قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والثلاثون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والثلاثون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والثلاثون

على مقربة من جامعة القاهرة،
وقفت إيناس إلى جوار رفيقتها أماني على رصيف الممتد لبوابة جامعة القاهرة تترقبا وصول سيارة الأجرة لإستقلالها..
زفرت أماني بتعب وإرهاق بعد أن طال أن طال انتظارهما، ثم هتفت بنفاذ صبر:
-بجد كده كتير، كنا وقفنا أي تاكسي وخلاص!
ردت عليها إيناس وهي تتلفت حولها بتعب:
-أنا اتصلت شوية بأوبر ( نوع سيارات أجرة ) وجاي على طول.

هتفت أماني بتذمر وهي تمسح حبات العرق عن جبينها بمنشفة ورقية:
-ده احنا وافقين بقالنا كتير، مش معقول كده!
ضغط إيناس على شفتيها وهي تجيبها بإقتضاب:
-مجتش من 5 دقايق كمان!
هزت أماني رأسها معترضة، وصاحت بإلحاح:
-والله ولا دقيقة، احنا نشتري دماغنا أحسن بدل الوقفة دي!
بررت إيناس إصرارها على استقلال تلك النوعية من سيارات الأجرة قائلة:
-يا بنتي أنا ليا لي لسه حساب عنده، فعشان كده بأركبه!

تساءلت أماني مستفهمة خاصة أنها تعمل بمسألة امتلاك عائلة رفيقتها لسيارة ملاكي خاصة:
-أومال مش بتاخدي العربية بتاعتكو ليه؟
أخذت إيناس نفساً عميقاً، حبستة للحظات في صدرها، ثم أطلقته دفعة واحدة، وأجابتها على مضض:
-ما انتي عارفة ماما ورأيها، مفكراني مش بأعرف أسوق وهارجعلها بالعربية كل حتة فيها لوحدها!
لوت أماني شفتيها قائلة بإستهزاء:
-تفكير زمان بقى
بينما أضافت إيناس بتبرم:
-مش مقتنعة إني كبرت!

-كل الأمهات كده، مش لوحدك!
وفجأة شعرت إيناس بإهتزاز هاتفها بداخل حقيبة يدها، فمدت أصابعها لتلتقطه منها، ثم نظرت إلى شاشته، وسريعاً تشكل على وجهها تعابير الصدمة، وهتفت غير مصدقة:
-ايه ده!
تعجبت أماني من ردة فعل رفيقتها الغريبة، وسألتها بفضول واضح:
-في ايه؟
أجابتها إيناس بلا تردد:
-ده مسعد بيتصل!
ردت عليها أماني:
-أخوكي
أومأت إيناس برأسها إيجاباً وهي تقول:
-ايوه، مكالمة دولية، مش معقول! ربنا يستر.

أشارت لها أماني بيدها وهي تقول بتلهف:
-طب ردي عليه قبل ما الخط يفصل
وبالفعل أجابت إيناس على اتصال أخيها قائلة بنبرة شبه جادة:
-ألووو!
جاءها صوته واضحاً وهو يرد عليها مازحاً:
-نسناسة!
سألته بجمود واضح في نبرتها وهي محدقة أمامها بنظرات فارغة:
-مسعد! خير في حاجة؟!
رد عليها بتساؤل غامض:
-ايه اللي موقفك كده؟
انتابتها الريبة من سؤاله الغير مفهوم هذا، ورددت بإندهاش ظاهر عليها:
-موقفني!
بينما تابع هو متساءلاً بمكر:.

-وبعدين مين المزة اللي معاكي؟
هتفت شاهقة بعد ان استوعبت ما قاله:
-مسعد، إنت هنا؟!
أجابها بثقة:
-ايوه يا نوسة!
تلفتت حولها بنظرات سريعة خاطفة محاولة اكتشاف مكان أخيها المختبيء به، فوقعت عيناها عليه وهو يرتدي حلته العسكرية، ومتأنقاً بصورة آسرة للأنظار، فشهقت مصدومة، ووضعت يدها على فمها لتكتم صرخة فجائية صادحة، ثم ركضت في اتجاهه وهي تهتف بعدم تصديق:
-مسعد!

لوح لها بيده بحركة بسيطة، وارتسم على محياه ابتسامة سعيدة للغاية لرؤيته إياها بعد أن كبرت وتبدلت كثيراً..
استقبلتها أحضانه، ومسد على ظهرها برفق وهو يردد:
-وحشتيني أوي
ألصقت رأسها بصدر أخيها، وهتفت بإشتياق كبير:
-ياه يا مسعد، كل دي غيبة، أنا كنت خلاص هانسى شكلك!
أبعدها عنه ليتأمل ملامحها ومظهرها عن قرب، ثم تمتم بإعجاب كبير وهو يوميء بعينيه:
-بس ايه الحلاوة!
ردت عليه مبتسمة:
-إيه رأيك؟

أجابها وهو يشير بأصابعه بحركة ثلاثية:
-الصراحة حاجة حلوة على الأخر!
ثم صمت للحظة ليسألها بفضول:
-أومال راحت فين قمصاني وبناطيلي اللي كنتي بتشحتيها مني؟
ردت عليه بضيق:
-بطل بقى! انت لسه زي ما انت
ابتسم لها بثقة وهو يجيبها:
-الحمدلله، متغيرتش!
مدت إيناس يدها لتمسك كف أخيها، وبدت الفرحة ظاهرة في بريق عينيها، وهتفت متابعة:
-وحشني هزارك يا مسعد!
رد عليها بهدوء:
-أديني رجعتلك تاني هارخم عليكي للصبح!

تنهدت بحرارة وهي تقول:
-يا ريت!
ثم تساءلت بتفاخر وهي تشير إلى هيئتها الأنثوية الجديدة:
-بس ايه رأيك فيا؟
أجابها مسعد بإعجاب:
-بصراحة مافيش بعد كده!
ثم تساءل بجدية بعد لحظة:
-قوليلي خلصتي اللي وراكي ولا لسه؟
هزت رأسها إيجاباً وهي تقول:
-اها، عندي كام حاجة، بس مش مشكلة هاطنشها عشانك!
غمز لها بعينه قائلاً:
-أصيلة يا بنت أبويا
التفتت هي برأسها بحركة سريعة للخلف وهي تردد:.

-بس هستأذنك هاقول لصاحبتي تركب أي حاجة وآآ...
قاطعها قائلاً بجدية:
-طب ما تخلينا نوصلها لو هي في طريقنا
سألته إيناس بإستغراب:
-هو انت معاك العربية؟
أجابها بثقة:
-اه طبعاً، اومال هاخدها كعابي مثلاً
تهللت أساريرها وهي تردد بحماس:
-اشطا
اقترب مسعد من أخته الصغرى، ومال ناحية رأسها ليهمس لها بمكر:
-بس قوليلي صاحبتك مزة؟
رمقته بنظرات حادة وهي تحذره بغلظة:
-مسعد!
ابتسم لها قائلاً بمرح:.

-بأهزر يا نوسة، أنا مش في بالي أي واحدة
ثم أخفض صوته تماماً ليهمس من بين شفتيه بمرارة:
-إلا هي وبس!
وبالفعل أوصل مسعد زميلة أخته إلى منزلها الذي كان على مقربة من بنايتهم، وأكملا هما طريقهما سوياً..
تساءل مسعد بفضول وهو يدير عجلة القيادة:
-اخبار السواقة معاكي ايه؟
ردت عليه بضجر:
-والله لو ماما سابتني أخد فرصتي هاثبتلها إني بأعرف أسوق
-ليه؟ الحاجة صفية معاندة معاكي؟
أجابته بحنق قليل:.

-معاندة! قول رافضة أي حاجة إلا إنها توافق أركب العربية وأسوقها بنفسي
ثم أخذت نفساً طويلاً، وزفرته مرة واحدة لتتابع بإمتنان:
-بس بابا الصراحة واقف معايا وبيخليني أركبها يومين تفاريحي في الأسبوع!
رد عليها مسعد بصوت عادي:
-فيه البركة والله
هتفت إيناس بحماس وهي محدقة في أخيها بنظرات مطولة:
-أنا مش مصدقة لحد دلوقتي إنك رجعت وبأتكلم معاك كده، ياه الأربع سنين عدوا بطريقة صعبة أوي.

ضغط هو على شفتيه وهو يجيبها بتنهيدة حزينة:
-فعلاً، أسوأ أربع سنين في حياتي!
ربتت إيناس على ذراعه محاولة التهوين عليه وهي تقول برقة:
-معلش يا مسعد
رد عليها أخيها مازحاً:
-ايوه معلشيني شوية، لأحسن عندي جفاف في المعلشة
هتفت ضاحكة:
-ده انت هتاخد منها كتير، متقلقش!
-ايوه كده طمنيني!
أوقف مسعد السيارة عند الإشارة، وطرق بأصابعه على المقود، وظل يتابع حركة السير بنظرات دقيقة..
تساءلت إيناس بفضول:.

-على كده معرفتش حاجة عن سابين أو قضيتها
التفت برأسه في اتجاهه، وأجابه بحزن:
- ولا الهوا، زي ما تكون فص ملح وداب، وده اللي هايجنني! كل اللي ليه علاقة بيها اتبخر، كله بخ!
أبعدت إيناس نظراتها عن أخيها حينما لمحت ذلك الإحباط المسيطر عليه، وهتفت بهدوء:
-انساها يا مسعد، شوف حياتك، هي أكيد عاشت حياتها وبعدت عنك لمصلحتها، ماتنساش هي وضعها كان مؤقت وآآ...
قاطعها مسعد قائلاً بجدية شديدة:
-سيبك يا إيناس.

فهمت إيناس أن أخيها أراد تغيير الموضوع، فلم تسأله المزيد عنها، خاصة وأنه جاد في كل ما يتعلق بأمرها..
فكرت هي أن تساله عن شيء أخر لتغير مجرى الحديث:
-طب انت هاترجع تاني البلد دي ولا آآ...
قاطعها قائلاً بجدية:
-لا خلاص توبنا! كفاية أوي كده! احنا نريح الكام يوم دول وبعدهاربك يسهلها!
-أها
أضاف قائلاً بإبتسامة شبه متهكمة:
-وبالمرة نشوف خطوبة باسل!

انتبهت حواس إيناس بالكامل عقب تلك الجملة الموجزة، وهتفت بلا وعي:
-خطوبة باسل!
أجابها مسعد بفتور:
-ايوه، أهله كلهم موجودين هنا، وهو ناوي يعمل خطوبة بالبت الأفريقية اللي مصاحبها!
ابتلعت هي غصة عالقة في حلقها بعد أن سمعت جنسية الشابة، وبدى وجهها شاحباً نوعاً ما وهي تحاول استيعاب تلك الصدمة، وتساءلت بحذر:
-هو خطب؟
-يعني، حاجة زي كده
تحولت نظراتها للجمود، وبزرت عروق عنقها الغاضبة وهي تتساءل بإهتمام:.

-وشكلها ايه خطيبته دي؟!
أجابها مسعد بعدم اكتراث:
-بصي هي ناتالي آآ...
قاطعته إيناس قائلة بشهقة:
-اسمها ناتالي
تابع مسعد موضحاً:
-اها، هي أفريقية بس من أصول أوروبية، تقريباً ابوها كان من البرتغال وأمها
ردت عليه بحدة:
-أنا مش عاوزة أعرف تاريخ حياتها، بس أكيد هي حلوة وقمر وآآ...
قاطعها مسعد قائلاً بإمتعاض:
-لالالا، مين قالك دي سودة فحمة، وحاجة كده ماتتشافش، بس عاجبة باسل أوي!

وكأن ردوده تتعمد إشعال فتيل الغضب عندها، فرفعت حاجبها للأعلى، وهتفت:
-لا والله
أضاف مسعد مبتسماً:
-هو الحق يتقال لو ظبطت شعرها الأكرت المنكوش ده شوية وطولته حبتين هتبقى شبه المطربة ريحانة
كزت إيناس على أسنانها قائلة بضيق:
-بجد!
هز مسعد كتفيه قائلاً بلا مبالاة:
-احنا مالنا، هو احنا اللي هانلبس فيها!
أشاحت بوجهها بعيداً، وردت بنبرة محتقنة:
-اها، هو حر، ما هو القرد في عينين أمه غزال.

انفجر مسعد ضاحكاً على جملتها الأخيرة، وهتفت بعد أن جاهد للسيطرة على نفسه:
-على رأيك، قتلتيني يخرب عقلك! واحشني هزارك وردودك
شعور بالغضب الجامح قد استحوذ عليها كلياً، وسيطر على تفكيرها، وتحولت نظراتها للعدائية والشراسة، وباتت أكثر بغضاً وحنقاً على باسل..
فوصف أخيها – وإن كان موجزاً – إلا أنه أيقظ جرحها الغائر الذي لم يندمل يوماً..

ما عذبها حقاً، وأشعل نيران حقدها نحوه هو تفكيره العقيم، فإن كان لا يبحث عن الجمال في عروسه المستقبلية، إذن لماذا تعمد إهانتها وأساء إليها بتلك الصورة المهينة والمخزية، وأشعرها بأنها نكرة ومنبوذة من الجميع؟
ظلت إجابة ذلك السؤال تلح على عقلها بشدة..
زاد كمدها منه، وغضبها اللا محدود من مجرد ذكر أي شيء متعلق به..
-ايه يا نوسة؟ انتي سرحتي في ايه؟

أفاقت هي من شرودها الحانق على صوت أخيها الصادح، وارتبكت قليلاً، ثم سريعاً ما استعادت هدوئها، وردت عليه بثبات وهي تبتسم له ابتسامة دبلوماسية:
-في المذاكرة والمحاضرات والأبحاث اللي ورايا
هز رأسه مقتنعاً وهو يردد:
-ربنا معاكي ويوفقك!

قضى مسعد أول يومين في منزل عائلته مستمتعاً بتلك الأجواء العائلية الدافئة التي افتقدها كثيراً طوال فترة ابتعاده في المهمة التدريبية..
كذلك هاتفته أختيه ( إسراء وأسماء ) وزوجيهما للترحيب به بعد عودته، ووعده الجميع بالقدوم لزيارته خصيصاً..
كما أخذ هو جولات بالسيارة في المنطقة ليرى ما حدث حوله من مظاهر حضارية جديدة، وشاهد.

أرادت والدته صفية أن تستغل فرصة وجوده في البحث عن عروس مناسبة له قبل أن يطرأ شيء ما جديد يعوقه عن الزواج، فهي تتمنى أن ترى أحفاد منه مثلما رأت وتنعمت بأولاد ابنتيها، لذا لن تضيع وقتها، وستحصل له على واحدة تستحقه...

ظلت كلمات مسعد عن رفيقه يتردد صداها في عقل إيناس أغلب الأوقات، وكأنها تعقد نفسها – مكرهة ومجبرة – في مقارنة مع خطيبة الأخير..
فهو قد سبب لها عقد نفسية لها علاقة بثقتها بنفس، وأوجد فيها شيئاً لطالما بغضته..

لم تستطع الاستذكار بتركيز كما كانت تفعل من قبل، فدوماً صورة باسل المتهكمة منها، وطريقته المستفزة والمحطة من شأنها تتجسد على الصفحات أمامها، فتصفع كتبها بعنف مغلقة إياهم بغضب واضح..
حاولت هي أن تلهي نفسها حتى لا تفكر في تلك المسألة الموجعة كثيراً..
وبينما هي في حربها العقلية مع ذكرياتها المزعجة، تلقت اتصالاً هاتفياً من رفيقتها أماني تبلغها فيه بأمر هام، فردت عليها بضيق:
-مش كنتي تقولي من بدري.

أجابتها أماني بهدوء حذر:
-ما هو أنا لسه عارفة!
سألتها إيناس مستفهمة وهي تحاول كشف ما وراء مكالمتها تلك:
-وعرفتي منين؟
ردت عليها أماني بتوجس قليل:
-بصراحة من وائل، هو اللي قالي!
انزعجت إيناس من ذكر اسم ذلك السمج الذي يلاحقها دوماً، وهتفت بإمتعاض:
-برضوه سي بتاع ده! هو أنا مش هاخلص منه
عللت أماني موقفها قائلة:.

-بصي على أد ما هو رزل وانتي مش طايقاه، بس والله طيب وغرضه مصلحتنا، لما بيعرف أي حاجة خاصة بأي مادة بيبلغني على طول! والورق خلاص نزل، واحنا محتاجينه ضروري عشان نخلص الشيت اللي ورانا، ده غير آآ..
زفرت إيناس بعدم اقتناع ولم تصغِ إلى باقي مبرراتها عنه، فهي تنبذ تلك النوعية من العلاقات القائمة على مصالح ما..
سألتها أماني بإلحاح بعد أن طال صمتها:
-ها هتعملي ايه؟ هتعدي عليا تاخدي الورق ولا هتنطشي.

نفخت إيناس مجدداً وهي تجيبها:
-لولا إني فعلاً محتاجة الورق كنت كبرت دماغي منه!
تساءلت أماني بجدية:
-طيب هاتيجي امتى؟
ردت عليها رفيقتها على مضض:
-هاشوف ماما الأول، وأتصل بيكي أعرفك
-ماشي، بس حاولي تيجي على طول عشان خارجة أخر النهار
-ربنا يسهل!
قالتها إيناس وهي تختم المكالمة معها، ثم غرزت أصابع يديها في خصلات شعرها، وزفرت بعمق وهي تمتمت بإنهاك:
-مش هرتاح من الغتتين أبداً، أوووف!

وافقت صفية على مضض على إعطاء السيارة لإيناس لتحضر الأوراق الهامة من رفيقتها شرط ألا تتأخر..
وبالفعل ذهبت إليها، وأخذت ما تريده منها، ثم اتخذت طريق العودة إلى منزلها، ولكن للأسف تعطلت بها، فترجلت منها وهي تسب وتلعن بضيق واضح، فهي لا تريد أن يتم توبيخها لأنها تأخرت..
فتحت هي غطاء السيارة الأمامي، ونظرت إلى مكوناتها الداخلية وهي تضع يديها على منتصف خصرها بنظرات عامة شمولية..

ثم زفرت بصوت مسموع، وعادت إلى مقعدها الأمامي لتبحث عن قماشة نظيفة لتستخدمها عندما تمسك بالموتور الساخن لتتفحصه..
وقفت تنظر إلى البطارية بنظرات دقيقة، ثم انحنت لتتفقدها بدقة محاولة اكتشاف سبب العطل..
-في حاجة يا آنسة؟ محتاجة مساعدة؟!
قالها شاب ما بصوت ذكوري هاديء..
لم تلتفت له إيناس، بل أجابته بجدية واضحة في نبرتها وهي منهمكة فيما تقوم به:
-شكراً، مش عاوزة!

وقف الشاب إلى جوارها، ونظر إلى محتويات السيارة، واضاف قائلاً بإهتمام:
-لو البطارية فاصلة منك، فانا معايا كابلات ممكن أشحنهالك!
اعتدلت إيناس في وقفتها لتتأمله بنظرات سريعة، فرأت مظهره الكلاسيكي المنمق الذي يختلف عن أغلب الشباب العصري فخمنت أنه ربما يكون محامياً، أو يعمل في هيئة قضائية، واستمعت إلى نبرته الهادئة الرزينة، وأدركت أنها شردت فيه، فتداركت الموقف سريعاً، وردت عليه بجمود:.

-شكراً، أنا عرفت العيب فين، وخلاص هاظبط الفيوز وهاتشتغل إن شاء الله!
مط الشاب فمه ليرد عليها بإعجاب طفيف:
-مممم، شكلك بيفهم في العربيات، ولو محتاجة أدلك على ميكانيكي قريب أنا ممكن حتى أوديكي عنده، أصلي انا ساكن قريب من هنا، وآآآ..
تعجبت إيناس من طريقته التي يفرض بها نفسه عليها، فقاطعته بصلابة:
-شكراً، أنا لو احتاجت حاجة هاطلبها من أخويا أو بابا!
هز رأسه بتفهم، ورد عليه بنبرة دبلوماسية:.

-تمام، عموماً دي كانت فرصة سعيدة إني شوفت حد زيك!
ابتسمت بتصنع واضح وهي ترد عليه بإقتضاب:
-ميرسي
أضاف قائلاً بهدوء:
-أنا الأستاذ خالد رضوان، وحضرتك!
كتفكت إيناس ساعديها أمام صدرها، وردت عليه بتأفف:
-أنا مش من النوع اللي بأتعرف طياري! ومتشكرة، تشرفنا!
شعر خالد بالحرج من أسلوبها الفظ، فأطرق رأسه، وتنحنح بخفوت، وغمغم بإبتسامة مهذبة نجح في رسمها على وجهه:
-احم، سوري إن كنت أزعجتك! عن اذنك
لوت ثغرها وهي تجيبه:.

-مع السلامة!
ثم تابعته بنظراته الحادة وهو يبتعد عنها، وتابعت بضيق مع نفسها:
-هو أنا ناقصة تلائيح جتت...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة