قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل التاسع

في مركز التدريب،
عانت سابين كثيراً وهي تتقلب على الفراش حتى استطاعت أن تغفو قبيل الفجر بقليل..
كانت قواها منهكة للغاية، ولكنها لم تستطع النوم..
وحينما استسلم عقلها له بصعوبة، صدح صوت ال ( بروجي ) ليرج أركان المكان، فهبت مذعورة من مكانها، وسقطت عن الفراش وهي تصرخ بهلع..
استغرقها الأمر عدة لحظات لتستوعب أنها صوت الصافرة الخاصة بالجيش، والتي تعلن عن بدء النوبة الصباحية للجميع..

تحسست مواضع الآلم في جسدها، ونهضت بتثاقل عن الأرضية الصلبة مستندة على مرفقيها..
ألقت بجسدها المرهق على الفراش لتغفو، ولكن صدح الصوت المزعج بقوة مرة أخرى، فزفرت بغضب، وأطلقت سبة مبهمة، ثم رفعت رأسها المشعث عن الوسادة..
كانت تبدو كالموتى في شحوبها وفي هيئتها العامة..
جرجرت ساقيها إلى المرحاض لتغتسل وهي تتثاءب بإرهاق..
صرخت مفزوعة حينما مدت يديها أسفل الصنبور، فألهبتهما المياه الساخنة..

حدقت في البخار المتصاعد منها، وتمتمت بحنق:
-هي دي مياه سخنة ولا باردة، مش معقول كده!
قامت بتبديل فتح الصنابير، فكان الوضع أسوأ..
وبصعوبة بالغة تمكنت من الإغتسال وتبديل ثيابها إلى زي رياضي ملائم من اللون الرمادي ومن ماركة شهيرة..
خرجت من الغرفة، وأغلقت الباب خلفها، ثم تأملت المكان بنظرات سريعة خاطفة..

كان الوضع هادئاً إلى حد كبير، فتعجبت في نفسها، وتساءلت عن سببه وهي تعبث بإصبعها بخصلة شعرها المتدلية على الجانب..
قطع تفكيرها المتأني صوت مسعد من خلفها وهو يقول بصوت شبه متحشرج:
-صباح الخير
شهقت مصدومة، ووضعت يدها على صدرها، وأطبقت على شفتيها بقوة لتعاتبه قائلة ونظراتها الحادة مسلطة عليه:
-بليز موسأد، مش هوف ( خوف ) أنا
رد عليها بإبتسامة عريضة وهو يدنو منها:
-ده أنا بأصبح بس.

حدقت أمامها، وأشارت بعينيها وهي تتساءل بجدية:
-فين جنود هنا؟
أجابها مازحاً:
-على الجبهة!
فغرت شفتيها في عدم فهم من رده الغريب، ، فتدارك الموقف قائلاً بهدوء:
-بأهزر، النهاردة وبكرة أجازة في المركز، فهتلاقي معظم الناس هنا مش موجودين
رددت برقة:
-أجازة، You mean Holiday ( أنت تقصد عطلة )
أومأ برأسه وهو يجيبها:
-ايوه، الأجازة الأسبوعية بتاعتنا!
ثم وقف قبالتها، وتنهد بعمق وهو يطالعها بنظرات متفحصة..

خجلت هي من نظراته المسلطة عليها، وأشارت بيدها في الهواء وهي تسأله بضجر:
-أوكي، بس ليه صوت مزعج يضرب
أجابها بهدوء وهو يعقد ساعديه أمام صدره:
-ده الأساسي بتاعنا
أسبلت عيناها وهي تقول برقة:
-انت مش ممكن قولهم يوطوا الصوت شوية موسأد؟!
أومأ برأسه وهو يطالعها بنظراته الحالمة، فقد كانت رقيقة للغاية، ملامحها آسرة إن توقفت عن العبوس، وعينيها جميلتان تجبراه على التحديق فيهما بإستمرار..

أفاق من شروده على صوتها وهي تردد بإندهاش:
-موسأد، إنت سامع أنا، ممكن قولهم Stop ( يوقف ) الصوت ده!
ازدرد ريقه، ورد عليها:
-أها، ده عند أمه يا أدهم
قطبت جبينها وهي تسأله بريبة من عباراته الغامضة:
-ايه؟
ابتسم لها وهو يتابع:
-متخديش في بالك، المهم قوليلي نمتي كويس؟
هزت كتفيها وهي تتنهد بإرهاق:
-مش أوي!
أكمل مسعد قائلاً بهدوء:
-عادي، بكرة هاتتعودي، كلنا كنا كده في الأول!

ثم أشار لها بيده ليتحركا للأمام، فسألته مستفهمة وهي ترسم ابتسامة خفيفة على محياها:
-اوكي، بس احنا نعمل ايه موسأد؟
أجابها بثقة وهو ينتصب بجسده:
-هناكل من الميس بعد ما نعمل تمام الطابور!
عقدت ما بين حاجبيها بتعجب، ورددت بإندهاش بلكنة غريبة:
-هاه، مس! تابور! أنا مش أفهم
لوح لها بذراعه وهو يقول بحماس:
-بصي ده مش بيتشرح، ده بيتشاف، تعالي هاوريكي.

تابع الاثنين سيرهما نحو قاعة الطعام الخاصة بالوحدة التدريبية، فقابلا في طريقهما باسل، الذي بادر قائلاً بهدوء وهو ينظر إلى سابين:
-صباح الخير!
ردت عليه سابين بإبتسامة رقيقة:
-هاي باسل
بينما أردف مسعد قائلاً بحماس:
-صباحك فل يا باسول
تساءل باسل بإهتمام وهو يحك مقدمة رأسه:
-أهلا، اخبارك ايه؟
أجابته بإيجاز:
-فاين ( بخير )
أومأ برأسه وهو يردد بهدوء:
-عظيم.

شعر مسعد بالإنزعاج من إهتمام باسل بالخبيرة، وتمكنه من الحصول على انتباهها الجاد، فبدى على تعابير وجهه الإنزعاج، لذا دون تأخير هتف قائلاً بضجر:
-مش جعان يا باسل، ولا هنقضيها كلام كتير! احنا كده الطابور فاتنا، وآآآ..
رد عليه الأخير مقاطعاً بصوت رخيم:
-أنا واقع، بس بينا أوام نلحق الطابور
غمز له بعينه اليسرى وهو يقول:
-ماشي.

تحركت سابين إلى الأمام أولاً، بينما أبطأ مسعد في خطواته ليراقبها في سيرها، فاقترب منه باسل، وسأله بجدية وهي يشير بعينيه إليها:
-هي هاتاكل من أكلنا؟
رد عليه مسعد بصوت خافت:
-مش عارف
اتسعت عيني باسل قليلاً وهو يتابع محذراً:
-بس دي، دي ممكن يجيلها آآ...
قاطعه مسعد قائلاً بهمس:
-ششش، مش لازم الفضايح دي الوقتي
التفتت سابين برأسها نحوهما، ثم حدقت في مسعد وسألته بنعومة:
-قولوا ايه موسأد؟

رد عليها وهو يبتسم إبتسامة عريضة:
-ده أنا بأسأله عن طبق اليوم
أومأت برأسها متفهمة وهي تجيبه:
-أوكي!

في إحدى المدارس الخاصة،
جلست إيناس إلى جوار هدير على المقعد الخشبي في فناء المدرسة الواسع، وارتشفت عصيرها، ثم ألقت بالعبوة الفارغة في سلة المهملات الموضوعة إلى جوارها، وألحت قائلة:
-ها قولتي ايه؟
مطت هدير شفتيها للأمام، وعبثت بقدمها في الأرضية الإسفلتية وهي جالسة في مكانها، وظلت محدقة أمامها بنظرات غامضة دون أن تصدر كلمة...
تنهدت إيناس بصوت مسموع بعد أن ضجرت من صمت رفيقتها، ثم تابعت بإلحاح:.

-يا هدير إنتي عارفة الأماكن دي أكتر مني، فقوليلي هما فين
ردت عليها هدير بجمود:
-بصي يا إيناس، أنا أعرف كوافيرات كتير، بس طبعاً كل واحدة تكلفتها غير التانية
عضت إيناس على شفتها السفلى، ثم أردفت قائلة بحذر:
-أنا عاوزة واحدة سعرها حنين عليا، أنا برضوه مش معايا فلوس كتير، ومش عاوزة أعمل حاجات ملفتة!
هزت هدير رأسها وهي تقول بجدية:
-اوكي، هو في واحدة قريبة منك، بس مش عارفة أسعارها
ابتسمت إيناس وهي تهتف بحماس:.

-خلاص نعدي عليها بعد المجموعة ونسألها
ضاقت عيني هدير وهي تتابع بمكر:
-ماشي، بس أنا عاوزة منك خدمة
سألتها إيناس بإهتمام وهي تطالعها بنظرات دقيقة:
-ايه هي؟
صمتت هدير للحظات قبل أن تجيبها بغموض:
-موبايل المز
تشكل على وجهها علامات الصدمة بعد جملتها الموجزة، ورمشت بعينيها غير مصدقة ما طلبته منها للتو، وفهمت مقصدها، ولكنها حاولت إنكاره..
لذا ابتلعت ريقها، وسألتها بتوجس:
-قصدك مين؟

التوى ثغر هدير بإبتسامة ماكرة وهي تجيبها:
-هو في غيره، الشاب الجان اللي كان ماشي معاكي!
هتفت إيناس دون وعي:
-باسل!
رفعت هدير حاجبيها للأعلى في تصريح واضج بالإعجاب وهي تقول:
-ايوه
ثم ظلت محدقة في إيناس لتراقب ردة فعلتها بعد طلبها الخطير هذا..
أمسكت الأخيرة بطرف جديلتها، وأخذت تعبث بها في غير هدى لتفكر فيما عرضته صديقتها..

فالطلب يبدو من ظاهره سهلاً يسيراً، لكن ربما تنفيذه سيؤدي إلى أمور غير محمودة العواقب..
نفخت إيناس بإستياء وهي تقول:
-بس أنا قولتلك، ده أكبر مننا بكتير و مش بتاع آآآ...
قاطعتها هدير بإصرار واضح في نبرتها:
-مالكيش إنتي دعوة!
ثم وضعت يدها على كتف رفيقتها، وضغطت عليه بأصابعها برقة وهي تكمل بمكر:
-وبعدين أنا هاظبطه مع بنت خالتي، هي أده في السن!
التفتت إيناس برأسها نحوها، وهتفت بقلق:.

-هدير، اوعي تكوني ناوية تعملي معاه مشاكل، أنا مش ناقصة وجع دماغ من مسعد ولا من أصحابه، دول مش زينا!
التوى ثغر هدير بإبتسامة ماكرة وهي تجيبها:
-يا بنتي، ده احنا هانبقى أصحاب وبس، زي ما انتي وهو أصحاب
إنزعجت إيناس من تصريح رفيقتها الدائم بأنها صديقة مقربة لرفيق أخيها، فهتفت معترضة بشدة وقد تحول وجهها للعبوس:
-بس هو مش صاحبي!
أخفضت هدير نبرة صوتها لتهمس بفحيح ماكر:
-سوري، مقصدش، يعني احنا هانبقى معارف بس.

فركت إيناس كفي يدها معاً، وتطلعت أمامها لبرهة، ثم انتصبت في جلستها، وصاحت بضجر:
-أنا مش مرتاحة
رمقتها هدير بنظرات حادة قبل أن تستدير بجسدها للجانب، فقد يئست من عناد رفيقتها، ثم فكرت سريعاً في معاتبتها بطريقة ملتوية، لذا هزت كتفيها بقوة، وهتفت بإمتعاض وهي تعقد ساعديها أمام صدرها:
-خلاص مافيش داعي يا إيناس، إنتي مش بتثقي فيا، وأنا بأساعدك من غير ما استنى منك آآ...

عضت إيناس على أناملها لتقاطعها بنبرة متوترة بعد أن استشعرت غضبها الملحوظ:
-اوكي يا هدير، هاجيبلك رقمه، بس الأول اوعديني، متعمليش مشاكل معاه
أرخت الأخيرة ساعديها، وأدارت جسدها ببطء ناحيتها، ورسمت على ثغرها ابتسامة ماكرة وهي تهمس بصوت ناعم:
-اطمني يا نوسة، ده وعد
أطرقت إيناس رأسها للأسفل لتردد بإستسلام:
-ماشي!

في قاعة الطعام الملحقة بالوحدة التدريبية،
سحبت سابين المقعد الشاغر للداخل قليلاً بعد أن جلست عليه، بينما تحدث باسل مع أحد الأشخاص ليعطيه بعض التعليمات، وتوجه مسعد للطاهي ليأخذ منه الطعام..
تلفتت سابين حولها لتنظر إلى المكان بفضول في محاولة منها لحفظ تفاصيله..
هو لا يحتاج إلى مجهود كبير في تذكره..
فقاعة الطعام كبيرة، والطاولات دائرية ومتراصة بصورة منتظمة..
وحول كل طاولة عدة مقاعد معدنية..

وقعت عيناها مصادفة على ذلك السمج الذي كان يرمقها بنظرات جريئة أربكتها قليلاً وهو يجلس في الخلف..
حاولت أن تبدو أمامه غير عابئة به، ولكنها لن تنكر تلك القشعريرة الخفية التي دبت في أوصالها منه، فنظراته لم تكن مريحة بالمرة..
أسند مسعد على الطاولة صينية معدنية فانتبهت هي إلى صوتها، ورفعت رأسها للأعلى في اتجاهه، وابتسمت له مجاملة دون أن تنبس بكلمة..
هتف هو بحماس وهو يشير إلى بعض الأطعمة المعلبة:.

-شوفي أنا جايبلك خير منتجاتنا، حاجة فخر الصناعة الوطنية، من أجود أنواع الأكل الفاجر، قصدي الفاخر
دققت سابين النظر في تلك المعلبات الصغيرة، وتفحصتها بإهتمام وهي تسأله بجدية:
-ده ايه؟
رد عليها بثقة:
-كلي، ومتسأليش، دي مضمونة
نفضت أصابعها برقة، ورمشت بعينيها وهي تسأله بإلحاح:
-بس أنا آوز اعرف ده أيه؟
سحب المقعد ليجلس إلى جوارها، ورد عليها بسخرية:
-يا صابرين ماتبقيش زنانة زي الستات المصرية، كده مش حلو عشانك!

حاولت أن تعيد ما قاله، فبدى صوتها مذبذباً وهي تردد:
-زان، آآ، ايه؟
أخذ هو نفساً عميقاً، وأجابها بتنهيدة مطولة:
-هو لسه اليوم في أوله، وأنا هاريحك!
أمسك بأول علبة صغيرة، ورفعها نصب عينيها ليجيبها بجدية:
-دي حلاوة طحينية يا ستي، حاجة كده اسمها بارميزان، على أبوها، سادة، ده تمامنا هنا، لكن لو عاوزاها بإضافات، هانجيبها متهربة!
قطبت جبينها دون أن تعقب، بينما أكمل هو بهدوء جاد وهو يمسك بعلبة أخرى:.

-والحلوة اللي مش باينلها ملامح دي تبقى مربى، ده شوية جيلي نشف مننا، فقولنا نعمله مربى، وأهوو بيتاكل، والباقي مجهول المصدر والهوية!
ظهر على وجهها علامات الإندهاش، وهتفت بإنبهار:
-واو، انت Mean ( تقصد ) إنها Natural ( طبيعية )؟
فرك مسعد مؤخرة رأسه محاولاً تخمين معنى تلك الكلمة العجيبة التي لفظتها تواً، وزم فمه ليقول:
-بصي هي مش بعيدة عن اللي قولتيه
أسبلت سابين عينيها قليلاً، وهمست برقة:
-موسأد!

ابتسم لها ببلاهة وهو يهتف بتلهف:
-عيون موسأد
سألته بجدية لا تتناسب مع نبرتها الرقيقة السابقة:
-إنت ليه مش اتعلم انجليش؟
أجابها بتفاخر وهو يحرك عنقه للجانبين:
-ومين قالك إن أنا مش متعلم، ده أنا قاموس يا صابرين!
اندهشت هي من رده الواثق، فإستندت بذقنها على مرفقها، وسألته بإهتمام وهي ترمش بعينيها:
-إنت تعرف لغات؟
أجابها دون تردد:
-اه طبعاً
أرجعت ظهرها للخلف، وهتفت متساءلة بحماس:.

-واو، Like what ( مثل ماذا )، آآ، زي ايه؟
تنحنح مسعد بصوت خشن قبل أن يجيبها وهو يشير بيده:
-شوفي يا صابرين، أنا بالصلاة على النبي معايا 3 لغات مالهومش رابع
هتفت بعدم تصديق وهي ترفع حاجبيها للأعلى:
-3!
تابع مسعد قائلاً بثقة وهو يشير بأصابعه:
-أيوه، لغة عربية، ولغة شعبية، ولغة زبالة!
انفرجت شفتيها في صدمة واضحة، ورددت:
-هاه
أكمل قائلاً بتحذير وهو يغمز لها:.

-ومانصحكيش بالتالتة، لأحسن لساني بيبقى زفر أوي فيها، ويمكن تكرهي حياتك بعدها!
أغلقت فمها، وضغطت على شفتيها لتقول بحرج وهي تهز رأسها:
-أوه، اوكي
انضم إليهما باسل، وتساءل قائلاً بجدية وهو يجلس على المقعد الثالث:
-ايه الأخبار؟
رد عليه مسعد وهو يمط فمه بتفاخر:
-كله تمام يا ريس
أشار باسل بعينيه للطعام، وتساءل بإهتمام وهو مسلط أنظاره على سابين:
-ها الأكل عجبك؟

توردت وجنتيها قليلاً من نظراته المحدقة بها، وهمست بصوت حرج وهي تخفض عيناها:
-لسه مش دوق!
تابع باسل قائلاً بحماس واضح في نبرته:
-عموماً، دي حاجة بسيطة، أنا وصيتلك على كام حاجة محترمة!
اغتاظ مسعد من إسهاب رفيقه في الحديث معها، ولاحظ تأثرها الطفيف بردوده على قسمات وجهها، فضغط على شفتيه بقوة ليقول:
-ده أنت متوصي بيها على الأخر
التفت باسل برأسه ناحيته، وابتسم قائلاً:
-عشان تعرف آآ...

لم يكمل جملته حيث قاطعهم ذلك السمج فادي الذي هتف بنبرة عالية:
-الحلو منور عندنا من بدري، صباحو فل!
نفخت سابين بضيق واضح، وأشاحت بوجهها للجانب..
بينما نظر مسعد له شزراً، وغمغم بضجر:
-أهلاً بالرخم!
أردف باسل قائلاً بإمتعاض:
-ايه يا فادي، انت مش كنت نازل أجازة؟ لحقت تغير رأيك؟!
ابتسم له فادي بسخافة وهو يقول:
-لا ما أنا قولت أقعد معاكو أونسكو!
ثم سحب مقعداً ليجلس على مقربة من سابين، وتابع ببرود مستفز:.

-ايه أخبار الخبراء معاكو، عرفوا يناموا، ولا آآآ...
قاطعه مسعد قائلاً بنفاذ صبر:
-انت هتزاولنا!
حركت سابين مقعدها لتبتعد عن فادي، وهمست بكلمات مبهمة، فسألها فادي بإهتمام:
-ايه؟
صاح باسل بجدية وقد تصلبت تعابير وجهه:
-فادي، الأستاذة مش بتاعة رغي، هي جاية تعمل شغل وتمشي، مش لازم نوريها الوش الوحش بتاعنا
بينما أضاف مسعد على مضض:
-دي ممكن تزرفك تقرير يرجعك المطافي!

قهقه فادي بنبرة مرتفعة ليثير حنقهم أكثر من أسلوبهم الفظ والثقيل في التعامل، ثم جاهد ليتلقط أنفاسه وهو يقول بصعوبة
-رهيب يا مسعد باشا، انت عارفني راجل خدوم!
تمتم مسعد بضجر من بين أسنانه:
-أم دي خدمة فالق دماغنا بيها!
أكمل باسل قائلاً بتحذير:
-حل عن سمانا السعادي! ممكن
نهض فادي بتثاقل عن مقعده، وتابع ببرود وهو يشير بكفه للخلف:
-عموماً أنا هنا لو احتاجتوا حاجة
هب مسعد واقفاً، وأردف قائلاً بخشونة:.

-يالا يا صابرين، خلينا نقوم نشوف ورانا ايه!
وضع فادي إصبعيه على مقدمة رأسه ليحيهم، وأكمل بإبتسامة سخيفة:
-سلام يا رجالة!
ثم سلط أنظاره على سابين، وتابع بغمزة ماكرة:
-سلام يا، يا خبيرة!
لوى مسعد ثغره بتأفف جلي على محياه، بينما رمقه باسل بنظرات نارية فهو يدرك نوايا ذلك السمج المزعجة..
تنحنحت سابين بحرج، ثم استطردت حديثها بخفوت رقيق:
-هو، هو بس في Problem ( مشكلة )صغير؟

استدار الاثنين نحوها، وبادر باسل بسؤالها:
-مشكلة ايه هي؟
أجابته سابين بهدوء:
-أنا أرسلت فاكس أطلب تقارير تقييمية، وهتوصل آآ، in two days ( خلال يومين )
تساءل مسعد بعدم فهم:
-يعني المطلوب نعمل ايه؟
أجابته بإبتسامة ناعمة:
-اهنا ( إحنا ) في أجازة لحد تقرير يوصل عشان أنا إشتغل!
رسم مسعد على وجهه ابتسامة سخيفة وهو يردد بصوت خافت:
-ده كده فل على الأخر!

في إحدى مراكز التجميل النسائية،
دفعت إيناس باب المركز بيدها للداخل لتلج إليه، ثم جابت بعينيها المكان لتتبين معالمه سريعاً..
كان المركز شبه خالياً من رواده في تلك الساعة المبكرة، ولكنه كان على درجة عالية من الرقي..
قاطع تأملها صوت أنثوي رقيق:
-أي خدمة
ارتبكت إيناس، وبدى على تعابيرها التوتر، وحاولت إجابتها فخرج صوتها متلعثماً:
-أنا، انا كنت جاية آآ، آآ، اعمل، قصدي أسأل عن آآ...

رمقتها الفتاة بنظرات شاملة قبل أن تقاطعها متساءلة بصوت واثق:
-إنتي عاوزة تعملي حواجبك؟
اتسعت مقلتي إيناس في إندهاش قليل، وهتفت بصوت متردد:
-هاه، حواجبي!
أشارت نحوهما الفتاة بإصبعها وهي تجيبها بإيجاز:
-ايوه!
حاولت إيناس أن تخفي إرتباكها، وعضت على شفتها السفلى قليلاً، وأجابتها بنبرة مضطربة:
-اه، أيوه، أنا، أنا كنت جاية لكده
ثم همست لنفسها بحرج:
-هما، هما باين عليهم انهم وحشين؟

لم تفهم الفتاة ما قالته إيناس، فسألتها:
-افندم؟
ردت عليها إيناس بإحراج:
-لا ولا حاجة، أنا بأكلم نفسي بس
هزت الفتاة رأسها متفهمة، ثم لوحت لها بيدها لتتحرك للأمام وهي تقول بجدية:
-طب تعالي معايا
جلست إيناس على المقعد الخاص بتجميل السيدات، وبدت أكثر توتراً وهي تحاول التمدد عليه، وبحذر شديد أرجعت رأسها للخلف، وبدت غير مسترخية وهي ترمش بعينيها كثيراً أثناء تحديقها في سقفية المكان..

شعرت بظل ما يقترب منها، فوجدت عيني الفتاة محدقة بها، ثم أشارت لها برأسها وهي تقول:
-اقعدي براحتك، متقلقيش
ثم رسمت ابتسامة مجاملة وهي تسألها بفضول:
-دي أول مرة تعمليهم صح؟
ابتلعت إيناس ريقها، وأجابتها بهمس:
-آآ، اه!
مسحت الفتاة بإصبعها على حاجبي إيناس، وتابعت بصوت هاديء:
-اوكي، أنا مش هاعمل حاجة فيهم، هاشيل بس الزوايد، ومش هاتحسي بحاجة
ردت عليها إيناس بتوتر:
-اوكي، بس ممكن أسأل في حاجة تانية؟

أجابتها الفتاة بإيجاز:
-اتفضلي
أخذت إيناس نفساً عميقاً، وحبسته للحظة في صدرها فقد أربكها اقتراب الفتاة منها وتحديقها بها كأنها فأر تجارب، ثم زفرته على مهل، وسألتها بحرج:
-هو، هو أنا لو حبيت أعمل شعري يتكلف كام؟
ردت عليها الفتاة بإسهاب:
-تقصدي استشوار ومكواة، ولا فرد الشعر بالبروتين، ولا انتي عاوزاه كيرياتين، في حنة سودة كمان!

بدت إيناس تائهة بعد ما سمعته، وزادت علامات الحيرة على تصرفاتها، ورددت بعدم فهم:
-هاه، ده ايه ده كله؟
أكملت الفتاة بصوتها الجاد:
-في أوبشنز كتير هنا، على حسب اللي يناسبك، شوفي انتي حابة ايه أكتر!
اعتدلت إيناس في جلستها، وفركت عنقها - و الذي تألم بسبب إرجاعه لوقت ليس بالقليل للخلف - بيدها، ثم
سألتها بإهتمام:
-وتكلفة كل حاجة منهم ايه؟
تنهدت الفتاة وهي تجيبها:.

-بصي على حسب، الأرخص هو الفرد بالاستشوار و بالمكواة السراميك، بيفضل شعرك كام يوم حلو، وبعد كده بتغسليه فبيرجع زي ما كان!
حكت إيناس طرف ذقنها وهي تسألها بجدية:
-أها، طب والبروتين ده؟
ردت عليها الفتاة بهدوء:
-ده بيفرد الشعر لفترة طويلة، وبيبقى زي الحرير بالظبط
مطت إيناس شفتيها في إعجاب، فربما يكون هذا هو الحل الأمثل لشعرها المجعد، ثم تساءلت بإهتمام أكبر:
-والله، والكيرياتين زيه؟

أجابتها الفتاة وهي تشير بيدها:
-ده قريب من البروتين، بس نسبة الفورمالين أعلى شوية، وسعره أرخص!
صمتت إيناس للحظة لتفكر فيما قالته، فقد أعجبت بتلك الحلول السحرية لعلاج مشاكل الشعر، وبالتالي ستتغلب على سخرية الأخريات منها، ولاح في خيالها صورة لها وهي في هيئتها الجديدة..
سريعاً ما أفاقت من أحلامها الوردية، وتساءلت بجدية:
-أها، يعني تكلفتهم كام؟
ردت عليها الفتاة بهدوء:
-على حسب طول الشعر وكثافته.

أشارت إيناس بيدها وهي تتساءل:
-طب، طب بالتقريب كده، أنا شعري لو حبيت أعمله يتكلف كام؟
زمت الفتاة شفتيها، وأمسكت بجديلة إيناس لتتفحصها، ثم أجابتها:
-مممم، يعني مش أقل من 5 ألاف جنية!
ارتفع حاجبيها للأعلى في ذهول، وصرخت مصدومة:
-نعم، ليييييييه؟
لوت الفتاة ثغرها بإستغراب من ردة فعلها المبالغ فيها، وبررت قائلة بتهكم قليل:
-يا آنسة، شعرك سوري يعني شبه سلك المواعين، هياخد مجهود في الفرد!

نهضت إيناس عن المقعد، ورمفت الفتاة بنظرات ساخطة، ثم صاحت فيها بإنفعال:
-إن شاء الله ماعنه اتفرد، أل 5 ألاف جنية أل، ده أنا لو طلبت 100 جنية من ماما هتعملي قضية، أقوم أقولها هاتي 5 ألاف أفرد شعري، ده مش بعيد تفردني أنا بالفلوس دي..!
ثم تحركت كالمغيبة في اتجاه باب مركز التجميل، فسارت الفتاة خلفها، وسألتها بإندهاش:
-يا آنسة، إنتي رايحة فين؟ مش هاتعملي حواجبك.

التفتت إيناس برأسها نصف إلتفاتة نحوها، وحدجتها بنظرات غاضبة وهي تجيبها بإمتعاض:
-لأ، أنا عاوزاهم كده شبه المقشات!
ثم استدارت برأسها للأمام لتتابع بتهكم:
-5 ألاف جنية، اتقوا الله يا عالم يا ظلمة، ده أنا أغلى شامبو جبتو في حياتي معداش ال 20 جنية...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة