قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والثلاثون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والثلاثون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل السادس والثلاثون

أنا النهاية، التي ستأخذك إليها كل الطرق.

بدأت تسريبات الأدخنة الرمادية تتسلل للهواء من سيارتهِ المقلوبة، وهو بداخلها فاقدًا لوعيهِ بالكامل، حتى لا يشعر بإصاباتهِ المتفرقة في جسده. فقط تتناوب الأنفاس دورها، ما بين شهيق خافت وزفير ضعيف. ارتكنت العربة للجانب وترجل منها عدة رجال، منتقلين بخطواتهم المريبة نحو سيارتهِ، وبادر أحدهم منحنيًا ليستكشف ما أن لقى حتفهِ أم عناية الله ما زالت تطلف به. اقترب منه قليلًا وتحسس نبض عنقهِ ليستشعر ضعفهِ، ثم عاد يقف قائلًا: - لسه فيه الروح.

فأشار لهم شريف قائلًا: - طب يلا نخرجه من هنا.
زجرهُ أخيه الأصغر سعد بإستهجان، وصاح فيه قائلًا: - نخرجه ده إيه؟! المفروض نولع العربية بيه ونخلص.
ف نهاه شريف عن التفكير بقتلهِ بتلك الطريقة اليسيرة، مُدخرًا له ما هو أقسى وأشرس من ذلك: - لأ، مش هنموته بالسهولة دي، ده لازم يدوق العذاب في الأول عشان عملته السودا في حقنا.

وبدأو بالفعل في إخراجه من السيارة، كانت الدماء تغطي وجههِ، نتيجة نزيف أحدثهُ جرح غائر في رأسهُ، وما بقى من إصابات لم تُكتشف بالنظر إليه. حملوه إلى عربتهم، وتركوا خلفهم سيارتهِ المقلوبة، بدون الإهتمام بإعتبارٍ آخر سوى النجاح في الحصول عليه حيًا.

نظر يونس حولهِ بإمتعاضٍ بيّن، ها هو قد انتقل لغرفة أخرى - رغمًا عن أنفهِ - للمكوث بها بضعة أيام تحت الملاحظة والعناية الدقيقة. نفخ بإنزعاج شديد، وأردف متحدثًا للممرض: - ياريت تشوفلي الدكتور فين، أنا مش لاقيه في أوضته من الصبح.
ف أجاب الممرض قائلًا: - الدكتور مشي من شوية، كانت عنده مناوبة طول الليل.
ضرب يونس كفًا بكف، وتمتم متذمرًا: - يعني دبسني ومشي! والله برا?و عليه.

خرج الممرض بينما كان يونس يفتح ستار النافذة العريضة، لتتخلل الشمس بآشعتها غرفتهِ الكئيبة. لقد كان ليلًا عصيبًا قضاه بمفرده، بعدما غفت هي دون أن تعلم بقرارهِ الذي تغير لأجلها، ف انتظر أن يطئ الصباح بنورهِ الأرض، حتى يذهب إليها ويسترعى إرضائها من جديد. مدد على الفراش برويِّة، حينما انفتح الباب بعد طرقة واحدة ليظهر عيسى من خلفهِ: - صباح الخير ياباشا، في حاجه لازم تعرفها.

اعتدل يونس في جلستهِ، وتسائل بإهتمام، بعدما قرأ إمارات التوتر على وجه عيسى: - حصل إيه ياعيسى، في جديد؟
- آه.
جلس عيسى على مقربة منه، وبدأ يسرد مكالمته القصيرة مع يزيد: - يزيد باشا كلمني من ساعة تقريبًا، طلب مني أجيبله خبر عن عيلة في الصعيد، وفجأة قفل الكلام وقال هيتصل تاني، من ساعتها مش بيرد عليا خالص.
قطب يونس جبينهِ بإستغراب، ولم يفهم عن الأمر شيئًا: - صعيد إيه!؟ من أمتى وإحنا نعرف صعايدة؟

- مش عارف، بس أنا قلقان ياباشا.
نطر يونس حوله باحثًا عن هاتفه المحمول، ولكنه لم يجده، فأشار نحو معطفه المعلق على المشجب وأردف: - هاتلي تليفوني من الچاكت بتاعي ياعيسى.

أحضرهُ إليه في أقل من الدقيقة، تفحصه يونس ليجد العديد من الإتصالات الفائتة التي لم يجيب عليها، بجانب رسالة على تطبيق واتساب الشهير من شقيقهِ، ف فتح الرسالة أولًا، ليجد موقع مباشر لا يتحرك من مكانه. إرتاب من رسالة گتلك، لن يفعلها يزيد إلا حال حشرِه في موقف يسترعى ذلك. حاول الإتصال به، لكن النتيجة واحدة، لا يوجد رد. أنزل يونس ساقيهِ عن الفراش، ووقف عن جلستهِ قائلًا: - كده في حاجه حصلت.

وخطى نحو المشجب ليتناول معطفهِ: - يلا ياعيسى، هنروح على العنوان ده.
تردد عيسى من تنفيذ رغبته فوريًا، وعرض عليه القيام وحده بتلك المهمة: - طب ما أروح أنا وهبلغك.
- مينفعش.
أضاء هاتفهِ الصامت معلنًا عن إتصال هاتفي من كاريمان، فأجاب يونس على الفور، علها ستبلغه أمرًا ما: - أيوة يانينة.
فآتاه صوتها المرتبك: - يزيد قفل على نغم الأوضة يايونس، وأخد معاه المفتاح. رجعت لقيتها هتموت نفسها من العياط ومحبوسة جوا.

تشتت ذهن يونس، وهو يفكر في أكثر من أمر في آنٍ واحد؛ لكن البداية حتمًا ستكون لدى نغم، ومن المحتمل أن إجابة سؤالهِ المتخوف لديها هي، فلم يتردد لحظة، وشقّ طريقهِ إليها، بعدما فشل في الإتصال بها وهي بتلك الحالة المزرية كما صوّرت له كاريمان.

كان يطرق بعصاهِ الأرضية في حركات متوازنة، يشغلهُ التفكير بشأن ذلك الذي تعدّى على شرف العائلة - كما ظن -، ماذا سيفعل به الآن؟ يحاول الوصول بتفكيرهِ لعقابٍ رادع يستحقهُ، إرضائًا لنزعتهم الرجولية الحامية، وتنفيذًا لقواعدهم وعرفهم المتعارف عليه بالصعيد القبلي. قطع سعد تفكيرهِ، وسأل بعصبية: - وبعدين يعني يابا، أخرة التفكير ده كله إيه!

حك بهجت طرف ذقنهِ، وقال: - سيبني في حالي ياسعد، الموضوع مش بسيط زي ما انت مفكر، لازم أخلص من إبن ال من غير ما نلفت النظر، مسمعتش أخوك الكبير قال إيه!
نفخ شريف بضجر، وأعاد صياغة ما قال كي يوضح لهم وجهة نظره: - أنا لما استقصيت عنه وقولتلك إنهم عيلة كبيرة مكنتش أقصد إننا نخاف منهم يابا.
- عارف ياولدي، بس خليني أفكر برضو.

ونهض عن جلستهِ متابعًا: - وبعدين لازم بنت أخويا تبقى هنا معايا قبل أي حاجه، عشان كل واحد ياخد نصيبه.
والتمعت عيناه ببريقٍ حامي وهو يتوعدها: - مش هسيبها تنفد من إيدي بعملتها المهببة.
تأفف سعد بنفاذ صبر، وهبّ واقفًا بإندفاع، وهو يتسائل: - يعني ال ×××× اللي فوق ده هنعمل إيه معاه؟
رفع بهجت عيناه للأعلى، وهو يجيب سؤال ولدهِ: - إستنى عليا ياسعد، أنا هحضرله مفاجأة تليق بيه.

وعاد يجلس بهدوءٍ مريب مستندًا على عصاه: - كله بالدور ياولاد، بالدور.
اضطر عيسى لكسر الباب، بعدما فقدوا النسخ الإحتياطية لمفاتيح الغرف. ف ظهرت نغم من خلفهِ تصرخ وتصيح بهياجٍ انتابها: - شايف يايونس، شايف عمل إيه معايا!
أشار لها يونس لتهدأ، حينما كانت كاريمان تحاوط ذراعيها بيديها تهدئ من روعها: - أهدي ياحببتي، حقك عليا أنا.
لم يتحمل يونس صبرًا، وسألها بتلهفٍ: - إيه اللي حصل يانغم، وفين يزيد؟

ف إندفعت بإنفعال هاتفة: - حبسني هنا عشان كنت عايزة أرجع البيت.
فتسائلت كاريمان حول سبب قرارها المفاجئ: - ليه كده ياحببتي، في حد زعلك.
نكست نغم رأسها، عاجزة عن إيجاد الجواب الذي يناسب وضعها المتأزم، ف ترك يونس صبرهِ النافذ مردفًا: - قولي حاجه يانغم! أنا مش عارف أوصل ليزيد من الصبح وبعتلي موقع لازم أروحه.

توترت نغم أكثر وشبكت أصابعها معًا تفركهم سويًا، واضطرت أن تبلغه بما حدث، عسى أن يكون يزيد واقعًا بمأزق ويحتاج للمساعدة. أستشعر يونس بلوغ الأمر لأقصى مراحل الخطر، فلم يكن منه سوى مقابلة صمتها بإنفعالهِ المفاجئ عليها: - إنطقي يانغم، أنا مش متحمل صبر.
هزت رأسها عدة مرات، وأجابت فورًا: - عمي شاف يزيد وهو بيوصلني للبيت إمبارح، و، حصلت مشكلة.
- هاه، وبعدين؟

بعد سردها المفصل لما عايشوه بالأمس، ما كان من يونس إلا إتباع الموقع المُرسل إليه على الفور، متخوفًا من وقوع السوء له. تلقّى إتصال تليفوني من ضابط المرور الذي طلب مساعدتهِ في إيجاد مكان سيارة أخيه، فأجاب على الفور: - أيوة يافندم، طمني.

وما أن آتاه خبر إنقلاب سيارة شقيقهِ بمنتصف الطريق ولا يوجد داخلها أي أحد، حتى تيقنّ من حدوث أمرٍ ما له. خفق قلبهِ برجفة عنيفة، محاولًا التعلق بأدنى أمل: - مفيش أي أثر لأي حاجه؟ شكرًا يافندم، أكيد هبلغك.
أغلق المكالمة، والتفت إلى عيسى الذي يقود السيارة، قائلًا بنبرة مذعورة: - عربيته مقلوبة على الطريق وفاضية، أكيد عملوا فيه حاجه!

صارت أطرافهِ گقطعة من ثلج متجمد، ينظر للطريق بنظراتٍ مرتعبة، يحاول إظهار نقيضها وسط ظلمة عينيهِ، وكأنه أقسم ألا يترك ثأرهِ دقيقة واحدة، إن كان السوء قد طالت أذرعهِ طرف شقيقهِ. وصل للموقع المطلوب، فوجدهُ منزل قديم يبدو أن قاطنيهِ قد تركوه منذ زمن، ومن حوله قلة من المنازل البسيطة المسكونة بالبشر. ترجل يونس وفي أعقابهِ عيسى الذي تسلح جيدًا للقاءٍ مرعب گهذا، مع أُناس - كما وصفتهم نغم - أحيانًا لا يكون للتفاهم معنى لديهم. صعد يونس الطابق الأول، وطرق الباب بعدما وجد الجرس معطل، أنتظر على أحر من الجمر، حتى فتح له سعد، وما أن رآه حتى جنّ جنونهِ، وتصاعد الغضب لقمة رأسه، فلم يتروّى وقبض على ياقتهِ مجتذبًا إياه وهو يصيح: - خرجت من جوا إزاي ياإبن ال ××××××.

بطح يونس رأسهِ بناصيتهِ القوية، وأطبق على تلابيبه وهو يصرخ في وجهه: - إنت اتخبلت ياض!
بينما ثنى عيسى ذراعيهِ خلف ظهرهِ، وأحكم يديهِ عليه جيدًا وهتف ب: - أثبت بدل ما أعورك.
تركهُ يونس وهو يضبط ياقتهِ التي فسدت، وزجرهُ بنظراتٍ شرسة قائلًا: - مش أنا اللي انت تقصده. ومع ذلك أنا وهو واحد عادي.
خرج شريف أثر الضجيج الذي عجّ به الخارج، وسأل بصوت مرتفع: - جرى إيه ياسعد!

وما أن رأى أخيهِ تحت وطأة أولئك الرجال الأغراب، حتى أستل سلاحهِ من جيب جلبابهِ الداخلي وهو يصيح: - أنتوا مين!
تشبه كثيرًا على يونس، فرمقهُ بإزدراء: - إنت آ..
فبادر يونس بصياح: - مش أنا. أنا توأمه.
وبهدوء شديد لا يناسب الموقف، كان مُشهرًا سلاحهِ في وجه شريف قائلًا: - هي مش حرب بينا، بس لو عايزينها كده معندناش مشكلة.
ثم وضع السلاح على رأس سعد متابعًا: - أخويا مقابل راسه، يزيد فين؟

ضرب بهجت الأرض بعصاه، گتنويه عن تواجده بينهم، وتقدم بخطواته قائلًا: - بس راس أخوك متسواش ضفر إبني ياحضرت.
اغتصب يونس نزعة الغضب التي تكاد تعميه عن حسن التصرف بالموقف، وكافح ليبدو على نفس ثباتهِ المزيف: - مطولش في الكلام ياحج، قولي أخويا فين؟ وخلينا نحل كل حاجه بينا. مفيش حاجه ملهاش حل.
فصاح بهجت بعصبية مفرطة: - إلا العار ياأستاذ، ملهوش حل غير الموت.

أقشعر بدن يونس، مع ذكر الموت، وأبى أن يبدو مهتزًا أمامه: - إنت فاهم غلط، يزيد كان بيحمي نغم، بنتكم كانت هتموت لولا حماية يزيد ليها.
لم يهتم شريف كثيرًا بما قيل، واعتبره سبب كاذب لإصرافهم عن أخيه: - متسمعش منه يابا، الكلام ده مش هيخلينا نرجع عن حقنا.
أخفض يونس سلاحه، ودنى منهم خطوتين قائلًا: - مش صح، اللي بقوله هو اللي حصل ياحج، ومع ذلك إسمع مني للآخر، خلينا نحلها ودي.

ولمح لإستعداده الكامل بردّ الصاع صاعين، إن تأذى أظفر شقيقه: - الأذى مفيش أسهل منه، لكن لو قعدنا واتكلمنا هنعمل اللي يرضيكم.
أشار بهجت لإبنه الأكبر كي يخفض سلاحه، وقال إنذاك: - نزل السلاح ياولدي، خلينا نسمع للأستاذ.
أفلت عيسى سعد، فكاد الأخير يشنّ هجومًا عليهم، لولا تدخل شريف بينهم: - أهدى ياسعد.
فلم تلين عصبيتهِ وهو يرميهم بنظرات ساخطة: - مفيش حل يرضينا، أخرجوا من هنا بإحترامكم أحسن.

أشار له والده كي يسكن قليلًا: - أستنى ياسعد، الناس برضو ضيوف في دارنا يابني.
والتفت إلى يونس يسأله: - سمعني اللي عندك ياأستاذ.
ف اشترط عليهم أولًا: - أشوف أخويا، قبل أي حاجه.
أشار بهجت لأبنائهِ من أجل حلّ هذا الأمر: - هاتوا الضيف لأخوه ياولاد.
تبادل الشقيقين نظراتهم، قبيل أن يمضوا في طريقهم للداخل. وما أن اختفوا من أمامهم تسائل سعد: - هو أبوك بيعمل إيه ياشريف! مش قولنا هنغسل عارنا بإيدنا؟

فخمن شريف مقصد والده: - يمكن عايز يجيب آخرهم، مش عارف!
فتح شريف الباب، ليجد يزيد ما زال فاقدًا لوعيهِ، وحالتهِ مزرية لأقصى حد، ف تقوست شفتاه يفكر: - هنعمل إيه؟ نصحيه إزاي وهو من ساعتها في الحالة دي!
نفخ سعد متأففًا بغير رضا عن هذا الوضع: - مش كفاية جبنا دكتور وخيط دماغه، عايزين إيه! نعالجه إبن ال ×××× ده، بدل ما نفجر نفوخه!

همّ شريف لإيقاظهِ، ف استوقفه سعد قائلًا بإسترابة: - هما قصدوا إيه بكل حاجه ليها حل! هيقولوا نجوزهم ولا إيه ياشريف!؟
حك شريف مؤخرة رأسه، بدون أن يتوصل لفكرة محددة عن مقصد يونس: - معرفش! باينها كده.
اشتط سعد عن آخره، وتبطنت كلماتهِ الموحية بوعيدٍ منذر: - على جثتي، نغم دي كانت مكتوبالي من زمان أوي، مش هسيبها دلوقتي بالسهل كده. بيني وبينها الموت بس ياإبن أبويا، سمعتني، الموت بس ياخدها مني..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة