قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والأربعون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والأربعون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الرابع والأربعون

حتى قلبي يخشى أن يعترف بإنك فيهِ.

بتؤدة وخطواتٍ مرحة، كان يدخل بها إلى غرفتهِ حاملًا إياها بين أحضانهِ، بالقرب من قلبهِ العليل بحُبها، عيناه تعانق وجهها البديع، ومشاعرهِ الجياشة تتوق لإختبار إحساس جديد كليًا معها، بعدما أصبحت - رسميًا - زوجتهِ المصون. انحنى بجسدهِ نحو الفراش وهو يضعها بلطفٍ حنون، وبشفتيهِ اختطف قُبلة صغيرة لمست عرقها النابض في عُنقها، وهمس بنبرةٍ أججت صدرها المشحون بأحاسيسٍ مُتيمة: - بحبك ياملك. بحبك أوي.

لم تسحب ذراعها المطوق لرقبته، بل اجتذبتهُ قليلًا لتنعم بذلك الدفء الجميل للحظات أخرى، وهي تعترف بمبادلتهُ نفس المشاعر حيالهِ: - وأنا كمان بحبك.
أشتد الألم على جانبهِ، ف دفنهُ بأعماقهِ وهو يجلس قليلًا، كي يستريح جرحهِ من تلك الوضعية الخاطئة. وارتسمت السعادة على تعابيرهِ وهو يردف: - خلاص مكانك بقى هنا.
ووضع كفها على يسار صدرهِ ناحية القلب مباشرة وهو يتابع: - جمبي وفي قلبي على طول.

نظر حوله بنظرةٍ مستكشفة وهو يتابع: - مؤقتًا بس لحد ما المهندس اللي ماسك شقتنا يسلمني البيت الجديد.
ثم نظر صوبها من جديد واستطرد: - ومش هتدخلي البيت الجديد غير عروسة بفستان أبيض.
اجتذب يدها يُقبل ظهرها قبيل أن يتابع بنبرة والهة: - زي ما وعدتك بالظبط.
أمسك بكتفيها يدفعها برفق نحو الوسادة لترتخي بظهرها أثناء قوله: - إرتاحي، فاضل نص ساعة على معاد العلاج بتاعك، نامي وأنا هستنى لحد ما أديهولك.

كاد ينهض لولا يدها التي تشبثت بكفهِ: - ديچا هتبقى تصحيني عشان آخده، تعالى إنت نام شكلك مرهق أوي.
رفض ذلك رفضًا قاطعًا، وأصرّ بشدة على القيام بذلك بنفسه: - لأ، محدش هيدخل هنا النهاردة، أنا بس اللي هكون معاكي.

مدد بجوارها وفتح لها ذراعهِ، ف وضعت رأسها على صدرهِ ليتسلل صوت نبضاتهِ إلى مسامعها، طوّقها ممسدًا على ذراعها وكتفها، والسعادة أشبه بفراشات ملونة تتطاير حول قلبهِ ابتهاجًا: - مش مصدق إننا عملناها! إنتي دلوقتي مراتي بجد؟!
ضحكت بخفوت وهي لا تقل ذهولًا عنه، وتحسست (يبجامة النوم) خاصتها قائلة: - أيوة عملناها، وبالترنج كمان.

خلل أصابعه بين شعرها، وتعهد بتعويض ذلك التهور المجنون الذي بدر منه: - هتتعوض ياملاك، بس كان لازم نعمل كده، وإلا كنا هنعجز وإحنا مستنين الفرصة.
شددت ذراعها عليه، گمن تتمسك بغصنها الوحيد، وأردفت بدون إكتراث: - مش مهم، المهم اللحظة دي اللي إنت جمبي فيها. دي جايزة صبري يايونس.

ألصق يونس شفتيه برأسها، سامحًا لعبيرها بأن ينعش أنفهِ وروحهِ العَطِشة، وأغمض عيناه سابحًا في ملكوتٍ خاص، بعد كل هذا الشقاء والوجع، استحق أن يشعر بما يحسهُ الآن من أمانٍ وسكينة يطغيان على كافة حواسهِ، ليستأنس بها ويؤنسها، ويتجاوزا معًا كل ما مرّ من مِحَن، وكل ما هو آتٍ من عقبات.

لم يعبأ ببرودة الأجواء القارصة، بينما صدرهِ يغلي گالقدر بلهيبٍ محموم. وقف بالشرفة الضيقة المُطلة على أحد شوارع المنطقة الشعبية، وتحسس ذراعهِ التي ما زالت تحت تأثير الألم بفعل الشرخ، تنفس بعمقٍ علّه يهدأ قليلًا والأفكار العديدة تتلاعب بتفكيرهِ، حتى استمع لإهتزازة زجاج شرفة جارتهُ العزيزة. تراجع للخلف خطوة لئلا تراه، ثم أشرأب برأسه ليرى ماذا تفعل في هذه الساعة، كأنها كانت تطل على القمر الغير مكتمل ينتصف ساحة السماء الفسيحة، ثم أخفضت رأسها وظلت لبعض الوقت هكذا. لم يبتعد يزيد بأنظارهِ عنها، كأن في مراقبتها لذة مختلفة، لم يستشعر مثيلها من قبل، ولا تضاهي أي شعورٍ آخر. كل ما كان في ذهنهِ تبعثر وتشتت، وبقيت هي فقط تأسر تفكيره بشكلٍ يتعجب له، أحيانًا لا يصدق نفسه، لا يصدق تصرفاتهِ في أي شأن يخصها، أو إصرارهِ المستميت على التواجد أينما كانت. بات الأمر خطيرًا، لكنه عاجز عن صدّ هذا العدوان الذي أقامتهُ على قلبهِ، وعاجز حتى عن الإبتعاد والتخلّي؛ وكأن بها شيئًا يجتذبهُ بقوة، يأبى تخليهِ بأي شكلٍ كان. رآها تسقي زرع الصبار، ف علت إبتسامة وديعة ثغرهِ، شاعرًا بمتعة مختلفة وهو يرى كل ما تصنعه بتلقائية، حتى قررت الدخول، ف قطب جبينهِ بعبوسٍ غير ملحوظ، لحين شعورهِ بدخولها من جديد، ممسكة بفنجان من القهوة الساخنة، ف أحيت بدون قصدٍ منها ابتسامتهِ من جديد.

صباحًا مشرقًا غطت فيهِ شمس الشتاء الدافئة على المحيط كله، أثناء جلوسهم في الشرفة الملحقة بالغرفة. سكب يونس الحليب على فتيلة الشاي الأحمر لصنع كوب من الشاي بالحليب، ثم وضعها أمامها وهي تتناول إفطارها بشهية مفتوحة - لأول مرة منذ فترة -، وانبعجت شفتيهِ بحبور شديد وهو يسألها: - أعملك واحد جبنة رومي تاني؟

هزت رأسها بالسلب وهي تمضغ الطعام بين فكيها، ثم تناولت كوب الشاي وهي تقول: - مش قادرة آكل أكتر من كده.
تسلطت آشعة الشمس على وجهها وشعرها البني، فأغمضت عيناها وهي تتذوق مشروبها بإستمتاع، والذي راق لها مذاقهِ: - حلو أوي الشاي.

تنهدت ملك وقد تذكرت أمر كاريمان، حيث قطعت الحديث معهما لفعلتهم المفاجئة أمس، بعدما سلبوها حق التواجد معهما ومشاركتهما، وأغلقت على نفسها الغرفة لئلا يتحدث إليها أيًا منهما. ذمّت ملك على شفتيها بضيق، وأردفت ب: - هنعمل إيه مع نينة يايونس! دي زعلت أوي.
تناول يونس قهوته وهو يجيب: - هنلاقي طريقة ونصالحها متقلقيش. وبعدين أنا ملحقتش أقولها إننا كتبنا كتاب بس ولسه هنعمل فرح، يمكن لما تعرف ده تهدا.

انبثق أسم يزيد على شاشة الهاتف، ف تناوله يونس ليجيب بعجلٍ: - ألو.
فآتاه صوت يزيد، والذي بدا قلقًا إلى حدٍ ما: - أنا وصلت لحاجه جديدة يايونس، نغم عندها أرض ورث من باباها، عمها حاطط إيده عليها وبيبعت لها الإيراد بتاعها كل فترة.
فرك يونس صدغهِ بأطراف أنامله وهو يصغى إليه بإنصات مهمهمًا: - هممم، وإيه كمان؟
- عايزين ثغرة، نقطة ضعف نضغط بيها على عمها.

لاث يونس الطعام في فمه وهو يستمع إليه ثم ردد: - ده مش حل، إحنا لازم نقعد مع الناس ونتكلم معاهم بهدوء ونشوف هنحل إزاي.
تنغض جبين يزيد مستمعًا لتلك النبرة الهادئة الفاترة، والتي لا تعكس أبدًا حالة يونس بالأمس، ف ارتاب من هذا التحويل المفاجئ، وسأله بفضول: - مالك يايونس، في حاجه!
فلم يدخر يونس الخبر، وسرعان ما اعترف له فجأة وبدون مقدمات: - أنا وملك أتجوزنا إمبارح.

توقف عقلهِ عن العمل للحظات، كأنه لم يتلقى المعلومة بشكلٍ جيد، وتشوشت أفكاره المتداخلة وهو يردد: - مين ده اللي اتجوز!؟
كبح يونس ضحكة كادت تنفلت من بين شفتيهِ، وأجابه بشئٍ من الجدية المزيفة: - ما تركز معايا يابني، أنا أتجوزت إمبارح بالليل.
ف اهتاج يزيد فجأة، كأنه تلقى الصدمة توًا: - أتجوزت إزاي يعني! ده انا سايبك الساعة 10 بالليل يعني ملحقتش! إنت أكيد بتهزر.

حمحم يونس ليطرد حشرجة صوتهِ من حلقهِ ثم أجاب: - أتصرفت وأتجوزت، أمال كنت هستنى أكتر من كده إيه!
ومدّ يده إليها ليتشبث بأصابعها جيدًا وهو يتابع: - ده أنا ما صدقت جاتلي الجرأة إني أتحرك خطوة زي دي في وقت قياسي بالشكل ده، أكيد مكنتش هفوتها.
لم يتحمل يزيد لأكثر من ذلك، متمنيًا أن يكون الأمر مجرد مزحة سيئة، ف عجّل بإنهاء المكالمة معه وهو يقول: - أقفل أنا جايلك، الكلام ده مينفعش هنا، سلام.

انفجر يونس ضاحكًا ما أن أغلق يزيد المكالمة، ومسح على شعرهِ مرورًا بمؤخرة عنقه وهو يقول: - يزيد جاي يباركلنا كمان شوية.
أفتر ثغرها بإبتسامة متوترة، وهي تخشى تلك المواجهة وما س تسفر عنه: - ربنا يستر.
لم يحبذ يونس تلك المشاعر القلقة التي بزغت بوضوح مقروء على معالم وجهها، ف لاطفها قليلًا بقوله: - حببتي الموضوع أبسط من كده، إنتي لسه مش عارفه يزيد كويس، صحيح عصبي ومتسرع بس مفيش زي قلبه.

وأشاح بوجهه عنها قليلًا وهو يتمتم: - ربنا يهديهِ بقا.

جلس كلاهما في جلسةٍ كأنها محاكمة عائلية، أمام كاريمان التي التزمت الصمت بالرغم من الحزن الكاسي وجهها، و يزيد الذي كان يوزع نظراتهِ المستهجنة عليهن. في حين كان يونس في قمة الثبات الهادئ والسعادة تتجلّى على وجهه. نفخ يزيد بإنفعال وهو ينظر لأيديهما الممسكة بعضها ببعض، ثم هتف بإستنكارٍ بيّن: - والنبي بس سيبوا إيدكوا من إيد بعض دلوقتي، أنا مرارتي مش متحملة.

حاولت ملك أن تسحب يدها على استحياءٍ، لكن يونس لم يتركها أبدًا، وتجاهل عبارة أخيه تمامًا: - قول يايزيد أنا سامعك بوداني مش بإيدي.
شبك يزيد كفيهِ خلف ظهرهِ متطلعًا إليه بغرابة، غير قادر على استيعاب تصرف أخيهِ المفاجئ: - إزاي تعمل كده يايونس! على الأقل عرفنا ونبقى معاك.
أشاحت كاريمان وجهها بعيدًا وهي تتمتم: - Pervas?z متهور.

حمحم يونس وهو يعتدل في جلسته، ثم فسر تسرعه في اتخاذ القرار وتنفيذه: - مكنش ينفع أستنى أكتر من كده، الظروف اللي حوالينا مش مساعدة أبدًا، هستنى يحصل إيه تاني!
ثم نظر ب إتجاه كاريمان متابعًا: - أنا افتكرت إن نينة أكتر واحدة هتفرحلنا، متصورتش أبدًا إنها ممكن تاخد مني أنا موقف!
فصاحت به كاريمان وهي تزجرهُ بنظراتٍ معاتبة لم تخلو من الغضب: - كان لازم تعرفني يايونس، أنا أكتر واحدة كانت مستنية الفرحة دي.

ف زرع يونس الأمل في عيناها من جديد، محاولًا تلطيف الأجواء معها: - لسه الفرحة الكبيرة مجتش يانينه، لسه هتختاري مع ملك فستان الفرح وتجهزي الحفلة بنفسك، إحنا مجرد حطينا أسم شرعي لوجودنا في حياة بعض. بس.

بدأت كاريمان تلين قليلًا، غير قادرة على تقمص دور الغضب لوقتٍ أطول، ولم يتوقف يونس عن الضغط على مشاعرها الحساسة، لإجتذابها في صفهم: - ملك محتاجة ليكي أكتر من أي وقت تاني يانينة، وانتي عمرك ما هتسيبنا أنا عارف ده.
بالفعل تأثرت كاريمان، حتى إنها وقفت عن جلستها ودنت منهم، نهضت ملك لتقف قبالتها، بينما كانت كاريمان تتأهب ل عناقها قائلة: - Tebrikler tatl? ألف مبروك يا حلوتي.

وربتت على ظهرها بحنو عاطفي وهي تضمها لصدرها، ف دفئت ملك وتخطت توترها في تلك اللحظة، وعينا يونس تتطلع لما أسفرت عنه محاولاتهِ لتلييّن كاريمان حيالهم، ثم انتقلت أنظارهِ العابثة نحو شقيقهِ، وغمز له بنصف عين وهو يردف - متعمدًا الإشارة لشئٍ ما -: - عقبالك يا زوو.
تأفف يزيد وهو يوليهم ظهرهِ، وقد بدت تلك اللحظة العاطفية زائدة عن اللازم بالنسبة له، ثم غمغم بخفوت: - حاسس إني واقف مع أتنين مراهقين!

ثم نظر بطرفهِ وهو يردف: - أنا ماشي.
ف تحرك يونس صوبهِ إنذاك: - لأ عايزك، بجد.
اصطحبه للخارج، ليخبره بعد تفكيرٍ طويل ومنهِك طوال الليل، بأمر معتصم الذي بقى بين يديهِ، وكما توقع تمامًا أصيب بحالة من الجنون الجامح، وأراد لو نطالهُ أياديهِ ليفتك به فتكًا قاسيًا لا رحمة فيه؛ لكن يونس لم يترك له ذلك الخيار: - خلاص معتصم هيتسلم للمباحث وهما يشوفوا شغلهم يايزيد، إحنا برا الليلة دي.

تهدجت أنفاس يزيد وهو يعلن رفضهِ لذلك الحل القانوني: - لأ، سيبهولي وأنا هتصرف معاه يايونس، أنا مش هقتله، أنا هربيه بس.
تبدد الهدوء الذي كان متمكنًا منه، وبات أكثر عصبية وإنفعال وهو يجيب أخيه: - أنا مش بعرض عليك تختار يا يزيد، أنا قولتلك اللي هيحصل. والموضوع انتهى.
كظم يزيد غضبهِ بصعوبة شديدة لئلا يتفاقم الأمر بينه وبين أخيهِ: - حق رغدة وحقي لازم يرجعوا يا يونس.

فأثار يونس انتباهه لتلك الفتاة الحية، التي تستحق أهتمامهِ عوضًا عن تلك المتوفاة التي لقت حتفها: - ونغم كمان ليها عليك حق ولازم ترجعه، أنا رأيي تركز مع نغم لحد ما تحل مشكلتها. وأنا هخلص حوار معتصم.
ثم ضرب على كتفه قائلًا: - أنا داخل أشوف ملك، أنت عارف إني عريس جديد وكده.
مرّ من أمامهِ نحو الداخل، ف عضّ يزيد على شفتيهِ السُفلى ب حنق شديد، وأردف ب: - أستغفر الله العظيم!

أخرج هاتفه ونظر به، ليجد رسالة غير مقروءة على تطبيق المحادثات الشهير واتساب، ف فتحها بتلهفٍ أثناء سيره عبر الممر متجهًا لسيارتهِ.

كانت فكرة جنونية للغاية، أن تخطو بنفسها لداخل حجر العقارب بدون حماية، وأن تخاطر بنفسها رغم علمها المُسبق بما يُحاك لها، قمة المخاطرة. فركت نغم كفيها المتعرقين سويًا، وهي تنظر بداخل المطعم الكبير، تبحث عن عمها الذي أتت للقاءهِ، بعد أن تواصلت معه مسبقًا وحددت بنفسها الزمان والمكان لتلك المقابلة الموعودة. رغمًا عنها لم تقوَ السيطرة على مخاوفها، وتجلّى ذلك عليها بوضوح. استجمعت شتاتها المبعثر، وخطت بثقة مزيفة نحو الداخل، ثم جلست قبالتهِ بتروٍ وهي تقول: - مساء الخير ياعمي.

رفع بصرهِ المحتقن نحوها، ليرميها بنظرة محتقرة قبل أن يردف: - جيباني هنا وسط الخلق عشان تضمني إني مش هعمل حاجه، صح! غلطانة يابنت أخويا، لو عايز أعمل حاجه هعملها لو وسط مليون بني آدم.
ازدردت ريقها متشبثة بحقيبتها، وأجفلت جفونها وهي تحاول الدفاع عن نفسها: - إنت لازم تصدقني ياعمي، والله العظيم ما في أي حاجه من اللي بتقولها حصلت.

أخرجت شهادات طيبة ووصفات علاجية من حقيبتها، وقدمتها له قائلة: - أنا اتعرضت لهجوم قبل اللي حصل بأكتر من أسبوع، كانوا أعداء المدير بتاعي. عشان كده اضطر ياخدني أقعد مع جدته لحد ما يتقبض على اللي عمل كده.

لم يقتنع بهجت بحجّتها التي رآها واهيه من وجهة نظرهِ، واختلق لها حلّ آخر كان عليها اتباعه: - لو حسيتي بالخطر ليكي أهل تتحامي فيهم، ليكي بلد وناس ترجعيلهم، مش تتمسخري مع ابن ال ×××× والناس يشوفوكي في الداخله والخارجة معاه.
لم تجادله في ذلك، وأعربت عن كامل أسفها له: - عندك حق، أنا أسفة. أوعدك كل حاجه هتتغير بس أنت أديني فرصة.

انهمرت الدموع من طرفيها، وهي تتابع بصوتٍ مقهور: - أنا سيبت الشركة كلها وهقطع أي صلة بيه، بلاش تعمل حاجه هتندم عليها.
- إحنا مش هنندم على حاجه يابنت عمي، متحمليش همنا خالص.
قالها شريف وهو يقتحم مجلسهم فجأة، ويجلس بالقرب الشديد منها متابعًا: - كفاية عليكي همك.

هذا ما كانت تخشاه في الأساس، تدخل أبناء عنها ذوى العقول المتشددة القاسية، لا تشك أبدًا إنهم قد يهدروا دمها بدون أدنى ندم. أطبقت جفونها شاعرة بآلام تضرب ضلوعها الداخلية كافة، وما زالت تعاند نفسها لتبدو قوية كما عهدت نفسها دائمًا: - أنا معملتش حاجه ياشريف، أنا جيت أبرأ نفسي قدام عمي، عشان لو فكرتوا تعملوا فيا حاجه يبقى نتقابل قدام ربنا وانا مش مسامحة في حقي.

ضحك شريف ساخرًا، وعيناه تنطق بعبارات مخذلة لقارئها: - ساعتها يبقى ربنا يحاسبك على فُجرك، مش يحاسب رجالة زينا دمهم حامي ونارهم قايدة.
ثم ضرب على الطاولة بإنفعال جعلها ترتجف، وارتعشت جفونها وهي تنظر إليه بتوجسٍ: - أديكي خدتي الجواب يابنت عمي، قومي فزّي من قدامي مش طايق أبص في وشك. قومي.

لحظات وكانت تختفي بالفعل من أمامهم بسرعة للخارج، وقلبها ينبض بسرعات هائلة من فرط الخوف، تتنفس بمعدل سريع، تكاد تفقد آخر ما بقى لها من قوة. عبرت بوابة الخروج، وما لبثت أن خرجت حتى وجدت من يُكمم فمها بقوة عظيمة لم تقوَ على مكافحتها، ثم ضربة شرسة بمقدمة رأسها وأنفها، جعلت الدنيا تدور من حولها وأفقدتها وعيها بالكامل..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة