قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والأربعون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والأربعون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثالث والأربعون

في الوحدة التدريبية العسكرية،
حدق مسعد في باسل بنظرات متفرسة بعد أن اعترف الأخير بحبه لشقيقته الصغرى..
لم يتصور أن رفيقه قد يقع في غرام أخر شخص يتوقعه على ظهر الأرض، خاصة وأنه يعرف بمدى كراهية أخته له، فاعتقد أنها ربما تكون دعابة سخيفة منه...
لذا صاح به مدهوشاً، وقد اتسعت عيناه:
-نعم! بتحب مين؟
ازدرد باسل ريقه وهو يجيبه بحذر:
-آآ، إيناس!
ردد مسعد غير مصدق وهو يشير بإبهامه للخلف:
-إيناس بتاعتنا!

تعجب باسل من طريقه رفيقه معه، ورد عليه مستنكراً صدمته الزائدة:
-هو انت عندك حد تاني غيرها
هتف مسعد بعدم اقتناع:
-إيناس، البت نوسة، اللي كنت بتناديها نسناس!
عبس باسل بوجهه، ورد عليه بنبرة قاتمة وقد احتدت نظراته:
-أه هي، بس متقولش عليها نسناس!
صاح مسعد بنبرة جادة:
-انت عاقل يا باسل، إيناس، ده انت كنت بتعتبرها شيخ غفر! وعندها شنبات يقف عليها الصقر!

تشنجت قسمات وجهه، فقد كان أخيها صائباً، فطالما تعمد هو السخرية منها قديماً لاستفزازها، ولكنه ندم اليوم على ما قاله في حقها، حتى لو كان بدافع الضحك، لذلك حذره قائلاً بغلظة:
-مسعد، متقولش كده على أختك!
التوى ثغر مسعد بإبتسامة متهكمة وهو يردد:
-انت يا بني واعي، ده انت بنفسك على طول بتقولي كده عليها ومن وهي لسه عيلة!
هز رأسه غير مقتنع بطلب رفيقه، وتابع بسخرية:
-أكيد مخك جراله حاجة بعد ناتالي!

رد عليه باسل بنبرة شبه متشنجة وقد زادت تعابير وجهه غموضاً:
-ناتالي دي كانت غلطة وانتهيت خلاص منها!
مسح مسعد وجهه بكفه، ثم مرر يده على رأسه، وهتف بنبرة حائرة:
-إنت، أنا مش عارف أقولك ايه؟
حدق فيه باسل بنظرات جادة للغاية، وهتف بلا تردد:
-قولي إنك موافق!
هز مسعد رأسه بإيماءات متعددة وهو يقول:
-موافق على ايه؟
أجابه بنبرة أكثر إصراراً:
-على إني أخطب أختك!

تفرس مسعد في تعابير وجه رفيقه الذي بدا أكثر جدية عما مضى..
لم يكن الأمر مزاحاً، أو مجرد عبارة قيلت إعتباطاً، ولكنه طلب واضح ومحدد..
لذلك سأله مستفهماً دون أن تتبدل نظراته الغير مقتنعة:
-طب انت بتكلم جد؟ يعني مش هزار ولا أفلام ولا حركات عشان الواد المسهوك اللي آآ...
قاطعه باسل بنبرة عنيدة وهو يشير بعينيه:
-وده شكل واحد بيهزر!
تفرسه مسعد بنظرات دقيقة، ورد بإيجاز:
-لأ!

ضرب مسعد كفاً على الأخر، وردد بإبتسامة ساخرة:
-أنا مش مصدق وداني، حاجة عجيبة والله! أنا ممكن أتصور أي حاجة إلا الجنان اللي سمعته حالاً!
اغتاظ باسل نوعاً ما من ردود رفيقه الفاترة، والتي بدت أكثر استخفافاً، وسأله بعبوس:
-وايه الغريب في اللي بأقوله؟
رد عليه مسعد بتساؤل غامض:
-انت تايه عن إيناس اختي ولا ايه؟
لم يفهم باسل المقصد من عبارته المبهمة، وسأله محاولاً تفسير ما يقول:.

-قصدك ايه يا مسعد؟ فكرك أنا مش هاقدر أعملها كل اللي نفسها فيه وآآآ...
قاطعه مسعد بإمتعاض:
-مش كده خالص
رفع باسل حاجبه للأعلى، وتساءل بنفاذ صبر:
-أومال؟ إنت مش موافق بيا؟
أجابه مسعد مبتسماً بسخرية:
-يا عم هو أنا طايل حد يتقدملي! بس الرك في الأخر على رأيها هي
تساءل مسعد بتلهف:
-طيب ايه المانع اني أتقدملها؟
رفع مسعد كفه أمام وجه رفيقه، ورد عليه بجدية:.

-شوف من الأخر كده ايناس تطيق العمى ولا تطيقك، فاستحالة انها توافق عليك أصلاً!
هتف باسل غير مستوعب ما قاله الأخير:
-نعم!
أوضح مسعد قائلاً بتهكم:
-ده انت بالنسبالها في البلاك ليست ( القائمة السوداء )، ولو أخر واحد في الدنيا مش هترضى بيك!
استشاطت نظراته عقب الجملة الأخيرة، وشعر بدمائه تغلي بداخل عروقه..
ألهذا الحد هي تبغضه، تكره كل ما له صلة به..

لم يظن أنها تحمل له كل تلك الضغينة، وهو ذي ظن أنه فعل ما في صالحها..
توهم للحظة أن مسعد يبالغ في وصفه لإحساس أخته تجاهه، فسأله بمكر:
-وانت عرفت منين؟
أجابه بهدوء:
-الكل عارف ده!
اكتسى وجه باسل بعلامات الحزن، وانطفأت نظراته اللامعة نوعاً ما..
أضاف مسعد قائلاً بجدية:
-بص ماتزعلش مني، مش هي أختي، بس صدقني ماتنفعكش!
ضغط باسل على شفتيه محاولاً إخفاء احساسه بخيبة الأمل، وردد يائساً:
-طب عشان خاطري اسألها الأول.

أجابه مسعد بثقة:
-من غير ما أسألها، أنا متأكد من اللي بأقوله
ألح عليه باسل بضيق وقد ضاقت نظراته:
-جرب مش هتخسر حاجة!
أخذ مسعد نفساً عميقاً، وزفره على مهل وهو يراقب ردة فعل رفيقه المقرب..
شعر بالإستياء لتوقعه نتيجة عرض الزواج، ولكن أمام إصراره قرر أن يعرض المسألة على والدته ويستشف منها رأي شقيقته..
تنهد بتعب وهو يقول:
-ماشي، بس مش هاوعدك بحاجة! اللي عليا إني هاقول للحاجة صفية، وانت ونصيبك بقى!

احتضن باسل رفيقه بعد أن تهللت أساريره، وهتف بحماس:
-حبيبي يا مسعد!
ربت الأخير على ظهر رفيقه، وتمتم مع نفسه بتوجس:
-أنا مش عارف الست هتلاحق على ايه ولا ايه؟ ده أنا كنت ناوي أفاتحها في مصيبتي! يالا ماهو المصايب لا تأتي فرادى! وأنا والبت نوسة مش مصايب، لأ كوارث...!

في منزل مسعد غراب،
حصل مسعد على تصريح بالراحة لعدة ساعات، فاستغلها في الذهاب إلى منزله ومفاتحة والدته في مسألة ارتباطه بسابين، وكذلك إبلاغها بعرض رفيقه باسل بالزواج من أخته الصغرى..
تفاجئت هي بوجوده، ورغم ذلك فرحت لقربه منها، وأعدت له الطعام..

وبعد وقت الغذاء بقليل وانتهائها من تنظيف الصحون، تأبطت في ذراع ابنها الذي سحبها معه، وسار بها بخطوات متهادية نحو غرفة الصالة، وأردف قائلاً بصوت هاديء وهو يشير للأريكة:
-يالا يا ست الكل
نظرت له بإستغراب من طريقته الغامضة في التعامل معه، ورددت قائلة بتوجس:
-قلبي مش مرتاح للحركات بتاعتك دي يا مسعد!
رد عليها بعتاب زائف مدعياً البراءة:
-ليه بس يا ماما، ده أنا حبيبك!
نظرت له بإمعان وهي تسأله قائلة:.

-ها، عاوز ايه؟
دفعها بحذر نحو الأريكة لتجلس عليها وهو يردد بإبتسامة عادية:
-اقعدي بس الأول، وخدي راحتك، وبعدها هاقولك على كل حاجة!
جلست على الأريكة بإسترخاء، وردت عليه بتنهيدة مطولة:
-وأدي أعدة، ها عاوز ايه؟
نظر إليها بحيرة، ولوح بكف يده بحركة لا إرادية وهو يحاول البحث عن الطريقة للبدء في الحديث..
لذلك تمتم مع نفسه:
-هو المواضيع دي بنفاتح فيها ازاي.

تعجبت والدته من الصمت الذي حل عليه، ورفعت حاجبها للأعلى مستنكرة هدوئه المريب، فهتفت بضيق:
-ساكت ليه، يا بني خلص ورايا غسيل ومواعين وآآ...
قاطعها مسعد قائلاً بمزاح:
-حاضر بس بأجمع حبل الغسيل، قصدي حبل أفكاري
مصمصت شفتيها وهي ترد:
-ماشي، ربنا يسهلها عليك!
ابتلع مسعد ريقه، ورسم ابتسامة صفراء على وجهه قائلاً بحذر:
-شوفي يا ماما، احنا عارفين كلنا إن الجواز سنة الحياة!

بدت مهتمة بما يقوله، ودققت النظر فيه، بينما تابع هو بسخرية قليلة:
-وكل واحد محتاج إنه يكمل نص دينه، أو يخسره! على حسب!
سألته بتلهف وقد انفرجت شفتيها لتظهر ابتسامة عريضة:
-ها، قصدك ايه؟
لوى ثغره مستنكراً تخمينها المبكر لما يريد البوح به، وأردف قائلاً:
-لأ متفرحيش أوي كده، استني أكملك الباقي
ربتت على فخذه قائلة بسعادة:
-ماشي يا حبيبي، قول!
أخذ نفساً عميقاً، وزفره دفعة واحدة، ثم رد عليها بقلق قليل:.

-شوفي هو أنا عندي موضوعين جواز، وكل واحد أنأح من التاني!
اتسعت عيناها في فرحة ظاهرة، وسألته بعدم صبر:
-ها؟
نظر مسعد إلى والدته بنظرات ثابتة، وتابع بهدوء:
-عارفة صاحبي باسل
-ايوه، ماله؟
أجابها بحزن قليل:
-فسخ خطوبته مع ناتالي!
صاحت صفية بعدم تصديق وقد برزت نواجذها بسعادة:
-البت السودة الكوتة!
استغرب مسعد من مظاهر الفرحة الواضحة على والدته، والتي لم تكلف نفسها العناء لإخفائها، ورد عليها:.

-ايوه هي دي، فركش معاها!
هللت صفية قائلة وهي تشير بكفيها:
-يا صلاة النبي، خير ما عمل، والله فرحتله من قلبي، أنا من الأول قولت ده عمل ومعمله في بطن نملة!
رفع مسعد حاجبه قائلاً بإستهجان:
-بطن نملة، طب أنا راضي ذمتك، هاتيجي ازاي!
ردت عليه بثقة كبيرة:
-دي حاجات انت ماتفهمش فيها!
لوح بيده وهو يقول بجدية:
-سيبنا من أمور الشعوذة والأعمال، لأن التقيل جاي ورا!
هزت رأسها بإيماءة قوية:
-ماشي
ازدرد ريقه، وتابع بإرتباك:.

-المهم، هو كان عاوز يعني آآآ..
سألته بإهتمام رغم استطاعتها استنباط ما يريد قوله:
-عاوز ايه؟
صمت للحظة محاولاً توضيح المسألة لها..
هتفت والدته بنزق:
-يكونش عاوزنا ندورله على عروسة؟
رد عليها بغموض:
-حاجة قريبة من كده
صاحت به بنبرة آمرة:
-ازاي، ما تكلم!
حك فروة رأسه قائلاً بإنزعاج:
-أجيبهالها ازاي!
هتفت فيه والدته بنفاذ صبر بعد أن لاحظت تردده:
-يا واد انطق، انت هتحكي بالقطارة!
رد عليها مسعد مرة واحدة دون مقاطعة:.

-بصي يا حاجة صفية باسل عاوز يخطب البت إيناس
نظرت له صفية مدهوشة لثوانٍ محاولة استيعاب ما قالته تواً، ورددت بعدم تصديق:
-إيناس مين؟
أشار بإصبعه وهو يرد عليها:
-وده كان نفس رد فعلي لما قالي البؤين اللي فاتوا
حل الوجوم وتعابير مصدومة على وجهها، وتابعت بذهول:
-بقى باسل عاوز البت نوسة أختك!
هز مسعد رأسه إيجاباً وهو يقول:
-ايوه، هي بشحمها ولحمها وشعرها النكيش!

ضربت السيدة صفية كفها بالأخر، وبدت أكثر سخرية وهي تقول:
-يا حلاوة يا ولاد!
ردد مسعد مستنكراً حالة البلاهة التي رأها عليها:
-خشي عليا بتعبيرات جو الشِلت والمصطبة البلدي!
أشارت صفية بيدها وهي تضيف بإمتعاض:
-بس هي ممكن تقبل بيه؟ دي مش بتطيقه، ولا بتقبل حتى سيرته، وبتخانق دبان وشها لما نقول حاجة عنه
وافقها مسعد في رأسها، ورد عليها مؤكداً:
-والله قولتله كده، بس هو دماغه جزمة ومصمم عليها!

أثار عرض باسل بخطبة إيناس فضول صفية، فهي تعلم الخلفية السيئة بينهما، وتعجبت كثيراً من طلبه لها..
ربما لم تعترض على الفارق العمري بينهما الذي يجاوز العشر سنوات، لكن اعتراضها على رغبته فيها هي تحديداً..
لن تنكر رغبتها في إتمام تلك الخطبة، لكنها متأكدة من مشاعر ابنتها نحوه، ولذلك تساءلت بإهتمام غريب:
-طب وايه اللي لم الشامي على المغربي!
رد عليها مسعد وقد تهدل كتفيه:
-بيقول بيحبها!

قطبت ما بين حاجبيها بإندهاش قائلة:
-بيحبها، وده حصل امتى؟
أجابها نافياً:
-معرفش يا ماما
عنفت صفية ابنها قائلة بغلظة:
-وإنت أهبل كده، صاحبك يحب أختك من وراك!
ضغط على شفتيه قائلاً بإنزعاج من توبيخها الحاد:
-ربك لما يريد بيدي العبيط!
حذرته بعبوس:
-يا مسعد اتكلم عدل، بلاش هزار!
نفخ بإمتعاض وهو يردد:
-اهوو اللي حصل بقى!
ضربت صفية على فخذيها قائلة بضيق:
-يادي الحوسة، دي هترفضه بالثلث!
رد عليها مسعد بعدم اكتراث:.

-أديني قولتلك، وإنتي اتصرفي وفاتحي بنتك
أومأت برأسها بحيرة وهي ترد عليه:
-ربك يسترها بقى!
ثم أضافت مهللة بسعادة مخفية:
-بس تعرف إنت والله فرحتني، الواد باسل كويس وابن ناس ويستاهل كل خير
اكتسى وجهها بعبوس مفاجيء وهي تكمل:
-بس البت نوسة وش فقر، ومش هترضى!
رد عليها مسعد موثقاً حديثها:
-عارف ده، ويمكن الجنونة تطلع لما تقوليلها!
-مش بعيد!
مال مسعد على والدته، وأخفض نبرة صوته قليلاً وهو يحذرها بتوجس:.

-بس بصي بلاش سيادة اللوا يعرف دلوقتي إلا لما نعرف رأيها الأول!
همست له بحرص:
-أكيد يا بني، أومال يعني هاجيب لنفسي وجع الراس من غير لازمة
غمز لها قائلاً بمزاح:
-أموت فيكي وإنتي واعية كده يا ست الكل
مصمصت صفية شفتيها لتقول بثقة وغرور:
-أومال ايه..!
لوح مسعد بذراعه في الهواء وهو يغمغم بتوجس:
-أدينا خلصنا من أول بلوى!
انتبهت هي إلى ما قاله، وسألته بفضول:
-ها، والموضوع التاني؟

تنحنح بإرتباك ملحوظ، وأسبل عيناه قائلاً بتوتر:
-احم، ما بلاش
مسحت على كتفه بكفها الذي أسندته عليه، وأصرت قائلة:
-يا حبيبي اتكلم
فرك مسعد طرف ذقنه بإصبعيه، ورد عليها بحرص:
-والله يا أمي أنا كنت بأفكر كده آآ..
قطم حديثه، ونكس رأسه حرجاً، فصاحت فيه صفية بضيق:
-قول..!
رد عليها بتلعثم وهو يتحاشى النظر إليها:
-آآ، أتجوز
تهللت أساريرها بشدة، وانشرح صدرها، وعاتبته قائلة بحنو:.

-ودي محتاجة كل التهتهة دي، هو أنا في الديك الساعة لما أجوزك بنفسي لأحسن بنت في الدنيا!
هز رأسه متفهماً وهو يقول:
-الله يكرمك يا ماما!
هتفت صفية متضرعة وهي ترفع بصرها للسماء:
-ربنا يمد في عمري بس واشوفك ببدلة الفرح وأفرشلك بيتك باحسن حاجة!
-يا رب
انحنت برأسها عليه، وسألته بمكر:
-ها، أشوفلك حد كده تبعي ولا انت آآآ...
قاطعها مسعد قائلاً بغموض:
-ماهو أنا مكملتش بقية كلامي!
سألته بخبث وعيناها تمرحان بتسلية:.

-انت عندك عروسة حلوة، قولي وأنا أقوم أخطبهالك هوا!
ابتسم قائلاً وهو يرمش بعينيه:
-والله هي قمر!
زاد فضولها لمعرفة هوية تلك العروس التي أخرجت ابنته عن عزوبيته الجبرية، وسألته بحماس جلي:
-حد نعرفه؟ انطق يا غالي، ها، مين؟!
ابتلع ريقه بتوتر، ونظر لها بإرتباك وهو يجيبها بكلمات مبهمة:
-بصي، هو انتي شوفتيها قبل كده واتعاملتي معاها!
سألته بإهتمام أكبر:
-مين دي؟
استجمع مسعد شجاعته، وأخبرها قائلاً:.

-فاكرة البت الصاروخ اللي جت أعدت عندنا يومين هنا
قطبت جبينها بإستغراب وهي تسأله بحيرة ظهرت في نظراتها:
-بت! بت مين دي؟
عاتبها مسعد قائلاً بضيق وقد اكتسى وجهه بالعبوس:
-ايه يا حاجة صفية لحقتي تنسيها، هو احنا كل يوم بيجي عندنا بنات قمر يقعدوا معانا!
ردت عليه بإستياء مصطنع:
-مش فاكرة والله يا بني، هو أنا مخي دفتر!
أخذ مسعد شهيقاً عميقاً، وزفره على مهل، وأجابها بخفوت:
-البت صاحبة ايناس، سابين!
رددت بفتور:.

-س، سا آآ، سابين!
أضاف مسعد قائلاً بتأكيد:
-ايوه يا ماما، الخواجاية المزة اللي كانت إسراء بتظبطهالي!
تذكرتها صفية على الفور، فقد كانت تظن أنها تشكل تهديداً على زوجها بسبب جمالها وصغر سنها، فتجهم وجهها، وأجابته على مضض:
-ايوه، ايوه، افتكرتها، بس مش دي راحت لحال سبيلها من زمان، ايه اللي فكرك بيها دلوقتي؟
همست بتنهيدة عاشقة وقد شرد في تفاصيل وجهها:
-أنا مانستهاش أصلاً!

تعجبت صفية من حالة الهيام الظاهرة على ابنها، ولم تستطع أن تفهم ما قاله بوضوح، فسألته:
-بتقول ايه؟
انتبه لها، وتنحنح مجدداً وهو يجيبها بإبتسامة بلهاء:
-احم، ماهو أنا هاتجوزها!
ردت صفية مستنكرة وهي تنظر لها بقوة:
-تتجوزها، هو احنا نعرف أراضيها فين، ده موضوع بقاله سنين!
هتف مسعد بحماس وقد زادت ابتسامته:
-لأ ما أنا مقولتلكيش على اللي حصل!
سألته بإهتمام وقد ضاقت نظراتها:
-حصل ايه؟

رد عليها بجدية دون أن تنقص ابتسامته:
-مش أنا طلعت متجوزها، لأ وكمان مخلف منها!
اعتقدت صفية أن ابنها يمازحها في الحديث، فلكزته في كتفه قائلة بعتاب:
-يا واد بطل هزار!
هز رأسه نافياً مجيباً إياها بجدية:
-وربنا ما بأهزر، الورق بيقول انها مراتي من كام سنة!
كان وقع الكلمة عليها قوياً، فرددت بعدم تصديق:
-مرات مين
أجابها مسعد بثقة:
-المزة سابين تبقى مراتي!
شهقت صفية بصوت مسموع، ولطمت على صدرها بفزع وهي تردد:
-ايه!

أضاف مسعد قائلاً بمرح:
-لأ وخدي دي بقى، الناصحة سمت نفسها صابرين، وبقت مراتي، وجابتلي عيلة صغيرة وعملتها بنتي!
اكفهر وجه صفية بشدة، واسودت نظراتها، وسألته بحدة:
-انت بتكلم جد يا مسعد
هز رأسه بالإيجاب وهو يقول:
-ايوه
هبت صفية واقفة من مكانها، وصاحت بنبرة أقرب للعويل وهي ترفع ذراعيها في الهواء:
-يا نصيبتي!
انتفض مسعد فزعاً من مكانه، وازدرد ريقه قائلاً بتخوف شديد:
-استر يا رب.

أكملت صفية قائلة بصوت متشنج وهي تهز جسدها مستنكرة ما صرح به ابنها:
-ضحكت عليك بنت الخواجات وبلفتك!
حاول مسعد وضع كفيه على كتفي والدته لتهدئتها بعد أن ثارت ثورتها، واهتاجت بطريقة مقلقة، وأردف قائلاً:
-اهدي كده يا ماما، هانتفضح!
دفعته والدته بكوعها، وتحركت بالقرب من النافذة، وأكملت صياحها الغاضب وهي تضرب صدرها بكفيها:
-تعالوا يا ناس، اتفرجوا على الفضايح!

ارتبك مسعد بشدة من ردة فعلها المبالغة، وتوسلها راجياً:
-أبوس ايدك يا ماما اهدي واسمعيني بس!
التفتت بجسدها نحوه، وهدرت بعصبية:
-أهدى، عاوزني أهدى وانت بتقولي اتجوزت وخلفت من غير ما أعرف!
ثم رمقته بنظرات مهينة، وتابعت بغلظة:
-اخص على دي تربية، بقى أهون عليك تعمل كده وتكسر بقلبي وأنا اللي عاوزة أفرحلك!
وضع مسعد يديه على رأسه ضاغطاً عليها، وهتف مستنكراً:
-يا دين النبي، يا حاجة اسمعي، أنا هافهمك كل حاجة!

صاحت فيه بتشنج:
-تفهمني ايه بالظبط!
رد عليه بعبوس:
-كل الليلة من أولها!
حدجته هي بنظرات نارية، وضربته في صدره بعنف وهي تردد بغضب:
-اوعى، جيل بايظ مالوش أهل ولا تربية، بيعمل اللي في دماغه ويرجع آآ...
قاطعها قائلاً بضيق:
-يا لهوي يا ماما، ده انتي مخك حجر!
ضربت بيدها على جانبها، وتابعت مهددة:
-بس يجي أبوك لأقوله على مصيبتك السودة دي
ثم تحركت مبتعدة عنه، فحاول هو اللحاق بها هاتفاً:
-يا حاجة استني!

أكملت صفية قائلة بتهديد شديد اللهجة:
-والله لأكلم أخواتك البنات واجوزاتهم وأقولهم على عمايلك دي، خليهم يجوا يشوفوا حل معاك!
ارتفع حاجباه للأعلى مندهشاً مما تنتوي والدته فعله بلا داعي، فهتف بإستهجان:
-هو أنا لحقت أعمل حاجة عشان تقلبي عليا الدنيا!
أضافت صفية قائلة بحزن ممزوج بالضيق:
-البت سحرتك، وإنت زي الأهبل مشيت وراها، وبعت أهلك عشانها، حسبي الله ونعم الوكيل!

حك مسعد فروة رأسه مصدوماً مما تقول، وهتف ساخراً:
-ايه يا ست صفية، انتي ضربتي كرسي في الكلوب ومش مدية حد فرصة آآ...
قاطعته قائلة بسخط وقد تحولت نظراتها للقسوة:
-اسكت خالص، اوعى من وشي، لازم أشوفلي صرفة مع أبوك!
رد عليها مسعد بإستنكار:
-يادي النيلة..!
انصرفت هي من أمامه وهي تتوعده بعقوبات وخيمة وكأنه اخترق هدنة سلام دولية، فضرب كفه بالأخر، وردد لنفسه بضجر:
-أهوو ده اللي كنت خايف منه، هاتطلع غلبها فيا!

سمع هو صوتها يأتي من الداخل قائلاً:
-محسود من يومك، وآآ...
لم يصغِ للبقية وردد بإمتعاض وهو يرفع بصره للأعلى:
-منك لله يا صابرين! انتي تتجوزيني ومن ورايا، وأنا ألبس في الحيطة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة