قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الأربعون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الأربعون

رواية دواعي أمنية للكاتبة منال سالم الفصل الأربعون

ترجلت إيناس من سيارة أخيها بعد أن أوقفها على مقربة من الطريق المؤدي إلى بوابة كليتها..
لوحت له بيدها شاكرة إياه على إيصالها، وتحركت في اتجاهها..
ولجت للداخل وهي تفكر فيمن تستعين به لتلبية مطلب مسعد، ولكنها تسمرت في مكانها فجأة حينما رأت وائل أمامها..
تجهمت قسمات وجهها، وضيقت نظراتها لترمقه بحدة وهي تقول بجمود:
-خير يا وائل؟ في حاجة؟
-مين ده يا إيناس؟!

سألها وائل بعصبية قليلة وهو ينظر لها بإحتقان واضح
استشاطت غضباً من تدخله في أمورها الخاصة، وتلون وجهها بحمرة مغتاظة، وصاحت فيه بإنفعال:
-وانت مالك؟ دي حاجة متخصكش
أخذ وائل نفساً عميقاً وحبسه في صدره للحظة، ثم أطلقه دفعة واحدة ليستعيد هدوئه، فلا حاجة به للتعصب الآن، وإلا أفسد معها الموقف، ورد عليها بعتاب خفي:
-يا إيناس انتي بتعامليني كده ليه؟ والله أنا آآ...
قاطعته قائلة بغلظة وهي ترفع كفها أمام وجهه:.

-أنا مسمحلكش! في حدود للتعامل بينا، وأظن انت عارف ده كويس!
أخفض رأسه يئساً، وتهالك كتفيه وهو يتابع بإحباط:
-حرام عليكي، بجد أنا نفسي تسمعيني وتديني فرصة أعبرلك عن آآ...
قاطعته مجدداً بصرامة وقد زاد وجهها عبوساً:
-من فضلك، أنا مش بأحب الطريقة دي!
تنهد مستسلماً لطلبها، ورد عليها بهدوء:
-ماشي، حاضر، هاعمل اللي انتي عاوزاه، بس ممكن تقوليلي مين الاستاذ اللي وصلك ده لو مافيهاش إساءة أدب؟!

نفخت بصوت مسموع، وأشاحت بوجهها للجانب دليلاً على عدم تقبلها لتدخله السافر فيما يخصها، ثم نظرت إليه بقسوة وهي تجيبه على مضض:
-شوف يا وائل عشان دماغك بس متوديش وتجيب، وعشان أحط حد لأي حاجة وحشة ممكن تفكر فيها!
-أنا آآ..
منعته من إتمام جملته قائلة ببرود:.

-من فضلك سيبني أكمل، وبالمرة ترتاح وتريح نفسك مني، ده أخويا مسعد، كان مسافر برا ولسه راجع، والطبيعي إنك هاتشوفه كتير لأنه كل ما هايكون فاضي هيرحمني من عذاب المواصلات الصبح وهيوصلني! تمام كده ولا في أسئلة تاني؟
شعر وائل بالخجل من نفسه لتهوره في إلقاء التهم عليها، ولكن ما بيده حيلة، فهو يغار عليها بشدة..
تنحنح بحرج، وأردف معتذراً:
-احم، آآ، أنا، أنا أسف!

لم ترغب هي في الإطالة معه، وتحركت مبتعدة وهي تقول:
-عن اذنك!
تحرك خلفها وهو يهتف بإسمها:
-إيناس
توقفت في مكانها مجبرة، وسألته بنفاذ صبر وهي محدقة أمامها:
-في ايه تاني؟
ابتسم قائلاً بهدوء:
-انتي عاملة ايه النهاردة
نظرت له بحنق وهي تجيبه:
-زي ما انت شايف!
اتسعت ابتسامته وهو يضيف بعشم:
-اوكي، طيب مش عاوزة أي حاجة مني؟ أنا أعرف آآ...
قاطعته قائلة بتجهم:.

-شكراً، ولو عوزت حاجة اكيد مش هاقولك، عن اذنك اتأخرت على محاضراتي
أشار لها بذراعه وهو يقول بخفوت:
-اتفضلي، أسف!
أسرعت في خطواتها، وتمتمت مع نفسها بضجر:
-يا ربي هو أنا مش هاخلص منه، انسان ثقيل وسمج!
تابعها وائل بنظراته المتمنية وهي تسير مبتعدة عنه، وحدث نفسه برجاء:
-امتى بس ترضي عني يا إيناس؟

لاحقاً في كافيتريا الكلية،
طرقت إيناس بأصابعها على كتبها الموضوعة على الطاولة، وزفرت بإنزعاج لأكثر من مرة وهي غير متقبلة لتلك الفكرة التي اقترحتها عليها رفيقتها أماني..
ألحت عليها الأخيرة قائلة:
-والله هو الوحيد اللي هايقف معاكي، ده أخوه ليه مركز في المرور، وهايجيبلك كل المعلومات اللي عاوزة تعرفيها هوا ومن غير لف ولا دوران!
احتجت إيناس قائلة بتذمر:.

-يعني دوناً عن الناس كلها، أروح لوائل، ده أنا لسه مهزأه!
ردت عليها أماني بعدم مبالاة:
-يا بنتي والله عادي، ده هايفرح أوي
زفرت بضيق وهي تتابع رفضها مبررة إحساسها نحوه:
-أنا مش بأقبله، تقيل على قلبي، واقف في زوري هنا!
ضحكت أماني على ما قالته، ثم أكملت بمرح محاولة إقناعها بطلب المساعدة منه:
-معلش، المرادي ابلعيه عشان مصلحة أخوكي
مطت إيناس شفتيها لتصر على إعتراضها:
-مش بأحب أكون كده
بررت لها أماني موقفها:.

-ده طلب مش حاجة يعني! وبعدين انتي ممكن تعتبريه واحد غريب، و اعرضيه عليه، لو رفض يبقى جت منه، لو واقف يبقى انتي مش أرغمتيه على حاجة!
-اوف
مالت عليها برأسها، وسألتها بمكر وهي ممسكة بهاتفها المحمول:
-ها، أكلمه وأقوله إنك عاوزاه؟
أرجعت إيناس ظهرها للخلف، وكتفت ذراعيها أمام صدرها، وزمت شفتيها وهي تقول:
-بصراحة مش عاوزة، أنا كده ابقى استغلالية
رمقتها أماني بنظرات متعجبة، وهتفت مستاءة من عِنادها:.

-انتي أوفر بصراحة، ده الموضوع أبسط من كده بكتير
صمتت هي ولم تضف المزيد، فاحست أماني بقرب موافقتها، فألحت قائلة بنعومة:
-ها، اطلبه يا نوسة؟ صدقيني دي حاجة بسيطة وعادية خالص، ها ايه رأيك؟
أخذت إيناس شهيقاً عميقاً، ولفظته من صدرها ببطء وهي ترد مستسلمة:
-اوكي!
جلست أماني باسترخاء على مقعدها بعد موافقة رفيقتها وهي تقول:
-ماشي يا قمر.

وبالفعل هاتفت أماني زميلهم وائل، وطلبت منه الحضور إليهما في كافيتريا الكلية لأمر هام، وبالطبع لم يتأخر هو عنهما، فالمسألة بها إيناس، وهو مستعد لفعل أي شيء ليحظى بلحظة رضا منها..

أمسك وائل بالورقة المدون عليها أرقام السيارة وحروفها بإصبعيه، ثم طواها ووضعها في جيبه، وسلط أنظاره على إيناس، وأردف قائلاً بثقة:
-اعتبريه تم يا إيناس، انتي بس تؤمري
ردت عليه إيناس بحرج وهي تضغط على شفتيها:
-أنا مش عاوزة أتقل عليك، بس آآ..
قاطعها قائلاً بنبرة مغترة:
-تتقلي إيه بس، دي حاجة بأعملها بتكة!
ابتسمت مجاملة وهي ترد:
-ميرسي ليك!
أضاف وائل قائلاً بحماس جلي في نبرته وتصرفاته:.

-شوفي لو حابة ايه تاني أعمله، أنا موجود! إنتي بس اطلبي وأنا أنفذ
نهضت عن مقعدها، وردت عليه بهدوء:
-كتر خيرك!
ثم التفتت برأسها نحو رفيقتها، وهتفت بإنزعاج:
-مش يالا بينا يا أماني!
اعترض طريقها بجسده، وتشدق قائلاً بنزق:
-طب قوليلي بس لو جبت اللي انتي عاوزاه أكلمك على الموبايل، فممكن رقمك ولا آآ...
قاطعته بجمود وهي عابسة الوجه:
-مافيش داعي، أنا مش مستعجلة، خد راحتك، وأدينا بنشوف بعض هنا!
رد عليها بنبرة هادئة:.

-تمام، اللي يريحك!
صاحت إيناس بتذمر:
-يالا يا أماني، عندنا سكشن، إنتي ناسية ولا ايه؟
هبت رفيقتها واقفة، وتفهمت رغبتها في عدم البقاء مطولاً، وهمست بحرج:
-أها، اوكي!
لم يهتم وائل سوى بوجود إيناس معه، وهتف بفرح:
-أنا مش عارف أقولك إيه، بس بجد أنا طاير من السعادة إنك لجأتي ليا وآآ...
قاطعته بجمود:
-ميرسي لذوقك!
أضاف قائلاً بنبرة متشجعة وهو ينظر لها بتفاؤل:
-إن شاء الله ماتكونش اخر مرة!

ردت عليه بإيجاز وهي تعلق حقيبتها على طرف كتفها، وتحمل كتبها بذراعها:
-ربنا ييسر!
ابتسم مودعاً إياها:
-باي باي يا إيناس
ردت عليه بإختصار:
-مع السلامة
وما إن ابتعدت الاثنتان عنه حتى عاتبتها أماني قائلة:
-ده انتي تقيلة بشكل رهيب
وبختها إيناس على أسلوبها قائلة بضجر:
-بطلي انتي التانية، أهوو أنا مكونتش حابة أطلب منه حاجة عشان كده!
دافعت عنه أماني مبتسمة:
-والله ده طيب وغلبان!

صاحت بها إيناس بنفاذ صبر وقد تصلبت تعابير وجهها:
-أماني!
استشعرت رفيقتها عصبيتها البادية عليها، فتوقفت عما تقول وهي تردد بحذر:
-خلاص مش هاتكلم تاني
-يكون أحسن برضوه!

في مطعم ما،
نزعت ناتالي خاتم الخطبة من إصبعها، وهبت واقفة في مكانها بعد أن صارحها باسل بعدم رغبته في اتمام تلك الزيجة وتعلقه بأخرى، وهتفت بصوت مختنق معنفة إياه باللغة الانجليزية:
-كان عليك أن تخبرني بهذا منذ البداية ولا تتلاعب بي!
وقف هو الأخر، واعتذر قائلاً بهدوء محاولاً امتصاص غضبها:
-لم أقصد ناتالي، كنت أظن أني نسيتها، وأن حبي لها مجرد وهماً، ولكني لم أستطع، فأنا عاشق لها!

زاد هو من الطين بلة بإصراره على الاعتراف بحبه لها، فصاحت فيه بإنفعال:
-كفى، لا داعي لقول هذا، انتهى كل شيء!
ثم وضعت الخاتم على الطاولة، ورمقته بنظرات استنكار قبل أن تستدير وتتركه بمفرده..
شعر باسل بأنه قد أزاح ثقلاً كبيراً عن صدره بإنهائه للخطبة بهذا الشكل المتحضر حتى وإن أصبحت ناتالي تكرهه، لكنه قد منع كلاهما من تدمير الأخر إن استمرا في علاقة فاشلة..

أخرج هو من جيبه تصريح الموافقة بالزواج منها، ثم مزقه إلى قطع صغيرة، وأسنده في المنفضة، والتقط خاتم الخطبة بيده، ورفعه نصب عينيه، وحدث نفسه قائلاً بسخرية:
-أرجعك من مطرح ما اشتريتك، واستنى أما تحن عليا ست البنات، وتوافق عليا ونجيب غيرك!

في اليوم التالي،
أحضر وائل ورقة مدون بها المعلومات المطلوبة عن السيارة، وانتظر في كافيتريا الكلية ليقابل إيناس..
كان متأنقاً للغاية، ومنتظراً إياها بتلهف كبير..
فقد كانت فرصته للتقارب أكثر بينهما، ولم يدخر هو وسعه في الإلحاح على أخيه لانجاز الأمر فوراً ودون تأخير، ولما لا وهو في مركز مرموق بالهيئة العامة للمرور، وبالطبع ما طلبه منه لم يكن إلا مسألة سهلة..

وقعت عيناه عليها وهي تلج للمكان، فنهض من مكانه، وأزاح مقعده للخلف وتحرك نحوها وعلى ثغره ابتسامة عريضة للغاية..
تحاملت إيناس على نفسها لتظهر شبح ابتسامة باهتة على ثغرها.
هتف بحماس ونظراته مسلطة عليها:
-أخبارك ايه يا إيناس؟
ردت عليه بإختصار:
-الحمدلله
أضاف وائل قائلاً وهو يمد يده بورقة مطوية:
-أنا جبت المطلوب
تملكها الحماس فجأة، وارتفع حاجبيها للأعلى وهي ترد عليه:
-بجد!

ابتسم بتفاخر وهو ينظر مسبلاً عينيه نحوها:
-طبعاً، هو أنا أقدر أتأخر عنك!
مدت يدها لتتناول الورقة منه، وهتفت ممتنة:
-شكراً
أعطاها لها قائلاً بإبتسامة سخيفة:
-اتفضلي
أضافت هي مجاملة إياه وهي تنظر إلى محتوى الورقة:
-معلش تعبتك!
رد عليها بنبرة رومانسية:
-يا ريت لو كل التعب يبقى منك وعشانك!
نظرت له قائلة بإستنكار:
-افندم!
لم يرد إفساد اللحظة، فاكتفى بالابتسامة وهو يرد عليها:
-لا ولا حاجة!
-اوكي.

قرأت إيناس ما بداخل الورقة، واعتلى حاجبيها للأعلى في صدمة كبيرة، وزاد اتساع مقلتيها وهي تردد غير مصدقة ما عرفته تواً:
-مش معقول!
تعجب وائل من الحالة التي أصابت إيناس، ونظر لها بغرابة وهو يسألها بفضول:
-في حاجة غريبة في المكتوب؟
ارتبكت هي من سؤاله، وردت عليه بتلعثم:
-هاه، آآ، لأ!
أوضح مقصده قائلاً:
-بس شكلك كده اتغير وآآ...
قاطعته قائلة بابتسامة مصطنعة:
-لأ عادي، أصلها واحدة صاحبتي، وكانت مهاجرة ورجعت!

أومأ برأسه وهو يقول:
-طب تمام، حمدلله على سلامتها!
ردت عليه بشحوب ظاهر على وجهها:
-الله يسلمك، عن اذنك!
استغرب من ردة فعلها، وتساءل مندهشاً:
-بسرعة كده؟ طب اقعدي اشربي حاجة؟!
ردت عليه بإختصار:
-بعدين بعدين، عن اذنك
انصرفت سريعاً وهي تحاول استيعاب تلك المفاجأة الصادمة التي عرفتها تواً..
تابعها وائل متطلعاً إليها بنظرات شغوفة وهو يقول بتمني:
-نفسي أخد فرصتي معاكي بجد!

هب مسعد من فراشه مذهولاً وغير مصدق ما قالته إيناس عبر الهاتف بشأن المعلومات التي استطاعت الحصول عليها والتي تخص سابين، وهتف مدهوشاً وهو ينزع التيشرت الخاص به:
-أنا جايلك حالاً متتحركيش من عندك!
ردت عليه بصوت شبه منزعج:
-أنا مستنياك
اتجه ناحية خزانة ملابسه، ونزع عنه باقي ثيابه المنزلية، وهتف بتلهف:
-مسافة السكة، سلام!
ثم التقط بيده بنطالاً وقميصاً، وارتداهما على عجالة ليتجه بعدها إلى أخته...

راقبت إيناس الطريق بنظرات شمولية، وزفرت لأكثر من مرة بضيق واضح..
لم يتوقف عقلها للحظة عن التفكير في سابين وما فعلته، بدا الأمر غريباً أكثر منه صادماً..
انتبهت هي إلى صوت أبواق متتالية، فأدارت رأسها في اتجاه الصوت، فرأت أخيها وهو يلوح لها بذراعها من النافذة، فسارت نحوه..

فتحت إيناس الباب، وركبت إلى جوار أخيها الذي تحرك بها مبتعداً بعد أن رفضت ابلاغه بأي شيء وهو يقود السيارة حتى لا يفقد أعصابه أو يتهور بفعل المفاجأة..
أوقف مسعد السيارة في مكانٍ شبه مزدحم، ثم التفت إلى أخته وسألها بجدية:
-فين الورقة؟
-اتفضل
قالتها وهي تناوله إياه بحذر شديد..
اختطف الورقة منها، وفتحها ليقرأ ما بها بعجالة، ثم انفرج فمه مصدوماً مردداً بذهول وكأن صاعقة ما قد ضربت رأسه بقوة:
-مش ممكن!

ردت عليه إيناس غير مصدقة هي الأخرى:
-أنا زيك مش مستوعبة المكتوب!
أبعد الورقة عن عينيه، ووضع يده على مقدمة رأسه ليفركها في حيرة، وردد متساءلاً بتعجب كبير:
-أنا مش فاهم حاجة، طب إزاي؟
أجابته بإندهاش لا يقل عنه:
-اسألها بنفسك وانت تعرف
-ماهو ده اللي هايحصل ودلوقتي!
هتف بتلك العبارة بعد أن تحول وجهه للوجوم وهو يعاود تشغيل السيارة لينطلق بها نحو منزل ( سابين )...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة