قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والأربعون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والأربعون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الخامس والأربعون

في الصالة الرياضية،
لم تستطع إيناس كبح نوبة غضبها الهائج، وبدت متشنجة على غير المعتاد وفاقدة للتركيز..
لاحظت مدربتها هذا اﻷمر، فاقتربت منها، ونظرت لها بدقة فرأتها ترتكب أخطاءاً جسيمة ربما تؤدي لإصابتها دون وعي، لذا حذرتها قائلة:
-إيناس كده مش ينفع خالص، انتي بتأذي نفسك!
انتبهت هي إلى صوتها، واعتذرت قائلة:
-سوري يا كوتش
تابعت المدربة قائلة بجدية وهي تشير بسبابتها:.

-ركزي وإلا كده انتي بترهقي عضلاتك وجسمك بدون فايدة حقيقية!
أومأت برأسها ايجاباً:
-حاضر
أكملت المدربة حديثها بإبتسامة رقيقة:
-في كورس يوجا بدأ من يومين ايه رأيك تشتركي فيه؟
اعترضت إيناس بجدية:
-ماليش في جو اليوجا وحركات الشلل والصمت دي!
انزعجت المدربة من تفسير إيناس الخاطيء لتلك الرياضة التأملية، وصححت لها مفهومها:
-انتي فهماه غلط، رياضة اليوجا مهمة جدا للاسترخاء وتصفية الذهن وآآآ...

شعرت إيناس بالملل من حديثها الغير مجدي، فهي بالطبع لن تشترك في تلك الرياضة، وحاولت أن تبدو لطيفة وهي تقول مجاملة:
-ان شاء الله، هابقى اشوف!
أصرت المدربة على رأيها قائلة:
-حاولي بس انتي تشتركي فيه!
زفرت إيناس بيأس من إلحاحها، وردت عليها بنبرة قاطعة:
-ماظنش، أنا مبسوطة كده
مطت المدربة شفتيها مستنكرة رفضها الغير مبرر، ثم أضافت:
-صدقني انتي محتاجاه وهيفرق معاكي جامد!

انتصبت إيناس في جلستها، ونظرت في الفراغ أمامها، ثم هتفت بنزق:
-اللي أنا محتاجة بجد هو إني اشترك في كورس رماية، وضرب نار!

بعد مرور يومين،
فكر باسل ملياً في طريقة يستطيع بها معرفة إن كانت إيناس تحب غيره أم ﻻ، فمجرد اعتقاد انها تشارك شخص أخر في حياته تصيبه بالجنون والعصبية..
عاد بذاكرته للحظات تهوره وإنفعاله المستفز لها، وندم أشد الندم لتصرفاته الطائشة والعنيفة مسبقاً معها، وبالطبع أتت النتائج بصورة سلبية للغاية، واليوم هو يحصدها...
زفر بإستياء كبير، وذرع غرفته جيئة وعودة حتى يأس من كل شيء..

بدا إلى حد كبير عاجزاً عن التفكير بذهن صافي، فجميع أفكاره تنتهي إلى حل ميئوس..
ضغط على رأسه بقوة بكفيه، وركل الأرضية بقدمه، وفجأة توقف في مكانه، فقد طرأ بباله شيء ما..
تهللت أساريره، وتنفس الصعداء، وهتف لنفسه بحماس عجيب:
-مافيش إلا كده!
زادت ابتسامته اشراقاً وهو يكمل بجدية:
-أرتب الخطة صح، وساعتها هاتعرفي يا إيناس أنا اقدر اعمل ايه بالظبط عشان تكوني ليا!

توجه اللواء محمد إلى الوحدة العسكرية لزيارة ابنه ومعرفة تفاصيل كل شيء على روية وبعيداً عن جو المنزل المشحون والمعقد لتضح الصورة بالكامل له..
هو تمكن من تهدئة زوجته، لكن رغم هذا لم يعرف بملابسات الأمور..
التقى بابنه، فسرد له الأخير ما جرى لاحقاً وما توصل إليه، فأدرك هو أن مسعد مجرد وسيلة لاتمام اﻹجراءات اﻷمنية الخاصة بتأمين الشاهدة وحمايتها..
هز هو رأسه متفهماً، وأضاف بنبرة رزينة:.

-اطمن يا مسعد أنا هاتصرف مع أمك وهافهمها بطريقتي!
تساءل مسعد بحزن ظاهر في نبرته بعد أن أصبحت نظراته يائسة:
-تفتكر هتوافق على جوازي منها؟
صمت والده ولم يجبه، وأخذ يتفرس تعابير وجهه بحنكة..
أيقن هو أن ابنه متيماً بتلك الفتاة رغم كل شيء، وينقصه فقد أن يتأكد من حدسه، لذلك سأله بنزق:
-انت بتحبها؟
لم يجد مسعد بداً من الهروب من الإجابة، فرد عليه بإستياء:
-اه
ابتسم والده دون تكلف وهو يضيف:.

-خلاص يا بني، سيبها على الله ثم عليا!
ارتفع حاجبي مسعد للأعلى، وارتخت تعابيره الحزينة ليحل محلها أخرى سعيدة، وهتف غير مصدق:
-بجد يا بابا!
أجابه والده بهدوء واثق:
-ايوه يا مسعد، طالما ده هيسعدك ايه المانع
نهض مسعد ليحتضن والده، ثم شكره ممتناً لوقوفه إلى جواره ودعمه له في تلك المسألة المصيرية..
ثم هتف بسعادة جلية وقد ظهرت نواجذه:
-اخيرا بسمة أمل في جو الاكتئاب اللي عايش فيه ده بقالي ياما!

رد عليه والده بثقة:
-بتيجي على اهون سبب يا بني!
وافقه مسعد الرأي، وردد قائلاً بفرحة عامرة:
-ونعم بالله فعلاً!
...
لاحقاً في منزل مسعد غراب،
تمكن اللواء محمد من اقناع زوجته أنها أساءت فهم كل شيء، وأوضح لها بدبلوماسية حكيمة كل الظروف..
مصمصت هي شفتيها غير مصدقة أن ابنها كان فردا في تلك العملية الخطيرة، وأنه تمكن بجدارة من حمايتها، ورددت بنبرة عادية:
-بقى الموضوع كده؟
أجابها بجدية:.

-اومال انتي مفكرة ايه يا صفية، المواضيع دي مافيهاش هزار!
ضاقت نظراتها واحتدت، وهتفت معاتبة:
-وانت كنت عارف وساكت؟
هز رأسه بالإيجاب وهو يرد:
-أيوه، لأنها أسرار عسكرية!
تجهم وجهها قليلاً، وعنفته برقة:
-وأهون عليك تسيبني كل الفترة دي على عمايا!
رد عليها موضحاً موقفه:
-أنا نفسي معرفتش بالتطورات الا من ابنك!
ردت مستنكرة وهي تحرك رأسها للجانبين:
-صحيح يدي الحلق للي بلى ودانه!

تأكد اللواء محمد من استقرار الأمور وتفهم زوجته للوضع، فتابع قائلاً:
-طيب انتي رأيك ايه في موضوع جوازه منها؟
ردت عليه بإمتعاض:
-يعني مافيش الا هي!
تابع قائلاً بجدية:
-ابنك بيحبها وعاوزها
التوى فمها وهي ترد بسخط:
-بس دي معاها عيلة، هو ناقص هم، وعلى رأي المثل يا مربي في غير ولدك يا باني في غير ملكك..
عنفها زوجها على تفكيرها العقيم قائلاً بحدة:.

-يا صفية حرام عليكي، بلاش الكلام ده، دي يتيمة وطفلة، والرسول عليه الصلاة والسلام وصانا على اليتيم وقال أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة!
ردت بإقتضاب:
-عليه الصلاة والسلام، بس أنا امه وعاوزة افرح بعوضه من صلبه وآآ...
قاطعها قائلاً بتبرم:
-يا صفية بأقولك هي لسه متجوزتش وبنت بنوت!
نفخت هي بصوت مسموع، وردت عليه متذمرة:
-بس هانقول للناس ايه؟

استنكر هو تفكيرها المبني على رأي الأخرين وتدخلهم في مسائل حياتهم، وتشدق متسائلاً:
-انتي يهمك الناس ولا سعادة ابنك؟
أجابته بتنهيدة مطولة:
-ابني!
ابتسم لها قائلاً بثقة:
-يبقى توكلي على الله ووافقي..!
ظل العبوس محتلاً القسم الأكبر من وجهها، فتابع هو بحنو:
-عاوزين نشوف احفاد مسعد يا صفية، ها موافقة؟

فكرت هي في حديث زوجها لبعض الوقت، ووجدت أنه ربما يكون محقاً في بعض الأمور، إلا أنها لا تستطيع أن تحرم فلذة كبدها من فرحته..
أخفضت هي نظراتها، وردت مستسلمة:
-طيب!
أومأ اللواء محمد برأسه قائلاً:
-أما اتصل على مسعد افرحه!
-روح كلمه
قالتها صفية بإبتسامة باهتة وهي تتابعه بعينيها...

هلل مسعد مبتهجاً حينما أبلغه والده بموافقة أمه على زواجه من سابين، وصاح بسعادة غامرة:
-ما يجيبها الا رجالها، ربنا يخليك ليا يا بابا!
أضاف والده قائلاً بحماس مشجعاً إياه:
-شد حيلك انت يا بطل وشوف ايه الاجراءات المطلوبة عشان نعملك فرح وتتجوزها!
رد عليه مسعد بثقة والابتسامة لم تفارق محياه:
-يا بابا هي مراتي، صحيح على الورق بس برضوه مراتي
هتف والده بنبرة أكثر جدية:
-دي دواعي أمنية، لازم الاشهار!

رد عليه مسعد بحماسة مفرطة:
-دواعي دواعي وماله، أنا هاعمل كل حاجة!
أطلق تنهيدة عميقة تعبر عن إرتياح شديد، ثم أكمل بمرح:
-سلملي على ماما وبوسهالي
رد عليه والده بمزاح:
-لا انت اللي تيجي تعمل ده بنفسك!
هتف مسعد بنبرة عازمة:
-على طول، اخد بس التصاريح وهتلاقيني فوق دماغها!
في نفس التوقيت، اقترب باسل من رفيقه فوجده في حالة غريبة تختلف كلياً عما تركه عليها قبل لحظات، فسأله بفضول:
-في ايه يا مسعد؟

رد عليه بحماسة وقد أشرقت نظراته، ولمعت عيناه:
-باركلي خلاص هاتجوز صابرين!
ارتسمت علامات الصدمة على وجه باسل، وردد مذهولاً:
-هما وافقوا عندك؟
لكز مسعد رفيقه في كتفه بخفة، وهز رأسه قائلاً بتفاخر:
-ايوه، البركة في تكتيكات سيادة اللوا والهجوم المباغت اللي دخل بيه على الحاجة صفية، فضرب قواعدها، ورفعت رايات الاستسلام
ضحك باسل من دعابة رفيقه، واحتضنه قائلاً:
-مبروك يا صاحبي!
ربت مسعد على ظهره، ورد عليه بمكر:.

-الله يبارك فيك. وعقبالك مع اللي تستاهلك!
ابتسم باسل بغرور وهو يرد بنبرة واثقة:
-انا عارف عاوز مين ومش هيأس!
-اها..
ثم أضاف بنبرة عاشمة:
-ادعيلي بس!
هتف مسعد مازحاً:
-انا هاخلي الحاجة صفية بنفسها تدعيلك، وشوف انت بقى اللي بتدعيله هيحصله ايه!

في منزل مسعد غراب،
هاتفت الحاجة صفية ابنتها إسراء لتبلغها – كعادتها – بأخر ما حدث في العائلة، وبالطبع كانت الأخيرة حريصة على معرفة كل جديد، وعلمت بكل ما يخص سابين وقضيتها الشائكة، وما أتبعه من لجوئها إلى حيلة ارتباطها الوهمي بمسعد كزوج لها لتتمكن من الاختفاء نهائياً من المتربصين بها، ثم اعترافه بحبه لها، ورغبته في الزواج فعلياً منها..
رددت صفية بتذمر:
-ابوكي واخوكي بلفوني!

ردت عليها إسراء بتعجب:
-ياه كل ده حصل واحنا مش عارفين!
هتفت صفية مستنكرة:
-اه يا بنتي، ده ولا الروايات!
أضافت إسراء قائلة بإعجاب:
- ان جيتي للحق ياماما البت امورة وكويسة
تنهدت صفية بإستياء:
-انا مقولتش حاجة، بس كان نفسي افرح وانقي عروسة ابني بنفسي، تكون نقاوة عيني!
ردت عليها إسراء بجدية:
-يا ماما العروسة للعريس والجري للمتاعيس!

لم تقتنع صفية بما تردده ابنتها، واعتقدت في وجود من يضمر لها سوءاً ويحسد أبنائها، ويتمنى لهم الشر، فغمغم بتبرم:
-آآخ يا خواتي، محسودة في عيالي!
لم ترغب إسراء في مجادلة والدتها في ذلك الأمر، وتساءلت بإهتمام:
-طب والبت نوسة؟ مش ناوية توافق على باسل
ردت عليها بنبرة مستاءة:
-اهوو ده اللي قهرني، عريس لقطة وابن ناس وكويس!
هتفت إسراء مقترحة:
-طب ما تكلميها تاني، وأهوم بيقولوا الزن على الودان أمر من السحر!

تنهدت صفية بإنهاك وهي تقول:
-هاجرب مش هانخسر حاجة.

على مقربة من الصالة الرياضية،
حدق باسل في المدخل المؤدي للصالة بنظرات دقيقة مترقباً وصول إيناس بين لحظة وأخرى..
قرر ألا يبدل ثيابه العسكرية بأخرى عادية، فهو بحاجة ليبدو رسمياً لينفذ خطته..
تنفس بثبات، وتفحص المارة بجدية..
وما إن لمح حبيبته حتى تأهب في جلسته ووضع الهاتف على أذنه وتحدث بنبرة غامضة و شبه آمرة:
-اجهزوا!

أخفض نظارته الشمسية وجلس بإسترخاء وهو يطرق بأصابعه على المقود بحركة روتينية ثابتة بعد أن تأكد من ولوجها للداخل..
انتظر هو لبرهة بداخل سيارته ليتأكد من بدء تدريباتها المعتادة وانشغالها بها، ثم ترجل بعدها منها، وسار بخطوات جادة نحو المدخل...
توقف في مكانه وتلفت حوله بنظرات شمولية إلى أن سلط أنظاره في اتجاه ما، ثم هز رأسه بإيماءة خفيفة ليتجمع حوله في ثوان معدودة أقرانه في وحدته العسكرية...

شكل الجميع حوله دائرة قتالية بثيابهم العسكرية اللافتة للأنظار، فجاب ببصره عليهم واحداً تلو الأخر، وحدق فيهم بإعجاب جلي
التوى ثغره بإبتسامة مغترة، ثم أردف متساءلاً بهدوء مريب:
-جاهزين يا رجالة؟!
أجابوه بجدية وكأنهم على وشك الدخول في معركة حامية الوطيس:
-تمام يا باشا...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة