قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثامن والعشرون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثامن والعشرون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الثامن والعشرون

تجمدت ساقي إيناس في مكانها مذعورة حينما التفتت مصادفة للخلف لترى باسل محدقاً بها بنظرات نارية متأججة..
قفز قلبها في قدميها، ودبت إرتجافة قوية في أوصالها..
إحساس قوي بالانتقام المهلك منه سيطر عليها..
يكفيه نظراته النارية المسلطة عليها لتعرف أنها نزعت فتيل قنبلة غضبه اللا محدود..
ازدردت ريقها الذي جف بصعوبة بالغة، وهمست بنبرة مرتجفة وهي تقول بتلعثم:
-أنا، أنا كنت باشوف، آآ، القلم، آآ.

لم تستطع إكمال جملتها الغير مفهومة، وتلفتت حولها بذعر محاولة إختلاق أي عذر للنجاة بنفسها من بطشه..
تابعت بإرتجافة أكبر في نبرتها وبرعشة واضحة في جسدها:
-كان في، آآ، فار، آآ، ﻷ قصدي كلب، ب، آآ بينط على عربيتك، ف، آآ، فكنت بأهشه بالطوبة!
لم يعلق على ما قالته، ولكنها شعرت بنيرانه المحتقنة التي توشك على إحراقها حية إن لم تفر اﻵن من أمامه..
أضافت قائلة بتوجس شديد:.

-م، مجاتش الطوبة فيه، ف، آآ، فالإزاز ادشدش!
أخفضت بصرها لتتجنب نظراته المهددة، فرأت القلم الحبري في يدها المرتعشة، فرفعته عفويا للأعلى، وهتفت بصعوبة وهي تجاهد للسيطرة على حالة الذعر المتمكنة من خلاياها:
-خد، آآ، خد القلم ده، آآ، آآ، أنا مش عاوزاه!
ثم مدت يدها به نحوه وهي تنظر له بنظرات زائغة..
كان كالصنم أمامها لكن قست ملامحه بصورة بائنة..

لم يشعر بمثل ذلك الغضب في حياته من قبل، هي تأجج به مشاعراً مختلفة بين النقيضين في لحظة واحدة..
قاتل هو بأقصى طاقاته لكبح عصبيته قبل أن تثور في وجهها وتدمرها...
وبلا لحظة أخرى من التأخير، ألقت هي بالقلم الحبري على الرصيف، وتراجعت بخطوات متعثرة للخلف متحاشية الاقتراب المهلك منه..
هتف بها بصوت خالي من الحياة دون أن تطرف عيناه:
-استني عندك!

لم تستطع الامتثال لآمره الحاد فهي تعلم ما سيحدث لها من خطر رهيب إن ظلت باقية في مكانها، وفكرت في الركض هرباً منه، وبالفعل حسمت أمرها ونفذته بلا تردد حيث انحرفت للجانب لتتمكن من الالتفات حوله، وتجاوزته وركضت بأقصى سرعة للأمام...
صاح بها باسل بصوت متشنج وهو ينظر لها مدهوشاً من هروبها:
-إيناس!
خفق قلبها بقوة من صوته المحتقن، ولم تستطع النظر إليه وأكملت ركضها..

ولكن في نقطة ما، التفتت برأسها للخلف – في حركة عفوية منها – لتتأكد من أنه لا يتبعها، ولم تأخذ حذرها من عمود لوحة الإعلانات المثبت على الرصيف، فارتطمت بحافته المدبدبة بعنف قوي، وكان النصيب اﻷكبر من الصدمة المؤلمة في جانب رأسها...
ترنح جسدها بإهتزازة صريحة، وسقطت على الارضية الحجرية من أثر الضربة..
تكورت على نفسها محاولة إفاقة نفسها، لكنها كانت مهزوزة للغاية، ورؤيتها شبه مشوشة...

انتاب باسل حالة من الهلع حينما رأى ما حدث ﻹيناس، وانقباضة قوية سيطرت على قلبه..
ركض ناحيتها وجثى على ركبتيه أمامها، ومد يديه ليمسك بها من ذراعيها، فانتفضت بفزع ونظرت إليه برعب، وتوسلته بنبرة راجية وهي تتوهم محاولته لغرز القلم الحبري في عنقها:
-مكونتش اقصد، أنا، آآ..
نظرت إلى قبضته التي ارتفعت فجأة عن ذراعها لتتجه نحو وجهها، فخشيت أن يسدد لها إحدى لكماته الفتاكة، فصرخت بهلع وهب تبكي:.

-وشي مش مستحمل، كفاية بواني! أنا مش أد ايدك دي!
نظر لها بخوف واضح في حدقتيه، وهزها برفق محاولاً إفاقتها من حالة الرعب المسيطرة عليها، فهو لم يكن ليؤذيها قط، ولكنه كان يود تهذيبها ظناً منه أنها تنساق بجموح وراء تصرفات المراهقين الطائشة والغير محسوبة، وهتف متوجساً:
-إيناس، اهدي واركزي مش هاعملك حاجة
رفع عينيه للأعلى ليجد خيطاً من الدماء ينساب من جانب رأسها، فانقبض قلبه أكثر، وهتف مردداً بفزع:.

-ده دم، انتي اتعورتي فين؟!
وضعت إيناس يدها المرتجفة على كفه محاولة ابعاده عنها وردت عليه بصوت خائف:
-مكونتش اقصد، بس، بس ماتموتنيش!
-انتي مجنونة!
قالها باسل وهو ينظر لها مذهولا من تلك الفكرة المسيطرة على عقلها بغرابة، وموهمة إياها أنه سيفتك بها لمجرد محاولة طائشة وهوجاء منها ﻹغاظته وتحطيم زجاج سيارته..

في نفس التوقيت، كان الصمت سائداً بين سابين ومسعد خاصة بعد إفصاح اﻷخير عن الخبر المؤسف المتعلق بنقلها إلى مكان أخر آمن تمهيداً لعودتها إلى ولاية أوهايو حيث المحاكمة الخاصة بقضيتها...
كان هو يعاني من آلم موجع في صدره بسبب فراقها، ولكنه لم يرد إظهار هذا أمامها حتى لا يؤلمها معه..
يكفيه أن يعاني لوحده..
انتبه هو إلى صوت تهشم زجاج ما، وارتعدت سابين في ذات الآن من قوته، فطمأنها قائلاً بإبتسامة هادئة:.

-متخافيش، تلاقي حد بس وقع حاجة
هزت رأسها بإيماءة خفيفة، وحاولت الحفاظ على سكونها رغم الشحوب البادي على تعابيرها..
بعدها بلحظات استمع إلى صوت الهتاف العالي المنادي بإسم شقيقته إيناس، فقطب جبينه مندهشاً، ونهض عن مقعده، واتجه للشرفة لينظر منها إلى الطريق
اتسعت حدقتيه في صدمة حينما رأى أخته جاثية على الأرضية الحجرية وإلى جوارها باسل، فهتف بلا وعي:
-إيناس!

هبت سابين هي الأخرى واقفة من مقعدها، واتجهت لحافة الشرفة لتنظر منها، ودار في رأسها هواجس متعددة..
فقد اعتقدت أن هناك من تعرض لها بالأذى..
لم ينتظر مسعد في مكانه كثيراً، بل ركض كالمجنون إلى الخارج ولحقت به سابين...
تساءلت صفية بتعجب وهي تنظر إلى ابنها الذي تبدلت حالته للفزع:
-في ايه يا بني بتجري كده ليه؟
أجابها بصوت قاتم وهو يفتح باب المنزل:
-إيناس واقعة في الشارع.

لطمت والدته على صدرها في رعب، وصرخت بهلع:
-بنتي!
لحقت سابين بمسعد، ونزلت خلفه على الدرج، بينما أتت إسراء من الغرفة الداخلية على إثر صوت والدتها الصارخ، وتساءلت بخوف هي الأخرى:
-في ايه يا ماما، بتصوتي كده ليه؟
لم تستطع صفية تمالك نفسها بعد تلقي ذلك الخبر المخيف، وردت على ابنتها الكبرة بنبرة مرتجفة وهي تشير بيدها:
-آآ، أخوكي بيقول اختك واقعة في الشارع
شهقت إسراء مصدومة وهي تضع يدها على صدغها:
-يا نصيبتي!

تابعت قائلة بنبرتها المرتعشة:
-آآ، الحقي أخوكي لحد ما أصحي أبوكي يشوف بنتنا جرالها ايه!
أومأت برأسها إيجاباً، واتجهت للخلف وهي تجيبها:
-حاضر يا ماما، هاحط الطرحة على دماغي، ورايحة وراه، استر يا اللي بتستر!

وصل مسعد إلى شقيقته، وجثى هو الأخر أمامها، وتساءل بخوف واضح وهو ينظر إليها متفحصاً الأضرار التي أصابتها:
-إيناس، حصل ايه؟
كانت ترتجف بشدة وهي تحاول الرد عليه، فخرج صوتها متقطعاً غير مفهوماً..
التفت مسعد برأسه نحو باسل وسأله بحدة:
-في ايه يا باسل؟ انت كنت معاها!
ابتلع ريقه، ونظر إليه بتخوف قليل، فهو لم يرد ابلاغه بما فعلته أخته في سيارته، واختلق سريعاً كذبة شبه مقنعة ليقولها لها، فأجابه بثبات حذر:.

-الظاهر كان في كلب سعران بيجري وراها وهي، آآ، وهي خافت منه وجريت على البيت بس مخدتش بالها من اللوحة دي!
هتفت سابين بجدية وهي تشير بإصبعها نحو جانب رأس إيناس:
-لازم نوقف blood ( الدماء )!
رد عليها مسعد بصوت جاد للغاية:
-احنا هنوديها على الطواريء!
انضمت إليهم إسراء، وصرخت بخوف:
-نوسة مالها؟ البت حصلها ايه يا مسعد؟
أجابها بصوت متجهم:.

-كلب كان بيجري وراها فدخلت في الزفت ده، واتكومت على الأرض، وأديكي شايفة دماغها عاملة ازاي
لطمت إسراء على صدرها بخوف وهي تهتف قائلة:
-دي دماغها مفتوحة!
انزعج باسل من التحقيقات المتتالية حول أسباب إصابة إيناس، وعدم اهتمامهم بإسعافها أولاً، فصاح بعصبية:
-يالا يا جماعة مافيش وقت، عاوزين نطمن عليها وبعد كده نبقى نسأل على اللي حصلها!
هتف مسعد بتلهف وهو يوميء بعينيه:
-بسرعة على عربيتي!
وافقه باسل قائلاً:
-ماشي!

أضافت إسراء قائلة وهي تشير بيدها للخلف:
-أبوك وامك جايين ورايا، مش هايسبوها!
بينما أردفت سابين قائلة بإصرار:
-موسأد أنا اجي معاك!
وهتفت إسراء هي الأخرى بجدية:
-وأنا كمان مش هاسيب أختي
احتار مسعد فيمن سيصطحب معه في سيارته، والتي لن تكفي بالطبع لكل أفراد العائلة، فالتفت إلى صديقه، وهتف فيه بصوت آمر:
-طب باسل خد انت بابا وماما، وحصلنا على مستشفى الطواريء!
أومأ برأسه موافقاً وهو يردد:
-ماشي!

وبالفعل حمل مسعد أخته بين ذراعيه، واتجه بها نحو سيارته، وأسندها على المقعد الخلفي، وجلست إلى جوارها أختهما الكبرى إسراء والتي احتضنها بحزن بائن على وجهها...
جلست سابين في المقعد الأمامي، واستدارت برأسها للخلف لتتابعها بخوف..
بينما ظل باسل واقفاً إلى جوار السيارة وقلبه يخفق بقوة هلعاً على ما أصاب حبيبته التي يعشقها في صمت..

تعلقت أنظاره بها، وأدمعت عيناه قليلاً وهو يرمقها بنظرات أسفة، فهو دون قصد منه قد تسبب في إيلامها مجدداً..
كور قبضة يده واعتصرها بشدة..
وتعهد لنفسه ألا يتهور مجدداً معها حتى وإن كان بالمزاح، فهو لن يتحمل أن يصيبها مكروه بسببه...

في بهو أحد الفنادق الفاخرة،
اجتمع بعض الأفراد في البهو الخاص بالفندق، وأشار أحدهم للبقية بيده ليتبعوه..
جلسوا حول الآرائك الخاوية الموضوعة في إحدى الزوايا ليكونوا بعيداً عن أعين المحيطين بهم..
أردف زعيمهم قائلاً بجمود:
-اسمعوني جيداً
أصغى إليه الجميع بإنتباه تام، فتابع بصوت خافت:
-لقد حصل على عنوان الفتاة الحالي، وسننتقل فوراً إلى هناك لنراقب المكان بدقة..!
أشار بيده وهو يكمل بنبرة مخيفة:.

وحينما تحين اللحظة المناسبة، سنتخلص منها للأبد..!
تبادل البقية كلمات جانبية مقتضبة، فقاطعهم قائلاً –وابتسامة شيطانية متكونة على ثغره – وهو يردد بثقة تامة:
-لن يمر عليها الغد إلا وهي تشيع إلى مثواها الأخير...!

في المشفى العسكري،
انتهى الطبيب من تقطيب جراح إيناس بغرفة الطواريء بعد أن أوصلها أخيها مسعد إلى هناك، وأكملت الممرضة تضميده..
تفقد حالتها بحرص واضح ليتأكد من عدم وجود أي توابع أخرى، أو مضاعفات جانبية، وتعجب من حالة الهلع والفزع البادية على عائلتها..
بل ما أثار استغرابه حقا هو كم التوصيات الخارجية من أجل الإعتناء بها، وخرج بعدها وهو يرسم على ثغره ابتسامة دبلوماسية مجاملة مردداً:.

-المريضة بخير، مافيش داعي للقلق ده كله!
تساءلت صفية بتلهف وهي تحاول التماسك والصمود:
-بنتي فاقت؟ طمني عليها الله يكرمك يا بني
أجابها الطبيب بثبات:
-هي بخير!
أضافت سابين قائلة بنبرة متعاطفة وهي عابسة الوجه:
-أتمنى تكون افضل ( hope she is okay)
تساءلت إسراء مستفهمة وهي ترفع حاجبيها للأعلى:
-أومال ايه التخاريف اللي كانت بتخطرف بيها طول السكة؟

ابتلع باسل ريقه عقب عبارتها اﻷخيرة، فقد خشي أن تكون إيناس قد تفوهت بشيء ما في حالتها الغير واعية يشير إليه بدون قصد...
بدى وجهه شاحباً للغاية، وكذلك كانت نظراته موحية بوجود خطب ما، ورغم ما يعتريه من مشاعر مختلطة ما بين خوف وندم وقلق وفزع إلا أنه كافح للحفاظ على رباطة جأشه أمام المتواجدين...
خرج هو من حالة شروده المؤقتة على صوت الطبيب وهو يتابع بصوت هاديء:
-ده طبيعي، من اثر الصدمة!

أردف والدها قائلاً بصوت شبه متحشرج:
-قدر ولطف
بينما عقب عليه مسعد بصوت حزين:
-ربنا يسترها
-أنا عاوزة أشوف بنتي وأطمن عليها
هتفت بها صفية بنبرة شبه باكية وهي تمسح وجنتها المبتلة بظهر كفها المرتعش، فرد عليها الطبيب بهدوء:
-كلكم هتشوفها، ننقلها بس أوضة عادية وتطمنوا وتقدروا كمان تاخدوها ﻷن الموضوع مش خطير!

تنفس الجميع الصعداء بعد عبارته اﻷخيرة وتبدلت أوجههم العابسة إلى أخرى متفائلة ومطمئنة، و كان أكثرهم إرتياحاً هو باسل...

في مكان ما بولاية أوهايو،
أسند الرجل الغامض كأسه بعد أن فرغ من شرب محتواه المُسكر، والتوى ثغره بإبتسامة شيطانية وهو يقول:
-اذن ما هي إلا ساعات وأنتهي تماماً من هذا الكابوس!
رد عليه رجله الخاص بثقة:
-بالطبع سيدي، فقد اتخذ الجميع مواضعهم بالقرب من مسكنها الحالي، وينتظرون اللحظة المناسبة للهجوم عليها
حذره ذلك الرجل الغامض بجدية مريبة:
-تلك المرة لا أريد أي أخطاء
رد عليه رجله الخاص بهدوء:.

-اطمئن! لقد تأكدت بنفسي من الخطة وطريقة تنفيذها!

في سيارة باسل،
تحاشى باسل التواجد بالقرب من إيناس عندما تأكد من إفاقتها، وأنها باتت بخير كي لا يثير ريبة أي شخص، وفضل أن ينتظر بسيارته عندما يوصل والديها إلى المنزل..
ترقب رؤيتها من بعيد بفارغ الصبر، وتعلقت أنظاره بها حينما رأها تخرج من باب المشفى الواسع مستندة على أختها الكبرى ومسعد..
كاد أن يتهور ويخرج من السيارة ويتخلى عن ثباته الزائف، لكنه أجبر نفسه على الصمود..

لم تفارقها نظراته حتى ركبت سيارة أخيها، وعاد إليه والديها وهما يرسمان على وجههما ابتسامة رضا وسعادة..
-معلش يا بني عطلناك
قالتها صفية وهي تلقي بثقل جسدها على المقعد الخلفي بالسيارة..
رد عليها باسل بإبتسامة مهذبة:
-متقوليش كده، أنا معملتش حاجة
أضاف زوجها اللواء محمد مجاملاً:
-باسل مننا وعلينا، ده أنا بأعتبره واحد من العيلة
أكدت صفية على ما قاله بحماس:
-اه والله عندك حق.

انطلق بعدها باسل بالسيارة ليلحق بمسعد الذي قاد سيارته هو الأخر في اتجاه المنزل...
تساءلت صفية بفضول وهي تنظر إلى الزجاج الخلفي المهشم:
-هو ايه اللي جرى لعربيتك؟ أنا عاوزة أسألك عنها من بدري!
ارتبك لوهلة من سؤالها المباغت، ثم تدارك الموقف سريعاً، ورد عليها قائلاً بهدوء مصطنع:
-مش عارف، أنا لاقيتها كده!
رد عليه اللواء محمد قائلاً بتعاطف:
-ربنا يعوض عليك، وديها عند التوكيل وآآ...
قاطعه باسل قائلاً بجدية:.

-ما أنا هاعمل كده بس بالنهار بقى!
أضاف اللواء محمد بنبرة منهكة:
-اها، صح ده الوقت اتأخر أوي
تنفس باسل الصعداء أن تلك الكذبة الصغيرة انطلت عليهما، وزفر بإرتياح واضح، وأثر الصمت خلال باقي المحادثة..
تابعت صفية قائلة بضجر:
-أه والله، محسناش بيه خالص! اتلبخنا في اللي حصل لنوسة
رد عليها زوجها بصوت شبه خافت:
-الحمدلله إنها جت على أد كده!
هتفت صفية بسخط وهي تشير بكف يدها مؤكدة:
-البت دي اتحسدت والله.

رد عليها زوجها بضيق وهو يدير رأسه قليلاً للخلف لينظر إليها من طرف عينه:
-ما انتي اللي صممتي تحتفلي بيها وآآ...
قاطعته قائلة بنية عازمة:
-بكرة هابخرها وأرقيها من العين واعملها عروسة أفقع بيها عين آآآ...
لم يصغِ محمد إلى بقية حديث زوجته الغير مُجدي، وتمتم مع نفسه بإمتعاض:
-ايوه، التخاريف وأمور الدجل اللي مش بتنتهي!
هتفت هي فجأة بصوت مرتفع لتسترعي إنتباهه بشدة:
-بالحق! إسراء كانت كلمتني في موضوع يخص نوسة.

رد عليها متسائلاً وهو يرفع حاجبه للأعلى:
-موضوع ايه ده؟
انتبه باسل هو الأخر إلى حديثهما عنها، وركز حواسه بالكامل معهما، فقط نظراته المتربصة كانت مسلطة على الطريق..
أجابت صفية على سؤاله بفتور:
-بتقولي في عريس تبع جوزها ابن ناس ومن عيلة مبسوطة بيدور على عروسة تكون صغيرة وحلوة، فجوزها سألها عن بنتنا
اتسعت حدقتي باسل في صدمة كبيرة، واحتقن وجهه نوعاً ما بحمرة غاضبة..

أيعقل ما سمعه تواً، هل تتحدث حقاً عن خطبة إيناس هكذا بكل بساطة وكأنها فتاة عاقلة راشدة وليست مجرد مراهقة طائشة؟
عجز لوهلة عن التفكير فيما، وأفاق من شروده المصدوم على صوت اللواء محمد وهو يرد مستنكراً:
-ده نوسة لسه صغيرة!
صاح باسل فجأة بصوت شبه محتقن:
-هو بيستهبل! جواز ايه اللي في السن ده!
نظر إليه الاثنين بإندهاش تام، وسلطا أنظارهما عليه بصورة فاحصة متفحصة لردة فعله المبالغ فيها..

حاول هو أن يبرر إنفعاله قائلاً:
-احم، معلش اعذروني، الموضوع ماليش دخل فيه، بس آآ...
قاطعه اللواء محمد قائلاً بهدوء بعد أن تفهم مقصده:
-قول رأيك يا باسل عادي، ما انت زي أخوها الكبير
نظر له باسل بعينين محتدتين، وكأن تصريحه الأخير قد زاد من حالة استفزازه، وردد مع نفسه بحنق وقد تحولت قسمات وجهه للتجهم:
-أخوها!
بررت صفية موقفها قائلة بصوت منزعج:
-أنا مردتش أصلاً عليها، وقولتلها آآ...
قاطعها زوجها بصرامة:.

-الموضوع مرفوض يا صفية، نوسة رايحة لسه ثانوي، وانتي بتكلمي عن جواز وخطوبة وكلام فاضي!
ضغطت على شفتيها لتقول بعبوس:
-خلاص يا حاج، اعتبره كأنه محصلش
أكمل زوجها قائلاً بغلظة:
-لا حصل ولا اتقال من أساسه! يتنسى وتنبهي على بنتك مالهاش دعوة بنوسة وتركز مع جوزها وعيالها وبس
ردت عليه بإمتعاض وهي تزفر بنبرة عميقة:
-طيب
ردد باسل بين طيات نفسه بإستنكار ممزوج بالغضب وهو يكافح للحفاظ على ثبات تعابير وجهه:.

-جواز! ومن دلوقتي؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة