قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والعشرون

أنتَ الوهج، الذي أضاء بريقهِ طريقي المُعتم، فأصاب بنورهِ صميم قلبي.

احترق كبدهِ، كلما تمكن الجنون من عقلهِ أكثر، وترسخت في مخيلتهِ فكرة فقدانهِ المحتوم لأخيه الوحيد. الفكرة التي أذابت بقايا لُبّهِ، وأفقدتهُ السيطرة كاملة على غضبهِ الأهوج. اندفع يزيد للداخل متفرسًا بدقة حالتها، التي لم تستقر بعد، فما زالت متأثرة بالثقل الجاثم بقوتهِ على حواسها أجمع. وهدر بنبرة رصينة: - لازم تفوق طبعًا، مش بقت حته من أخويا جواها عشان تعيش!

ارتجفت نغم بعد إطلاق شهقة خافتة سرعان ما كتمتها، غير مصدقة إنهُ يصول بهذا الشكل المتجبر على تلك البريئة الضعيفة. واندفعت نحوه كي تُخرجه من هنا قبيل أن تدرك ملك بكامل وعيها ما يحدث من حولها، وأردفت بصوتٍ قلق: - يزيد من فضلك، تعالى معايا.
لم يتحرك قيد أنمله من موقعه، وتابع بدون أن يرفّ جفنهِ أو يهتز: - مسيرها هتعرف، ولا فكراني هخبي إن أخويا بين الحيا والموت بسببها هي.

فتدخل رئيس الأطباء بدوره، وهو يشير إليه بحزمٍ قاطع كي يغادر: - من فضلك تخرج من هنا.
لم تنتظر نغم لحظة واحدة، واستجمعت كامل قوتها وهي تدفع به للخارج، وبعنفٍ لم يكن من سماتها يومًا. حينئذٍ لم تكن ملك قد استعادت كامل إدراكها بعد، بقيت في منتصف غيبوبتها، لا تتذكر سوى إسمه الذي ما زالت تكررهُ مرارًا، وعيناها مغلفة بجفونها المُطبقة بإستسلام لهذه الحالة.

أوصدت نغم الباب من خلفها، وزجرتهُ بنظراتٍ حانقة، تتقافز من بينها شرارات الغضب المُلتهب، ثم صاحت فيهِ بغير هوادة: - أنت بتعمل إيه يايزيد! خلاص هو ده اللي هيرجع يونس يعني؟
قابل نظراتها المستنكرة بنظراتٍ تمكن منها الغيظ المحتقن، وحذرها مُنذرًا: - أنتي مش ملكيش تدخلي في أي حاجه، لو هي صحبتك فاللي هناك ده أخويا.!

فلم تتوانى عن ضرب الحقائق في وجهه، علهُ يستحي قليلًا من البحث عن المُدان في تلك القصة: - ليا، لو هندور مين السبب في اللي حصل يبقى أخوك هو السبب، روح شوف مين عدوكم اللي خد ملك في سكته بسببكم.
وملأت تعابير الإستهجان وجهها، وهي تتابع: - مش جاي تطلع عصبيتك على المظلومة الوحيدة بينكم!
ثم حذرتهُ أخيرًا وهي تختم حديثها معه: - أبعد عن ملك يا يزيد، مش هخاطر بحياة أختي عشان أنت تتبسط وتفرغ عن عصبيتك عليها.

أولتهُ ظهرها وعادت تدخل إليها، أغلقت الباب من خلفها كأنها تمنعه من دخول الغرفة، في حين بقى هو مُجمدًا عاجزًا في مكانهِ، تُسيطر مخاوفهِ عليه بشكل مفرط لم يعيش مثيلهِ من قبل.

فتح الباب بشكلٍ حسيس، حتى لا تنتبه لتواجدهِ الآن، نظر من حوله علها تكون هنا أو هناك، لكنه لم يجد لها أثرًا. أغلق عيسى الباب، مدققًا مسامعهِ جيدًا، حتى اخترق صوتهما آذانهِ، فتتبع مصدر الصوت حتى قادهُ الطريق نحو المطبخ. وقف يراقب خلسةً، كانت سهر تُعد وجبة غداء شهية من أجلها ومن أجل الصغير مازن، وأثناء ذلك تبادلا أطراف الحديث. استشعر عيسى افتقادهِ الشديد لتلك المشاعر التي تراودهُ من جديد، بيت أسري دافئ يُظلل عليه بجناحيهِ، إبنه الوحيد في انتظاره مع كل ليلٍ، وزوجتهِ تستقبلهُ مبتهجة بعودتهِ الحميدة. أسبل جفونهِ مستعيدًا بعض المشاهد القديمة، والتي عاش على أطلالها طوال السنوات السالفة، تنهد مختنقًا؛ ف بالرغم من إنه يراهم إلا أن شعورهِ بتمدد المسافات بينهم طاغيًا على حواسهِ كافة، وهذا ما يكبلّ ذراعيهِ ويطغى عليه بمشاعر العجز القاهرة. انتبهت سهر لتواجدهِ، ف أثارت انتباه الصغير الذي سأل عنه طيلة الأيام الماضية قائلة: - بابي جه يامازن.

التفت الصغير فورًا، ولم يستغرق ثوانٍ معدودة في التفكير، حيث ركض نحو عيسى مهللًا: - بابي. أنت جيت أخيرًا؟
انحنى عيسى بجذعهِ نحو الصغير، ثم حملهُ بين أحضانهِ وقد اتسعت ابتسامتهِ العريضة: - وحشتني أوي يا مازن.
قبّلهُ الصغير وهو يردد: - وانت كمان وحشتني جدًا.
دنت سهر منهما، وقالت بهدوءٍ غالب كلمات الإعتراض بداخلها: - حمدالله على سلامتك ياعيسى، يلا غير هدومك عشان تتغدا.

نظر عيسى لساعة يده، قبل أن يردف برسمية مفرطة: - مش عاوز، هغير وأرجع للمستشفى.
ثم أطلق سراح طفله بعد أن طبع قُبلة حانية على منتصف جبهته: - معلش ياحبيبي، هانت.
ثم انتصب في وقفته متابعًا، وهو يسدد نظراتهِ المقصودة إلى زوجته: - أفوق من الشغل اللي ورايا وهفضالك، عشان تقضي معايا الوقت كله.
داعب شعره قبل أن يلتفت منصرفًا، ف انحنت سهر نحو طفلها، وربتت على كتفهِ قائلة: - يلا روح أفتح ال t. v وأنا جاية.

هزّ الصغير رأسهِ موافقًا، وركض نحو غرفة المعيشة. حينما كانت هي تدخل غرفتهم، كي تواجهه بغيابهِ المعتاد لأيام متتالية. كان قد شرع في إعداد ملابس أخرى، كي يتمتع بجولة استحمامية دافئة، يُزيل بها غبار المشفى وأرق السهر المفرط بالأيام السابقة، وإذ بزوجتهِ تدخل مندفعة، وتهتف بنبرة يكسوها الإعتراض: - واضح فعلًا إنك كنت هتخلي بالك منه، لو مكنتش أنا جيت يومها كنت هتعمل إيه؟ تقفل على الولد وتنساه في البيت أسبوع بحاله!

زفر قبل أن يجيب، بصوتٍ تغلب عليه الهدوء الزائف: - أنا سايب مازن معاكي قبل ما امشي، عشان كده اطمنت. لو مكنتيش موجودة كان زماني معاه.
ثم التفت إليها مستطردًا: - وأظن كل حاجه كانت بتيجي لحد عندك، البواب مسابش حاجه إلا وجابهالك.
سحب المنشفة الكبيرة وهمّ ليدخل إلى دورة المياة، لكنها استوقفته بوقوفها قبالتهِ: - أكلم معايا زي ما بكلمك، رايح فين وسايبني!

زجرها بنظرة تشعّ بالعديد من الإتهامات الصريحة، والتي تضمنت حرمانهِ من طفله ثلاثة أعوام كاملة، ثم هتف بصوتٍ ارتفع عن معدلهِ الطبيعي: - نكلم نقول إيه! لو فاكرة إني هسيب إبني ليكي تاني يبقى بتحلمي، مازن هيفضل معايا هنا، وأنا أقدر أراعيه وأحميه حتى لو من غيرك.
ثم أشار نحو الباب متابعًا: - الباب هناك لو عايزة تمشي، بس هتمشي لوحدك.

اتسعت عيناها بذهول من جرأتهِ، التي أوحى فيها بمعنى ضمني مغزاه طردها، لكنه لم يعزف عن رأيه أو يتراجع عنه مسترسلًا في حديثهِ المهدد: - إنما تاخدي الولد وتهربي بيه تاني، ده أبعد ما يكون عن أحلامك يا سهر.
ظن إنها ستغيب بصمتها بين نظراتها المشدوهه إليه، ف التفت مستعدًا لدخول دورة المياة، لكنها فاجئتهُ برغبتها التي تنشد بها تعجيزهِ: - أنا مش عايزة آخد مازن ونمشي، أنا عايزة نعيش مع بعض تاني زي زمان.

ران إليها بطرفهِ، معتقدًا وجود ثغرة تعقيديه في حديثها، إلى أن فاجئتهُ بالنصف الآخر المُكمل لحوارها: - عايزاك تسيب شغلك مع يونس، وترجع تعيش حياة طبيعية مع عيلتك ياعيسى.

حلّت معالم الذهول على تقاسيم وجهه، وحدجها مصدومًا من رغبتها المستحيلة بالنسبة إليه، ولم يستغرق في التفكير هنيهه، حتى ضرب بجوابهِ وجهها: - مش هيحصل أبدًا ياسهر، مش هسيب الباشا لو فيها موتي. سيبيني بقى عشان لازم أرجعله، المفروض يلاقيني قدامه أول ما يفوق.
- مدام ملك، سمعاني؟

كان صوت الطبيب يبدو مألوفًا على مسامعها المتيقظة، التي تعي كل شئ من حولها، رغم خضوعها لسلطان المخدر الذي ما زال ثقيلًا على مداركها. لم تصدر أدنى رد فعل، بعدما حاول استثارة حواسها، لكنه مطمئن كونها أصدرت صوتًا منذ قليل وحاولت النطق، هذا مثّل له نقطة إيجابية في صالح حالتها.

انتصب رئيس الأطباء في وقفته، ونظر حيال نغم الوقفة جواره، تفرك يديها بتوترٍ جلي، وقال متبعًا أسلوب أكثر جدية: - رافضة خالص تفوق، بس ده مش مقلق، طالما حاولت تتكلم ده في حد ذاته كويس.
فسألته بتوجسٍ، والتخوف يغمر وجهها الباهت: - طب ويونس، حالته إيه؟

مط شفتيهِ عاجزًا عن الرد، فالمؤشرات كلها لم تنبئ بحدثٍ مُبشر حتى الآن، وهذا سبب تزعزع في ثقة فريق الأطباء بالكامل، عاجزين عن إيجاد الثغرة، التي ستتسبب في إيقاظ يونس من نومتهِ الطويلة جدًا. أطرق رئيس الأطباء بصرهِ بتحير، وأجاب: - لسه مفيش أي رد فعل، بس ما زالنا بنحاول.
ثم نظر صوب ملك متابعًا: - لو فاقت حاولي تتكلمي معاها بهدوء وبدون ما تجهديها.
أومأت رأسها تؤكد إنها ستفعل ذلك: - حاضر متقلقش.

تحرك نحو الباب لينصرف، بينما بقيت نغم تكافح معها، كي تساعدها على الإستيقاظ. ظلت واقفة على رأسها، تحثها على استكمال مقاومتها وصراعها، حتى تكون عضد ل يونس، الذي بقت حياتهِ على المحاف فداءًا لها.

أغلقت كاريمان المصحف الكريم، والمدون بلغتها التركية، ثم رفعت أنظارها الواهيه نحوه، نظرة غلفها الإستعطاف، لئن يترك رقدتهِ تلك ويفيق منها، وينظر إليها مرة أخرى بعيناه الوديعة ونظراتهِ الحانية. استندت على المقعد أولًا حتى نهضت، ثم دنت منه، وضعت كفها على وجهه الذابل تمسحه بلطفٍ بالغ، وغمغمت بصوتٍ مكلوم: - سلامتك ياحبيبي ألف سلامة، ربنا يرجعك ليا بالسلامة يارب.

تنهدت بضيق، وانتقلت أنظارها نحو يزيد. كان يقف بجوار الباب، عيناه المحتقنة بالغضب تنظران لأخيهِ في استجداء، كأنه يرجوهُ بصمتٍ مريب. اقتربت منه، وربتت بحنو بالغ على صدرهِ، وهي تزرع بداخلهِ أملًا من عودته المحتومة: - هيفوق يا يزيد، متخافش ياحبيبي.
أطرق يزيد رأسهِ حانقًا من أخيه، وبرر ذلك بقولهِ: - مش لو كنت أنا اللي اتبرعت كان زمانه معانا دلوقتي! شوفتي العناد وصلنا لأيه يانينه!

تنهدت كاريمان بغير رضا، وهي تدافع عن يونس: - مش عناد يايزيد، هو كمان فكر فيك وفكر في ملك في نفس الوقت. مش عايزاك تزعل منه.
- مش زعلان منه يانينة، أنا زعلان عشان خالت عليا اللعبة وصدقت إننا مش مطابقين والحقيقة إنه بيخدعني.!

قالها حانقًا على تصرف أخيه، وما زالت مشاعر الخوف تعصف بكيانهِ كله، يخشى مرارة الفقد للمرة الثالثة. لم تكفيهِ عبارات جدتهِ المثابرة، والتي حاولت بها تخدير تلك المخاوف الطاغية عليه؛ لكنها لم تفلح بذلك، وظلت حالتهِ المثيرة للشفقة على هذا المنوال، يتضاعف الغيظ بقلبهِ، ولن يطفئهُ سوى استيقاظ يونس.

تنفست بصعوبة، وهي تعاني الأمرّين، مُر آلامها المتفاقمة والتي لم تخمد لحظة منذ استعادتها وعيها، ومُر الخوف الذي نهش بقوتهِ رأسها. اجتهدت نغم كي تسيطر على حالة رفيقتها الهائجة، التي أفاقت ونشدت رؤية يونس والإطمئنان عليه، بعدما تملكها هوس خشيتها أن يكون قد أصيب بمكروه، من أولئك الأغراب الذين اعتدوا عليها. ضغطت نغم برفق على كتفيها، وأردفت بصوتٍ مرتبك: - أهدي ياملك، أنتي جرحك لسه مفتوح!

ضغطت ملك بكفها على مواضع ألمها الجانبية، وتحملت مشقة الوجع القاسية، وهي تردد بصوتٍ مذعور: - أنا عايزة يونس دلوقتي، جراله إيه متخبيش عني!
هزت نغم رأسها بالسلب، نافية صحة تلك الخيالات التي كست عقلها: - صدقيني كويس، محصلش أي حاجه.
لم تصدق ذلك، مؤمنة بإنه لن يتركها بمفردها هكذا، وهي واقعة بين شعرتين الحياة والموت: - لأ، لو كان هنا كان زمانه ماسك إيدي دلوقتي.

تشنجت أطرافها والدموع تفيض من طرفيها، متأثرة بالعذاب النفسي الشديد الذي سرعان ما تكون ببواطنها، قائلة بنبرة تغلبت عليها أنّات الألم: - سيبيني يانغم، لازم أشوف هو فين.
وصرخت بإسمهِ صرخة خرجت من نياط قلبها: - يا يونس!
تماسكت نغم لئلا تنفرط دموعها أمامها، حينما هرعت إليها الممرضة في تلك اللحظة أثر صوتها الصادح: - في إيه ياآنسه!

ف استغاثت بها نغم لمعاونتها في تهدئة ملك وإخماد حالتها المتهيجة: - ساعديني أرجوكي.
تعاونتا الممرضتين في تكبيل حركتها بحرفية، دون المساس بجروحها العميقة، بينما كانت هي تصرخ وتصيح بلا هوادة، رافضة الخضوع للهدوء، في ظل الخوف الذي ترعرع بداخلها خشية إصابتهِ بمكروه.
هرعت نغم تخرج من الغرفة، قاصدة غرفة يونس، علّه استعاد وعيهِ من جديد، ف يُعزز ذلك من ضمان تهدئتها.

أطرقت على الباب ودلفت فجأة، فوجدت يزيد في مواجهتها، ويسألها ببعض الفتور المنفعل: - خير يانغم، سايبة صحبتك وجايه ليه؟
إشرأبت برأسها تنظر حيال يونس، الرابض في فراشه تسيطر عليه غيبوبة طويلة، وفؤكت أصابعها بتوترٍ وهي تردف: - ملك فاقت، بتسأل عن يونس وهتجنن لو مشافتوش. فاكرة إن جراله حاجه!
لاح طيف ابتسامة هازئة على ثغرهِ، وقال مستخفًا: - هو في حاجه المفروض تحصل أكتر من كده! مش شايفة يا نغم ولا إيه؟

وارتفع صوتهِ فجأة متابعًا: - بصي بعينك كويس، أخويا هنا بيعاند الموت عشان خاطر ملك.
رمقتهُ بنظراتٍ حانقة، ورغبت بشدة لو إنها تضرب على رأسه المتعند - والمتعصب بشدة لأخيهِ -. لكنها تماسكت بصعوبة شديدة وهي تقول بنبرةٍ مستنكرة: - لو يونس معانا دلوقتي، مكنش عجبه أبدًا اللي بتعمله.
هدأت نبرة يزيد نسبيًا، آملًا وبشدة أن يكون بينهم من جديد: - يقوم هو بس، واللي بعد كده كله مقدور عليه.

صوتهم وتبادل الحديث المحتدم بينهما، كان أشبه بأصوات كثيرة متداخلة، يُصعب على سامعها انتقاء الكلمات لسماعها، لكن أسم ملك حفزّ حواسهِ، وكأن عقلهِ الباطن يدركها ويعرفها جيدًا. كان مستثيرًا قويًا وفعّالًا، جعل جفونهِ تترك سكونها الثقيل، وفرّت منها ارتجافة مرتعشة، وهو يحس بنبضات في رأسه، گضربات كهربية خفيفة تضرب مؤخرة رأسه. تحركت أصابعهِ فجأة، وتهدجت أنفاسهِ المتباطئة، التي تتبادل أدوارها في صدرهِ لتدعم قلبهِ الذي كاد يتوقف لأكثر من مرة. ها هو يفعلها من جديد، ويفتح عيناه ببطءٍ حسيس، مستمعًا لذلك الحوار الشديد في لهجتهِ بين كلاهما.

أنهت الممرضة ضخ المادة المهدئة سريعة المفعول في محلولها، تحت إشراف الطبيب الذي يتابع بنفسهِ حالتها، ولكنها ما زالت تحت تأثير اندفاعها العنيف لرؤيته مهما كلفها ذلك، حتى إنها فتقت جرحها وتسببت في نزيف خيوط الدماء منه بدون شعور. تنفست ملك بصعوبة، بعدما أحست بإندمال أطرافها، والهدوء الإجباري يجثو على جسدها بالكامل، ومازال إسمهِ يتردد على لسانها، كأنها لم تحفظ سواه طيلة حياتها: - يا يونس!

وأطلقت تآوه متألمة، وهي تتابع بصوتٍ خالجه النشيج: - أنت سيبتني وروحت فين؟
كان صوتهِ گالمخدر الموضعي على كافة جروحها الملتهبة، يُسكن بنبرتهِ جوارحها المكلومة بمجرد سماعها له: - أنا هنا يا حبيبتي.
انقلب كل شئ، وأضحى بكائها وأنينها هدوءًا شديدًا، يتفقد نبرتهِ المُسكنّة ليخمد: - أنا جمبك..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة