قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والثلاثون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والثلاثون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والثلاثون

في شركة ما بولاية أوهايو،
هب الرئيس التنفيذي لتلك المؤسسة الشهيرة - ومالكها - مذعوراً من مقعده الوثير بعد أن وصلته الأنباء عن فشل خطة الإغتيال، وإلقاء القبض على عناصر التنفيذ من قبل رجال القوات الخاصة المصرية وتشكيل قتالي ما..
ارتجف مدير أعماله ورجله الخاص قليلاً وهو يرى حالة الهياج التي سيطرت عليه، وأطرق رأسه خزياً..
انحنى الرجل الغاضب للأمام ليطرق بعنف بقبضتيه على سطح مكتبه وهو يصرخ:.

-كيف حدث هذا؟ ألم تخبرني أن كل شيء مدروس وآآ..
قاطعه مدير أعماله قائلاً بنبرة شبه مخذولة:
-معذرة سيدي، لم نكن نعلم بتدخل جهة عليا!
صاح فيه الرجل الغاضب بصوت هادر:
-أنتم أغبياء، لقد أفسدتم كل شيء بحماقتكم!
ضغط مدير أعماله على شفتيه ولم يضف المزيد، فهو في وضع حرج، بل الأدق رب عمله في وضع سيء..
فنجاة الشاهدة - ورافعة الدعوى القضائية - من هذه المحاولة الأخيرة تعني تدميره نهائياً..

تراجع ليجلس على مقعده شبه منهاراً، وهو يفكر في تبعات ما سيحدث له...

تدخلت الشرطة وتعاونت مع قادة التشكيل القتالي لأخذ أقوال الجميع في تلك الجناية التي ارتكبت قبل قليل..
وتحول منزل الجارة أم سيد إلى مسرح جريمة، وطوق أفراد الأمن والعساكر البناية وأغلق الطريق المؤدي إليها..
كذلك حضر وكيل النيابة للمعاينة، ومعه عدد من مساعديه، واهتم رؤوساء الصحف القومية والخاصة بما يدور خاصة أن وسائل التواصل الاجتماعي قد نشرت الخبر على نطاق واسع...

في نفس التوقيت كان مسعد قد وصل إلى أول الشارع الرئيسي المؤدي إلى منزله، فتفاجيء بالتكدس المروري الرهيب هناك..
فصرخ بسباب لاذع ليفسحوا له المجال، ولكن ليس بإستطاعة أي أحد التحرك، فالزحام وخنقته المرورية تؤثر على الكل...
لم يتحمل اضاعة الوقت، فحرك سيارته بعنف ليصعد بها فوق الرصيف، ثم أوقف محركها، وترجل منها، وركض كالمجنون نحو بنايته...

لم يعبأ بالمارة في الطرقات، ودفعهم بغلظة ليمر من بينهم حتى يصل إلى وجهته..
كذلك لم يتوقف هاتفه عن الرنين، فكان ينظر إلى شاشته، ليقرأ اسم والده عليه، فيزفر بضيق، ويتجاهله متعمداً..
هو يعلم أن تكرار اتصالاته بصورة متعاقبة تعني معرفته بما دار...

أحضر باسل زجاجة مياه معدنية باردة لإيناس لترتشف منها بعد أن أخبرت سابين أن حلقها بات جافاً للغاية وتحول طعم ريقها للعلقم، فلم يدخر وسعه، وأسرع لإحضارها ريثما ينتهي المسعف والطبيب المتواجد معه من فحصهما..
تناولت الزجاجة منه، وشكرته بإقتضاب:
-ميرسي
كذلك أعطى لسابين زجاجة أخرى لتشرب منها، فشكرته هي الأخرى..
لم يتوقف باسل عن النظر إلى ايناس في كل فرصة متاحة دون أن تنتبه هي لنظراته المحدقة بها..

راحة كبيرة سيطرت عليه لأنها تقف بخير أمامه..
-إيناس، سابين!
قالها مسعد بصوت مرتفع يحمل الكثير، فانتبه ثلاثتهم لصوته، واستداروا برؤوسهم للخلف..
وبلا تردد ركضت إيناس نحو أخيها وهي تنادي قائلة:
-م، مسعد!
فتح هو ذراعيه ليتلقاها في أحضانه، ثم ضمهما حول خصرها ليلصقها به، فتشعر أكثر بالأمان معه..
قبلها من أعلى رأسها، وتمتم بنبرة شبه مختنقة:
-أنا أسف، حقك عليا يا نوسة!

بكت إيناس عبرات الفرحة لأنها حينما رأته أدركت حقاً أنها في مأمن من أي شر..
ابتسمت سابين لرؤية مسعد أمامها..
شعرت بسكون عجيب يتسرب إلى خلايا جسدها، وكأنها قد تلقت مخدراً للتو لترتخي أعصابها المشدودة..
نعم وجوده إلى جوارها يماثل البلسم الشافي للجراح الغائرة..
نظراته بحثت عن عينيها، ولم يختلف حالها عنه، فكانت عيناها تبحثان عن نفسها فيه، ورأتها بالفعل..

لم ينطق بالكثير، ولكن فاضت عيناه بأكثر مما يمكن أن يُقال...
خرج من حالة الصمت المليء بالكثير على صوت باسل وهو يربت على ظهره:
-اطمن هما بخير!
أرخى مسعد ذراعيه عن أخته، وابتسم ممتناً وهو يرد عليه:
-الحمدلله..
غمز له بطرف عينه بخفة وهو يتابع:
-هاروح أطمن على سابين، خليك مع ايناس
زادت ابتسامة باسل اتساعاً، وتحركت عيناه تلقائياً نحوها، وأجابه بثقة جادة:
-ماشي!
قبل مسعد رأس أخته مجدداً، وتبسم قائلاً بمزاح:.

-حمدلله على سلامتك يا أروبة، تلاقيكي ولا جاكي شان في زمانك
ردت عليه ساخرة وهي تكفكف عبراتها بظهر كفها:
-لأ، أنا فاندام!
مسد مسعد على رأسها برفق، وأكمل بإبتسامة:
-ماشي يا ست الهرقل!
ثم تركها برفقة باسل وتحرك في اتجاه سابين..
نفخت إيناس بتعب، وأدارت وجهها للناحية الأخرى لتتجنب النظر إلى باسل..

كانت تشعر بعدم الإرتياح، ربما خجل قليل قد انعكس تأثيره على وجنتيها، فاصطبغتها بحمرة باهتة، لكن هذا لم يؤثر على ملامح وجهها المتشنجة..
راقبها باسل عن كثب، ودقق النظر في كل إيماءة تقوم بها..
أراد هو أن يقطع حاجز الجليد الإجباري الذي ستفرضه لا محالة إن بقيا صامتين، وأردف قائلاً بهدوء:
-أول مرة ت آآ...
لم تترك له الفرصة للحديث، حيث قاطعته قائلة بعبوس وهي قاطبة لجبينها:
-مش عاوزة أتكلم، أنا تعبانة!

أشار بكف يده أمام وجهها وهو يمازحها:
-بالراحة، أنا بس بأخد وأدي معاكي في الكلام!
ظنت إيناس أنه يتعمد استفزازها بطريقته الهادئة تلك، فردت عليه بحنق:
-لأ انت جاي تشمت فيا!
رفع حاجبه للأعلى مستنكراً وهو يردد:
-اشمت!
ردت عليه بحدة وهي تشير بسبابتها:
-ايوه، قولت دي زمانتها راقت وبقت فلة وكويسة، وقامت من خبطة اللوحة بعد البوكسين اياهم، أما أتأكد إن كانت خدت رصاصة ولا لأ!

فغر شفتيه مشدوهاً مما قالته، وردد بعدم تصديق:
-أنا؟
عقدت ساعديها أمام صدرها، ولوت فمها وهي ترد بغلظة تحمل الغل:
-أه!
دافع باسل عن نفسه قائلاً بعتاب قليل:
-يا إيناس حرام عليكي، هو أنا نطقت بكلمة واحدة!
نظرت له شزراً، وبررت موقفها العدائي قائلة:
-مش محتاج تنطق، كفاية عينيك والبصة اللي فيها.

صدم من طريقة تفكيرها، وخاصة تفسيرها الخاطيء لنظراته الأخيرة نحوها، فأسبل عينيه، واخذ نفساً عميقاً، وزفره على مهل، ثم أجابها بتنهيدة:
-والله إنتي ظلماني!
تابعت إيناس قائلة بغضب:
-مش هترتاح إلا لما أتحول زومبي قدامك عشان ترتاح!
ضحك من طرفتها الأخيرة، وبرزت نواجذه فاستشاطت هي غيظاً منه، فسيطر على نفسه، ورد عليه بهدوء:
-يا ساتر، زومبي مرة واحدة!
هزت رأسها إيجاباً وهي تقول بحنق:
-ايوه..!

ابتسم لها، ومازحها قائلاً:
-ماشي يا ستي، أنا مش هارد عليكي، انتي برضوه لسه طالعة من جو أكشن ومافيا وعصابات، حاجة نظام ( MBC مصر ) [ محطة تلفزيونية شهيرة ]
رفعت إيناس رأسها للأعلى في كبرياء، وكذلك أنفها في شموخ، ثم هتفت بتفاخر:
-هو انت تعرف تعمل اللي أنا عملته؟
رد عليها ساخراً:
-لأ طبعاً، أنا مش بأعرف أصرخ ولا ألطم، ولا أندب حظي، ولا أقطع في فروتي ولا جو الصويت الحريمي ده.

تلون وجهها بحمرة غاضبة، فهو مستمر في اغاظتها والتحقير من شأنها ومما تفعله..
لذا رمقته بنظرات محتقنة، وتمتمت بتذمر ولكن بصوت خافت:
-غتت!
التقطت أذنيه كلمة ما ولكنها لم تكن واضحة بالقدر الكافي ليترجمها، فسألها بإستغراب:
-مش سامعك كويس، قولتي ايه؟
ردت عليه بتبرم:
-سلك ودانك عشان تسمع!
انزعج من ردها الفظ، فتحنح بصوت خشن، وأردف قائلاً بإقتضاب:
-احم، لسانك!
ردت عليه متساءلة بإيجاز:
-ماله؟

أشار بإصبعيه بحركة المقص وهو يجيبها:
-عاوز يتعمله Cut ( يقص) شوية!
نفخت بصوت مسموع وهي تشيح بوجهها بعيداً عنه، فقد أنهكها ما مرت به، ولم يعد لديها أي طاقة اضافية للمجادلة معه..
تابع باسل حديثهما المتأرجح ما بين غضب وهدوء بتسلية واضحة عليه، وتشدق قائلاً:
-بس أنا مبسوط منك
أدارت رأسها في اتجاهه بعد أن أثارت عبارته الأخيرة فضولها لتعرف سبب تفوهه بهذا، وسألته بفتور:
-والله!
ردد مؤكداً:.

-اه، بجد يعني مبسوط انك لجأتي ليا وآآ...
شعرت أنه يريد التباهي بمآثره، فلم تمهله ليكمل عبارته، وقاطعته بحدة:
-ده بس عشان انت كنت بتتصل، غير كده مكونتش هارد عليك أصلاً!
ضغط على شفتيه ليقول بحذر:
-مقبولة منك!
أكملت هي قائلة بجدية مبالغة:
-ورقمك هاعمله بلوك!
نظر لها بعبوس، وردد بحزن زائف:
-كمان! ده انتي شايلة مني أوي
لوت ثغرها وهي تجيبه بنوع من التهكم:
-أه يا ( أبيه ) باسل!

تجمدت تعابير وجهه من كلمتها المستفزة له، وردد بعصبية قليلة:
-هو احنا رجعنا لأبيه دي تاني؟!
أجابته بلا تردد بكلمة موجزة لكن كانت تحمل بين طياتها غضباً ظاهراً:
-اه
رد عليها بإستخفاف:
-طب بالراحة، ده انا قولت جو المغامرون الخمسة ده رجعك لعقلك وآآ...
قاطعته قائلة بنفاذ صبر وهي تنحني للأمام لتفرك ساقها اليمنى:
-أنا رجلي وجعاني، ودماغي مصدعة وآآ...

لم تنهي جملتها حيث تفاجئت به يقترب منها، ويضع أحد ذراعيه أسفل ركبتيها، والأخر حول خصرها ليحملها بخفة، فشهقت مصدومة، وسألته بإنزعاج:
-انت بتعمل ايه؟
رد عليها بجمود:
-هتقعدي في عربيتي!
ركلت بساقيها في الهواء، وحركت جسدها بحركات عصبية متشنجة محاولة إنزال نفسها من بين ذراعيه وهي تقول بحرج:
-نزلني، ماينفعش كده!
رد عليها بعدم اكتراث وهو يتحرك في اتجاه سيارته:
-أخوكي اللي قايلي!
هزت رأسها محتجة وهي تقول:.

-محصلش، نزلني لو سمحت!
نظر لها ببرود، وأجابها بنبرة متحدية:
-مش أنا أبيه باسل، اعترضي بقى عليا!

على الجانب الأخر، مد مسعد كفيه ليلتقط يدي سابين بهما، ونظر لها بشغف وهو يهمس بتنهيدة مطولة شبه مترددة:
-س، سابين!
ردت عليه الأخيرة بنعومة وهي محدقة فيه:
-موسأد!
تمتم بنبرة هائمة وهو يرمقها بنظراته المتأملة:
-قلب موسأد وعقله وكل حتة فيه!
همست سابين متساءلة بدلال رقيق وهي ترمش بعينيها:
-إنت، come here ( أتيت إلى هنا )؟

شرد مسعد في نبرة صوتها الرقيق الذي أسر أذنيه، وسرح في عينيها اللاتين سلبته عقله، ورد عليها بإبتسامة عريضة:
-أنا ويلكم ( Welcome ) وزي الفل!
هزت رأسها نافية بحركة خفيفة وهي تصحح له ما قاله:
-نو، نو موسأد!
أضاف هو قائلاً بعدم اهتمام:
-سيبك من جو النونوة ده وقوليلي حد عملك حاجة من ولاد الهِرمة دول؟
لم تستطع سابين تفسير بعض الكلمات، وردت عليه برقة:
-مش إفهم إنت!

-في حد رَفَّعك ( المقصود جعلها ترفع ذراعيها عالياً مجبرة نتيجة اشهار السلاح )؟
انفرجت شفتيها في عدم فهم، ونظرت له بغرابة، فتابع هو قائلاً بجدية:
-عامة الرجالة عملوا معاهم الصح، ونفخوهم كويس، ماهو التشكيل اللي هاجم معروف عندنا إنه ميعرفش أبوه ولا أمه ولا أي حد من أهله لما بيشتبك!
ابتسمت سابين بنعومة، وردت عليه:
-موسأد، look ( انظر )، كل هاجة ( حاجة ) فاين ( بخير )!

ترك مسعد كفي يدها ليحتضن وجهها براحتيه، ومسح بإبهاميه على وجنتيها بحركة خفيفة، وأكمل قائلاً:
-المهم إنتي عندي، أنا كنت هاتجنن، بس الحمدلله، أنا مش هاسيبك!
تقلصت المسافات بينهما، وتلاقت أعينهما عن قرب مغري، وتراقصت الأحلام الوردية أمامهما، ولكن قطع تلك اللحظة المميزة صوتاً غليظاً مردداً:
-سيدة سابين!

توقف مسعد عما يفعل، وأبعد كفيه عن وجهها، ونظر في اتجاه صاحب الصوت ليتفحص هيئته الرسمية، بينما ردت عليه سابين بإقتضاب:
-ييس!
رد عليها الرجل بنبرة رسمية للغاية وهو مشبك لكفي يده أمامه:
-من فضلك، تعالي معانا!
تساءل مسعد بقلق وهو يوزع نظراته بين سابين والرجل:
-انتو مين؟
أجابه الرجل بجدية مفرطة:
-حضرتك احنا من اللحظة دي مسئولين عن الآنسة، وهاتيجي معانا!

شعر مسعد بإضطراب كبير في معدته، وخفق قلبه نوعاً ما بإنزعاج، وتابع تساءله بجديته:
-تيجي فين؟
رد عليه الرجل بجمود:
-دي معلومات سرية مش هاينفع تعرفها
اعترض مسعد على ما قاله، وهتف محتجاً:
-بس آآ...
قاطعه الرجل قائلاً بثبات:
-دي أوامر عليا، جاية من القيادة وتحديداً من ((، ))
ازدرد مسعد ريقه بتوتر بعدما عرف الجهة المنوطة بحماية سابين، ونظر لها بحزن، ثم عاود النظر إلى الرجل، ورد معترضاً:.

-وهو أنا أي حد يقولي أي كلام أصدقه وآآ...
قاطعه الرجل قائلاً بهدوء مريب وهو يشير بإصبعه إلى جيب مسعد:
-حضرتك رد على تليفونك دلوقتي وهاتعرف!
وبالفعل رن هاتفه برقم خاص، فخفق قلبه بقوة، وتسارعت دقاته أكثر، وتردد في الإجابة عليه، لكن ليس أمامه أي مفر سوى الرد..
وبالفعل استمع إلى الطرف الأخر الذي أبلغه بهويته، وأملى عليه أوامره الأخيرة، فاضطر أسفاً أن ينصاع له...

أنهى المكالمة لينظر إلى حبيبته بعينين لامعتين للغاية، وهمس بصوت خفيض يحمل الضيق:
-س، سابين!
نظرت له بحزن وهي ترد عليه بصوتها الناعم:
-موسأد
لم يبوحا بالمزيد، وتركا لأعينهما المجال للحديث عما تكنه أفئدتهما..

لحظات سريعة مرت عليهما، وانسلت كما ينسل الزئبق من بين الأصابع وهما مستمران في التحديق لبعضهما حتى انتهت بدفع سابين برفق من ظهرها من قبل هذا الرجل لتتحرك إلى الأمام تاركة خلفها مسعد وهو يرمقها بنظرات أخيرة حزينة لفراقهما الإجباري...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة