قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والثلاثون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والثلاثون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الحادي والثلاثون

بدأت تجمعات منظمة من رجال ملثمين يرتدون ثياباً داكنة في التحرك بإشارات صامتة بإتجاه البناية المتواجدة بها سابين..
كانت تلك التجمعات تختلف كلياً عن هؤلاء القتلة المحترفين، حيثكانت أكثر قوة، وأكثر تدريباً واستعداداً للقتال والمواجهة..
وبصوت هامس ولكنه صارم أردف قائد تلك المجموعة قائلاً:
-خريطة العمارة معاكو، والمداخل متحددة، الكل هيتحرك عند إشارتي ويهجم، مفهوم!

أومىء أفراد مجموعته القتالية المدربة برؤوسهم إذعاناً لأمره المباشر، ثم أكملوا تحركاتهم الحذرة نحو أماكنهم المحددة مسبقاً..

لم يعرف مسعد كيف كان يقود سيارته على الطريق السريع ليتجاوز تلك السيارات التي تسير أمامه..
كل ما كان يدور في خلده هو انقاذ أخته وحبيبته..
الاثنتين لهما مكانة غالية ومميزة في قلبه، وهو لن يتحمل خسارة إحداهما..
كذلك لم يترك الهاتف للحظة من على أذنه، وعلى قدر المستطاع هاتف من يثق بهم من رفاقه في التشكيل لمعاونته في نجدتهما..
واستجاب معظم من تحدث معهم..

كان مسعد يسابق الزمن، ولكن الوقت لا ينتظر أحداً...

تمكن باسل من الوصول إلى البناية..
أوقف سيارته فوق الرصيف بحركة عنيفة، ثم جذب مفاتيحه من مكانها، وترجل منها، وانطلق مسرعاً نحو المدخل دون أن يعبأ بالتأكد من غلقه إياها..
وقبل أن يصل إلى الدرج كان هناك من يشهر سلاحاً آلياً في وجهه ليمنعه من اكمال طريقه، فنظر له مصدوماً وقد عجز لوهلة عن التصرف معه...

في منزل الجارة أم سيد،
لم تصغِ إيناس ولا سابين إلى كلمة واحدة مما قالتها الجارة عن طريقة صنع ( الأرز المعمر ) الشهير، فكلتاهما كانتا مشغولتان بما يحدث بالخارج..
مر الوقت عليهما بطيئاً للغاية، ولكنه كان منذراً بفاجعة ما..
انتفض ثلاثتهن مذعورات حينما سمعن دوياً قوياً ناجماً عن تحطيم باب ما..

استدرن برؤوسهن للخلف، فوجدن أوجه باردة صلبة لقتلة محدقة بهن ن ويحملوا في أيدهم أسلحة نارية بها كاتمات للصوت..
هبت إيناس من مكانها واقفة، وتراجعت مسرعة للخلف وهي تكتم بكفي يدها شهقة مرتعدة، وسقط هاتفها المحمول من يدها، فتناثر إلى أجزاء..
بينما تصدرت سابين بجسدها المقدمة في محاولة يائسة منها للدفاع عمن معها..

فقدت الجارة أم سيد وعيها من هول الموقف، وسقط جسدها المتعب على الأرضية، فهي لم تتحمل هذا الكم الهائل من الأسلحة والتهديد المخيف..
انحنت إيناس عليها محاولة مساعدتها، ووزعت أنظارها المذعورة بين سابين وهؤلاء القتلة..
رأت سابين المشهد، فزاد خوفها، وتسارعت دقات قلبها، وصرخت فيهن باللغة الانجليزية:
-من أنتم، وماذا تريدون!

التوى ثغر أحدهم بنصف ابتسامة برزت من خلفها أسنانه، واقترب منها ببطء، ثم أجابها بنبرة باردة - بنفس اللغة - لكنها مخيفة تدب الرعب في القلوب:
-نريد حياتك أنتِ
شهقت إيناس عقب عبارته الأخيرة بعد أن فهمت مقصده، ونظرت بهلع إلى سابين التي ارتجف جسدها بأكمله، وارتعشت أطرافها، ورغم ذلك حاولت الحفاظ على ما تبقى من رصيد شجاعتها، فهتفت بنبرة خائفة:
-حسناً، حياتي لك!
ثم زادت من قوة نبرتها قليلاً وهي تتابع:.

-ولكن لا تؤذهم، هما ليس لهما أي دخل ب آآ...
قاطعها الرجل قائلاً بشراسة:
-اصمتي، سنقتل الجميع بما فيهم أنتِ!
إشرأب الرجل بعنقه للأعلى قليلاً ليغمز لها بعينه وهو يتابع بعبث:
-ولكن ربما نتسلى قليلاً!
ثم أشار بعينيه نحو إيناس، وأضاف بخبث:
-ونمرح مع تلك الصغيرة!
صرخت فيه سابين بغضب بعد أن أدركت مقصده الدنيء:
-أيها المجرم الحقير!
زادت ابتسامته الشرسة إتساعاً وتابع قائلاً:
-وربما تمتعينا أنتِ الأخرى!

صرخت فيه بغضب وهي تشيح بيدها مهددة:
-أنت حقاً قذر، وسأنال منكم، وممن أرسلكم!
رد عليها بجمود مميت غير مكترثٍ بما تفوهت به تواً:
-هذا ما دُفع لنا لأجله!
وقع قلب إيناس في قدميها، وشخصت أبصارها بهلع أكبر خاصة أن نظراتهم نحوها كانت ذات مغزى..
ازدردت ريقها، ولهثت بخوف كبير..

تراجعت سابين للخلف لحمايتها، والذود عنها من بطش هؤلاء الرجال الذين لم يريدوا فقط قتلها، وإنما الإعتداء على رفيقتها الصغيرة وأخت من أحبت..
قررت هي ألا تتخلى عنها مهما حدث، وأن تدافع عنها حتى الرمق الأخير..
ففي نهاية المطاف هي من زجت بها في تلك الكارثة..
لذلك قبضت على ذراعيها لتجبرها على النهوض عن الأرضية، ودفعتها لتبقى دوماً خلفها وكأنها درع يحميها، وتحركت بها متراجعة عنهم..

وفجأة قُذفت عبوات صغيرة داخل صالة المنزل لتغرقه بسحب كثيفة من الدخان الأبيض سببت الذعر والإرتباك لجميع من فيه..
سعلت كلاً من سابين وإيناس بصوت مرتفع، وحاولت الاثنتان كتم أنفاسهما وعدم استنشاق هذا الدخان الخانق..
وأعقبه دوي طلقات نارية مصحوبة بصيحات وتحطيم..
اندفعت كلتاهما للداخل لتبحثا عن مكان تختبئان فيه، ولكن هناك أيادي قوية قبضت عليهما وحالت دون هروبهما..

صرخت إيناس بهلع حينما شعرت بتلك القبضة المحكمة على كتفها:
-سيبوني، لأ، مش عاوزة أموت!
وظلت تتلوى بجسدها محاولة تخليص نفسها ممن وقعت تحت قبضته..
صاحت سابين هي الأخرى بفزع بلغتها الانجليزية وهي تقاوم ذلك الكف الذي أمسك برسغها، ومسلطة أنظارها على إيناس:
-لا تلمسوها!
كتف أحد الضباط إيناس جيداً بساعديه، وشل حركتها تقريبا ً، وصاح بصوت قاتم:
-اهدوا، احنا مش هنأذيكم، احنا هنا لحمايتكم!

اهتاجت إيناس أكثر بعد تكبيلها، وبكت بخوف وهي تصرخ مستغيثة:
-لألألألأ!
ثم نظرت في اتجاه سابين، وصرخت فيها بتوسل:
-سابين ماتنسبنيش!
صاحت الأخيرة بقوة وهي تمد يدها في محاولة يائسة منها للوصول إليها ولكن باللغة العربية:
-ابعدوا عنها!
تابع الضابط قائلاً بهدوء جدي محاولاً إمتصاص ثورة الغضب المسيطرة عليها:
- اهدي، مش هانعمل حاجة، إحنا تشكيل قتالي معروف!

صرخت إيناس بجنون وهي تتلوى بجسدها بكل طاقتها المشحونة من الإدرينالين المتدفق بغزارة إلى جميع خلاياها:
-هانموت، هانموت على ايدهم!
ضغط الضابط بقبضتيه على إيناس ليمنعها من الحركة وهو يقول بحذر:
-يا آنسة اهدي، مش هانموتكم، احنا هنا عشانكم
لم تصدق هي ما قاله، واكملت صراخها:
-لألألأ!
ألقي بقنبلة دخان أخرى لتصيب الجميع بالسعال الشديد، وأعقبها تبادل للطلقات النارية..

انحنى الضباط بكلاً من سابين وإيناس للأسفل، وشكلوا من أجسادهم درعاً ليحولوا دون وصول أي طلقات إليهما..
وتعالت الصيحات المشيرة إلى الهجوم المدافع..
سحب ضابط أخر جسد الجارة أم سيد الملقى على الأرضية ليبعده عن المواجهة المحتدة، واستغل الأريكة في تكوين حاجز مؤقت لحمايتها، واستعان أيضاً بالطاولة ليشدد من قوة الحاجز فلا تخترقه الطلقات..

قفز قلب باسل في قدميه بعد سماعه لدوي الطلقات المخيفة، وشحب لون وجهه بشدة، وتلاحقت أنفاسه بخوف كبير..
وتمتم بلا وعي من بين شفتيه:
-إيناس!
اندفع كالمجنون بجسده نحو مدخل البناية، ولكن تم منعه من قِبل أفراد التأمين بالخارج، فظل يصرخ بإهتياج جامح:
-سيبوني أعدي، إيناس، خطيبتي جوا، انتو مش فاهمين حاجة، حاسبوا!
رد عليه فرد التأمين وهو يتصدى له بجسده العملاق:
-ممنوع يا باشا.

تحولت مقلتيه إلى جمرتين متقدتين، وصاح فيه بحدة وهو يلوح بذراعه في الهواء:
-ازاي أتمنع، أنا في قوات الصاعقة وآآ...
قاطعه فرد التأمين قائلاً بهدوء حذر:
-أنا عارف انت مين، بس الأوامر مانعة حد يدخل!
وضع باسل يديه على رأسه ليضغط عليها بقوة متعصبة بعد أن يأس من اقناعهم بتركه يدخل، وسلط أنظاره للأعلى ليحدق في شرفة منزل رفيقه مسعد وقلبه يصرخ ملتاعاً لعجزه عن حماية من دق فؤاده لها...

زادت حدة الاشتباكات بالخارج وتحول منزل الجارة أم سيد بالطابق الذي تسكن فيه إلى ساحة قتالية مصغرة..
وبدأت العناصر القتالية المدربة في فرض سيطرتها على المكان ومحاصرة القتلة المحترفين..
انزعج قاطني البناية مما يحدث بداخلها، وظنوا أن الحرب قد اندلعت بها فقط، وهرب أغلبهم نجاة بنفسه مما قد يحدث له...

لم يستطع باسل التحمل أكثر من هذا، ففقد أعصابه، وقرر التصرف فوراً حتى لو كلفه الأمر حياته..
استغل انشغال أحد أفراد التأمين بالحديث إلى زميله حتى ركض كالمجنون في اتجاهه ليتمكن من اختراقه، والدخول إلى البناية، ولكن تم منعه من الصعود إلى الأعلى عن طريق أحد أفراد ذلك التشكيل القتالي المدرب الذي جاء للتعامل مع القتلة..

حاول دفعه والمرور عنوة، لكنه فوجيء بأخرين يحكمون قبضتهم عليه ويجروه إلى الخارج، فصاح معترضاً، ولكن رد عليه الضابط العسكري قائلاً:
-الأوامر بتقول محدش هايدخل إلا تشكيلنا وبس!
احتج باسل قائلاً بإنفعال وهو يقاومهم:
-مش هامشي من هنا! أنا أعرفهم أكتر منكم، إنتو آآ...
قاطعه الضابط بصرامة:
-احنا عارفين أكتر بكتير من اللي انت تعرفه، خدوه برا، واتحفظوا عليه
صرخ باسل بغضب جم عقب عبارته الأخيرة:
-لألألأ!

لكن لم يكن بيده أي حيلة، وعجز عن التصرف معهم، فهم أكثرية، وهو بمفرده أمامهم..
كذلك الأوامر مشددة للغاية، والتشكيل المتواجد هنا معروف بحنكته ومهارته وبراعته اللامتناهية، وهو قد عرفهم من شعارهم المميز..

انهارت أعصاب مسعد وهو يحاول قطع أكبر المسافات في أقل وقت ممكن للحاق بأخته وحبيبته..
كان يتابع مع رفيقه باسل أخر المستجدات عبر هاتفه، وتحطمت صلابته المعهودة حينما أبلغه الأخير بإعطاء اشارة الهجوم..
تحولت عيناه إلى بركتين من العبرات الحارة، إنسابت كالأمطار الغزيرة لتغرق صدغيه...
خشي أن يكون قد فقد إحداهما، ناهيك عن التفكير في خسارة الاثنتين كأسوأ الافتراضات...

ظل يدعو الله أن يخيب ظنه، وينجيهما من أي مكروه..
لم يستطع كذلك إبلاغ أبويه بما يحدث، فهو لن يتحمل صدمة والدته، ولا انهيار أبيه، وفضل أن يظل الأمر واقفاً عنده حتى يصل إلى هناك...

مرت الدقائق التالية كأنها ساعات، ولكنها كانت فاصلة في انهاء محاولة الاغتيال قبل أن تتم فعلياً مع القبض على ثلاثة من عناصر التنفيذ، وإرداء البقية قتلى..
لم تُصب أياً من سابين أو إيناس بأذى حقيقي، فقط اختناق نتيجة الدخان الكثيف، وسجحات سطحية نتيجة المقاومة، ولكن في المجمل كانت الاثنتان بخير..
لم تصدق كلتاهما أنهما نجتتا حقاً من محاولة الاغتيال..

إرهاق كبير كان بادياً عليهما، وتم اصطحابهما إلى خارج المنزل بمعاونة الضباط الذي شكلوا حولهما جداراً بشرياً..
كما تم اسعاف الجارة أم سيد، ووضعها على الناقلة الطبية لإرسالها للمشفى القريب للتأكد من سلامتها..
زادت الحركة أمام مدخل البناية، وعلامات غريبة ما بين الفرحة والتعب كانت مرسومة على أوجه أفراد التشكيل..
ترقب باسل خروج إيناس بفارغ الصبر..

حبس أنفاسه داخل صدره، لكن لم يتوقف قلبه للحظة عن الصراخ باسمها..
حدق في أوجه الجميع بنظرات فارغة..
ربما لو عاد به الزمن للخلف ما كان ليؤذيها أبداً بأي صورة..
استشعر فؤاده أنها بخير رغم عدم ظهورها أمامه، ولكنه كان ينبؤه بهذا..
نعم صدق حدسه كمحب، وانفرجت شفتيه تلقائياً عن بعضهما البعض لتهمس بإسمها..
وما إن لمح طيفها وهي تخرج مستندة على كتف سابين بذراعها حتى اندفع كالقذيفة نحوها، و...

لم تصدق إيناس نفسها أنها قد نجت من تلك المعركة التي حدثت..
هي لم تكن تشاهد فيلماً سينمائياً، ولا حتى تستمع إلى إحدى الروايات الخيالية أو الغير منطقية، لكنها بالفعل كانت وسط تلك الاشتباكات..
رفعت عينيها الحمراوتين – من كثرة البكاء - للأعلى لتجد باسل يركض نحوها وهو يصيح بإسمها..
تسمرت في مكانها مشدوهة، وارتجف جسدها بقوة حينما رأته يضم وجهها بين راحتي يده، وينظر لها بغرابة..

لقد رأت في عينيه نظرات لم تعهدها مسبقاً منه..
نظرات عميقة تنطق بالكثير، ورغم هذا لم تستطع تفسيرها..
لوهلة لم تستوعب أنه احتضنها بقوة بالفعل، وأنه جذب رأسها بأحد ذراعيه ليدفن وجهها في صدره..
سكنت للحظات وهي تستمع إلى دقات قلبه المتلاحقة بأذنها الملتصقة بصدره..
أحاطها باسل بذراعيه بلا وعي وكأنه يحميها ممن حولها..
لم يشعر بنفسه وهو يفعل هذا، وكأن إحساسه الصادق هو ما دفعه للتهور وفضح نفسه أمام الجميع..

لكنه كان مرتعداً من التفكير في حدوث مكروه لها..
أرخى أحد ذراعيه عنها، وابتعد بجسده قليلاً للخلف دون أن يتركها، وضم بيده الأخرى سابين، وتساءل بصوت متحشرج:
-انتو كويسين؟ في حد عملكم حاجة؟!
وقبل أن تجيبه إحداهما، سمع صوتاً ذكورياً خشناً يأمره ب:
-من فضلكم اتحركوا، ماينفعش تقفوا هنا!
رفع رأسه لينظر نحو صاحب الصوت، فوجده ضابطاً أخراً، فرد عليه بإقتضاب:
-طيب.

ثم تحرك إلى الجانب معهما، ولكن قطع طريقهم ضابط أخر وهو يقول بهدوء:
-اتفضلوا هناك عند الاسعاف عشان نطمن!
ضغط باسل بقبضتي يده على كتفيهما، وهتف بجدية:
-تعالوا
اعترضت إيناس قائلة بخفوت:
-انا كويسة!
التفت برأسه التفاتة صغيرة، ونظر لها بقوة وهو يرد عليها بجمود قليل:
-الدكتور هو اللي يقول كده!
أضافت سابين هي الأخرى قائلة بنبرة شبه منهكة:
-باسل، we are okay , don t worry ( نحن بخير، لا تقلق ).

احتج باسل قائلاً بصرامة واضحة:
-مافيش داعي للإعتراض! يالا!
وبالفعل توجه ثلاثتهم إلى أقرب سيارة إسعاف للاطمئنان على الحالة العامة لكلاً من إيناس وسابين...

لطمت صفية بكف يدها المجعد على صدرها، وشحب لون وجهها بهلع كبير، واتسعت حدقتي عينيها بذعر واضح حينما قرأت إسراء عليها ما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي..
لم يصدق الجميع آذانه حينما عرفوا أن بنايتهم تحت الحصار، وهناك اشتباكات دائرة فيها..
كان الأكثر رعباً بينهم هو اللواء محمد، فهو يعرف بهوية سابين الحقيقية..
صرخت صفية بصوت باكي وهي تهز رأسها للجانبين:
-بنتي، هاتلي بنتي، ودوني عندها، اه يا حبيبتي!

حاولت إسراء تهدئتها حتى لا تنهار منها، وهتفت بتوسل وهي تمنع بصعوبة عبراتها من الإنسياب:
-اهدي يا ماما، احنا لسه مش عارفين حاجة!
صرخت فيها صفية بحدة وهي تلوح بذراعها:
-كلمي أختك واعرفي هي فين، اطلبي أخوكي، شوفيه اختفى في أنهو حتة!
أومأت برأسها بحركة متكررة وهي ترد:
-طيب حاضر، هاعمل كل اللي انتي عاوزاه، بس اهدي عشان صحتك!
ضربت فخذيها بكفي يدها، وندبت حظها قائلة بخوف:.

-أهدى ازاي وانا بنتي واقعة مع العالم الشر دول!
حاولت إسراء أن تقنع والدتها بأن ما قرأوه ربما يكون أكذوبة ما، فهتفت مبررة:
-انتي، انتي عارفة النت ساعات بيهول ويقول حاجات محصلتش!
لم تقتنع والدتها بما قالته، وصرخت بعويل:
-آآآه، بنتي، ودوني عندها، اطلبيها
أشارت إسراء بيدها لها وهي تقول بيأس:
-طيب، طيب!
حاولت لأكثر من مرة مهاتفة اختها الصغرى لكن لا جدوى..

زاغت أنظارها من القلق الممزوج بالإضطراب، وعضت على شفتها السفلى بتوتر كبير...
سألتها والدتها بإلحاح وقد اغرورقت مقلتيها بعبراتها الملتاعة:
-ها؟ ردت عليكي؟!
هزت إسراء رأسها نافية وهي تجيبها بحذر:
-لأ، الرقم مش بيجمع
زاد خوف صفية، وتسارعت نبضات قلبها المرتعد، وهتفت بتوسل وهي تشد صدغيها بكفي يدها:
-استر يا رب، عديها على خير يا رب، احنا مالناش غيرك يا رب!

سار اللواء محمد مبتعداً عن زوجته وابنته الكبرى ليتمكن من مهاتفة ابنه، فسبب اختفائه الآن بات واضحاً له، ولكن الأخير لم يرد على أي من اتصالاته، فتوجس خيفة ان يكون قد وقع الأسوأ..
انقبض قلبه أكثر، وتوترت أعصابه، وأصبح قاب قوسين أو أدنى من كشف كل شيء..
كز على أسنانه ليحدث نفسه بنبرة حاسمة:
-أنا مش هافضل كده أحرق في اعصابي ومش عارف حاجة، لازم أتصرف بطريقتي! أنا مش قليل برضوه!

قرر هو أن يهاتف من يعرفهم – من ذوي العلاقات المعروفة – ليطلع على أخر المستجدات، فطمأنه أحدهم بأن الوضع شبه مستقر وتم السيطرة عليه، فتنفس الصعداء..
ولكن قلبه لم يهدأ بعد، فهو مازال متعذراً في الوصول إلى ابنه وابنته الصغرى..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة