قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس

لم تختفِ علامات الإندهاش من على وجه سابين بعد أن رأت مسعد بزيه العسكري..
بينما أفاق هو من صدمته الكبيرة، وأشاح بنظراته بعيداً عنها، و انتبه إلى صوت الفريق ضياء وهو يؤكد عليه محذراً:
-هتكمل مهمتك معاها للأخر يا سيادة الرائد، ومش عاوز آآ..
قاطعه مسعد قائلاً بجدية واضحة وقد انتصب بجسده:
-اطمن يا فندم، هانفذ الأوامر كلها
هز الفريق ضياء رأسه بإيماءة خفيفة وهو يتابع:.

-تمام، عاوزك تنتقل لمركز التدريب، وتقوم باللازم هناك
رد عليه بإيجاز جاد:
-حاضر
وأضاف قائلاً بصرامة:
-من اللحظة دي هي مسئوليتك، ومش عاوز أخطاء
-تمام سيادتك
تابعت سابين الحوار الرسمي بينهما بتعجب واضح على قسمات وجهها المشدوه، فقد تبدل حال ذلك المتطفل الغبي – من وجهة نظرها - ليصبح أكثر جدية بطريقة مثيرة للإعجاب..
لم تتوقع هي أن تتأثر بهيئته المختلفة، فحاولت أن تحافظ على جمودها أمامه..

انتبهت لصوته الجاد وهو يوجه حديثها لها قائلاً:
-اتفضلي!
لوت فمها بإبتسامة مصطنعة، ثم نهضت من على المقعد وودعت الفريق ضياء..
تنحى مسعد جانباً ليفسح لها المجال لتمر أولاً، ثم تحرك في إثرها..
سار الاثنين سوياً في الممر المؤدي إلى المصعد الموجود في نهايته، ولم يجرؤ أحدهما على قطع لغة الصمت السائدة بينهما...
وضع مسعد نظارته الشمسية السوداء على وجهه، وتعمد أن يشب بجسده للأعلى ليبدو أكثر صلابة وقوة..

نظرت له سابين بإستغراب بطرف عينها، وازدردت ريقها بتوتر، فقد لاحظت الفرق الشاسع بينهما في الحجم..
بعد أقل من ثلاث دقائق كان كلاهما يقف أمام سيارة مسعد، والذي استطرد حديثه قائلاً بنبرة شبه منزعجة وهو يفتح الباب الأمامي:
-اركبي
ضيقت نظراتها وحدقت فيه بغموض، فلوى ثغره بعد أن حك طرف ذقنه، وتمتم مع نفسه بضيق:
-باينها مش هاتفهمني!

لذا دون تردد جمع علب الطعام البلاستيكية، وأبعدها عن المقعد ووضعها بالخلف، وأشار لها بيده لتجلس..
تنهدت بإرهاق، وركبت في السيارة دون أن تنطق بكلمة..
دار مسعد حول السيارة، وركب خلف عجلة القيادة، وأدار محركها، وتحرك بها بهدوء تام..

في منزل مسعد غراب،
أبدلت إيناس ملابسها، وإرتدت كنزة ضيقة من اللون الأبيض، وأعلاها قميصاً فضفاضاً ( كاروه ) يجمع بين اللونين الأحمر والأسود على سروالها الجينز، وعقدت شعرها الأسود - المجعد - برابطة شعر صغيرة على هيئة ذيل حصان ثم ضفرته على هيئة جديلة لتتمكن من جمعه، ثم خرجت من غرفتها، وصاحت بنبرة عالية وهي تعلق حقيبتها الرياضية على كتفها:
-ماما، أنا نازلة الدرس!
ردت عليها السيدة صفية بنبرة عالية:.

-ماشي، بس ماتتأخريش، خلصي وتعالي على طول!
هتفت قائلة بتهكم:
-هو أنا اللي بأشرح، الرك على المستر لما بيخلص
حذرتها والدتها قائلة:
-طيب يا ليمضة، بس متتلعكيش وإنتي راجعة
-حاضر
خرجت إيناس من منزلها، فقابلت والدها على الدرج، فسألها مستفهماً:
-رايحة فين يا نوسة؟
أجابته بضجر وهي تتنهد بتعب:
-عندي درس يا بابا، الواحد زهق طلوع ونزول
ربت على كتفها قائلاً بحنو:
-ربنا يوفقك يا بنتي، هانت
-ايوه!

أضاف والدها محمد قائلاً بجدية:
-خلي بالك من نفسك يا نوسة
ردت عليه وهي تهز رأسها قليلاً:
-حاضر يا بابا
سألها والدها بهدوء وهو يشير بكفه:
-مش عاوزاني أوصلك للمكان اللي هو فيه؟
أشارت بإبهامها للخلف، وهي تجيبه:
-لأ يا بابا، ماهو مش بعيد، جمب فرن العيش اللي على ناصية الشارع
هز رأسه خفيفاً، وتابع بجدية محذراً إياها:
-طيب، على مهلك وإنتي ماشية
-حاضر.

قالتها إيناس وهي تركض نزولاً على الدرج، بينما أكمل والدها طريقه نحو منزله...

في سيارة مسعد،
ظل مسعد طوال الطريق محدقاً أمامه، ومتحاشياً النظر إلى سابين الجالسة إلى جواره، فقد فضل الصمت لترتيب أفكاره القادمة في التعامل معها خاصة وأنه بات مسئولاً بصورة رسمية عن مرافقتها طوال فترة وجودها، بالإضافة إلى رغبته في الحصول على توصية مميزة في تقييمها النهائي مثلما تصور ليترقى وينضم للحرس الرئاسي..

ما أثار فضول سابين - نوعاً ما – هو تعمده تجاهلها، وكأنه يلقنها درساً بطريقته الخاصة لفظاظته السابقة معه..
حاولت أن تكسر حاجز الجليد بينهما، فأردفت قائلة بلكنة رقيقة وهي مسلطة أنظارها عليه:
-u، اسمك، ايه؟
تثاءب مسعد بدلاً من إجابتها، ثم حرك رأسه للجانبين لتسمع فرقعة فقرات عنقه، فضاقت نظراتها متعجبة من تصرفه الغريب..
أعادت تكرار سؤالها بنبرة مرتفعة:
-اسمك؟

رمقها بنظرات باردة من طرف عينه، وسلط أنظاره على الطريق، ثم هتف بنبرة متذمرة عالياً وهو يشيح بيده خارج نافذة السيارة:
-إنت يا بني، مش تحاسب، في بني آدمين معاك في الشارع، مش طريق أبوك ده!
فغرت شفتيها متعجبة من صياحه الجهوري الغاضب..
طرق بأصابعه على عجلة القيادة، وظل يندندن مع نفسه بكلمات غير واضحة..
فضغطت على شفتيها مغتاظة، ثم رسمت على برود مصطنع، ورددت قائلة بتلعثم:
-إنت، مو، ما، موس، موس، موس.

جاهد ليخفي إبتسامته من محاولتها الفاشلة لتهجئة اسمه، ورد عليها ساخراً وهو ينظر نحوها:
-هتفضلي تقولي مز كتير، كده أنا هاتغر في نفسي! وهاصدق إني مز
لم تستوعب المقصد من جملته الأخيرة، ولكن أدهشها إبتسامته العذبة..
تفاجئت به يجيبها بهدوء وهو ينظر لها من خلف نظارته القاتمة:
-أنا اسمي مسعد يا صابرين
صمت هو للحظة ثم أضاف معاتباً:
-شوفتي أنا فاكر اسمك وانتي لأ! ليا لي عندك حق عرب!

احتارت سابين كثيراً في إيجاد الوصف الملائم لهذا الشخص العجيب، فتارة تجده أبلهاً، وتارة تجده جاداً، وفي أحيان أخرى خفيف الدم..
أفاقت سريعاً من تفكيرها فيه، ورسمت تعابير الجمود على وجهها، وعقدت حاجبيها، وكانت على وشك الرد عليه، ولكن رن هاتفه، فنظر إليه، ومد يده ليمسك به، ثم هتف قائلاً بنبرة فاترة وهو محدق في شاشته:
-باسل!

تابعته سابين بإهتمام، وظنت أنه لن يجيب على اتصال رفيقه مثل المرة الأولى لوجودها، لكنه فاجئها برده عليه قائلاً بحماس:
-برنس! فينك؟
سأله رفيقه بجدية:
-انت اللي فينك يا مسعد، مش باين ليه؟
رد عليه بإمتعاض:
-معلش، كان عندي مأمورية رخمة
ردد باسل بإستغراب:
-رخمة!
التفت مسعد برأسه نحو سابين ليجيبه على مضض:
-جدا، وحط عليها كل اللي يجي في بالك من كلام إنت عارفه!
ثم حدق أمامه، وتابع ساخراً:
- لأ وريحتها محشي!

إنفرج فم سابين في صدمة مما يقول، واحتقنت عينيها غيظاً منه، وهمست لنفسها بغل:
-أنا ريحتي محشي؟!
تساءل باسل بعدم فهم:
-محشي؟! ايه اللي بتقوله ده يا مسعد؟!
حرك رأسه للجانبين، ورد عليه بفتور:
-متخدش في بالك!
سأله باسل بإهتمام:
-المهم خلصتها؟
رد عليه نافياً:
-لأ لسه، إنت عارف بقى، المأموريات اللي من النوع ده مابتخلصش!
أضاف رفيقه قائلاً:
-الله يعينك
فرد عليه مسعد بتنهيدة مطولة:
-يا رب
سأله باسل بإستفسار:.

-طيب هاترجع المركز، ولا هاتعمل ايه دلوقتي؟
رد عليه بجدية:
-لأ رايح هناك، ماهي المأمورية معايا، قصدي هاكمل باقيتها هناك!
سأله بإهتمام أدق:
-دي تبع الفريق ضياء؟
شرد مسعد للحظة، وسأله بعدم فهم:
-مين؟
أجابه باسل بتعجب:
-المأمورية، شبهه يعني، حاجة آآ...
قاطعه مسعد معترضاً وهو يدقق النظرات في سابين:
-لأ المأمورية أحلى، دي خضرا وآآ..
ضاقت نظراتها، وحدجته بحدة، فتنحنح بحرج، وتابع بجمود:
-احم، أقصد باردة ومعندهاش دم!

لم يفهم ما الذي يقوله رفيقه، فسأله بحيرة:
-انت يا بني ركز معايا وقولي بتكلم عن ايه بالظبط؟
أجابه بإبتسامة بلهاء:
-المأمورية اللي قصادي
كزت سابين على أسنانها بحنق، وهمست بصوت خفيض للغاية:
-أنا يتقال عني مأمورية، اوكي!
أضاف مسعد قائلاً بغطرسة:
-قبل ما انسى ابقى عدي على البيت عندي وقول لأبويا مسعد غراب أدها وأدود، سامعني مسعد
عضت سابين على شفتها السفلى، وهمست لنفسها:
-أها، موسأد، افتكرت
تساءل باسل بجدية:.

-انت في حد جمبك يا مسعد؟
رد عليه الأخير بإيجاز:
-أيوه
تفهم رفيقه الموقف سريعاً بذكائه، وأدرك أن صديقه ربما يكون غير قادر على الحديث حالياً بأريحية كما إعتاد منه، فبادر قائلاً بهدوء:
-تمام، طيب أما تفضى كلمني براحتك
رد مسعد قائلاً بنبرة عالية:
-ماشي يا صاحبي، عاوز مني حاجة؟
-لأ يا كبير، ولو عرفت تنجز مأموريتك بدري هتلاقيني عند الكافيه اللي جمبك
-ماشي، سلام.

أنهى مسعد المكالمة معه، وألقى بالهاتف على التابلوه، وأدار رأسه في اتجاه سابين التي كانت وجنتيها تشتعل حنقاً، ورسم إبتسامة باردة على ثغره وهو يقول:
-ده صاحبي، بس لسانه اييييه، بينقط مازوت!
ضغطت على أسنانها بغيظ وهي تهمس:
-هو برضوه ولا انت!
تابع قائلاً بهدوء وهو يشير بيده:
-طبعاً إنتي مش فاهمة حاجة من اللي بأقولها، بس اشطا
نفخت بضيق، وفتحت فمها لتتحدث إليه، ولكنه أضاف بحماس:.

-عارفة يا صابرين، أنا قلبي انشرحلك، صحيح انتي قفلتيني منك في الأول، بس يالا، المسامح كريم، وأهوو اللي ما يعرفك يجهلك!
ردت عليه بنبرة شبه محتدة رغم رقتها:
-إنت آآ، اكلم too much ( كتير )!
-لأ ده أنا رغاي وودني، خدي من ده كتير
جاهدت لتفهم مصطلحاته، وسأله مستفهمة:
-ايه؟
رفع نظارته القاتمة لأعلى جبهته، وحدجها بنظرات غامضة وهو يقول بجدية:
-شوفي احنا لسه مع بعض، والمشوار في أوله، بس عاوزك تعرفي حاجة.

تعجبت من نظراته المسلطة عليها، وسألته بحيرة:
-ايه؟
مال برأسه نحوها، وأضاف قائلاً بنبرة شبه غامضة وهو يغمز لها بعينه اليسرى:
-اللي مايربيهوش الأهالي، يربيه مسعد طول الليالي!

في منزل مسعد غراب،
أسندت صفية صينية المشروبات الباردة على الطاولة الصغيرة، ثم مدت يدها لتمسك بكأس زوجها، وناولته إياه، فشكرها ممتناً، ثم جلست إلى جواره في الشرفة..
نظر محمد ناحيتها، وتنهد قائلاً بشوق:
-البنات وحشوني يا صفية
ردت عليه بنبرة حنونة:
-ربنا يصلح حالهم، هما قالوا هايجوا قريب!
التوى فمه ليضيف بضجر:
-ايوه، بيقولوا كده ومش بنشوف وشهم
ضاقت نظراتها وهي تقول بعتاب:
-مش مع إجوازتهم يا محمد.

هز رأسه موافقاً وهو يقول بفتور:
-على رأيك، المهم يكونوا متهنيين
ابتسمت له صفية وهي تضيف:
-اطمن أنا مكلماهم وهما بخير
ثم تنهدت بحرارة وهي تضيف بتمني:
-عقبال ما نطمن على مسعد!
رد عليه بجدية:
-إن شاء الله، هو الواد ده مقالكيش إن كانت في واحدة كده ولا كده في دماغه
ضربت صفية كفاً على كف وهي تقول بحزن:.

-لأ، وبعدين يا حسرة قلبي عليه، مافيش حاجة بتكمله، كل ما نروح نشوفله واحدة يمكن تعجب، نبص نلاقي المفروض اتفركش قبل ما يبدأ
حرك محمد كفه في الهواء وهو يقول بتعجب:
-أنا مش عارف بس حظه قليل ليه مع البنات مع انه طيب وأخلاقه كويسة
ضاقت نظرات صفية حتى أصبحت حادة وهي تنظر إلى زوجها، وسألته مستنكرة:
-تفتكر ليه يا سيادة اللوا؟!
رد عليه بهدوء وهو يهز كتفيه:
-مش عارف.

تمتمت صفية مع نفسها بضجر وهي تهز رأسه بحركة ثابتة:
-أل يعني مش عارف، من اسمه طبعاً!

في مكان أخر،
انتهت إيناس من درسها الخاص، ووقفت مع رفيقاتها أسفل البناية يتبادلن الحديث عن المنهج الدراسي العقيم..
قفزت إحدى الفتيات بحماس وهي تتجه نحوهن، وهتفت بتنهيدة عميقة:
-مش هاتصدقوا يا بنات، آسر هايروح معايا السينما
عبست إيناس بوجهها، وسألتها بإستغراب:
-وانتي هاتروحي معاه عادي يا هدير؟
ردت عليها هدير بثقة وهي تتغنج بجسدها:
-اه طبعاً، ده الكراش بتاعي!
قطبت إيناس جبينها أكثر، ورددت بتعجب:
-كراش.

ردت عليها ( هند ) بتنهيدة حارة:
-ايوه، كل البنات هاتموت عليه
التوى ثغر إيناس وهي تضيف بسخرية:
-بس أنا شايفاه عادي، مافيش فيه حاجة!
اعترضت هدير قائلة بضيق:
-انتي مش فاهمة أصلاً
حذرتها إيناس بجدية:
-يا بنتي احنا صغيرين على الكلام ده
هتفت هدير بإحتجاج واضح في نبرتها ونظراتها:
-صغيرين ايه بس، اللي أدنا زمان كانوا بيخلفوا عيال
أضافت هند بمزاح:
-واضح إن هدير مستعجلة!
قهقهت إيناس وهي تقول بمزاح:
-جدا.

إغتاظت هدير من إستهزاء إيناس بها، فإعتدلت في وقتها، ووضعت يدها على خصرها، وعبست بوجهها وهي تقول بسخط:
-متزعليش مني يا إيناس، بس مين هايبصلك أصلاً، وانتي كده؟!
ثم رمقتها بنظرات شبه مهينة من رأسها لأخمص قدميها..
تشنجت تعابير وجه إيناس إلى حد ما، وسألتها بحنق:
-تقصدي ايه؟ وضحي كلامك معايا
أجابتها بغطرسة:
-أي ولد بيحب البنت اللي تلفت نظره، فبيدور على طريقة يتكلم بيها معها زيي كده!
ردت عليها إيناس بتذمر:.

-أها، طب ما أنا بأتكلم مع زمايلي عادي، بالعكس بيجوا يسألوني عن مواعيد الدرس، وعن الملخصات لو نزلت وآآ..
قاطعتها هدير قائلة بنبرة متهكمة:
-ده عشان انتي زيهم
عقدت إيناس ما بين حاجبيها بضيق، وسألتها بإستفسار:
-نعم، مش فهماكي!
أخذت هدير نفساً عميقاً، وزفرته دفعة واحدة وهي تجيبها بجدية:
-هما بيكلموكي كأنك بوي ( ولد ) زيهم
هتفت إيناس بصدمة وهي فاغرة فمها:
-بوي!
أوضحت لها هدير قائلة بفتور وهي تشير بإصبعها:.

-اقصد ولد، ما انتي مش فارقة عنهم حاجة، شوفي طريقة لبسك وشكلك، وحتى تسريحة شعرك!
صدمت إيناس مما قالته رفيقتها على مرأى ومسمع بقية الفتيات، فعجزت عن الرد عليها..
تابعت هدير قائلة بسخرية:
-يا نوسة ده أنتي مش بتفكري تفردي شعرك ولا تعملي فيه حاجة وهو أكرت كده!
أضافت هند قائلة بمزاح:
-بصراحة انتي محتاجة تتصنفري عشان تباني قصادهم بنت!
ثم ضحكت الفتيات على هيئتها بطريقة استفزتها أكثر..

حافظت إيناس على هدوئها، وردت قائلة ببرود:
-أنا عاجبني شكلي كده، وبعدين أنا مش هابص على عيال، دول بياخدوا المصروف من أبوهم!
تقوس فم هدير للجانب وهي تقول:
-وهو حد قالك كلمي دول، في شباب تانيين أكبر ينفعوا!
هزت إيناس رأسها معترضة، وتابعت بجدية واضحة:
-وأنا مش عاوزة، أنا هدفي الوقتي أنجح وأجيب مجموع حلو عشان أدخل فصول الفائقات في ثانوي
أشارت لها هدير بيدها في عدم إكتراث وهي تردد:.

-خليكي انتي في مذاكرتك اللي مش هاتجيب نتيجة، وفي الأخر هتتساوي مع أي واحدة غشت ونجحت! كله محصل بعضه
عنفتها إيناس قائلة:
-يا باي على الإحباط بتاعك!
ثم علقت حقيبتها على كتفها، وتابعت بإصرار:
-أنا مبسوطة باللي أنا فيه
وضعت هند يدها على كتف هدير، وأردفت قائلة برقة:
-خليها على راحتها
التفتت هدير برأسها نحوها، وردت بتصنع:
-أنا بأنصحها!
نفخت إيناس بضجر وهي ترد عليها:.

-وأنا مش عاوزة النوعية دي من النصايح، ويالا باي عشان ألحق أروح البيت!
ردت عليها هدير بسخط:
-ده انتي ساكنة هنا، تتأخري ايه بس
أوضحت لها إيناس قائلة:
-أنا معودة بابا على مواعيدي اللي زي السيف
أضافت هند قائلة بصوت خافت:
-سبيها يا هدير، ويالا احنا عشان نظبط خروجة السينما
-اوكي
سارت إيناس بمفردها في الطريق الخلفي وهي تتعجب من تفكير رفيقاتها حول الإرتباط بالشباب..

فلم تنتبه هي لوجود شخص ما يراقب فريسته القادمة لسرقة ما معها من نقود في غفلة منها..
التوى ثغر ذلك اللص بإبتسامة خبيثة، وألقى ببقايا سيجارته على الأرضية بعد أن حدد هدفه، ثم تبعها بحذر..
أخرجت إيناس هاتفها المحمول لتتابع أخر المستجدات على صفحتها بالفيس بوك، وكانت مندمجة في قراءة بعض التعليقات على منشور ساخر..
اقترب اللص من إيناس، وأصبح على بعد خطوتين منها..

كانت حقيبتها تتدلى من على كتفها بطريقة مغرية لأي شخص ليسرقها، وبالفعل نفذ اللص خطوته التالية حينما توقفت لتطبع تعليق ما...
جذب بعنف الحقيبة منها، وركض سريعاً للأمام، فصرخت هي مصدومة من فعلته، وعَلِق ذراعها بالحقيبة مما اضطر اللص لضربها بقوة في كتفها ليحرر الحقيبة..

وقعت إيناس على الأرضية كردة فعل لضربته المباغتة، ولكنها لم تستسلم لآلامها، حيث نهضت سريعاً، ووقفت على قدميها لتركض على إثره وهي تصرخ بصوت مرتفع:
-حرامي، الحقووووني، اتسرقت! حرامي، حد يمسكه
لم يتوقع اللص أن تركض تلك الفتاة خلفه، فحاول تضليلها، والهروب منها..

في نفس التوقيت، أنزل النادل قدح القهوة الساخن الذي طلبه باسل على طاولته القريبة من الرصيف، فشكره، ثم بدأ يرتشفها ببطء..
ظل ينظر إلى حركة سير السيارات والزحام في أول الطريق بعدم إهتمام..
ولكن سريعاً انتبه لما يحدث على الناصية، واعتدل في جلسته، وضاقت نظراته ليدقق في تلك الفتاة الصغيرة وذلك الرجل الذي تركض خلفه...
ارتسمت علامات الصدمة على وجهه حينما تأكد من هويتها، وهتف بذهول:
-إيناس!

هب باسل سريعاً من على مقعده، وركض خلفهما..
استطاع أحد المارة الإمساك باللص، وأوقعه أرضاً، ولكن ضربه الأخير بقوة، ثم زحف مبتعداً ليتمكن من النهوض، وعبر للناحية الأخرى من الطريق فتعذر على أحد الإمساك به..
كانت إيناس على وشك عبور الطريق أثناء حركة السيارات السريعة دون إكتراث، فشاغلها الأكبر الإمساك بمن سرقها، ولكن قبض باسل على ذراعها، وأحكم قبضته عليه، ثم جذبها للخلف وهو يصيح بها:.

-استني يا إيناس، إنتي مجنونة
تلوت إيناس بذراعها محاولة تحريره وهي تردد بإصرار:
-حاسب يا باسل، خليني أمسك الحرامي
صاح بها بصوت هادر وهو يرمقها بنظرات غاضبة:
-إنتي مش شايفة الشارع!
أضافت بسخط:
-ده سرقني!
أشار بكفه بنبرة شبه محتدة:
-خلاص، هرب
ثم أرخى قبضته عنها، فنفخت بضيق، واحتجت قائلة:
-يوووه، ما إنت لو مامسكتنيش كنت آآ...
قاطعها قائلة بجدية:
-كنتي بقيتي مفرومة على الإسفلت.

صدمت من رده، ورمقته بنظرات غريبة، بينما تابع باسل قائلاً بجدية:
-إنتي مش واخدة بالك من الإشارة المفتوحة!
التفتت حيث أشار، وركلت الأرض بقدمها اليمنى وهي تنفخ بتبرم:
-أوف! فلت مني ابن المحظوظة
اقترب أحد الأشخاص من إيناس، ومد يده بحقيبتها وهو يقول بنبرة خشنة:
-اتفضلي يا بنتي شنطتك أهي!
ردت عليه إيناس بإمتنان:
-كتر خيرك يا عمو!
حذرها الرجل قائلاً بجدية:
-خلي بالك وانتي ماشية
ردت عليه إيناس بإعتراض:.

-هو غفلني بس!
أضاف الرجل قائلاً بصوته الآجش وهو يتحرك مبتعداً:
-ربنا يحميكم يا بنتي وينجحك
ابتسمت له مجاملة وهي تقول:
-متشكرة يا عمو
عقد باسل ساعديه أمام صدره، وسألها بضيق بادي في نبرته وفي نظراته إليها:
-خلصتي؟
ردت عليه بجدية وهي تتفحص محتويات حقيبتها:
-استنى أما أطمن على الشنطة!
تفاجيء مما تفعله وأرخى ذراعيه، وإعترض قائلاً بسخط:
-هو هيلحق يبص فيها!
هتفت إيناس قائلة بإصرار:
-برضوه، ده فيها شقى عمري كله.

سألها بإهتمام:
-فلوس يعني؟
ردت عليه بجدية مفرطة:
-لأ ملخص الدراسات!
ضرب بكف يده مقدمة جبينه، وتمتم بحنق:
-أخت مسعد، هاخد منها ايه!
تنهدت إيناس بإرتياح، واعتلى ثغرها إبتسامة عريضة وهي تقول:
-كله تمام الحمد لله
عقد باسل ما بين حاجبيه، وسألها معاتباً بإنزعاج:
-وبعدين إنتي ازاي أصلاً تجري ورا حرامي بالشكل ده؟
ردت عليه بشراسة وهي تجز على أسنانها بقوة.

-اومال عاوزني أسيبه، ده لو كنت طولته، كنت خدته مقص، وبركت فوقيه، وأديته باللوكميات واحدة ورا التانية لحد ما أنزل صف سنانه!
التوى ثغره بتهكم، ورد عليها بسخرية:
-لأ باين إنك تقدري تعملي كده
انتصبت إيناس بجسدها، وهتفت بفخر:
-ماتستقلش بيا، ده أنا كنت بألعب كارتيه!
رد عليها بسخرية:
-بتلعبي ولا بتأكليه؟!
عوجت شفتيها لتقول بإعتراض:
-هيهيهيه، بايخة!
أشار باسل بكفه لها وهو يضيف بهدوء:
-طب تعالي أوصلك البيت.

ردت عليه بتذمر وهي تعلق حقيبتها على كتفها:
-ما هو هناك أهو، مش هاتوه يعني!
رمقها بنظرات حادة وهو يقول بتبرم:
-يا ساتر على لسانك، عنده حق مسعد يتهبل منك!
رمشت بعينيها وهي تتساءل بتلهف:
-هو بيحكيلك عني؟!
هز رأسه نافياً:
-لأ، إطلاقاً
تابعت إيناس قائلة بحماس:
-ماشي، عارف يا باسل الصيف الجاي هاتعلم تايكوندو ولا كونج فو عشان أبقى مستعدة لأي مفاجأت!
شعر باسل بالملل من ثرثرتها الزائدة، وأردف قائلاً بإقتضاب:.

-يالا يا إيناس، ربنا يهديكي!
تجاهلته إيناس، وظلت تنفض سروالها الجينز من التراب العالق به، فصاح بها مستهزئاً:
- يالا يا وحش الكونج فو
ضاقت نظراتها، وعبست بوجهها وهي تردد بسخط:
-بتتريق!
رد عليها بإيجاز وهو يهز رأسه نافياً:
-لأ!

انتهت إيناس مما تفعله، ثم سارت إلى جوار باسل بخطوات ثابتة وعلى ثغرها إبتسامة سعيدة، ولكن سريعاً ما تلاشت حينما انتبهت لصوته الخفيض وهو يتمتم لنفسه ساخراً منها لتشعر بإهانته الصريحة نحوها وهو يقول:
-استحالة تكون دي بنت...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة