قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والعشرون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والعشرون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل التاسع والعشرون

في منزل مسعد غراب،
عادت العائلة إلى المنزل مجدداً بعد أن تأكدوا من عدم وجود ما يستدعي بقاء إيناس بالمشفى وسماح الطبيب لها بالخروج..
والتفوا جميعاً حول فراشها..
قبلتها والدتها من جبينها، وهتفت بحماس:
-ربنا ما يوريني فيكي حاجة وحشة، لا انتي ولا اخواتك!
ربتت إسراء على كتف أختها، وقالت بحنو:
-خدي بالك بعد كده يا نوسة!
ابتسمت سابين وهي تهمس برقة:
-همدلله ( حمدلله ) على سلامة!

رد عليها مسعد بإبتسامة بلهاء وهو محدق بوجهها الذي بات شغفه مؤخراً:
-شكراً يا سابين!
تساءل محمد بجدية وهو يتلفت حوله بنظرات شمولية:
-اومال العيال فين؟
ردت عليه ابنته الكبرى إسراء قائلة وهي تشير بيدها للخلف:
-نقلتهم الأوضة عندك يا ماما، الحمدلله إنهم فضلوا نايمين ومصحيوش طول ما احنا برا!
تنهدت صفية في إرتياح:
-الحمدلله.

انزعج والدها من تصرفها الأهوج، فلا يجوز بأي حال من الأحوال ترك الأطفال الصغار بمفردهم دون وجود رقيب أو متابع معهم، فلا أحد يضمن ما يمكن أن يحدث في لحظة من تهور أحدهم...
لذا رمقها بنظرات صارمة، وحذرها قائلاً بغلظة:
-تاني مرة ماتسبيش العيال لوحدهم يا إسراء، ممكن يعملوا كارثة في البيت ومحدش موجود معاهم، لازم عينكي تكون دايماً عليهم
اعترضت إسراء على ما قاله:
-يا بابا دول قرود وآآ...

قاطعها قائلاً بصرامة حادة:
-الكلام ده مافيش فيه هزار، انتي شايفة بنفسك اللي حصل لأختك وهي كبيرة
لوت إسراء شفتيها للجانب في عدم اقتناع، وتمتمت بعبوس:
-حاضر يا بابا!
أضافت صفية قائلة وهي تمسح على جبين ابنتها الصغرى:
-ارتاحي انتي يا حبيبتي، ونامي براحتك! محدش فينا هيصحيكي!

هزت إيناس رأسها موافقة دون أن تتحدث، فقد كانت بحاجة ماسة إلى الراحة والنوم ليستريح عقلها من كم الضغط العصبي والنفسي الذي تعرضت له اليوم..
ما ظل يدور في مخيلتها هو هيئتها التي أصبحت بالتأكيد ( بشعة ) بعد لكمات باسل، وضربة لوحة الإعلانات التي تركت أثرها في جانب رأسها، ليزيد هذا من حزنها على مظهرها الذي يتحول للأسوأ يوماً بعد يوم..

انفطر قلبها أسفاً على نفسها، وصمدت لتمنع حالها من البكاء أمام عائلتها، فلا أحد يعرف بمعاناتها النفسية..
أغمضت عينيها، واستدارت بجسدها للجانب، وادعت النوم، فتركها الجميع بمفردها، وخرجوا من غرفتها ليكملوا نقاشهم بالخارج...
أجهشت هي بالبكاء الصامت بعد أن تأكدت من خلو الغرفة من الجميع..
ودار في خلدها فقط ذكرى الإهانات الماضية..

ظل باسل يجوب الشوارع ليلاً ليفكر فيما جرى على مدار اليوم من أحداث متتابعة..
شعر بنيران الغيرة تأكله..
فلم يكن ليسلم من المعلم كريم وسماجته مع حبيبته الصغيرة – وإن كان تعامله معها مبرراً بحكم كونه معلمها الخصوصي - حتى يظهر على الساحة عريس غامض ليؤجج من غضبه أكثر..
تساءل مع نفسه بغيظ وقد انبعثت الأدخنة من أذنيه، أليست إيناس بمراهقة صغيرة فلماذا يتكالب الجميع عليها وكأنها صيد ثمين؟

زفر بحنق، وأكمل تفكيره المحتج وهو يتحرك بلا هوادة أو وجهة معينة..
هو ظن أنه مخطيء حينما فكر فيها كحبيبة وهي لا تزال في تلك السن الصغيرة، وعاتب نفسه بشدة على تفكيره الأهوج، وأخذ يُمني نفسه بأنه سيحظى بها حينما يحين الموعد المناسب، وليس الآن..
بينما غيره يبيحون لأنفسهم بإستمتاع ما يحرمه هو!

أسفل بناية ما،
راقبت تلك الأعين الشيطانية البناية عن كثب متفحصة كل شيء بدقة متناهية..
مال أحدهم على زميله الواقف إلى جواره برأسه ليهمس له بتساؤل:
-هل تفقدت كل شيء؟
أجابه بخفوت هاديء وواثق:
-نعم، كل شيء على ما يرام
أضاف الرجل قائلاً بجدية:
-حسناً، علينا أن نرتاح لأن الغد حافل
التوى ثغر الثاني بإبتسامة خبيثة وهو يرد عليه بإيجاز:
-بالطبع!
أسند الرجل يده على كتف رفيقه
-هيا بنا!

في منزل مسعد غراب،
بصعوبة بالغة تمكنت إيناس من النوم، وبالطبع لم تسلم من تلك الكوابيس المزعجة التي أصابتها بالأرق والضيق..
تنهدت بتعب، وتثاءبت بإرهاق، وأغمضت عينيها بقوة لتنام ولكن قطع محاولتها الفاشلة رنة هاتفها المحمول، فمدت يدها بتثاقل لتلتقطه وتنظر إلى شاشته، فوجدت إشعارا برسالة نصية
اتسعت عيناها الناعستين بصدمة كبيرة حينما فتحتها وقرأت فحواها..

اعتدلت في نومتها رغم آلم رأسها، ورمشت بعينيها غير مصدقة ما قرأته توا..
هتفت لنفسها بذهول:
-باسل بيتأسفلي! دي تهيؤات!
هزت رأسها مستنكرة فعلته، ونظرت للهاتف شزرا، وتحولت نظراتها للحنق، وضغطت على زر مسح الرسالة..
فجرح اﻷشخاص عمدا واﻹساءة إليهم بلا إكتراث لا يمحى بسهولة أو يغتفر برسالة مكتوبة..
أغلقت هاتفها المحمول والغيظ متمكن منها، ثم ألقت به على الفراش، ودفنت رأسها في الوسادة...

ظلت سابين تفكر فيما قاله مسعد لها وهي تتمدد شاردة على فراشه..
هل الشعور بالأمان والاستقرار قد انتهى بالفعل، وأصبح لزاماً عليها المغادرة؟
تنهدت في حزن، ومسحت عن أهدابها العبرات التي بدأت في التشكل في مقلتيها..
أخذت شهيقاً عميقاً وحبسته في صدرها لتمنع نفسها عن البكاء، ثم زفرته دفعة واحدة، وواظبت على فعل ذلك حتى استعادت رباطة جأشها وصلابتها..

هي كانت تتوقع هذا، فوجودها في القاهرة كان مؤقتاً، وعليها العودة لموطنها للإدلاء بشهادتها في المحكمة عاجلاً أم آجلاً...
الوقوع في الحب لم يكن هذا في مخططها على اﻹطلاق، بل لم تفكر في حدوثه، واليوم هي أسيرته..
ابتسمت لنفسها في خجل، وتورد صدغيها بحمرة باهتة..
(( هي تحب؟ ))
هكذا تساءلت مع نفسها وتنهدت في حيرة، فليس هذا باﻷمر اليسير، فهو لم يكن في الحسبان منذ البداية.

هي كانت تعد الساعات لتعود إلى موطنها وحياتها السابقة، واليوم هي حزينة بشدة لتركها المكان بمن فيه..
اعتصرت عقلها تفكيراً لسويعات متصلة لتصل إلى الحل المناسب، وتوصلت إلى قرار حاسم ونهائي..

فإن كانت تكن مشاعراً رقيقة لمسعد فعليها ألا تضره أو تعرضه للخطر، وتضع مصلحته العامة نصب عينيها، وإفصاحها عن مشاعرها نحوه في هذا التوقيت تحديداً ربما سيدفعه لفعل أمور متهورة وجنونية غير محسوبة العواقب بدافع الحب وتوابعه..
لذا فاﻷسلم هو كتم ما تشعر به، والتسلح بقناع الأحاسيس الباردة..
حاولت اقناع نفسها بأن هذا هو الصواب واﻷسلم له..

كما كان عليها أن تضع في الاعتبار سلامة تلك العائلة الطيبة من أي أخطار تهديدية محتملة...
ثقل جفنيها وغلبها سلطان النوم وعقلها لم يتوقف عن التفكير في مستقبلها المجهول...

قضى ليلته شارداً في الشرفة ومحدقاً في الفراغ أمامه مستعيداً ذكرياته معها..
ابتسم مسعد عفويا وهو يتذكر لقاءاتهما الطريفة، والمصادمات الضاحكة بينهما، فوضع يده على رأسه وحك مؤخرتها بحركة ثابتة وقد زادت ابتسامته اتساعاً...
سريعاً ما لمعت عيناه بوميض حزين وهو يتخيل فراقها الذي بات محتوماً..
أطرق رأسه للأسفل، واستند بمرفقيه على حافة الشرفة، وأطلق تنهيدة عميقة تحمل الكثير، وتمتم مع نفسه بخفوت:.

-هتوحشيني اوي!
لم يكن بيده أي حيلة، فالأمر يتخطى المشاعر العذبة بكثير..
أغمض عينيه إرهاقاً، وظل يتنعم بالهواء البارد الذي يلطم صدغيه لعل نيران صدره المشتعلة تخمد قليلاً.

في صباح اليوم التالي،
تفاجئت سابين بأصوات ضوضاء خارجية وهي تحاول إفاقة نفسها من نومها الذي لم يكن كافياً..
استغرقها الأمر عدة دقائق لتستعيد وعيها كاملا، وتنهض عن الفراش..
رتبت هيئتها الخارجية سريعاً، ومشطت شعرها بيدها ثم اتجهت إلى خارج غرفة مسعد..
قطبت جبينها مندهشة حينما وقعت عيناها على حقائب السفر المتجمعة في الصالة
وقفز قلبها في صدرها بتوتر كبير..
أخرجها من تفكيرها الخائف صوت إسراء وهي تقول:.

-يالا يا ماما، أنا خلاص جهزت! والعيال كمان لبسوا!
اقتربت منها سابين وسألتها بتعجب بلكنة غريبة وهي تحاول فهم ما يحدث حولها:
-في ايه؟
أجابتها إسراء بحزن بادي في نبرتها ونظراتها:
-حمايا تعب أوي، واتنقل المستشفى، واحنا كلنا هنسافرله الوقتي
لم تفهم سابين ما قالته كاملاً، وظهر على تعابير وجهها الحيرة، وفغرت شفتيها قائلة:
-هاه، أنا لا أعرف ما آآ...

لم تكمل عبارتها للنهاية بسبب مقاطعة صفية لها وهي تقول بنبرة مرتفعة:
-انتي صحيتي يا بنتي؟!
أضاف مسعد هو اﻷخر قائلا بجدية:
-كويس انك صحيتي دلوقتي، أنا كنت هاخلي ماما تدخل الأوضة تفوقك، بس جت منك!
التفتت برأسها نحوه، ونظرت له بتوتر وهي تسأله:
-في ايه موسأد؟
ابتسم لها قائلاً بود وهو يطالعها بنظراته:
-انتي مالك مخضوضة كده ليه؟ الموضوع عادي على فكرة!

هزت رأسها بعدم فهم، فتابع موضحاً، ولكن على طريقته، ونظراته المتيمة لم تفارق عينيها:
-بصي هو حد قريبنا مريض، عيان يعني وحالته مش ولابد، قولي بيخلص، بيطلع في الروح، فاحنا عاوزين نلحقه قبل ما يفلسع ويسلم نمر!
فغرت شفتيها بغرابة واضحة على محياها، فهي لم تستوعب ما قاله..
-يا بني متدوخهاش معاك!
قالها اللواء محمد بعتاب وهو ينهر ابنه عن الاستمرار في أسلوبه الغير مفهوم في الشرح لتلك الضيفة الرقيقة...

ثم اقترب هو منها، ووضع يده على كتفها، وأردف قائلا بنبرة رزينة:
-بصي يا بنتي، احنا مضطرين نسافر النهاردة وراجعين أخر النهار لظروف طارئة، بمعنى أدق، her father in low is sick and in hospital، we won t be late ( والد زوجها مريض وبالمشفى، ونحن لن نتأخر في العودة )
بدى اﻷسف ظاهرا على وجه سابين بعد أن عرفت السبب الحقيقي، وشعرت بالإرتياح لكونه لا يتعلق بها، وردت عليه بحذر:.

-اوه، sorry for that! ( أسفة لتلك الأخبار السيئة )
أضاف مسعد قائلاً بجدية:
-مسافة الطريق، و مش هنتأخر، يدوب هاوصلهم وأرجعلك تاني!
أومأت برأسها متفهمة، فأكمل قائلاً بإبتسامة ودية:
-البت نوسة هتفضل معاكي هتسليكي لحد ما نرجع، خلوا بالكم من بعض!
صاح اللواء محمد بنبرة عالية وهو يشير بيده:
-يالا يا إسراء!
ردت عليه ابنته:
-ماشي يا بابا، هاجيب العيال وأحصلك
التفت أبيها نحو مسعد، وأردف قائلاً بصوت شبه آمر:.

-انزل يا مسعد سخن العربية واستنانا تحت!
أومىء برأسه وهو يجيبه:
-طيب
هتفت صفية قائلة بصوت قلق:
-هاروح بس ابص على نوسة واقولها ان احنا مسافرين
اعترض زوجها قائلاً بضجر:
-يا ستي سبيها نايمة ترتاح، سابين لما تصحى هاتقولها، واحنا كمان هانكلمها!
لوت ثغرها في عدم اقتناع، ورغم هذا لم تعترض عليه، وردت بإيجاز:
-ماشي!

احتضنت إسراء سابين بذراعيها، وضمتها إلى صدرها بقوة بعد أن انهالت عليها بقبلة ثلاثية الاتجاهات وهي تقول بأسف:
-مع السلامة يا سوسو، والله كان بودي اقعد يومين كمان، بس انتي شايفة الظروف!
ابتسمت لها سابين مجاملة، وردت بنبرة ودودة:
-مش مشكل، it s okay، I understand ( لا توجد مشكلة، أنا أتفهم الأمر ).

وبالفعل انصرفت العائلة تاركة سابين بمفردها مع إيناس ليقضوا نهارهما في المنزل بمفردهما حيث تنتظرهما مفاجأة غير متوقعة، وخطر محدق غير مسبوق...

أعلى سطح بناية ما تحت اﻹنشاء،
تفقد أحد الرجال الملثمين البناية الموجود بها منزل مسعد من خلال نظارته المكبرة ذات الإمكانيات الحديثة وهو يقف بحذر أعلى ذلك السطح المرتفع لتلك البناية الموضوعة قيد الإنشاء، وتمتم بكلمات خافتة ومبهمة إلى الواقف بجواره فأومىء اﻷخير برأسه متفهماً ثم تحرك متراجعاً للخلف..
انتصب الرجل اﻷول في وقفته واكتست ملامحه بقسوة قاتلة..
فخطأ واحد فقط سيكلف سابين حياتها..

أمسك الرجل بهاتف غريب، وضغط على رقم ما قائلاً بجمود:
-كل شيء يسير وفق الخطة، والمنزل أصبح تحت أعيننا!
صمت للحظة قبل أن يتابع بنبرة مخيفة تشبه فحيح اﻷفعى:
-سننفذ بعد لحظات! فالجميع قد رحل! وهي بمفردها هناك!
ثم أنهى المكالمة، وانحنى ليضع ذلك الهاتف في جيب بنطاله السفلي، واعتدل في وقفته ليتحرك بعدها في اتجاه باب ما مصنوع من ألواح الخشب هو يتحدث في اللاسلكي حديث التقنية بكلمات مقتضبة...

في نفس التوقيت،
في منزل مسعد غراب،
أعدت سابين وإيناس إفطاراً شهيا لكلتاهما بعد أن فرغ المنزل من ساكينه، وبالطبع لم تسلم الاثنتين من الاتصالات الهاتفية المتعاقبة للإطمئنان على أحوالهما رغم عدم مضي الكثير من الوقت على رحيلهم..
شعرت اﻷخيرة باﻹرتياح لتنعمها بالسكينة والهدوء بعد عدة أيام من الضوضاء وتوتر اﻷعصاب باﻹضافة للإرهاق النفسي والذهني الناتج عن مصادماتها مع باسل..

وضعت هي في فمها لقيمة من الخبز وهي تهتف بسعادة:
-أخيرا ارتحنا..
تعجبت سابين مما قالته، وسألتها وعلامات اﻹندهاش واضحة عليها:
-انتي مش حبي أختك؟
ردت عليها قائلة بإمتعاض قليل ظاهر في نبرتها:
-لأ بأحبها، بس اللي حصل اليومين اللي فاتوا كان أوفر بجد!
كذلك حاولت إيناس ألا تفكر فيما فعله باسل معها، ولكن ذكريات تصرفاته الفظة أبت ألا تترك عقلها دون أن تكدر صفوه وسكونه السلمي..
فبدى وجهها شبه عابساً..

لم ترد سابين أن تتدخل في شأنها الخاص احتراما لخصوصيتها، وعمدت إلى تغيير الموضوع، وتساءلت بمرح:
-اوكي، what will we do؟ ( ماذا سنفعل )
مطت إيناس فمها، وهزت كتفيها في عدم إكتراث، ثم أجابتها بفتور:
-مش عارفة، دماغي مش جيباني لحاجة
نظرت لها سابين بعدم فهم، فأوضحت اﻷخيرة مقصدها:
-اقصد يعني أنا مش عارفة
حركت سابين رأسها بإيماءة خفيف وهي تقول:.

-اوكي، احنا ممكن نعمل ( تسوق ) shopping، أو ننزل ناخد tour around ( جولة حول المكان )
عضت إيناس على شفتها السفلى للحظة لتفكر فيما قالته، ثم ردت عليها:
-بصي موضوع الشوبينج ده هايبقى صعب شوية عشان مافيش فلوس money enough ( أموال كافية ) معايا!
هزت رأسها متفهمة، بينما تابعت إيناس قائلة:
-لكن ممكن ننزل نتمشى شوية حوالين البيت كده وأوريكي المكان ونقعد في كافيه نشرب حاجة وناكل مثلا فروت سلاط أو آيس كريم.

تحمست سابين للفكرة كثيراً، وهتفت مشجعة وهي تهز حاجبيها للأعلى:
-واو، nice ( رائع )
ابتسمت لها إيناس قائلة بتأييد:
-تمام، هنغسل اﻷطباق ونلبس على طول!
أضافت سابين قائلة وبسمة لطيفة ظاهرة على محياها:
-اوكي، deal ( متفقين )!
جمعت إيناس الصحون الفارغة والمتسخة فوق بعضها البعض، بينما رصت سابين بقايا الطعام في إناء صغير لتضعه في المطبخ، وهتفت قائلة بإصرار:
-أنا will take them ( سوف أخذهم ).

ثم حملت هي جميع الصحون إلى المطبخ...
اتجهت إيناس إلى الشرفة لتنفض شرشرف ( مفرش ) الطاولة البلاستيكي مما علق به من فتات صغير من بقية قطع الخبز المقطعة، وحدقت أولاً في الشرفات السفلى لتتأكد من خلوها من أي ثياب موضوعة أو مفروشات، ثم دققت النظر باﻷسفل لتتأكد كذلك من عدم مرور أي شخص، ولكن لفت أنظارها تلك الحركات المريبة لبعض اﻷشخاص ذوي الملابس الداكنة الذين يقفون عند مدخل البناية المقابلة قيد اﻹنشاء..

أمعنت النظر نحوهم بدقة، وراقبتهم بحرص وهي تتوخى الحذر كي لا يروها..
تعجبت من ملامح وجوههم الغير مريحة بالمرة، فقد بدوا كمن خرج من فيلم أجنبي خاص بعصابات المافيا الشهيرة..

كانت على وشك الضحك والاستهزاء بهم، ولكن تجمدت تعابير وجهها، وقفز قلبها في صدرها فجأة حينما لمحت ما يشبه السلاح الناري في يد أحدهم وهو يدسه خلف ظهره، هي لم تكن لتشك به، وكانت لتظنه مسئولاً ذو مستوى رفيع من الحي، أو مهندساً ما قد جاء لتفقد مشروع البناية العالق لولا ذلك السلاح، وأوجههم الغريبة...
ابتلعت ريقها بخوف، وتوارت عن اﻷنظار، وتراجعت مبتعدة عن الشرفة..
فمجيئهم إلى هنا ربما ينذر بخطر شديد...

ركضت إيناس في اتجاه المطبخ لتبلغ سابين بتوجساتها المزعومة، وهي تهتف بهلع:
-سابين، سابين! تعالي بسرعة
تساءلت اﻷخيرة بإستغراب:
-ايه ( what )؟!
أجابتها إيناس بفزع وهي تضع يدها على ذراعها:
-في حاجة غلط ب، آآ، بتحصل مش، مش مريحاني!
رفعت سابين حاجبها للأعلى، وتساءلت بنزق بلكنتها الغريبة:
-ايه هو؟
ردت عليها بإرتباك وهي تسحبها جبراً من ذراعها:
-تعالي شوفي بنفسك!
هزت رأسها قائلة بهدوء:
-اوكي
ألحت إيناس هاتفة:.

-يالا بس بسرعة!
ردت عليها اﻷخيرة بهدوء:
-اوكي إيناس، wait، I am coming with you ( انتظري، سوف أتي معك )!
وبالفعل تحركت الاثنتين في اتجاه الشرفة بخطوات سريعة..
كانت دقات قلب إيناس تتسارع من فرط الخوف الممزوج بالتوتر، بينما حاولت سابين الحفاظ على هدوئها الانفعالي أمامها، فلا داعي للقلق أو الخوف دون وجود سبب مقنع...
ولكن تلاشى كل شيء حينما لمحت طيف أحدهم...

تشكل على قسمات وجهها علامات الفزع، وشخصت أنظارها بخوف بائن للعيان..
ارتفعت نسبة اﻷدرينالين في جسدها بشدة، وتلاحقت أنفاسها بصورة شبه لاهثة، وتسابقت دقات قلبها وكأنها تعدو في سبق خطير..
لقد خمنت هويتهم، هم يشبهون أولئك الذين حاولوا اغتيالها من قبل...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة