قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثامن

في مركز التدريب،
تلفتت سابين حولها بذعر، ورفعت ساقها عن الأرضية الصلبة لتتأكد من عدم وجود أي أفاعٍ أسفل قدميها
وضع مسعد إصبعه على طرف أنفه ليحكه قبل أن يضيف بهدوء:
-أنا بأوضحلك الحياة هنا عاملة ازاي
ابتلعت سابين ريقها بصعوبة، وهمست بقلق:
-أنا آآ، أهاف ( أخاف ) من انت تقوله
تمطع بذراعيه قبل أن يتابع بحماس:.

-شوفي يا صابرين، ساعات وانتي اعدة كده في حالك هتلاقي فيران معدية، متخافيش، طول ما هي صغيرة انتي في أمان!
رددت بلكنتها العربية الغريبة وقد إرتفعت حاجبيها للأعلى:
-ف، فران!
أومأ برأسه إيجاباً وهو يوضح بثقة:
-فيران، جمع فار، البتاع الصغير اللي بياكل الجبنة
سألته سابين بنعومة:
-انت أقصد mouse؟
اعتلى ثغره ابتسامة عريضة، وهتف بسعادة:.

-ايوه، هو ميكي ماوس، احنا هنا عندنا أحجام كتير منه، سمول، وميديم، واكس اكس اكس لارج!
تشكل على تعابير وجهها علامات الذهول، بينما أكمل هو بنفس النبرة الواثقة:
-بصي كلهم عادي، انتي بس ممكن تقلقي من الفاميلي سايز، ده مايعرفش أبوه، ديله غبي، وسنانه رهيبة، وشكله أصلاً مقرف وجربان ويجيب المرض!
امتعض وجهها لتهتف بتأفف بعد أن بدت نظرات الإشمئزاز واضح في عينيها:
-إيوو
أشار بسبابته وهو يضيف بجدية:.

-اه، نسيت أقولك احنا عندنا أم أربعة وأربعين!
تعجبت من العبارة الأخيرة، وسألته بإستفهام:
-اي دي موسأد؟
أوضح لها بهدوء وهو يفرك جبينه:
-دي بنقول عليها بالإنجليزي آآ، انا فاركها دي سهلة خالص!
تابعته بنظراتها المتوترة وهو يتحرك ذهاباً وإياباً، وفجأة صاح بحماس جلي:
-ايوه، افتكرت، هي اسمها فور باي فور
عقدت ما بين حاجبيها في إندهاش، ولوحت بذراعيها قائلة:
-هي Car، بيب بيب!
هز رأسه نافياً:
-لأ، أم أربعة وأربعين!

هزت سابين كتفيها في عدم مبالاة، ورددت بيأس:
-مش إفهم
قال لها مبتسماً:
-دي عادية، لما تشوفيها هتعرفيها
-اها
ثم حذرها قائلاً بجدية:
-المهم خلي بالك من العقارب، دول مش كيوت خالص، ومش لونهم اسود زي عندكم، لأ دول صفر وسمهم والقبر!
تشنجت تعابير وجهها قليلاً وهي تهتف بصعوبة:
-آآ، مش إعرف قولها!
فسر لها مشيراً بيديه:
-عقارب، البتاع اللي شبه الكابوريا، اللي بيعمل كده بديله!

ارتجف جسدها وقد فهمت ما يقول، ورددت بإرتعاد:
-أها، عرفته، ده مرعب!
عبس مسعد بوجهه وهو يضيف:
-جدااا، العناكب وشغل سبايدر مان هتلاقيه أساسي هنا
أشارت سابين بإصبعها للأسفل وهي تتساءل بإرتباك:
-اووه، وأنا suppose to ( المفروض ) أقعد مع دول؟ صح؟!
حرك رأسه إيجاباً وهو يجيبها بحماس:
-اينعم، الله ينور على دماغك، شوفي أنا كده حاطيتك على أول الطريق، وإنتي اجتهدي معاهم!

ثم رسم ابتسامة عريضة على ثغره في محاولة منه لطمأنة سابين التي بدت أكثر ذعراً وهلعاً عن ذي قبل..
وفجأة هتفت بصوت مرتجف وهي تتحرك نحو باب الغرفة:
-أنا مش اقعد هنا موسأد، Never ( استحالة )
اعترض مسعد طريقها قائلاً بإستغراب وهو يفتح ذراعيه في الهواء:
-ليه بس، والله اطمني، دي حاجات عادية
هزت رأسها رافضة وهي تحاول المرور من أمامه:
-نو، نو، أنا Scared ( خائفة )
نفخ بضيق وهو يتوسل لها:.

-أمانة عليكي كلميني بحاجات أفهمها!
حدقت فيه بعينيها الناعستين، وهمست له برقة:
-أنا أهاف موسأد ( أخاف )
تنهد بحرارة وهو يطالع نظراتها وهمس لنفسه:
-أهاف، يا سيدي على الرقة!
ثم تنحنح بخشونة واعتدل في وقفته، وأردف قائلاً بجدية:
-بصي، أنا معاكي، حطي هدومك انتي بس في الدولاب ومالكيش دعوة!
عقدت ساعديها أمام صدرها، وهزت رأسها معترضة وهي تقول بإصرار:
-نو، ( لا )
-يا صابرين متخافيش، مافيش حاجة فيه حتى بصي.

قالها مسعد وهو يتحرك صوب خزانة الملابس، ثم فتح ضلفتيها على مصرعيهما ليرى ما بالداخل، فكانت خاوية إلا من بعض الحشرات..
التفت برأسه نحوها نصف إلتفاتة، وهتف بصوت هاديء:
-أهوو، مافيش إلا صراصير وبس!
إرتخى ساعديها فوراً في صدمة، وسألته:
-ايه؟
أجابها بثقة وهو يبتسم لها:
-صرصار، معروف إنه صديق البنات الأول، حتى شوفي.

أمسك مسعد بذلك الصرصور القابع على رف الدولاب من شواربه بإصبعيه، ثم إستدار بجسده ناحيتها، ورفعه في وجهها، فصرخت بهلع وهي تركض للخارج:
-إيوو، مامي!
تعجب من ردة فعلها المبالغة، واستنكر صراخها المخيف، وصاح بسخط:
-في ايه يا صابرين، ده صرصار مش خنفسة، ده أنا حتى محدفتوش عليكي زي الهبلة إيناس!
ثم ألقاه مسعد خلف ظهره، وتبعها بخطوات متريثة وهو يمط فمه في تعجب...

لم تتمكن سابين من الفرار، فقد أمسك بها فادي – ذاك الضابط السمج الذي إلتقته سابقاً من خصرها، ومنعها من الركض، ورفعها عن الأرض قليلاً لينظر لها بإستمتاع وهي تتلوى في أحضانه محاولة تحرير نفسها من قبضته المحكمة حولها..
ضربته هي بقبضتيها في صدره بعنف، ولكن لم تكن قوتها بالهائلة لتبعده عنها وتتخلص منه...
خرج مسعد من الغرفة فوجده ممسكاً بها، فصاح به بصوت غاضب:
-فادي، إنت بتعمل ايه؟

رد عليه ببرود وهو ينظر لها بجرأة:
-ولا حاجة يا باشا، أنا بأرحب بالزبونة!
لكمته سابين بقبضتها المكتورة في صدره، وصرخت فيه:
-دعني أذهب ( Let me go )
وقف مسعد أمامه، ونزع قبضته عنها وهو يصيح به بغلظة:
-سيبها يا فادي!
همس لها فادي بنبرة اخافتها:
-على عيني أسيبك يا قمر
انهالت هي عليه بعدة شتائم متتالية باللغة الانجليزية بعد أن حررها، فرمقها فادي بنظرات حادة، وتحولت تعابير وجهه للوجوم، وصاح بصوت مهدد:.

-نعم؟ الكلام ده ليا أنا؟!
استشعر مسعد الخطر من نبرته المزعجة، وتعابيره المشدودة، فسأله بحذر:
-هي قالتلك ايه؟
كز على أسنانه بشراسة، ولم يجب على مسعد، ففهم الأخير أنها وبخته بسباب لاذع، فأردف قائلاً بمزاح ليخفف من حدة الأجواء:
-يبقى قالتلك ( تباً ) زي ما بنقرى في الأفلام
لوح لها فادي بكف يده وهو يتابع بصوت عدائي:
-لولا إنك في حماية مسعد باشا كنت اتصرفت معاكي!

لم تعبأ سابين بتهديده الزائف، وهتفت متحدية إياه:
-إنت غبي، أنا هاشتكيك!
غمز لها مسعد محذراً:
-مابلاش الغلط يا صابرين!
ثم تحرك قليلاً ليسد بجسده الطريق على فادي لو فكر في التعرض لسابين، وسأله بجدية وهو محدق به:
-عاوز ايه يا فادي؟
رمق هو سابين بنظرات ساخطة، ورد عليه بنبرة مغلولة:
-انا كنت جاي اخدم
هتف مسعد بضيق:
-متشكرين يا فادي، مش محتاجين خدماتك!
أشارت سابين بسبابتها متعمدة إهانة فادي وهي تضيف بسخط:.

-أنا مش أوز ( أعوز ) حاجة منك إنت!
صاح بها فادي بنبرة غليظة وهو يتحرك للفتك بها:
-مالك في ايه، مفرودة على ايه!
جفل جسد سابين من عنفه، وابتلعت ريقها بإرتعاد قليل، ورغم هذا إدعت ثابتها..
منعه مسعد بجسده، وحال دون إعتراضه إياها وهو يهتف بصوت قوي:
-ملكش دعوة بيها يا فادي، وكلمني أنا لو عندك حاجة!
ثم إستدار برأسه ناحية سابين، وصاح بصوت آمر:
-تعالى جمبي يا صابرين!

تحركت هي لتقف خلفه، ولم تكف عن رمق فادي بنظرات إحتقارية
همس لها مسعد من بين أسنانه:
-إنتي مش أده، ده لو عطس فيكي هايلزقك في السقف!
ثم انتبه ثلاثتهم إلى ذلك الصوت الجهوري الصادح من بعيد:
-مسعد، في ايه؟
اتسعت حدقتي مسعد في إندهاش، وهتف بذهول:
-باسل؟!

في مقهى ما،
قطمت هدير قطعة من ال ( تشيز كيك ) الموضوعة أمامها، وتلذذت بها وهي تلوكها في فمها، فنظرت لها هند بنظرات حادة، وهدرت فيها بضيق:
-يا بنتي اتكلمي، أنا زهقت، قالتلك ايه؟
ابتلعت تلك القطعة، ومسحت بالمنشفة الورقية فمها، وردت بهدوء:
-مش صاحبها
هتفت هند بسعادة وقد برقت عينيها بحماسة واضحة:
-بجد؟!
أومأت برأسها بحركة خفيفة وهي تكمل موضحة:
-ايوه، ده صاحب أخوها، وبالنسبالها عادي!

عضت هند على شفتها السفلي، وأكمل بإعجاب:
-واو، حلو أوي، دي فرصتنا نتصاحب عليه!
ردت عليها هدير بنبرة هادئة:
-اها، ما أنا بأفكر بس في سكة اقرب منه عن طريقها
هزت هند حاجبها وهي تسألها بمكر:
-يعني هي هاتكون كوبري؟!
أجابتها هدير بإيجاز:
-بالظبط
شدت هند كتفيها، وأضافت بتحمس:
-وأنا معاكي
-اوكي يا بيبي!
اقترب منهما شاب ما، وتساءل بصوت رخيم:
-ها يا بنات، جاهزين للسينما؟
ردت عليه هدير بنعومة:
-ايوه.

أشار لها برأسه وهو يقول:
-طب يالا
سألته هند بجدية:
-مين هيحاسب؟
ابتسم لها الشاب قائلاً:
-انا هادفع أكيد
نظرت له هدير بإمتنان وهي تقول:
-ثانكس
رد عليها بهدوء:
-على ايه، دي حاجة بسيطة!

في مركز التدريب،
تفاجيء مسعد بحضور باسل إلى مركز التدريب في هذا التوقيت، خاصة وأنه يعلم بمسألة حصوله على أجازة، إذن فوجوده هنا يعد أمراً غامضاً إن لم يكن مريباً..
لذا سأله بنزق وهو ينظر نحوه:
-انت مش كنت أجازة يا باسل؟
رد عليه رفيقه بجدية واضحة:
-ايوه، بس اتلغت!
سأله مسعد مستفهماً وقد دارت برأسه العديد من التساؤلات:
-ليه؟
أجابه بصوت جاد وهو يوزع أنظاره مابين سابين وفادي:.

-الفريق ضياء بلغني أتواجد معاك ضروري هنا عشان الخبيرة
رد عليه مسعد بتساؤل أخر:
-هو انت عرفت؟
أجابه باسل بإيجاز:
-ايوه
تنحنح فادي بصوت خشن، وفرك مؤخرة رأسه بيده، وأردف قائلاً بجمود:
-واضح كده إني وجودي مالوش لازمة
رد عليه باسل بجدية وهو يحدجه بنظراته الصارمة:
-يا ريت تسيبنا مع بعض شوية يا فادي!
همس مسعد من بين أسنانه:
-انت كلك على بعضك مالكش لازمة.

ثم تابعه ثلاثتهم بأنظارهم الحانقة وهو يتحرك مبتعداً عنهم، إستدار باسل في اتجاه سابين، ورحب بها قائلاً بود:
-هاي أنا باسل!
ردت عليه بإبتسامة مهذبة وهي تجيبه باللغة الإنجليزية:
-وأنا أدعى سابين ( me Sabeen )
صاح مسعد متذمراً:
-اتكلموا عربي الله يكرمك، أنا مش ناقص خوتت دماغ!
رد عليه باسل بهدوء:
-اوكي
ثم وجه حديثه إلى سابين قائلاً بجدية:.

-أنا، أنا مش عاوزك تقلقي يا مدام، احنا هنا معاكي، وهنلازمك لحد ما تخلصي التقييم بتاعك، ولو في أي مشكلة بلغيني بها على طول، وأنا هاتصرف
تنهدت سابين بإرتياح، ونظرت له ممتنة وهي تقول:
-اوكي! ثانكس
وتشكل على ثغرها إبتسامة رقيقة وهي تهمس لنفسها بإعجاب:
-واو، أخيرا حد بيفهم هتعامل معاه!
تساءل باسل بجيدة وهو يطالع المكان من حوله بنظرات متفحصة:
-انت هاتقعدها فين يا مسعد؟
رد عليه مسعد بسخرية:.

-تفتكر يعني في الفورسيزون، هنا طبعاً!
سأله بجدية:
-أقصد أنهو أوضة تحديداً؟
أجابه مسعد بهدوء وهو يفرك صدغه:
-بص كلهم مليانين بلاوي زرقة، فأنا منقيلها أحسن واحدة
مال عليه باسل برأسه، وهمس معترضاً:
-لأ ماينفعش، مش ناقصين فضايح ولا تكدير من الفريق ضياء!
ثم استدار ناحية سابين ليقول بصوت جاد يحمل الصرامة:
-مدام سابين انتي هتتواجدي في أوضتي، هي تمام ونضيفة، وانا هانقل مكانك!

رفع مسعد حاجبه للأعلى مستنكراً، وهتف معترضاً بضيق:
-يا سلام على الرجولة، وهاتعمل ايه في السمجين وأصحاب الحس الوطني اللي جمبك!
فكر باسل فيما قاله رفيقه، ورد عليه قائلاً:
-أها، عندك حق، أنا مفكرتش في دول خالص
تابع مسعد قائلاً بتبرير:
-مش بأقولك، هي هنا المبنى مافيش فيه حد كتير، والرجل قليلة، فتكون براحتها!
ساد صمت لوقت محدود بين الجميع..

تحركت سابين للأمام لتترك لهما مساحة من الحرية للحديث، وحدقت في المكان حولها لتتأمل معالمة..
بينما فرك باسل ذقنه وهو يفكر جدياً في حل لتلك المعضلة، فهو يعلم حالة الغرف السكنية الموجودة بتلك المباني، وأنها لا تصلح إلى حد ما لإقامة مريحة..
ولكن لا بديل عنها، فوجود تلك الخبيرة في أي مبنى أخر قد يعرضها لمضايقات غير محمودة العواقب من الشباب المتواجد بها..

لذلك سعي لإيجاد حل سريع ومؤقت حتى تتم معالجة تلك المشكلة..
وضع باسل يده على كتف رفيقه، وصاح مقاطعاً ذلك الصمت قائلاً:
-أنا عندي اقتراح أفضل، احنا ننقل معاها
لوى مسعد فمه قائلاً بنبرة محتجة:
-نعم، بقى انت عايزني أنا مسعد غراب أسيب الجناح الغربي، واقعد هنا في القبلي عشان أتقلي!
رد عليه باسل بصوت جاد:
-المصلحة بتقول كده!
هتف مسعد معترضاً بغلظة:.

-يخربيتها مصلحة، ده مافيش مروحة توحد ربنا هنا، دي المنطقة زيرو خدمات في كل حاجة، احنا هنتشوي على نار هادية وهنتعذب ولا كفار قريش!
رد عليه باسل معاتباً:
-ويعني انت كنت عاوز تقعدها هنا لوحدها؟
تنحنح مسعد بحرج، وأجابه بإبتسامة خفيفة:
-هي مكانتش لوحدها أوي
سلط باسل أنظاره على سابين، وهمس محذراً:
-طب اسكت لأحسن بتبصلنا
رد عليه مسعد بنبرة ممتعضة:
-لعلمك هي بتفهم عربي بس بتستعبط
أضاف باسل قائلاً بتوبيخ:.

-والله إنت اللي شكلك ولا فاهم حاجة
رد عليه مسعد محتجاً:
-أنا مثقف في اللغة!
صحح له باسل ما لفظه قائلاً:
-إنت أمي ( جاهل ) يا بني!
اقتربت منهما سابين، وسألتها بجدية وهي توزع نظراتها بينهما:
-إنتو قولوا ايه؟
رد عليها باسل بهدوء جاد:
-بنظبط كل حاجة، ومتقلقيش يا مدام، هانكون معاكي
رفعت كفها في وجهه، وهتفت بنعومة:
-أنا مس ( Miss)، نو، مدام
تصنع باسل الإبتسام وهو يرد عليها بإختصار:
-سوري.

ثم لكز رفيقه بخفة في كتفه وهو يكمل بجدية:
-طب يالا، فين الشنط يا مسعد؟
أشار له الأخير بإصبعه قائلاً:
-في الأوضة جوا
-ماشي
وبالفعل تعاون باسل مع مسعد في تجهيز الغرفة الخاصة بسابين لتكون ملائمة لها..
ورغم حالة الخوف المسيطرة عليها من البقاء في هذا المكان الغريب لكنها كانت ممتنة لوجود الاثنين معها، حالياً، فمازال الليل في أوله..

في منزل مسعد غراب،
أمسكت إيناس بالمرآة الصغيرة، وقربتها من حاجبها لتطالعه بنظرات متفحصة..
ثم قربت الملقط منه، وحاولت نزع تلك الشعيرات المتمردة، ولكنها تأوهت متألمة حينما تمكنت بصعوبة من إزالة واحدة..
ألقط بالمرآة والملقط، ونفخ بضيق وهي تمتم لنفسها:
-يعني الشعرتين دول لما هاشيلهم هيبصلي مثلاً، دي حاجة بتوجع أوي!
زفرت مجدداً بإنهاك، وألقت بجسدها على الفراش، ثم تقلبت على جانبها، وتابعت بضجر:.

-ماهو أنا مش عاوزة أكون شبه الولاد، محتاجة أروح لحد متخصص يصنفرني على رأي البنات
عقدت كفيها خلف رأسها بعد أن استلقت على ظهرها، ثم حدقت في سقفية الغرفة، وأكمل حديث نفسها:
-بكرة هاشوف مع هدير الحل!

في مركز التدريب،
لم تتمكن سابين من النوم مطلقاً في فراشها، فقد كانت مرتعدة من تعرضها للهجوم من أي نوع من الزواحف التي تحدث عنها مسعد مسبقاً..
انكمشت على نفسها في الفراش، وحاولت تغطية ساقيها، ولكن لإرتفاع الحرارة، لم تستطع تحمل الغطاء كثيراً، فقذفته بعيداً..
ضغطت على عينيها بقوة، وتنفست ببطء وهي تهمس لنفسها:
-اهدي يا سابوو، مافيش حاجة، دي أوهام.

سمعت صوت ( زنة ) مزعجة قريبة من أذنها، فدست رأسها في الوسادة..
مرت ثوانٍ قبل أن تشعر بلدغة في ساقها، فجذعت في نومتها، واعتدلت لترى ما الذي لدغها..
بدأت في حك ساقها، ورأت المتسبب بها
بالطبع كان الناموس المزعج يملأ الغرفة، وهي لم تسلم من لدغاته..
نفخت بيأس، ونهضت عن الفراش وهي تسب بكلمات مبهمة..

بحثت حولها عن المبيد حشري لكنها لم تجد العبوة، فزفرت بإستياء، ثم انحنت لتلتقط خفيها، وارتدته في قدميها، وتحركت في اتجاه باب الغرفة..
وقبل أن تمسك بالمقبض وتديره، نظرت إلى هيئتها..
ضربت مقدمة رأسها بكفها، وعاتبت نفسها قائلة:
-ازاي هاخرج كده، مش ينفع
كانت سابين ترتدي منامتها الصيفية القصيرة ذات اللون الأصفر، وهي لا تصلح بأي حال للوقوف خارج فراشها، فماذا عن خارج باب غرفتها..

التوى ثغرها بإبتسامة باهتة وهي تتابع بخفوت:
-أوه، كنت هانسى الروب!
ارتدت ذلك الروب الحريري، وأحكمت إغلاق رباطه حول خصرها، ثم نفضت شعرها للخلف بعد أن أعادت ترتيبه، وفتحت الباب لتلج للخارج..
أخذت هي نفساً عميقاً حبسته للحظات في صدرها قبل أن تقذفه دفعة واحدة من رئتيها..
وضعت يديها على خاصرتها، وتأملت المكان بنظرات متمعنة..
كان الظلام يغلف كل شيء تقريباً، فيما عدا بعض الأجزاء التي تضاء بأعمدة إنارة قوية..

شهقت بذعر حينما سمعت صوتاً رجولياً يقول:
-مساء الفل
استدارت برأسها ناحية مصدر الصوت، فوجدت مسعد جالساً على مقعد خشبي يميل به للخلف ومستنداً على الحائط
رمقته بنظرات حادة، وقبل أن تفتح شفتيها لتنطق، أردف هو قائلاً بهدوء:
-معرفتيش تنامي صح؟
عاتبته سابين قائلاً بتبرم:
-موسأد، إنت هوفت ( خوفت ) أنا
ابتسم لها قائلاً
-مقصدش!
ثم صمت للحظة قبل أن يكمل بتذمر:
-بس مش جايلي نوم، وهاموت من الناموس والحر!

أومأت برأسها موافقة اياه وهي تقول:
-أوه، انت عندك حق، الموسكيتو هنا فظيع
فغر فمه ليسألها بعدم فهم:
-ايه؟
أوضحت له قائلة بعد لحظة من التفكير:
-موسكيتو، ن، ناموس!
هز رأسه متفهماً، وصاح بحماس:
-اها، اسمه موسكيتو، شوف اللؤم وعاملين القرص بتاع الناموس على اسم كيتو، العلم نور والله!
زفرت سابين وهي تقول بضجر:
-موسأد، بليز شوف حل في الموسكيتو
رد عليها بأسف:
-يا صابرين، الموسكيتو عندنا غير أي موسكيتو!
-ليه؟

أجابها قائلاً وهو يشرح مستخدماً يديه:
-في بينا كده، زي ما تقولي علاقة دم، مش بيجوز معاهم حاجة
هزت كتفيها في عدم فهم، وهمست بنعومة:
-مش إفهم
فرك رأسه بكفه، ثم أخذ نفساً عميقاً، وزفره على مهل ليقول:
-بصي هما مصاصين دماء، مش هاسيبوكي إلا لما يشربوا دمك، وإنتي دمك بالنسبالهم شربات، فأكيد هايشفطوكي ويسبوكي جلد على عضم، حاجة زي الموميا كده، ها وصلت!

رغم عدم استيعابها لنصف ما قاله إلا أنها بادلته ابتسامة رقيقة وهي تقول بهدوء:
-أها، اوكي، أنا هاتمشى هنا شوية
اعتدل في جلسته بعد أن أخفض المقعد فجأة، وهتف مصدوماً:
-تتمشي
هزت رأسها إيجاباً وهي تقول بتنهيدة متعبة:
-ييس، أنا أحس بالملل
هب واقفاً، وتحرك ناحيتها، وأردف قائلاً بجدية:
-صابرين، الكلام ده ماينفعش هنا، في وحوش برا، محرومين يا عيني، أقل حاجة ممكن يغتصبوكي!
ارتعدت فرائصها مما قاله، وسألته مشدوهة:.

-ايه؟
حاول هو ألا يثير ذعرها أكثر، فبحث عن حجة أخرى مقنعة، فهتف بنزق:
-ده غير طبعاً السلعوة اللي عندنا
حاولت هي أن تلفظ تلك الكلمة، فظهر صوتها متقطعاً وهي تقول:
-س، سي، ايه؟
همس قائلاً وهو مثبت أنظاره عليها:
-سلعوة، اسمها سلعوة
سألته بإهتمام وهي محدقة به:
-دي ايه سيأوة ( سلعوة )
أجابها بصوت خفيض:
-دي شبه الكلب الوِلف عندكم، بس حرمه، المدام بتاعته يعني!
حركت سابين كتفيها في عدم إكتراث وهي تقول:.

-أنا أول مرة إسمع عن سيأوة دي
عبس بوجهه، وتقوس فمه بإمتعاض وهو يضيف:
-ماتشوفيش وحش منها، حاجة أعوذو بالله
سألته بترقب:
-هي خطر؟
صمت للحظات، وسلط أنظاره على الفراغ أمامه، ثم أجابها بهدوء:
-زمان واحنا صغيرين كانوا بيقولولنا السلعوة دي بتخبط على الباب، واللي بيفتحلها بتاكله!
اعترضت قائلة بإستغراب:
-بس دي Animal ( حيوان )!
هز رأسه قائلاً بجدية:
-ايوه فاهمك، هي بتخبط بإيدها!

ضيقت سابين عينيها، ورمقته بنظرات حادة فقد أيقنت أنه يسخر منها، ويحاول التلاعب بأعصابها، خاصة بعد أن رأت تلك الإبتسامة الصغيرة على فمه..
وضع يدها على خصرها، وتساءلت بعبوس:
-موسأد، إنت هوف ( خوف ) أنا؟
رد عليها بجدية عجيبة:
-طبعاً!
ثم وضع يده على ذراعها، فشهقت مصدومة، وسحبها عنوة ناحية غرفتها وهو يضيف بصوت أكثر جدية:
-خشي يا حاجة جوا، أومال عاوزاني أسيبك تخرجي كده، خليكي مع الناموس أحسن!

حاولت سابين تخليص ذراعها من قبضته، وهي تهتف معترضة:
-موسأد، استنى!
لم يصغِ إليها، بل إستمر في دفعها وهو يقول:
-بلا موسأد بلا بتاع، يالا يا ماما، احنا عندنا ولايا!
سألته مستفسرة وهي تقف على عتبة غرفتها:
-ايه ولايا دي؟
رد عليها بإنهاك:
-انتي رغاية أوي، وأنا دماغي قفلت، بكرة أفهمك
أسبلت سابين عينيها لترمقه بنظرات ناعمة، وأخفضت نبرة صوتها لتقول برقة مغرية:
-موسأد، أنا مش آوز أقعد alone ( لوحدي ).

رمش بعينيه متأثراً بطريقتها الرقيقة في الحديث، ورد عليها بتنهيدة حارة:
-هييييح، هو في كده
ثم رسم علامات جادة على وجهه، وأكمل بجدية:
-أنا هنام هنا على الباب، ولو شوفت حاجة هاصحيكي
-بجد؟
هز رأسه عدة مرات وهو يقول بإيجاز:
-أينعم!
ثم رسم ابتسامة مطمئنة على شفتيه وهو يضيف:
-نامي وحطي في بطنك بطيخة صيفي!
همست سابين مرددة بصوت رقيق للغاية:
-بطيها؟
رد عليها مقلداً إياها:
-ييس، بطيها!

نظرت له ممتنة، وشكرته قائلة وهي تشير بأصابعها:
-اوكي موسأد، باي!
رد عليها بصوت هاديء وهو يلوح بكفه:
-سلام يا صابرين!
أغلقت الباب بهدوء، فتنهد مسعد مرة أخرى بعمق، وحدث نفسه قائلاً:
-وإن غداً لناظره قريب، يا صابرين...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة