قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والأربعون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والأربعون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الخامس والأربعون

إن لم يكن حُبًا؛ ف لماذا؟! لماذا لا يخفق القلب إلا في وجودها. ولا تصفو النفس إلا في حضورها. ولا مكان ل اللين إلا لها.!؟

كانت الخطة مُبيتة منذ البداية، وكأن نغم بيدها قد قدمت لهم الفرصة على طبق من ذهب بذهابها إليهم بنفسها، الإتفاق بينهم سار على النحو الذي دبروه، حيث تولّى سعد مهمة تكميم فمها وضرب تلك المنطقة الحساسة في الوجه، والتي تسبب الدوّار ثم فقدان الوعي المؤقت. شقت السيارة طريقها بين زحام السيارات، آملين أن يكون الخروج من العاصمة يسيرًا عليهم، للسفر بها مباشرة إلى موطنها الحقيقي محافظة قنا، وهناك يبدأ الحساب الحقيقي معها. لم يكتشف أيًا منهم تواجد متربص بهم، مراقبًا لخطواتهم، حتى بدأ سيارة تهاجمهم وتقطع عليهم الطرق على مقربة من كمين الشرطة الموجود بالمقدمة. نظر شريف عبر المرآة الجانبية فور ملاحظتهِ، وهتف بتخمين علق برأسه: - داهية ليكون الواد إياه!

ف انفعل سعد وهو يلتفت لينظر خلفه قائلًا: - يبقى جه لموته المرة دي.
نفخ بهجت بإنزعاج، بعدما سئم تهور ولده الأصغر اللامتناهي: - وبعدهالك ياسعد! عايزين نخرج من القاهرة من غير مشاكل مع حد.
لم يخمد غضبهِ، بل إنه سخط على والده أيضًا: - لو من الأول قطعنا رقبته مكانش زماننا بنهرب منه دلوقت ياحج، إنت السبب.

نفخ شريف بقنوط، وهو ينظر لضباط الشرطة المتواجدين بالأمام قائلًا: - بس بقى ياسعد! داخلين على كمين وهتبقى ليلة سودا على دماغنا.
تمسك بهجت بعصاه جيدًا، متشككًا في هذا الوضع المريب: - لا يكون فخ واتعملنا!
بدأت قيادة شريف تتهادى رويدًا رويدًا حتى وقف أمام الكمين، ونظر لضابط المباحث الذي تفحصهم جيدًا بنظراتٍ غامضة، ثم سأل: - رايحين فين؟
فأجاب بهجت بهدوء: - مسافرين قنا يابيه.
- البطايق والرخص.

ثم أشار لخلفية السيارة وتابع: - وأفتحلي الشنطة.
في هذه اللحظة تحديدًا، كان يزيد يركض نحوهم تاركًا سيارتهِ بالخلف، وصاح عاليًا وقد تمكن الغضب من كافة حواسه -بعد أن شاهد بنفسهِ ما تم فعله بها-: - الناس دول خاطفين بنت وحطينها في شنطة العربية.
وانتقلت نظراتهِ المستشيطة نحوهم متابعًا بعصبية مفرطة: - أنا شوفتهم بنفسي.
أشار الضابط لفريقهِ منوهًا: - أقفلي الطريق ده يابني.

ثم طرق بحدة على السيارة وهو يعيد عليهم الأمر: - أفتح الشنطة.

فتح شريف خلفية السيارة، بعدما كسى التوتر المرتبك وجوههم جميعًا، وترجل من السيارة بعدما أشار له ضابط المباحث، ثم أوفض نحو الخلف وفتح السيارة ليتفاجأ بالفعل بتلك الفتاة الملقاة فاقدة وعيها. تزايدت نبضات يزيد مع رؤيتها هكذا، ولم يقوَ على كبح إنفعالاتهِ اللاشعورية من التهافت عليها، حيث جثى على ركبتهِ وبدأ يحاول إفاقتها، باديًا على وجهه الذعر عليها: - نغم! سمعاني!

فسأله ضابط المباحث بإسترابة: - إنت تعرفها!
ف وقف يزيد وبرر الموقف كاملًا له: - أيوة، دي السكرتيرة بتاعتي ودول عمها وولاد عمها.
وأشار نحوهم بعدائية واضحة مستكملًا: - هددوها بالقتل قدام عنيا وياعالم هما كانوا هيعملوا فيها إيه!

لم يتحمل بهجت الصمت بعد كل ذلك، وبعد أن أكتشف إنهم كانوا ضحية مؤامرة للإيقاع بهم متلبسين بتهمة خطف فتاة ومحاولة قتلها عمد: - دي بنت أخويا وكنا مسافرين بيها البلد يابيه، بت مشيت على حل شعرها وهي متغربة هنا لوحدها، أسيبها ولا آخدها معايا لبيتها وأهلها وأربيها من تاني!
لم يصمت يزيد على محاولة بهجت الواهية لتضليل ضابط المباحث وصاح فيه: - محصلش، إنت كنت هتموتها بإيدك إنت وجوز الخيل اللي معاك.

كاد سعد يتهجم عليه، بعدما فقد أعصابه بالكامل جراء كل ما يدور: - ده إنت عايز رباية من أول وجديد يا ×××××.
أشار ضابط المباحث لأفراد من فريقه بعد أن صرخ فيهم: - بس إنت وهو!
تقدم منه أفراد الشرطة فأمر ب: - خدهم كلهم، وكلم الإسعاف ييجي ياخد البنت.
فتحدث إليه يزيد راجيًا: - أنا هروح المستشفى معاها لحد ما تفوق وبعدها هعمل اللي إنت عايزه، من فضلك.

وأخرج بطاقة هويته ليتابع بعدها: - أنا يزيد حسن الجبالي، أنا اللي عملت البلاغ من الأول بأسمي.
دقق ضابط الشرطة بطاقة الهوية، مقارنًا الرقم القومي برقم صاحب البلاغ المُقدم مُسبقًا ليجده مُطابقًا، ف سمح له بذلك: - طيب.

رفعها المسعفين لعربة الإسعاف حينما كان يزيد يُبعد بسيارتهِ عن الطريق ليذهب معها، في التوقيت الذي كانت عربة الشرطة تعج ب وجود عمها وأبناءهِ، ليسير مُخطط يزيد الداهي كما رسم له بالضبط، بدون أي ثغرة تعيق تحقيق مبلغه، لتأمين حياتها تأمينًا كاملًا.

تلك مرتهِ الأولى، التي يرى فيها جرحها بهذا القرب الشديد ويتحسسهُ أيضًا، مما عزز من مشاعر المقت والغضب - من نفسهِ أولًا -، لتسببهِ في تعرضها لحادثٍ كهذا. غمس يونس قطعة القطن بالمطهر وبدأ في تعقيم الجرح قبيل أن يغلقهُ نهائيًا، وتعابير وجهه المختنقة بازغة على وجههِ، حتى هي لاحظت ذلك بين آلامها الطفيفة، ف وضعت يدها على كفهِ وقد فهمت ما يجول في نفسه من جلد شديد لذاتهِ، وأردفت بصوتٍ ناعم لم يتأثر بما تحسهُ من ألم: - يونس، أنا بعيش أسعد أيام حياتي وأنا جمبك، أرجوك متشيلش نفسك العبئ ده، أنا مبسوطة من حالي.

ثم انتقلت يداها نحو وجهه لتمسح عليه بلطفٍ: - كفاية اللي عملته عشاني، أنا دلوقتي كويسة وجمبك.
ترك يونس قطع القطن الملوثة، ثم وضع بطانة سميكة من القطن النظيف على جرحها قبل أن يغلفه بالشاش الطبي قائلًا إنذاك: - وجودي جمبك واللي عملته عشانك ميشفعش إني سيبتك تواجهي اللي حصل لوحدك!
- يشفع.

انتظرته إلى أن أنهى ما يقوم به، ثم اجتذبته ليكون جوارها، وسحبت رأسهِ لتسكن على صدرها، بالقرب من قلبها ونبضهِ المستمر، مسحت بلمساتٍ رقيقة انتشلتهُ من أوج غضبهِ، وأردفت بصوتٍ تسلل بيسرٍ إلى نفسهِ: - حبك ليا يشفع أي حاجه، خلينا نعيش مصيرنا من غير ما نعترض عليه، أساسًا إحنا خسرنا وقت كبير وإحنا مش مع بعض.

قبّلت رأسهِ بحنان دافئ، گأم تتعامل مع طفلها الغاضب بسياسية بحتة، وتابعت: - مش إنت قولت لسه في حاجات كتير معيشنهاش! خلينا نعيش الحاجات دي من غير ما نفكر في اللي حصل.
وانتقلت أصابعها لتلمس بشرتهِ متابعة: - خلينا كده شوية، ممكن؟

أومأ برأسه بدون أن يتحدث كلمة واحدة، سامحًا لمشاعر جديدة كليًا بإختراق فؤاده العاشق، ومتمكنًا من سطوة عقله وتفكيرهِ ليُخمدهم، ليبقى فقط ذلك الشعور اللذيذ مسيطرًا على حواسهِ كافة. إنها المراحل المتقدمة التي تخطى صاحبها كل معاني الحبُ.
- يعني بتتهمي عمك وأولاده إنهم حاولوا يخطفوكي بنية القتل؟

سألها ضابط المباحث بعد انتقاله للمشفى من أجل التحقيق معها، بينما عقلها مشتتًا مهزوزًا، ما بين الإعتراف عليهم، وبين تخليصهم من هذا المأزق. رمى يزيد لها بنظرة راجية، لئلا تتراجع عن تنفيذ مخططهم في اللحظات الأخيرة الفاصلة، ف أجفلت جفونها بأسفٍ، وأجابت: - أيوة، أنا روحت أتكلم مع عمي وأحل الموضوع، لكن هو هددني رسمي إنه ناوي يقتلني.

فتدخل يزيد بدورهِ قائلًا: - وسبق وقولت لحضرتك إنه هددها قبل كده قدامي كمان.
تضايق الضابط من تدخله المفرط أثناء التحقيق، ف تأفف منزعجًا وهو يحذره للمرة الأخيرة: - من فضلك أنا بسألها وهي بترد.
قاطعت نغم حديثه، لتنهي بنفسها هذا الأمر قائلة: - أنا عندي إستعداد أتنازل عن المحضر، بس يتعهدوا ليا بعدم التعرض مرة تانية في المحضر الرسمي.

نهض الضابط عن جلستهِ قائلًا: - أكيد هيقبلوا ده قبل ما المحضر يتحول للنيابة وهنتابع معاكي ده.
شملهم بنظرة أخيرة قبل أن يخرج، حينئذٍ كانت عينا يزيد عليها، ليرى ذلك الضعف البيّن في عيناها، ف دنى قليلًا ومدّ يده إليها: - أساعدك تقومي عشان نمشي؟
رفعت الغطاء عن ساقيها، متجاهلة ذلك الدوّار المؤلم برأسها، وقررت النهوض بنفسها: - أنا هتصرف.

وضع كفهِ على كتفها يثبتها بمكانها وهو يردف ب: - نغم، إحنا بدأنا اللعبة سوا ولسه مكملين، أحب أفكرك بده.
تنهدت وهي تذكره بأسباب قبولها: - أنا وافقت عشان مكانش في حل تاني قدامي، لكن ده مش معناه إن كل حاجه رجعت زي الأول. إنت هتفضل بعيد عني وهتسيب الشقة اللي أجرتها، وأنا هشوف حياتي بقى.
ف لم يستطع كبح جماحهِ وهو يقول بإنفعال: - إنتي مكانك جمبي.

فأصابها بالجنون بكلمته تلك، بعد كل ما أصابهم بسبب أنانيته اللاشعورية - والتي يتمادى فيها -: - بمناسبة إيه! بصفتي إيه يا يزيد!؟
وقفت أمامه تواجهه من جديد، وهي تتابع بصوتٍ مرتفع: - لسه بتمارس معايا أنانيتك، أنا مش فازة أنتيكة عشان عايزني جمبك وحواليك طول الوقت، أنا إنسانه.
وسألته بوضوحٍ متعمد: - عايزني جمبك ليه يا يزيد؟

وعيناها اللامعة تحدق فيه، متجليًا فيها الحزن الشديد المنكتم، فلم تجد سوى نظرةٍ مبهمة، لم تستطع تحديد مغزاها تحديدًا، ف ضحكت ساخرة من وضعهما المؤسف، وأنهت ذلك الحوار الثقيل عليها قائلة: - لما تعرف عايزني جمبك ليه أنا عنواني ميتوهش، إحنا بقينا جيران يايزيد.

سحبت حقيبتها وأوفضت بالخروج ساحبة معها خيبة الأمل من جديد، لتتركهُ برأسه التي تعج بكثير من الكلام الذي لم يعترف به بعد. إنه يحس قلبهِ، لكن تلك الرأس العنيدة ما زالت تقاوم مكابرةً، إن لم يكن يُحب؛ فما هو تفسير حالتهِ المستعصية إذًا؟!

الوسط يحترق، وألسنة اللهيب تلتهم في طريقها كل ما تقابله، وسط مشهد مؤسف وأصوات الصراخ المستغيثة في الأرجاء. إنتهى زُهدي من تصوير مشهد حريق المزرعة - ولا سيما إسطبل الخيول -، وعلى ثغرة إبتسامة شامتة تلوح على سطح وجهه. نظر نحو رجال الأمن المكبلين ومن بينهم مهدي، ثم نظر لرجاله بتفاخر شديد وهو يقول: - خلصنا مهمتنا يارجالة، يلا بينا.

مشهد الحريق كأنه يشفي عليل صدرهِ، كأن نار الثأر بداخله قد انطفأت وباتت رمادًا، جلس في سيارته ينظر نظراتٍ أخيرة إلى ما قام به من إنتقام شرس متوحش، وحرر زفيرًا مرتاحًا من صدره وهو يغمغم ب: - أظن ياغالية كده ارتاحتي.
ابتسمت إبتسامة غارقة في الشرور، وإنعكاس النيران تتراقص في لمعان عيناها الممتلئة بالحقد الشديد: - إرتاحت، طالما ريحانة مش ليا، مش هتكون ليه..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة