قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

نبضها نبضي، بدون حياتها قلبي يموت.
لحظات مرت وكأنها أدهر قاسية مُجحفة، فقد يونس عمرًا من عمرهِ وهو يختبر تلك المشاعر من جديد، ولكن بقوة مُضاعفة الآن، لم تمت. ولكنه يعيش ألم الخوف من فقدانها آلاف المرات في الساعة الواحدة.
في حين أطبق يزيد جفونهِ يعتصرها، وهمس بصوتٍ لم يسمعه سواه: - أرجوكي عيشي، مش هقدر أعيش بذنب تاني، أوعي تعيشيني الشعور ده ياملك.

ونظر لحال شقيقهِ الذي تلفت أعصابهِ، يكاد يفقد وعيهِ من فرط الضغط الشديد. لحظة واحدة كانت قادرة على تبديل الوضع بالكامل ل مأتم حقيقي، أو ل انتصار جديد.
ومع تنشيط صافرة نبضها الذي بدأ يعود من جديد، رُدت الروح للجميع ولا سيّما يونس. وارتختا ساقيّ يزيد وهو يطلق زفيرًا ملتهبًا، وخرج على الفور راكضًا، لا يدري إلى أين وجهتهِ، ولكنه لن يتحمل انتظار أكثر من ذلك.

سحب يونس شهيقًا عميقًا لصدرهِ وزفرهُ دفعة واحدة: - لا إله إلا الله!
أشار الطبيب للمساعد خاصتهِ، والذي تحرك بدورهِ نحو يونس و: - من فضلك ياأستاذ، لازم تخرج من هنا
ف أبى أن يتزحزح خطوة من مكانهِ قبيل أن يطمئن عليها: - مش هخرج قبل ما اطمن عليها
ف تدخل الطبيب المباشر: - ممكن نتكلم برا؟

ف أدرك يونس أن ثمة أمر ما يرغب الطبيب في التحدث به إليه، رنى إليها بنظرةٍ متلهفة يودعها لبضع دقائق على أمل لقاء آخر، وخرج في أعقاب الطبيب الذي بادر مباشرة وبدون تزييف: - المريضة بتضيع مننا، لازم نلاقي العضو اللي هنزرعه بأقصى سرعة، هي مش متحملة أي انتظار.

غرز يونس أصابع يديهِ الأثنتين بين شعرهِ، مستشعرًا العجز الشديد الذي يُكبّله، وهتف مختنقًا: - أنا مش ساكت والله، بعت فاكس للمستشفى في أمريكا عشان لو اتوجدت كلية يعرفونا، وكمان سايب خبر في أغلب الأماكن
خرجت الممرضة إليهم و: - الوضع استقر يادكتور
ف أومأ الطبيب بينما أردف يونس: - هدخل أشوفها، مش هتأخر.

فأشار الطبيب لها كي تسمح له قليلًا، وأوفض هو مستغلًا كل دقيقة، بل كل ثانية، ليقضيها معها. علها تشعر به و ب استنفاذهِ كل طاقتهِ، وإنه لم يعد يتحمل المزيد.
—على جانب آخر—.

أسرع يزيد بخطواتهِ منتويًا الخروج من المشفى نهائيًا، مكتفيًا بالدقائق الأخيرة العصيبة التي عاشها. تجددت جراحهِ بشكلٍ أسوأ، وصورة إبراهيم وعيناه التي اكتستا بالعتاب تُمزق في صدرهِ. بالأضافة ل شقيقهِ الذي يعاني ويلات الذعر عليها كل دقيقة.

هرع يزيد نحو البوابة، وبدون أن ينتبه سقط سلاحهِ من خِصره، ف توقف وتناوله على عجل، وراح يغلق الأمان قبيل أن يدسهُ خلف ظهره. لمحتهُ نغم، أرتعدت فرائصها وهي تراه يمسك بالسلاح ويضعه في خِصره. تلاعبت الظنون بعقلها وظنت إنه س يُقبل على فعلٍ جنوني كما فعل من قبل. لم تدري ماذا تفعل وكيف ستمنعه من ارتكاب أي حماقة، خاصة وأن ملك ما زالت قيد غيبوبتها الطويلة.

ف ركضت من خلفهِ والخوف يملأ صدرها، حاولت اللحاق به ولكنهُ سرعان ما استقل سيارتهِ واقتادها، حتى إنه لم يستمع لندائها الذي تكرر أكثر من مرتين: - يزيد.! أستنى!
أشارت نغم لسيارة الأجرة التي كان صاحبها يتحاسب مع الراكب، ف تحرك بسيارتهِ ليقف أمامها. بينما كانت هي تقول: - سوق ورا العربية الرصاصي دي لو سمحت، آ أخويا مشي ونسيت معاه مفاتيح الشقة.

ف أسرع السائق من خلف تلك السيارة محاولًا اللحاق بها، ولكن يزيد كان گالذي يتسابق في تحدي لسباق السيارات. ف تأففت نغم ب انزعاج من تلك التصرفات المتهورة، وأردفت: - خلاص خليك وراه، مش لازم نوقفه
نظر إليها السائق ب ارتياب عبر المرآة الأمامية، ف حدجتهُ بنظراتٍ محتدمة وهي تقول: - بتبصلي كده ليه هو انا قولتلك حاجه عيب لا سمح الله! بص قدامك ياسطى.

ف أصرف السائق بصرهِ عنها، وبقيت عيناه على سيارة يزيد التي كادت تنفلت منه؛ لكنه أعاد السيطرة على مراقبته له، وظل هكذا طوال الطريق.
- كل حاجه هتتعوض، مش هسيبك تروحي مني بعد ما لقيت روحي معاكي.

همس يونس بتلك العبارة وصوتهِ منخفضًا بالكاد تستمعهُ بين هذا الهدوء المخيف. كفّها بين يديهِ يُعانقهُ، ونظراتهِ لا تبرح النظر إليها، مدّ أناملهِ. تحسس شعرها القصير الذي تمرد عن رباط رأسها الأزرق المُعقم وخرج منه، ثم مسح بظهر أصابعهِ على وجنتها الملساء الباهته، وتنهد قائلًا: - كل حاجه هتتصلح بس تقومي، مش هأجل أي حلم من أحلامنا، ومش هستنى يوم تاني زيادة عشان تكوني في حضني، بس أرجعيلي.

زفر بحزنٍ بلغ ذروتهِ، وأشاح عيناه عنها وهو يردف بمقتٍ شديد: - بس لو أطولها! هقتلها ب أيدي
أهتز هاتفه، شعر به في جيب سترتهِ، أخرجه ومطر للشاشة ليجد أسم عيسى. ف نهض عن جلسته، انحنى عليها ل يُقبل رأسها قُبلة طويلة إلى حدٍ ما، ثم أردف ب خفوت: - دقيقتين وراجع ياملاكي
وترك أصابعها بصعوبة غير راغبًا بذلك، خرج. ف رأى عيسى ينتطرهُ بالقُرب، دنى منه يخطو بعجلٍ، ثم سأله بحزمٍ: - عملت إيه؟ وصلت لحاجه؟

ف هزّ عيسى رأسهِ بالسلب و: - للأسف لأ، بس عندي اللي هيوصلنا
قطب يونس جبينه، حينما كان عيسى يستطرد: - العفريت
أحاد يونس بصرهِ المُشتط عن عيسى، واحتقن وجهه بالدماء ظنًا منه بأن عيسى يمزح: - هو ده وقته ياعيسى!
ف لم تتغير تعابير وجه عيسى الجادة وهو يُكرر مؤكدًا: - أنا بتكلم جد، سيد العفريت هو اللي هيجيب قرار زهدي وغالية مع بعض
تقلصت تعابير يونس و: - مين سيد العفريت!

- ده واحد سوابق له تاريخ طويل أوي أوي مع الشرطة، عليه حكم بالإعدام وواحد بالسجن 15 سنة، عيونه ورجالته في كل حته جوا وبرا الداخلية، يعني مش هيكون صعب عليه يعمل اللي عايزينه
أخرج يونس محفظتهِ من جيب بنطاله الخلفي وهو يسأل ب غير اقتناع: - أنت واثق فيه!
ف أومأ عيسى و: - آه
أخرج يونس ورقة مطوية، ناولها إلى عيسى و: - طيب، ده رقم العربية بتاعت زهدي، خلي حد في المرور يشوفلنا حكايتها إيه ونعرف خط سيرها.

نظر عيسى لرقم السيارة المدوّن بالورقة و: - بسيطة
- مفيش حاجه بسيطة لحد ما آلاقيها ياعيسى
وتحولت نبرتهِ لأخرى متوعدة وهو يتابع: - كده الحساب بقى اتنين، وأنا ناوي أندمها على كل اللي عملته واحد واحد.

قلبها مذعورًا، ونبضها يضطرب مُعلنًا احتجاجًا واضحًا على ما تقوم به من حماقات. لماذا تخرج من خلفهِ وتتعقبهُ گاللصّة وتخشى وقوع سوءٍ له!، ماذا يعني هو لها كي تترك مشاعرها تنجرف نحوه بذلك الشكل المرفوض بالنسبة إليها.

حقدت نغم على نفسها وبغضت ما تفعله في اللحظة التي أيقنت فيها إنه متجهًا للمقابر من جديد، أحست وكأن بداخلها طاقة هائلة ل تقطيع نفسها أربًا أربًا بعدما تركت ساقيها تنساق من جديد نحوهِ، وهو مازال أسير ماضيهِ.
توقفت سيارة يزيد أمام باب المقبرة الضخم وترجل من سيارتهِ ب اندفاع، ترقبت نغم ما يحدث، ظنت إنه سيستكمل سيرهِ إلى نهاية الطريق الذي يقود ل قبر رغدة، ولكنه وقف أمام قبر لم تعرفهِ.

ترجلت من السيارة بعد أن دفعت الأجرة كاملة، وخطت خطوات حسيسة نحو المقبرة. تضاعفت دقّات قلبها، وأشرأبت برأسها لترى نص (مقابر آل الجبالي) على الناصية الرخامية. عضت على شفتها بنزقٍ وأدركت أن غضبها وثورتها كانت هباءًا، ومشت بتؤدة نحو القبر ل تُشاركه تلك اللحظة العصيبة.

تسرب لمسامعها صوت أنينهِ وكأنه يبكي، ف انخلع قلبها بحزنٍ مُضاعف من أجله. ووقفت بمحلّها كي لا تفسد عليه خلوتهِ مع أحبائهِ المتوفيين. انحنى يزيد نحو قبر إبراهيم الجبالي، وأردف بصوتٍ لم يخلو من نبرات الندم: - أنا آسف ياعمي، مكنش ينفع أسيب يونس لوحده يحافظ على الأمانة، أنا كمان كان لازم أحافظ على الحتة اللي بقيت منك، سامحني بالله عليك.

وانفطر قلبهِ لحال ملك أكثر: - أنا محستش بالظلم اللي اشتركنا فيه سوا غير دلوقتي، ملك عمرها ما استحقت تعيش أي حاجه من اللي عاشتها ياعمي
وفرك وجههِ بعنفٍ حتى أصابه احمرار شديد، وتابع: - مكنتش أعرف إن عداوة يونس وغالية ممكن تصيب ملك، لو أعرف مكنتش سيبتها هناك لحظة. والله ما كنت سيبتها
- كفاية يايزيد!

انتفض يزيد من مكانه وهبّ واقفًا أثر صوتها الذي أتى من خلفه، حدجها بنظراتٍ مذهولة، ونظر حوله بعد ذلك قائلًا: - أنتي بتعملي إيه هنا! جيتي إزاي!؟
ثم انفعل عليها متابعًا: - أنتي بتراقبيني؟
ف هزت رأسها بالسلب وهي تدافع عن نفسها: - لأ والله لأ، لما خرجت من المستشفى ماسك المسدس بتاعك اتخضيت، افتكرتك هتعمل أي حاجه تخاطر بيها بنفسك زي قبل كده، جيت وراك وانا معرفش إنك جاي هنا، والله ده اللي حصل.

ثم دنت منه و: - كفاية تحمل نفسك ذنب كل حاجه، اللي حصل لملك ده نصيب وأخدته وهتقوم منها أنا حاسه
تدرأت، ومدت أطراف أناملها تُزيل بقايا دموعهِ المنسابة على صدغيهِ، وتابعت: - أنت مش السبب يا يزيد، مش كل حاجه تشيل حملها وذنبها لوحدك.

سحبت يدها فورًا وقد أحست بتحرج من نظراتهِ التي ارتكزت عليها بدون أن يرمش رمشة واحجة، في حين أخفض هو بصرهِ و: - حتى لو مكنتش السبب، أنا عمري ما عاملت ملك على إنها بنت عمي وحته مني، من دمي
وتابع حانقًا على نفسهِ: - طول عمري بعاملها إنها بنت منار وبس
قطبت نغم جبينها بدون تفهم تلميحهِ المبهم الأخير، وسألت بفضول: - يعني إيه!؟ إيه علاقة طنط منار الله يرحمها؟

أدرك يزيد توًا إنه كاد يقع في المحظور، وتدارك الأمر على الفور وهو يبرر ب حجة واهية: - عمري ما حبتها، عشان كده يعني
ثم التفت ينظر نحو القبر كي ينهي ذلك الحوار الذي كاد يصل لنقطة غير محمود عُقباها، وأردف ب: - أنا هقرأ الفاتحة عشان نمشي.

رفع أكُفهِ أمام وجههِ، وأجفل ناظريهِ عن القبر ليبقى خاشعًا مُغلفًا بأحزانهِ، وأثناء قراءة الفاتحة انسابت عبراتهِ الحارقة لتتساقط گ زخّات المطر في قلب كفيهِ. وأطبق جفونهِ وهو يُختخت بنبرة مريرة: - بسم الله الرحم?ن الرحيم..

شعور الندم على ما سلف يقتلهُ، إن حيت ملك سيتغير كل شئ، س يراضي عمهِ فيها، ولن يتهاون في حمايتها بجانب يونس، س يبني لها من ظهرهِ جدارًا جديدًا تستند عليه، وأبدًا لن يُحزنها كما في السابق.
مسح يزيد على وجهه وأزال كل آثار الدموع، ثم التفت إليها ليجدها انتهت توًا من قراءة الفاتحة والدُعاء. ف أشار لها نحو باب الخروج: - أتفضلي.

خرجت أمامه وهو في أعقابها، وبعدما أغلق الباب التفت إليها قائلًا بنبرة ممتنة: - شكرًا عشان جيتي ورايا
ف أطلقت سراح بسمةٍ ودودة تبسمت بها، ثم نظرت أمامها و: - على إيه! يلا بينا
اضطر يونس الذهاب ل منزل الجِدة كاريمان، التي لم تبرح المشفى ل يومان متتاليان منذ ما حدث، ظلت أغلب الوقت بجوار ملك، تُحدثها وتُحثها على ضرورة مقاومتها حتى تعود بينهم.

هي من أكثر المتأثرين بما حدث، إصابة ملك ذكّرتها بوفاة ابنتها الوحيدة والدة حفيديها يونس، يزيد، فقدتها مبكرًا، كانت في أوج عُمر الشباب، ولكنها لقت حتفها.
الذكريات المؤسفة والمحزنة جميعها نشطت في ذاكرة الجميع، حيث اكتشف كل منهم أن قلبهِ عبارة عن مقبرة كبيرة تعج بالأحداث الحزينة والمؤسفة، كلٍ منهم تذكر غاليًا فقدهُ ووراه أسفل التراب. ف أصبح العبئ ثقيلًا للغاية على قلوبهم.

جمع يونس أغلب الأشياء التي ستحتاج لها كاريمان على الأقل لتبديل ثيابها، وبعض الثياب من حوائج ملك التي بقيت هنا. جمعهم وكُله أمل أن تستيقظ ل تستخدمها بنفسها.
أغلق الحقيبة وسحبها خلفهِ كي يهبط الدرج، ف وجد يزيد قد وصل هو الآخر. بدا على وجه يونس بعض تعابير الإرتياح، ف ابتهج يزيد قليلًا وهو يسأل آملًا: - ها، ملك فاقت؟

ف هز رأسه و: - لأ لسه، بس خلاص لقينا كلية مناسبة ودلوقتي التحاليل والفحوصات بتكمل عشان نعرف مطابقة ولا لأ
ف سأل يزيد متلهفًا: - لقيتها فين؟
ف أطرق يونس رأسهِ بأسفٍ و: - واحد توفى في حادثة، المستشفى أستأذنت أهله وهما وفقوا بالتبرع فورًا
تنغض جبين يزيد و: - يعني ميت؟
- متقلقش أنا سألت الدكتور وقالي مفيش خطورة، المهم إنها تكون مطابقة لأنسجة ملك.

ثم أشار للحقيبة و: - أنا جيت آخد شوية حاجات لنينة ولملك وراجع المستشفى
رنّ هاتفهِ، ف نظر للشاشة وأجاب على الفور متلهفًا لسماع الجواب الذي سيحل كل ذلك: - ألو، طمني الله يخليك
تنهد يونس ب ارتياح شديد، وأخيرًا انبعجت شفتيهِ بسعادةٍ وهو يقول: - الحمد لله، طب هنعملها أمتى؟ ياريت في أسرع وقت، شكرًا.

أغلق المكالمة، نظر لشقيقهِ ليستطيع رؤية اللهفة في عيناه، ف هتف على الفور: - مطابقة، بكرة هتعمل العملية على طول
وسحب الحقيبة على الفور وهو يغمغم ب: - الحمد لله رب العالمين، الحمد لله.

خطواتٍ مرحة خطى بها للخروج ومن خلفهِ أخيهِ، كأن الروح بُعثت فيه من جديد بعدما ظنها ماتت بداخله. منذ هذه اللحظة وحتى الغد لن يهدأ، حتى يطمئن نهائيًا إنها تجاوزت عملية زراعة الكلى، وأصبحت في حالٍ يسمح لها أن تفتح عيناها المغلقة منذ يومان وأكثر، لتطل عليه بعيناها الخجولتين الجميلتين گحباتٍ من فُستق، ف ينزرع بصدرهِ زهور برية حاملة رائحتها. سيقضي الليلة معها، ولن يتركها حتى الصباح الذي س يشهد نهوضها من جديد.

الساعة تدق التاسعة والربع صباحًا.
اخترقت الرياح الخريفية الرطبة جميع مداخل ومخارج المشفى، حينما كانت كاريمان تُغلق المصحف وتنزع نظارة القراءة خاصتها، ثم تمتمت بصوتٍ خفيض: - إن شاء الله تقومي بالسلامة يابنتي
ثم نظرت ل نغم الجالسة جوارها، كانت قد غفت رغمًا عنها بعدما أنهت قراءة ورد كبير من القُرآن الكريم، ف ربتت كاريمان على يدها و: - كنتي روحتي نمتي شوية يانغم، أنتي هنا من امبارح.

ف مسحت نغم على وجهها تزيل آثار النعاس من عينيها و: - مقدرش أسيب ملك هنا وأمشي يانينة
حضر يزيد حاملًا مُعلبات من مشروب الفواكه الطبيعية، ناول كلا منهن واحدًا وهو يقول: - أشربوا أي حاجه
ف سألت نغم وهي تتناوله منه: - هو يونس فين من ساعة ما خرج من عند ملك مش شيفاه!
- بيخلص شوية إجراءات عشان العملية فاضل عليها نص ساعة
ونظر لساعة يده وهو يتابع: - دقايق وجاي.

ثم أشار ل نغم بعينه كي تتبعهُ، تفهمت الأخيرة الوضع ونهضت من خلفه حتى وقفن في مكانٍ بعيد و: - في إيه؟
فسأل يزيد وإشارات الإستفهام تملأ وجهه: - التليفون بتاعي كنت ناسيه في الشركة، إمبارح لما
جيبته فتشت فيه، لقيته متفرمط كله. مين دخل المكتب بتاعي في اليوم اللي خرجت فيه بدري؟

ضغطت على رأسها محاولة تذكر ما حدث في ذلك اليوم، ثم أردفت ب: - في إتنين جم من شركة تسويق، كانوا عايزين يقابلوك وسابوا الكارت بتاعهم
ف سألها ب ارتياب: - ملاحظتيش أي حاجه تاني عليهم!
اضطربت نغم وبدت مرتبكة وهي تتذكر تلك التفصيلة التي أدت لكل ذلك، وذمّت على شفتيها وهي تردف ب: - تقريبًا أنا السبب في اللي حصل!
ف تجهم وجه يزيد و: - يعني إيه؟ إيه اللي حصل يانغم!

جمعت نغم شعرها وأعادته للخلف منفعلة و: - سيبتهم في المكتب بتاعي وروحت أجيب ميا للبنت، بس سيف عطلني ووقفني كان بيسأل عن حاجه
ضرب يزيد كلا يديه بعضهما البعض، رمقها بنظرات لا تخلو من الغضب، ثم صاح ب: - يعني لولاكي مكنش حد دخل مكتبي واستخدم تليفوني، مش كده!
ابتعد يزيد خطوات للخلف و: - لسه لما يونس يعرف كمان!
نظر يزيد في ساعة يدهِ وغمغم ساخطًا: - مش فاهم هو أتأخر ليه؟

وتحرك لكي يبحث عنه ويبلغه بتفاصيل ما حدث، استوقفته نغم كي تعتذر عما حدث بدون انتباه منها و: - أنا آسفه والله مكنتش أعرف آ..
ف أشار لها كي تصمت و: - أسكتي، ياريت تسكتي
وأوفض بعيدًا عنها كي يذهب ل رئيس الأطباء، والذي سيكون مسؤولًا عن عملية ملك. كي يسأل متى تبدأ العملية خاصتها.
طرق على الباب ودلف، لم يجده، ف سألته الممرضة المساعدة له: - في حاجه يافندم؟ بتدور على حد؟

- آه، دكتور نظيف كان المفروض هيدخل عملية زرع الكلى بتاعة بنت عمي، بس مش لاقيه!
- العملية بدأت من نص ساعة والدكتور زمانه هناك دلوقتي
اتسعت عينا يزيد ب استغراب و: - إزاي؟ محدش بلغني ولا أنا ولا يونس إنها بدأت!
ف قطبت الممرضة جبينها و: - أكيد حضرتك غلطان، أستاذ يونس دخل هو كمان العمليات من نص ساعة تقريبًا و..

ف استوقفها يزيد عن متابعة الحديث، وقد اضطرب قلبهِ بتوترٍ ملحوظ: - ثانية واحدة من فضلك، يعني أنتوا سمحتوا ليونس إنه يحضر العملية ولا إيه مش فاهم!
ف أوضحت له الممرضة بدون أن تعي إنه يجهل بالأمر: - لأ يافندم، أستاذ يونس هو المتبرع بالعضو عشان كده آ..
- إيه، بتقولي إيه..!

وغلفت الصدمة حواسهِ أجمع، إذًا كل ما حدث كان لعبة. مجرد لعبة اختلقها يونس وأجاد التمثيل والتجسيد فيها، حتى يُبعد ب شقيقهِ عن الأمر نهائيًا، ويكون هو في النهاية المتبرع ب عضو من جسدهِ ل ملك. حتى وإن فنى? روحهِ، سيكون هينًا لأجل غاليتهِ الحبيبة ملك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة