس:
-خشي برجلك اليمين
مالت برأسها نحوه لتسأله:
-ايه ( What )؟
ابتسم لها وهو يقول:.

-ادخلي يا صابرين، دي ليلتك فل إن شاء الله!
هزت رأسها إيجاباً، ولكنها ردت بتوجس ظاهر في نبرتها:
-اوكي، بس It s dull ( مظلمة )
بدت عبارتها غامضة بالنسبة له، ولكنه لم يهتم، وأشار لها بيده قائلاً بإصرار:
-ادخلي بس وهانورلك النور
هزت رأسها معترضة، وأشارت نحوه لتقول بإلحاح بلكنتها الرقيقة:
-إنت أول!
ابتسم لها ببلاهة وهو يضيف بمزاح:
-متخافيش مافيش عفاريت جوا، هما بيطلعوا بالليل بس.

دب في جسدها إرتعاشة خفيفة فقد فهمت مقصده، وصاحت بخوف:
-ايه؟
تجمدت تعابير وجهه وهو يضيف بنبرة خافتة:
-بسم الله الرحمن الرحيم، سلام قول من رب رحيم
ارتعدت سابين قليلاً، وسألتها بقلق:
-إنت قول ايه؟
رد عليها بنبرة خافتة للغاية أخافتها نوعاً ما:
-باستعيذ بالله من الشيطان!
انكمشت على نفسها، وبدت مذعورة بدرجة ملحوظة، ورمشت بعينيها لتردد بتوسل:
-موسأد، بليز، أنا أخاف!
انتصب مسعد بجسده، وصاح بصلابة عجيبة:.

-تخافي وأنا موجود، هو إنتي معاكي ابن أختك، عيب عليكي يا صابرين!
ثم ولج بعد عبارته للداخل، وبحث عن مفتاح الإنارة ليضيء المكان..
تأملت سابين الغرفة بعد أن تمت إضاءتها بنظرات متفحصة، وجابت ببصرها كل ركن فيها..
احتوت الغرفة على فراش عريض بالمنتصف، وخزانة ملابس بسيطة محفورة في الحائط الجانبي، وكذلك طاولة على الجانب موضوع إلى جوارها مقعدين بلاستيكين، وكومود ملاصق للفراش
قطع تأملها صوت مسعد وهو يسرد قائلاً:.

-بصي دي أحسن حاجة متوفرة حالياً، كان في أوضة تانية، بس احم، آآ، المجاري طافحة فيها، والريحة مقولكيش فواحة، نشادر أقل وصف ليها!
هزت رأسها متفهمة وهي تقول بهمس:
-اوكي
ابتسم لها ابتسامة مطمئنة، ثم أضاف محذراً:
-مش عاوزك تقلقي من أي كائنات تشوفيها هنا!
شهقت مصدومة مما قاله، وسألته بتوتر:
-ايه ( What )؟
أوضح لها ما يقصد بهدوء مريب:.

-ما انتي مش لوحدك، واحنا مش في العمران أوي، احنا في وسط صحرا، والطبيعي إنك تلاقي مخلوقات تانية بتشاركك كل حاجة!
اتسعت حدقتيها في صدمة، وبدت غير قادرة على تفسير ما قاله، فأضاف موضحاً:
-مش عاوزك تقلقي، هما مش بيطيروا، دول أغلبهم زواحف!
سألته بنبرة حائرة بعد عبارته الغامضة:
-مش فهماك!
أولها ظهره، وأضاف بجدية وهو يشير بيده:
-انتي بس سدي عقب الباب بفوطة ولا ملابة قديمة عشان التريشا ( نوع من أنواع الثعابين ).

فغرت فمها مدهوشة نوعاً ما، وتمتمت بإستغراب:
-هاه
أردف مسعد قائلاً بضجر:
-إنتي مال الغباء نزل عليكي مرة واحدة كده ليه!
ردت عليه بحنق:
-أنا مش افهم كلمة دي
فسر لها ما يقصد قائلاً بصوت شبه متلعثم:
-التريشا دي يعني تعبان، اللي هو اسمه كان آآ، سآآ، سن، سناكس ( Snacks ) ( مقرمشات )
توهمت سابين أنه يتحدث عن نوع من الطعام الخفيف، فسألته بتعجب:
-ده يتاكل؟
فرك طرف ذقنه بكفه، وأجابها بهدوء:.

-هو احنا هنا ممكن ناكله عادي، بس معرفش انتي نظامك ايه معاه!
قضمت سابين شفتها قليلاً، وسألته بحرج خاصة حينما تعذر عليها فهم ما يردده من كلمات بدت غامضة لها:
-ممكن U ( انت ) إوصف تيشة دي!
صحح لها قائلاً:
-تريشا، مش تيشة!
-اوكي
تابع مسعد قائلاً وهو يفسر بيده:
-هو صغير وبيمشي على بطنه، وبيعمل صوت سسسس
جحظت بعينيها مصدومة، وتساءلت بهلع:
-إنت اقصد Snake ( ثعبان )؟
هز رأسه موافقاً بقوة:
-ايوه، هو ده!

شهقت بذعر جلي، وكتمت فمها بكفيها:
-أوووه
تعجب مسعد من ردة فعلها المبالغ فيها، وسألها بإستغراب:
-في ايه؟
قفزت في مكانها بخوف وهي ترد بنبرة مرتعدة:
-هنا في snakes ( ثعابين )؟!
أجابها بثقة وثغره يعلوه إبتسامة عريضة:
-بالهبل، متعديش!
حركت سابين رأسها بصورة هيسترية بعد أن دار بمخيلتها أوهاماً مزيفة عن وجود تلك الأفاعي الغريبة في غرفتها، وصاحت بنبرة خائفة:
-أنا مش اقعد هنا.

مرر مسعد يده في فروة رأسه، وتأملها بنظرات متعجبة، ثم تمتم مع نفسه بريبة:
-أومال لو عرفتي الباقي هتعملي ايه...؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة