قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والأربعون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والأربعون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثاني والأربعون

في منزل سابين،
حدق مسعد أمامه بنظرات خاوية يفكر ملياً في تلك الكارثة التي حلت فوق رأسه، فهو متزوج دون أن يعلم منذ أكثر من عامين، بالإضافة إلى وجود صغيرة تحمل اسمه ولا تربطه بها أي صلة..
عضت سابين على شفتها مجدداً بإرتباك، وظلت تراقبه صامتة، فمن حقه أن يستوعب المسألة بروية حتى تصل معه إلى حل أمثل مرضياً لجميع الأطراف..
ركضت الصغيرة جينا نحوه وهي تحمل ورقة بيضاء عريضة، ووقفت قبالته، وهتفت بمرح:.

-دادي أنظر!
نظر لها باستغراب، وردد متعجباً من مزجها للغة العربية الفحصى مع مصطلحات انجليزية بطريقة غريبة:
-أنظر! دي اللي هي أبص يعني!
تابعت الصغيرة حديثها بحماس:
-أنا رسمت مامي، دادي، جينا!
ظلت تلوح بالورقة أمامه بكلتا يديها لتجبره على أخذها منه لينظر إلى ما رسمته..
لم ترسم جينا الكثير، بل الأحرى أن نقول أنها كانت تحاول رسم دوائر وأشياء غير مفهومة أو ما يقال عنه ( شخابيط طفولية ).

حدق مسعد في الرسم الطفولي بنظرات متعمقة محاولاً تفسير ما رسمته الصغيرة..
وقبل أن يستكشف مقصدها، هتفت هي قائلة بسعادة وهي تشير إلى دائرة ما ينبعث منها عدة خطوط متعرجة:
-مامي
رد عليها بسخرية:
-اه باين عليها بشعرها النكيش! بس لو قلبتيها كده هتبقى شبه عمتك إيناس!
أكملت الصغيرة جينا قائلة وهي تشير بإصبعها نحو دائرة أخرى أقل حجماً ويتدلى منها خطين رفيعين:
-جينا
مط فمه قائلاً بمزاح:
-ممم، تمشي بالزعازيع دي!

دقق هو النظر في ذلك الشكل المقارب للمثلث والذي يتوسط الدائرتين، وسألها مستفهماً:
-وده مين اللي شبه القرطاس ده؟ حاسه مش غريب عليا!
هتفت بسعادة جلية وهي تصفق بيديها وقد ظهرت نواجذها بوضوح:
-دادي!
هز رأسه بإيماءات متتالية، وردد قائلاً بسخرية:
-اه تصدقي، شبهي خالص، ماهو أنا فعلاً القرطاس اللي اتقرطس في الليلة دي كلها، ولبس العِمة، لأ واتكبست جامد في دماغه! عندك خيال واسع يا بنتي، ليكي مستقبل باهر معايا!

توجست سابين خيفة أن يتفوه بشيء مزعج أمام الصغيرة التي تحرص عليها، فهتفت بقلق:
-جينا، sweetie ( حلوتي )، بليز go inside( اذهبي للداخل )، دادي تعبان!
اعترضت الصغيرة جينا بضيق:
-نو، أنا آوز ( عاوزة ) دادي!
ثم أجلست نفسها على حجر مسعد الذي نظر لها عاجزاً عن فعل أي شيء، وسلط من بعدها أنظاره المنزعجة إلى سابين التي رمقته بنظرات متوسلة كي يمرر الأمر بسلام..

أخذت الصغيرة تضع يدها على أنف مسعد، وتضغط عليه بإصبعيها، وتنظر له بتفحص، فأبعد يدها قائلاً بضجر قليل:
-بس يا حلوة!
اقتربت منه سابين، ومدت ذراعيها لتلقف الصغيرة قبل أن يتفاقم الوضع ويتعصب مسعد على الصغيرة التي لا ذنب لها..
ثم حملتها، وأخذت تهدهدها برفق وهي تتساءل بجدية:
-بتفكر تعمل ايه موسأد؟
هب واقفاً من مكانه، ونظر إليها مطولاً قبل أن يجيبها بجمود:
-أنا ماشي، دماغي مش جيباني لحاجة.

لم يرد هو اتخاذ أي قرارات مصيرية دون التفكير بصورة عقلانية، لذلك تحرك مبتعداً عنها، فحاولت اللحاق به وهي تهتف برجاء:
-بليز موسأد صدقني، أنا مش كنت عاوز أذيك، أنا آآ...
لم تكمل عبارتها للنهاية، فقد ترددت في البوح بما تشعر به نحوه..
هي لم تعترف له مسبقاً بحبها له، فظنت أنها ربما تكون الفرصة للتعبير عما تكنه له، لعل قلبه يرق نحوها ويغفر لها ما أقدمت عليه..
لذا هتفت بنزق وهي محدقة في ظهره:.

-أنا بأحبك موسأد!
كانت قبضته موضوعة على مقبض باب المنزل حينما باغتته بإعترافها الذي جعل أصابعه تتجمد عليه..
التفت نحوها ببطء، ونظر إليها بثبات دون أن تطرف عيناه..
لم يكن يرى سواها أمامه..
وكأن العالم من حولهما تلاشى إلا منهما..
همست مجدداً برقة وهي تنظر إليه:
-ييس، أنا أحبك موسأد
انفرج فمه لا إرادياً غير مصدق ما قالت..
هي تحبه مثلما أحبها..
تساءل مع نفسه مصدوماً أحقاً قد اعترفت له ذلك؟

ولم تكن مجرد تخيلات اختلقها عقله؟
دنت منه سابين، ونظرت مباشرة في عينيه لتتابع بصوت خفيض وناعم للغاية:
-يمكن زمان مش إقدر قولك ده، بس أنا لسه أحبك!
أنزلت الصغيرة التي لم تكن تعي حرفاً مما يقال، فتركتهما بمفردهما وركضت نحو غرفتها..
لم ينبس مسعد ببنت شفة، وظل محدقاً بها بذهول..
ابتلعت هي ريقها بإرتباك خفي، وأردفت قائلة حينما طال صمته:
-أنا مش عاوز أجبر إنت على حاجة موسأد، أنا قول على حسه ناحيتك!

ثم أشارت بإصبعها نحو قلبه، وتابعت بصوت شجي:
-إنت جوا هنا، زي ما أنا كنت جوا هنا!
أخفض بصره نحو إصبعها، ومن ثم رفع عيناه نحوها، ومد يده ليمسك بكفها، ورد عليها قائلاً بعتاب:
-كان فين الكلام ده من أربع سنين!
لمعت عيناها بوضوح وهي تجيبه:
-صعب وقتها موسأد قول ده! بس ممكن نصلح كل حاجة
هز رأسه قائلاً بتهكم:
-اه، ده على أساس إن اللي اتكسر جوايا مج مش كوباية!
نظرت له بعدم فهم، وسألته بحيرة:
-ايه؟ انت اقصد ايه؟

تنهد بعمق وهو يجيبها بغموض:
-مش عارف أشرحلك حاجة، لأن أنا نفسي مش عارف هاتصرف ازاي!
ثم سحب يده من كفها، وأكمل بنبرة جادة:
-ده حتى لا وقت ينفع فيه عتاب، ولا الوقوف على الأطلال، في مصيبة ولازم أشوف حل ليها، وخصوصاً مع الفاموليا!
همست له محاولة استجدائه وترقيق قلبه نحوها ليغفر لها اضطرارها إخفاء كل تلك الحقائق عنه:
-موسأد! بليز!

أذابت نبرتها فؤاده، ورفعت نسبة الأدرينالين الذي أوقد مشاعره المشتاقة إليها، وجعلته يتوق شوقا أكثر إلى جذبها فورا إلى أحضانه ونسيان ما مضى كليا، والبدء من جديد، لكنه نفض عن فكره كل تلك الأفكار المتهورة والهوجاء، وهتف قائلاً بجمود مريب:
-سلام دلوقتي يا صابرين!
ثم استدار ليفتح الباب، فتوسلته بإستعطاف بعد أن ظنت عدم قدرتها على استمالته نحوها:
-استنى موسأد!

لم يمهلها الفرصة، وخرج مسرعاً، وصفق الباب من خلفه، فاستندت هي بكفيها عليه، وأطرقت رأسها حزناً، وأدمعت عيناها خزياً وهي تردد بأسف:
-أوه، يا ريت مش كون خسرتك، حبيبي!

في منزل مسعد غراب،
ذرعت إيناس غرفتها ذهاباً وإياباً تفكر فيما قرأته في الورقة التي تخص سابين..
ظنت السوء بأخيها، واعتقدت أنه كان يتلاعب بها وبالعائلة طوال الأعوام الماضية موهماً إياهم ببحثه المزعوم عن سابين، وأنه عازف عن الزواج لأجلها، وهو في واقع الأمر كان مرتبطاً بها ارتباطاً وثيقاً..

أكثر ما أزعجها أنه كذب عليها هي تحديداً، ولم يكن أميناً حينما كانت تسأله عن أحواله، فإن كان أخبرها مسبقاً عن زواجه منها، لم تكن لتغضب منه...
ما ألهاها عن التفكير في أخيها قليلاً هو موقف المواجهة المحتد مع باسل..
اصطبغ وجهها بحمرة مغتاظة من مطاردته الدائمة لها، وتعمده اذلالها بصورة أو بأخرى، لكن ما أصابها بالريبة هو تصرفه السخيف بإحضار باقة ورد بدون وجود سبب مقنع حتى وإن كان يتعلل بإعتذاره لها..

عادت إبتسامتها للظهور وبقوة حينما تذكرت ما فعلته بها، وحدثت نفسها بتباهي:
-يستاهل اللي عملته!
قطع تفكيرها فيه هو صوت رنين هاتفها، فنظرت إلى شاشته، فوجدت المتصل هو أخيها مسعد، فمطت فمها بإستهجان، ثم أجابت على اتصاله بامتعاض:
-ايوه يا مسعد!
رد عليها بجدية:
-ايناس، البسي وانزليلي، أنا واقف تحت البيت مستنيكي، محتاج أتكلم معاكي في اللي عرفتيه!
صاحت متسائلة بحنق:
-عندك مبرر ليه؟ ولا هاتكدب تاني علينا وآآآ...

قاطعها قائلاً بجمود صارم:
-إيناس، البسي يالا بسرعة، سلام!
ثم أنهى معها المكالمة، فنظرت إلى شاشة الهاتف بغيظ، وردت عليه بعبوس:
-ماشي يا مسعد! أما أشوف أخرتها معاك ايه!

التقى مسعد بأخته أسفل البناية، ثم اصطحبها معه إلى مطعم قريب من المنزل ليسرد لها كل ما عرفه من سابين..
أصغت له بإنتباه تام، ورغم عدم اقتناعها في بداية الأمر بما يقول، لكن بدا الأمر لها في النهاية منطقياً حينما علمت بتدخل جهات عليا سيادية ودولية لإتمام الأمر في سرية..
كذلك تعاطفت مع حال الصغيرة جينا التي فقدت أمها غدراً، وأشفقت عليها..

شعر مسعد بالإرتياح لتفهم أخته الموقف، وأيضاً لتبرئة ساحته من الشكوك..
نظرت له بدقة وهي تسأله:
-وهاتعمل معاها ايه؟
أجابها بنبرة حائرة وهو يفرك طرف ذقنه:
-مش عارف!
ردت عليه متساءلة:
-طب إنت لسه عاوز ترتبط بيها ولا خلاص هتنهي الموضوع؟
رد عليها بإستياء وعلامات الحيرة واضحة عليه:
-هو أنا عارف أفكر أصلاً في حد إلا هي، بس دلوقتي الوضع مختلف وآآآ...
قاطعته إيناس قائلة بنبرة مهتمة:.

-طيب، ماهي محلولة، هي تعتبر مراتك بس مع وقف التنفيذ!
نظر لها مسعد بعدم اقتناع وهو يردد:
-بلاش عبط الله يكرمك يا إيناس، مراتي ايه! هو احنا هنكدب الكدبة ونصدقها!
هتفت إيناس قائلة بضجر:
-ماهو انت برضوه مش وصلت لحل؟
نفخ مسعد بضيق، ودفن وجهه للحظة بين كفيه، ثم تراجع للخلف ليجلس بإسترخاء على المقعد، وأردف قائلاً:.

-بصي أنا محتار ومش عارف أفكر كويس دلوقتي، سيبني يومين مع نفسي أشوف هاعمل ايه، واللي فيه الخير يقدمه ربنا!
حركت إيناس رأسها متفهمة وهي تقول:
-ماشي
اعتدل مسعد في جلسته، ونظر لأخته برجاء وهو يهمس بمكر:
-إيناس، نوسة، نانوسة!
بادلته نظرات غامضة فهي تعرف أخيها حينما يستخدم تلك الكلمات المدللة، وردت عليه بنبرة ذات مغزى:
-نعم!
هتف قائلاً برجاء:.

-اللي حصل ده مايتقالش، أنا مش ناقص قلبة دماغ من غير لازمة، خلي الطابق مستور لحد ما ربك يأذن! ونشوف هنعمل ايه!
كتفت ساعديها أمام صدرها، ونظرت له متفهمة وهي تقول بصوت هاديء:
-أوكي.

بعد مرور يومين،
عاد مسعد إلى وحدته العسكرية، وكذلك باسل، وقص كلاهما على الأخر ملخصاً موجزاً لأخر التطورات التي مرا بها..
تنفس باسل الصعداء لأنه تخلص من إشكالية الخطبة بناتالي دون توتر، وتعاطف مع رفيقه الذي كان الضيق واضحاً عليه بصورة جلية و مشتت التفكير معظم الوقت..
بالطبع فالموقف خطير، وهو في حالة يُحسد عليها، لأنه لا يستطيع ترك المسألة معلقة دون التصرف..

كذلك لا يريد الإقدام على شيء ما دون التفكير في توابعه بصورة عقلانية..
-يعني ناوي برضوه على ايه؟
تساءل باسل بجدية وهو محدق في رفيقه..
رد عليه مسعد بتبرم وهو يلوح بيده:
-يادي أم السؤال ده، أنا بتسأله أكتر من هناكل ايه النهاردة!
هتف باسل بضجر:
-ماهو إنت مش مريحنا ولا عاوز تقول حتى بتفكر في ايه
فرك مسعد فروة رأسه الحليقة قائلاً:
-أنا بأحسبها صح
أضاف باسل قائلاً بجدية:
-هي مش كميا، ده 1 + 1 يساوي 2!

رد عليه مسعد ساخراً:
-لأ 2 وعيلة نص شِبر!
لم يعبأ باسل بجملته الأخيرة، وعقب متساءلاً بثبات:
-ما علينا، المهم إنت عاوز تتجوز سابين ولا لأ؟
مط مسعد فمه قليلاً، ثم مسح وجهه بكف يده، وتنهد قائلاً:
-مكدبش عليك، أنا ماحبتش إلا هي، ومش هاعرف أتجوز غيرها!
التوى ثغر باسل بإبتسامة باهتة وهو يرد عليه:
-طيب ما هي محلولة، اتجوزها رسمي
تساءل مسعد مستنكراً وهو يشير بعينيه:
-واللي عندي في البيت أطنشهم مثلاً؟!

رد عليه باسل متساءلاً بغموض:
-مش أختك إيناس عارفة بالحكاية؟
أومأ مسعد برأسه إيجاباً وهو يرد بإيجاز:
-اه
وأضاف باسل مبرراً بهدوء:
-وأخواتك البنات ماهيصدقوا يفرحوا بيك!
-اها
ثم صمت ليكمل بعدها بنفس النبرة الهادئة:
-ناقصك بس سيادة اللوا والحاجة وآآ..
قاطعه مسعد قائلاً بتوجس:
-أهو أنا مشكلتي كلها في الحاجة صفية، العيلة كلها كوم، وأمي لوحدها كوم تاني!
مد باسل يده ووضعها على كتف رفيقه، وربت عليه برفق وهو يقول:.

-انت ظبط بس الليلة معاها، وإن شاء الله خير!
قاطع حديثهما صوت أحد العساكر وهو يقول بنبرة رسمية:
-باشا!
التفت مسعد برأسه في اتجاهه، وسأله بصرامة:
-خير يا عسكري
رد عليه الأخير بصوت جاد:
-في واحد عاوز سيادتك ضروري، ومنتظرك برا يا فندم!
قطب مسعد جبينه بإستغراب، وتساءل بحيرة وهو يدير رأسه في اتجاه باسل:
-واحد مين ده؟
رد عليه رفيقه متساءلاً بتعجب هو الأخر:
-انت مستني حد؟
هز مسعد رأسه نافياً:
-لأ.

لكزه باسل في جانبه برفق وهو يقول:
-طب بينا نشوف في ايه
رد عليه مسعد وهو يهب واقفاً من مقعده:
-تعالى، وأهوو يا خبر بفلوس، دلوقتي يبقى ببلاش...!

في الوحدة التدريبية العسكرية،
خرج مسعد لمقابلة ذلك الغريب الذي طلب لقائه لأمر هام بصورة ودية، وبالطبع لم يتركه باسل يذهب بمفرده، فقد أصر على مرافقته لمعرفة السبب..
كان وائل يقف متأنقاً عند منطقة الاستقبال، وواضعاً لنظارته الشمسية متطلعاً بإهتمام للقاء مسعد..
وما إن رأه حتى نزع عنه نظارته، وطوى طرفيها، ثم اتجه نحوه مادداً يده لمصافحته..
تساءل باسل بفضول وهو ينظر نحو ذلك الغريب بتعجب:.

-انت تعرفه يا مسعد؟
أجابه الأخير قائلاً بإيجاز وهو يدقق النظر فيه:
-لأ
أضاف باسل قائلاً بإهتمام ونظراته المتفرسة لم تفارقه:
-باين عليه إنه عارفك كويس!
رد عليه مسعد بصوت حذر:
-دلوقتي هيبان!
هز رأسه دون أن يضيف المزيد، وسار الاثنان نحوه..
هتف وائل قائلاً بإبتسامة مهذبة حينما رأى مسعد مقبلاً عليه:
-ازي حضرتك يا مسعد باشا!
بادله مسعد المصافحة دون أن يعرف هويته، ورد عليه بجدية:
-تمام، مين إنت؟

رد عليه وائل بهدوء وبثبات:
-حضرتك متعرفنيش، وماتقبلناش قبل كده، بس أنا عارف سيادتك كويس، وسمعت كلام طيب ومشرف عن حضرتك وآآ..
تساءل مسعد بنفاذ صبر مقاطعاً إياه:
-ايوه يعني انت مين برضوه؟
تنحنح وائل بصوت خفيض للغاية، وأجابه بتأني:
-أنا وائل المحلاوي، زميل أخت سعادتك، الآنسة المحترمة إيناس
شهق باسل مصدوماً، واتسعت حدقتيه بقوة، وقد بدت الشراسة جلية على تعابير وجهه:
-مين؟!

نظر مسعد إلى باسل مستغرباً من ردة فعله المبالغة التي لا تتناسب مع الموقف، ثم عاود التحديق في وائل، وسأله بإمتعاض:
-ايوه، وعاوز ايه مني؟
ابتلع وائل ريقه بتوتر، فقد كان الأمر محرجاً إلى حد ما، فالمكان لا يلائم ما يريد الحديث عنه، ولكن لا بديل عن المحاولة..
لذلك حافظ على ثبات ابتسامته المصطنعة وهو يرد:
-كنت عاوز حضرتك في موضوع شخصي يخصني أنا وآآ، والآنسة إيناس.

وقبل أن يسأله مسعد عن طبيعة ذلك الموضوع الذي له علاقة بشقيقته الصغرى، هتف باسل بنزق وقد تحولت عيناه لجمرتين من النيران المحمومة:
-نعم؟ موضوع ايه ده ان شاء الله اللي يخصكم انتو الاتنين؟ وانت تعرفها منين وآآ...
قاطعه مسعد بحذر وهو يضع قبضته على ذراعه:
-اهدى كده يا باسل خليني أفهم!
ثم التفت ناحية وائل، وسأله بصوت جاد وهو يرمقه بنظرات مطولة:
-موضوع ايه يا آآ، قولتلي اسمك ايه؟

ابتسم وائل وهو يجيبه بثقة ورافعاً رأسه للأعلى في تفاخر:
-وائل المحلاوي، الفرقة التانية في سياسة واقتصاد!
هتف باسل بوقاحة متعمداً إهانته وقد تشنجت قسمات وجهه، وزادت حمرة عيناه الغاضبتين:
-أها يعني لسه عيل وبتاخد المصروف من أهلك!
حدق فيه وائل مصدوماً من طريقته الفجة في انتقاده والهجوم الغير مبرر على شخصه..
بينما ارتفع حاجبي مسعد للأعلى مستنكراً ما يردده رفيقه بأسلوب فظ، وهتف فيه بعتاب خفي:.

-ما تديني فرصة أكلم معاه وأفهم
ضغط باسل على شفتيه بقسوة محاولاً كبح غضبه الذي انفلت زمامه:
-ماشي، اتفضل!
التفت مسعد ناحية وائل، وأردف قائلاً بإبتسامة سخيفة:
-اتكلم يا سيدي، خير!
رد عليه وائل بنبرة دبلوماسية محافظاً على هدوء تعابير وجهه:
-حضرتك بس في دقيقة هأشرحلك اللي انا عاوزه، هو الموضوع خير إن شاء الله!
صاح فيه باسل بنفاذ صبر وهو يلوح بكف يده مهدداً:
-اللي هو ايه؟ انطق!

ضيق مسعد نظراته لتصبح أكثر حدة وهو يحذر صديقه:
-ثواني يا باسل، ده انا اللي اسمي أخوها مش منفعل كده!
رد عليه باسل بعصبية وهو يشير بكفيه بغيظ شديد:
-ثواني ايه يا مسعد، ده بيقولك موضوع يخصه مع إيناس، يعني ممكن تكون بلوى وإحنا هنا في الطراوة ومش دريانين!

انزعج وائل أكثر من تلك الطريقة الغير لائقة في الحديث من قِبل هذا الضابط الغريب، واستشعر من أسلوبه اتهامات غير أخلاقية تسيء إليه وإلى شخص إيناس، فرد عليه مدافعاً عن موقفه:
-مش عاوز حضراتكم تفهموني غلط والله، أنا بس كنت عاوز أتعرف بمسعد باشا، وأعرفه عليا، يعني كبداية للتعارف بين العيلتين!
سأله مسعد بإستغراب وهو يدقق أنظاره في تعابيره الجامدة:
-واحنا هنتعرف على بعض ليه؟

بينما تساءل باسل بنبرة محتقنة وقد استشاطت نظراته:
-ايه لزمتها المعرفة دي من الأساس؟
صاح فيه مسعد بحدة بعد أن ضاق ذرعاً من طريقته الهوجاء في الحديث:
-يا باسل اديله فرصة يقول كلمتين على بعض خلينا نفهم!
ثم تمتم مع نفسه بغرابة:
-هو ماله مش طبيعي ولا على بعضه!
رد عليه باسل بتجهم شديد:
-ماشي، حاضر، هاسكت ومش هانطق بحرف!
أخذ مسعد شهيقاً عميقاً، ونفخه دفعة واحدة ليخرجه من صدره، ثم سأله على مضض:.

-خير يا أستاذ وائل؟ انت عاوز مني ايه؟ وضحلي لأني مش فاهمك الصراحة!
كور وائل قبضة يده، ثم قربها إلى فمه، وتنحنح بصوت خشن، ورد عليه بتلعثم وقد بدا مرتبكاً بعض الشيء:
-احم، أنا يزيدني شرف إني آآ، أتقدم وآآ، وأطلب من سعادتك ايد الآنسة إيناس!
نزل ما قاله على مسامع باسل كالصاعقة التي أصابته بتيار كهربائي عالي الجهد، فاتسعت مقلتيه بصدمة جلية، وهدر غير مصدق:
-نعم! ايد مين؟

صُدم مسعد هو الأخر مما قيل، لكن حالة إندهاشه لم تكن تقارن برفيقه الذي كان في وضعية الانفجار..
فردد مشدوهاً:
-إيناس أختي!
تابع وائل بقدر من الثبات وهو يفسر سبب عرضه:
-أنا عارف إن المكان مش مناسب للطلب ده، وأن والدها سيادة اللوا – ربنا يديله طولة العمر - موجود، بس أنا حبيت أخد موافقة مبدأية من حضرتك قبل ما امشي في باقي الخطوات وأعمل بالأصول!
هز مسعد رأسه متفهماً موقفه وهو يغمغم بخفوت:
-أها..

هدر فيه باسل بجنون:
-لا إيد ولا رجل، معندناش بنات للجواز!
استدار مسعد برأسه نحوه، ونظر له مصعوقاً، وردد بعدم تصديق للحالة التي عليها:
-باسل اتهبل ولا ايه؟
استنكر وائل التدخل السافر لذلك الضابط دون وجود سبب واضح لتصرفاته المتهورة..
فاستجمع شجاعته، ونظر له بإزدراء وهو يسأله بنبرة شبه ساخطة:.

-معلش، مين حضرتك؟ أنا المفروض بأتكلم مع أخوها الكبير، وعلى حد علمي مافيش اخوات شباب عندها إلا هو وبس! وهو اللي يقول رأيه في طلبي!
دفع باسل مسعد للجانب قليلاً ليتجاوزه ويقف مواجهاً لوائل ومتحدياً إياه بقوة، وصاح به بغلظة ونظراته قد تحولت لنذير خطر:
-أقولك أنا أبقى مين!
احنى باسل رأسه للأمام ليبدو كمن يحاول تسديد لكمة رأسية قوية، ورد عليه بصوت قاتم يحمل الغضب والسخط:.

-اللي واقف قدام جانبك يا سيادة التلميذ يبقى الرائد باسل سليم، خطيب الآنسة المبجلة إيناس غراب!
فغر وائل فمه مصدوماً وهو يردد بذهول:
-نعم!
نظر مسعد إلى باسل بإندهاش عجيب، وردد متساءلاً:
-إيناس مين؟ دي اللي هي البت نوسة؟
تابع باسل قائلاً بشراسة:
-أظن بقى مايصحش تخطب واحدة مخطوبة!
ثم لكزه بعنف في كتفه وأكمل مهدداً بنبرة عدائية:
-اتفضل بالسلامة بدل ما ألبسك تهمة وانت واقف مكانك!

تراجع وائل للخلف مصدوماً من تلك المفاجأة الغير متوقعة..
تحرك باسل في اتجاهه، وعيناه لم تطرفان للحظة، وأكمل بنبرة عدوانية:
-انت مش عارفني لما الجنونة تطلع!
وضع مسعد قبضته على ذراع باسل، وسأله بنزق وهو يحاول استيعاب ما قاله تواً:
-باسل، انت خطبت إيناس امتى؟ مش آآ...
شعر وائل بالحرج الشديد، فتنحنح بصوت متحشرج وهو يردد بتعلثم:
-احم، أنا أسف، مكونتش أعرف إنها مخطوبة، عن اذنكم!

لاحقه باسل بنظراته المخيفة حتى ابتعد عن أنظاره، فهتف مسعد متساءلاً باستنكار وقد صارت تعابير وجهه متجهمة:
-ايه يا باسل الكلام الغريب اللي قولته؟ أنا كفيل أنهي معاه أي موضوع من غير ما آآ...
التفت باسل ناحيته، وقاطعه قائلاً بقوة:
-مسعد، بص من غير ما ألف كتير وأعمل أفلام ومقدمات، أنا عاوز أخطب أختك إيناس!
رد عليه مسعد بسخط:
-هو في ايه؟ مالكم النهاردة، الكل عاوز يخطب ايناس، هو مافيش إلا هي في البلد!

احتج باسل عليه قائلاً:
-لا في كتير، بس أنا آآ...
ثم توقف عن اتمام حديثه، فقد تغير مجرى الحوار وأصبح في موضع حرج نوعاً ما..
فلم تكن تلك هي الطريقة التي يود أن يتقدم بها لخطبة إيناس..
طال صمته وبدا أكثر ارتباكاً عما كان قبل لحظات من شراسة وعنف..
حدجه مسعد بنظرات حادة، وسأله بنفاذ صبر:
-انت ايه؟
نكس باسل رأسه حرجاً منه، وأسبل عيناه وهو يجيبه بصوت خفيض غير واضح نسبياً:
-أنا بأحبها..!

لم يسمع مسعد ما قاله بوضوح، فهتف بحدة:
-يا بني مالك قلبت بطة بلدي كده ليه، ما تعلي صوتك شوية!
رد عليه باسل بنبرة جادة وهو يبتلع ريقه:
-بأقولك بأحب إيناس
صاح مسعد مذهولاً وقد ارتفع حاجباه للأعلى:
-نعم!

استقل وائل سيارته وهو في قمه ضيقه وغضبه..
لم يتخيل أن من أحبها مرتبطة خفية بغيره، وهو كان كالأحمق يفرض نفسه عليها دوماً، فبالطبع كانت ترفضه وتتصدى لأي محاولة بائسة منه للتقرب منها..
هاتف وائل أماني وهو يقود سيارته، ثم عاتبها بحنق:
-كنتي قوليلي إنها مخطوبة بدل ما أروح أتهزق واخد كلمتين مالهومش لازمة!
ردت عليه بعدم تصديق:
-ازاي بتقول كده، إيناس مش مخطوبة، دي صاحبتي وأنا عارفها!

زفر بصوت مسموع ومختنق وهو يقول:
-أهوو اللي حصل!
ردت عليه أماني بهدوء حذر:
-طب اهدى يا وائل وفهمني بالظبط ايه الموضوع!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة