قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السابع والعشرون

وما الحياة إلا لحظات قصيرة للغاية، كُل الأمل أن تكون معكِ ولكِ.

تسللت لآذانهِ گصوت ذبذبات خافتة، أستشعرتها مراكزهِ الحسّية بسهولة، بعدما بدأ المخ يستقبل المثيرات التي وجهتهُ، كي ينزلق من حافة غيبوبتهِ إلى أرض الواقع. فتح يونس عيناه ببطءٍ حسيس، وهو يستمع لحديث نغم، بدأت أنفاسهِ تضطرب وهو يتطلع على أخبار ملك - على لسانها العفوي-، والتي تدهورت حالتها فور استعادة وعيها كاملًا، باحثة عنه بكامل قوتها. تجاهل يونس كل آلامهِ، وضغط على جروحهِ الغائرة بقوة، وهو يحاول نزع المصل المُغذي لأوردتهِ. داهمهُ ألم شديد، وبدأت رؤيتهِ تتشوش شيئًا فشيئًا، حتى أحس به يزيد وبدأ ينتبه له. قفز من مكانهِ فجأة، ركض وصولًا لشقيقهِ الغالي، بعدما انتفض قلبهِ بين أضلعهِ وهو يراه هكذا. تهدجت أنفاسهِ وهو يتفحص حالته، وأردف بصوتٍ مبحوح: - حمد الله على سلامتك ياحبيبي، كلمني رد عليا، حاسس بإيه؟

لعق يونس شفتيهِ الجافتين، واستند بذراعهِ الواهيه على كتف أخيهِ، وهو يُختخت بصوتٍ ضعيف: - قومني، وديني عندها يايزيد.
ف انفعل يزيد وهو يتمسك بذراعهِ ويثبتهُ في مكانه، وأردف بحزمٍ تخلله الإنحيازية له: - تقوم فين؟ أنت مش شايف حالتك يايونس، أنا هطمن عليها وأرجع أقولك.
غشيت عينا يونس في تلك اللحظة غاضبًا، وأحس بسخونة تتسرب لأعصابهِ وهو يكافح شعور الألم: - لأ، هروح بنفسي. أوعى من سكتي يا يزيد.

حاول أن يدفعه عنه بقوتهِ الخائرة، لكنه فشل بذلك، ما زال جسدهِ متأثرًا بمفعول التخدير الذي تلقاه، لكن يزيد أصرّ على أن يُبقيهِ بمكانهِ كي لا تنتكس حالته: - أسمعني يايونس، أنا هروح أشوفها دلوقتي وأجيبلك الدكتور يطمنك بنفسه عنها.
نهج صدرهِ وهو يحدجه بنظراتٍ ممتعضة، وقال بصوتٍ بدأ يأخذ منحنى أعلى: - أنت بتقول إيه! أنا مش عاجز عشان أقعد أستناك هنا.

تقدمت منه نغم، وقدمت إليه يد المساعدة، كي ينهض تاركًا الفراش خلفهِ: - أنا هساعدك يا يونس.
ثم سددت نظراتها المستنكرة نحو يزيد الذي بادلها بأخرى أكثر امتعاضًا، وتابعت: - أنتوا الأتنين محتاجين بعض، عشان تعدوا الأزمة سوا.

رفض يونس تلقّي العون من أيًا منهم، وبدأ يعاون نفسهِ بنفسهِ لكي ينهض، متجاوزًا بتهورهِ مشاعر الألم القاسية التي تضرب بقوتها جانب ظهرهِ الأيمن، وأنزل ساقيهِ الرخوتين عن الفراش ليضع أقدامهِ على الأرضية، في أول خطوة سيخطوها بعد تخطيهِ مراحل الخطورة السابقة.
-عودة للوقت الحالي-.

مع كل خطوة يخطوها يونس نحوها، تتضاعف آلامهِ كأنه يضغط على جرحهِ ضغطًا، لكنه لم يبالي بأي شئ، وهو يرى ملامح وجهها ترتخي بعدما كان جليًا عليها شعور العذاب. دفعت بالأكسچين لصدرها بكل حرية، بعدما غصّ فؤادها بعذاب مخيلتها التي هيأت لها وقوع سوءٍ له. حطّ المهدئ على أعصابها وأطرافها كافة، فلم تتحرك من مكانها وهي تراه مُقبلًا عليها ببطء، فقط بسطت ذراعها نحوهِ، فأمسك بكفها يعانقهُ بين أصابعه، وهو يجلس جوارها على الفراش، وأعاد توكيد وجودهِ حدها: - أنا جمبك، ارتاحي انتي دلوقتي.

استقبل صدرها الهواء براحة، وهي تردف بصوتٍ واهن ونبرة راجية: - خليك هنا، متسيبنيش.
انحنى برأسه نحو يدها، ف أصابهُ دوّار عنيف تماثل وكأنما لم يُصبهِ، ثم ألصق شفاهه ببطن كفها يطبع عليهِ ختمهِ الخاص، وقال بصوتٍ عذب: - عمري ما هسيبك أبدًا، أنتي روحي ياملك.

تشبثت بأصابعهِ، كأنما تتشبث بآخر أمل لها بالحياة، گطفلة تتمسك بجذعٍ شديد الجذور، محتمية به من عواصف الدنيا المُزعزعة. أطبقت جفونها مُطمئنة بعدما بقى جوارها، واستسلمت للنوم من جديد، غير شاعرة بأي شئ مما يدور حولها، لم يتمكن وعيها الغير كامل بإدراك مدى سوء حالتهِ، وتعرضه للمخاطر بعدما ضرب بتوجيهات الطبيب عرض الحائط، وأصرّ على زيارتها بنفسهِ. غفت رغمًا عنها، بينما كان هو يواجه العديد من المشاعر في آنٍ، الألم، الدوار، تشويش رؤيته، وحتى سخونة بدنهِ التي ارتفعت أكثر من اللازم. تنفس ببطء لئلا توقظها أصوات أنفاسهِ اللاهثة، وازدرد ريقهِ هامسًا: - وعد هتقومي أحسن من الأول، حتى لو كان التمن روحي.

وضع رئيس الأطباء يدهِ على كتف يونس، كي ينتزعهُ من أوّج تفكيرهِ فيها، ومن إهماله لنفسهِ، ثم أردف بجدية حازمة محافظًا على خفوت صوتهِ: - من فضلك تقوم معايا، أنا طاوعتك وخليتك تيجي لحد هنا.
وانتقلت تعابير وجهه للتجهم وهو يتابع محذرًا: - لكن إنت كده مش هتقدر تتعافى وتكون جمبها، اللي بتعمله ده خطر عليك قبلها يا يونس.
واجتذبهُ برفق متابعًا: - قوم معايا، ملك تحت عنينا متقلقش.

أحس رئيس الأطباء بسخونة بدنهِ المنبعثة منه، ف وضع كفهِ على جبهة يونس يستشعرها، وسرعان ما أشار للممرض: - هات الكرسي عشان ننقله لأوضته فورًا، الحرارة ارتفعت تاني ولازم ننزلها.
تحرك الممرض وهو يدفع المقعد المتحرك، بينما كان يونس يقف بصعوبة شديدة على ساقيه، وعيناه عالقة بها، حتى أجلسه الطبيب على المقعد، ف ارتخت رأسه للخلف وترك عيناه تنغلق، أثناء نقلهِ لغرفتهِ من جديد.

خرج رئيس الأطباء أولًا، وقام بتوجيه الممرض مشيرًا لآخر الرواق، حينئذٍ كان يزيد يقف بالخارج منتظرًا خروجهِ، إستلقاءهِ هكذا بإستسلام شديد أرعبهُ، وأثار الربكة في نفسه، ف اندفع نحو رئيس الطبيب يسأله بإهتمام: - هو نايم خالص كده ليه! أوعى تقولي غيبوبة تاني!؟

هزّ الطبيب رأسه نافيًا، وبرر ما يحدث قائلًا: - متقلقش، هو أنهك نفسه زيادة عن اللزوم، ولما حس إنه ارتاح من مهمته ساب نفسه للتعب. دلوقتي مهمتنا الأساسية ننزل الحرارة عشان متأثرش على المخ تاني. عن أذنك.

وتحرك على الفور. ألقى يزيد نظرة على غرفة ملك، شاعرًا برغبة جامحة في الإطمئنان عليها. دفعهُ تأنيب ضميره للدخول، حينما كانت الممرضة تستعد للخروج تاركة برفقتها نغم، رمقتهُ الأخيرة بعتابٍ، قبل أن تهمّ للخروج، كي تتركه للحظات معها، ولكن قبل ذلك ذكرتّهُ بالأمانة التي انتساها لوهلةٍ، وسط زحام مخاوفهِ على أخيهِ الوحيد: - خليك فاكر إن ملك هي أمانة عمو إبراهيم ليك إنت ويونس يايزيد.

لم يرفع طرفهِ نحوها، حتى مرّت من جوارهِ وخرجت. دنى يزيد منها، مسح على وجهه بحركة عنيفة، كأنهُ يزيل تعابير الجمود عنه، ثم قال بلطفٍ لم يعاملها به قطّ من قبل: - أنا آسف، كنت مستعد أضحي عشانك وعشان أكون أد الأمانة، لكن لما جت في أخويا مقدرتش أواجه أنانيتي.

تململت ملك برأسها يسارًا، فمسح يزيد على وجهها يُزيل أثر خيط الدموع، ثم عاد منتصبًا وتابع: - اللي خلاكي تعدي كل اللي فات، هيخليكي تكملي للآخر، خليكي قوية ياملك زي ما كنتي دايمًا.

وانسحب بخطواتهِ للخلف، كي يغادر بهدوء بدون أن يترك لها أدنى إزعاج، وبعد أن أخمد إلحاح ضميرهِ لإسترضائها، بعدما كان قاسيًا متعنتًا معها. الآن باتت الأوضاع أكثر لطفًا في حدتها عن السابق، وهذا جعل قوتهِ تتجدد، كي يقوَ على مواجهة القادم بجسارة.

صباح جديد أطل عليهم، حتى الآن لم يستطع الإطمئنان نهائيًا، ودحر شعور التخويف من داخلهِ بشأن أخيه الذي بقيت حالتهِ معلقة بالمنتصف. ترك يزيد النظر عبر النافذة، ثم نظر في ساعة اليد قبل أن يلتفت لينظر إلى يونس، وأردف متسائلًا: - لسه حاسس بدوخه؟
فتح يونس عيناه لينظر إلى أخيه، ثم أجاب بخفوت: - لأ.
لم يبدو مقنعًا كفاية، لذلك واجههُ يزيد بإنكشاف أمره: - أنت بتكذب ليه يايونس؟ أنت حتى مش قادر تفتح عينك!؟

تنهد يونس وهو يتحسس جبهتهِ الدافئة، ثم قال بصوتٍ يشوبه القلق: - أطمنت على ملك؟
- أطمنت، عايزك بس تخليك في نفسك وأنا موجود معاها.
لاح طيف إبتسامة مستخفة على محياه وهو يقول: - مش كفاية، أنت مش كفاية عشان ملك تطمن يايزيد.
تقوست شفتي يزيد مؤيدًا لما قيل: - ده صحيح للأسف.
ثم استطرد متابعًا: - بس أنت كمان محتاج راحة زيها ويمكن أكتر. أوعى تنسى اللي حصلك عشان غلطة دكتور متخلف!
- مش ناسي.

وأصرّ يونس على تذكيره: - ومش ناسي كمان إني كنت السبب في اللي حصلها، لولايا مكنتش أتعرضت لكل ده، أنا حتى مقدرتش أحميها.
- يونس متشيلش نفسك زيادة عن طاقتها، اللي حصل مكنش بإيدك تمنعه، وبعدين أنت دفعت التمن ودفعتني معاك، الخوف والقلق اللي عيشته الأيام اللي فاتت حاسس إنه ضيع من عمري سنين.

مدّ يونس يدهِ صوب أخيه، ف اقترب منه يزيد وتمسك بكفهِ بقوة، فربت عليه يونس شاعرًا بقيمة علاقتهم الوطيدة، وابتسم ممتنًا لرزقهِ في أخيه: - ربنا يخليك في ضهري دايمًا.
انحنى يزيد وقبّل رأسهِ، فتخللت الراحة صدرهِ وذاب وجلهِ. استقام واقفًا، ثم أردف ب: - أنا مكان ما تكون يا يونس.
طرقات على الباب، أعقبها دخول عيسى قائلًا: - صباح الخير ياباشا.
أومأ يونس رأسه وهو يدعوه للدخول: - صباح النور، أدخل ياعيسى.

تقدم عيسى منه، حينما انشغل عقل يونس بسؤال واحد فقط: - عملت زي ما اتفقت معاك؟
- كله تمام ياباشا، متشيلش هم أبدًا. بكرة ترجعلنا بالسلامة وتباشر كل حاجه بنفسك.
قطب يزيد جبينه بعدم فهم، وتسائل في قلق: - في إيه يايونس.
ثم غمز له متابعًا سؤالهِ بصيغة أخرى: - الكلام على إيه؟
أطلق يونس سراح شهيقًا عميقًا من صدرهِ، وقال بإيجاز غير موضح: - بعدين تفهم كل حاجه.

واشتدت نبرتهِ، متوعدًا بأسوأ ردّ مقابل ما حدث: - وكل اللي حصل لملك تمنه هيكون غالي أوي أوي. المرة دي غير أي مرة عدت.

نظر يزيد إلى فنجان قهوتهِ الساخنة، والدخان الحارق يتطاير من فوهتهِ، كأنما تصف حالهِ الهائج، ف البراكين بصدرهِ لم تخمد بعد، خاصةً بعد حوارهِ الفاصل مع شقيقهِ. والذي أزمع وبشدة على الثأر لنفسهِ بطريقة أكثر قسوة وإيلامًا لتلك المعتوهه القاتلة. أطفأ يزيد سيجارتهِ في المنفضة، ورفع بصرهِ ليرى نغم تستعد للجلوس أمامه، تركت حقيبتها ثم ناولته الملف المنشود، وقالت برسمية تناسب منصبها الحالي: - ده الملف اللي طلبته مني، أنا راجعت كل الإيميلات قبل ما امشي من الشركة وبعتلك كل حاجه تخصم على الميل بتاعك.

فتح الملف وبدأ يقفز بين صفحاته، وقال إنذاك: - الشركة أحوالها إيه؟ سيف مسيطر على الوضع؟
- آه، كله تمام ميكونش عندك فكر، وأنا هبدأ أنزل من بكرة وأباشر كل حاجه بنفسي زي ما قولتلي.
أغلق الملف ووضعه أمامه، ثم أشار للنادل قبل أن يسألها: - تشربي إيه؟
حنت بصرها عنه، متحرجة من نفسها كونها تطاولت في معاملتهِ بالأيام الماضية، وقالت: - ولا حاجه، ماليش نفس.

تنغض جبينهِ بغير تصديق، وأردف مستبعدًا عنها ذلك: - مستحيل يكون ملكيش نفس.
وقف النادل قبالته يسأل: - أؤمر يافندم؟
فطلب نيابة عنها: - واحد براونيز كيك مع لاتيه نسكافية.
دوّن النادل مطلبهُ وهو يسأل: - أي إضافة تانية؟
- لأ.
همّ النادل بالإنصراف، فسألته نغم بفضول: - عرفت منين إني بحب اللاتيه؟
فأجاب بدبلوماسية شديدة: - اللي يركز في التفاصيل يوصل لكل حاجه.

قالها وهو يتناول فنجان قهوته، وبدأ يرتشف منها رويدًا رويدًا، حتى استمع لإعتذارها الصريح عن جرأتها المفرطة في مواجهته، وقد تبينّ الحرج في صوتها: - أنا أسفه عشان الكلام اللي قولته امبارح. المفروض أعرف حدودي أكتر من كده.
ترك الفنجان وهو ينظر نحوها، وقال نافيًا أي ضيق تجاهها: - مفيش حاجه حصلت، بالعكس. أنتي كنتي المراية اللي شوفت فيها أنانيتي إمبارح.

بدأ في إخراج سيجارة من علبتهِ، وأمسك قداحتهِ الفضية وهو يتابع: - وجودك اليومين دول يانغم عامل زي المنبه اللي بيزعجني طول ما هو شغال، لكن مقدرش ألغيه من حياتي.
انبعجت شفتيها بإبتسامة سعيدة، رآها منذ أن طفت بوادرها على ثغرها، رغمًا عنه ابتسم، ثم نظر لقهوتهِ قائلًا: - محدش هنا بيعرف يعمل قهوة، تخيلي!
فطنت إلام يرمي، فتباهت بصنيعها للقهوة قائلة: - محدش بيعرف يعملها في أي مكان غيري.

تنهد يزيد آملًا أن تنتهي تلك الأيام الصعبة، ويعود كل شئ لنصابهِ الصحيح: - بكرة كل حاجه ترجع لوضعها، ساعتها هتزهقي من عمايل القهوة.
أهتز هاتفهِ بصمت، فنظر بإهتمام لشاشة الإتصال الوارد المنبثقة على سطحهِ، وأجاب على الرقم الغير مسجل بجدية زائدة: - ألو.

ثمة تغييرات جذرية اعترت تعابيرهِ، استطاعت نغم رؤية ذلك بوضوح، حتى أغلق يزيد المكالمة بدون أن يتحدث بكلمة أخرى، وبدأ يستعد للنهوض عن طاولتهِ في مقهى المشفى: - أنا ورايا مشوار، ممكن انتي تطلعي لملك ونينة وتكوني معاهم.
حضر النادل ووضع مطلبهم على الطاولة، فنظرت نغم إليه بعينان شرهتان، قبل أن تقول: - طب هاكل الأول وأطلع على طول.
ثم نظرت إليه وسألت بفضول: - مين كان بيكلمك؟

فأجاب بجدية، وما زال متجهم الوجه: - حد مش مهم.
ثم أشار للملف الموضوع على الطاولة و: - خلي الملف معاكي لحد ما أرجع.

وخطى نحو المخرج بعجلٍ كأن هناك شيئًا سيلحق به، بقيت عيناها المتوجسة عليه، هذا التحول الذي بدا عليه ليس من فراغ، حتمًا حدث ما أرقهُ فجأة وعكّر صفوهِ المؤقت. نفخت نغم بسأم، متأذية بفعل الأحداث المتعاقبة التي تلاحق بهم، بعدما كانت حياتها عابرة للغاية، ليس فيها ما يهم حتى. الآن تبدل كل شئ، تحس وكأنها تعيش دراما مسلسل لا تنتهي أحداثهِ أبدًا، تناولت مشروبها كي تبدأ فيه؛ لكن وقف أمامها رجلًا طويل القامة، استرعى كامل انتباهها، وهو يقول: - صباح الخير.

هرع يزيد إلى جراچ المشفى، كي يلتقي بذلك الأرعن الوضيع الذي حدثّه بكل تبجحٍ على هاتفه بعد كل ما حدث. نظر يزيد من حوله باحثًا بعينان مقتنصتان، يبحث عنه وإرادة قتلهِ تتفاقم بداخله أكثر وأكثر مع مرور اللحظات. تأفف بإنزعاج شديد، وغمغم بسخطٍ: - لو طلعت بتشتغلني يا إبن ال ×××× وربي هطلع عليك القديم والجديد.
فآتاه الصوت المألوف من خلفهِ بخطوات: - ليه الغلط طيب ياصاحبي؟

استدار يزيد ليجد معتصم خلفه مباشرة، تفصل بينهما عدة خطوات، استشاط غضبًا، وودّ لو يفتك به الآن في التو واللحظة. وبدون أدنى مقدمات، كان يشنّ هجومًا عليه، وهو يطلق لسانهِ بالألفاظ النابية المهينة، بدون أن يتوقف: - وكمان ليك تيجي لحد عندي! ده انت دمك حلال يا ××××××.

استمرت مناوشات خفيفة بينهما بين صدّ وردّ، حينما كان معتصم يتفوه بكلامٍ مبهم غير مستوفي المعنى المقصود: - عيب عليك يايزيد، ده أنا فضيتلك الملعب عشان تلعب براحتك.
كاد يسدد له لكمة في أنفهِ بالحال، لكن الأخير صدّها جيدًا: - والله يامعتصم لتندم على كل اللي عملته معايا، ودم رغدة اللي فدتني مش هيروح بلاش.

استنكر عليه معتصم تفكيره المستمر بشأن رغدة، وأضوح تلميحاتهِ الحقيرة: - والنبي متجيبش سيرة المرحومة، ده انت دخلت قصة جديدة قبل حتى شهرين من موتها، ولا فاكرني سهيت عنك يايزيد.
بدأت تلميحاتهِ المريبة يصل معناها إليه، ليصيبهِ بإسترابة، ودقّ قلبهِ بعنف وهو يهتف بنزقٍ: - أنت بتقول إيه؟ قصة إيه اللي بتكلم عنها؟

علت ابتسامة خبيثة على محياه، وهو يفسر مقصدهِ الدنيء: - أقصد المزة اللي كنت قاعد معاها جوا، كل مرة بتقع واقف يابن المحظوظة، لأ وكم..

قبل أن يتمم عبارتهِ، كان يزيد يضرب بركبتهِ أسفل بطنه، ثم اجتذبهُ بوحشية ليعتدل في وقفته، وبطح رأسه بطحة مبرحة، راميًا إياه بأسوأ الألفاظ. في الأخير طرحه أرضًا، وجثم عليه بكامل ثقلهِ، يوسوس الشيطان له ألا يتركه يحيا دقيقة أخرى: - مش هرحمك المرة دي، مش هسيبك تفلت مني يا ××××××.

أسقطهُ معتصم عنه بعدما ضرب جانبهِ بركبتهِ، ولهث قائلًا بوعيدٍ منذر: - ساعتها أنت كمان مش هتشوفها تاني. حتى لو دفعت عمرك كله مش هتنولها.
الدور على مين. ????.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة