قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والأربعون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والأربعون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثاني للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والأربعون

حُييّتُ بِها، وهل لي بعدَ الحَياةَ معها مَطلبُ!
كان أمرًا متوقعًا من شخص مثيله، لن يفوّت الفرصة إلا وهو مقتنصًا لها. تفحص يونس بتدقيق معالم وجهه الغامضة، يقرأ من بينها الخباثة البينّة، ثم أفتر ثغرهِ مستهزئًا بهذا الوضع، بعدما سحب يدهِ المصافحة له، وأردف متسائلًا بفضول: - شرط إيه!؟
لم يمطّ زُهدي في الحوار معه، وأتى برغبته مباشرة بدون مراوغة: - ريحانة.

ومضت عينا يونس و تلقائيًا كان حاجبيه يرتفعان عن وضعيتهما، استطاع زُهدي أن يرى ذلك بسهولة، مما جعله يسترسل في الحديث بدون توقف: - عايز الفرسة اللي حصل عليها كل الحرب دي. أظن كده أقل تعويض عن موت مراتي.

كأن الأمور باتت أكثر تعقيدًا، مما استصعب عليه ربط الأحداث المتوالية معًا، خاصة تلك الصفة الأخيرة التي نعت بها زُهدي زوجته المتوفاة. ضحك يونس يكاد الجنون يتمكن من عقله، وهو يهتف بذهول: - مراتك! مكنش عندي علم بالتطورات دي الحقيقة.
وأجفل بصره بعدما أضاء عقلهِ بالصلة التي جمعت بينهما والتي تسببت في تدخله بينهم منذ البداية: - كده أنا فهمت، هي مراتك وانت شاركتها في اللي عملته.

وعاد وجهه يكتسب حدتهِ الحازمة متابعًا: - بس أنا مش بقبل المساومة. شرطك مرفوض، لو جاي عشان نفضّ الليلة اللي مكنش ليك فيها دي أنا موافق، هتتشرط عليا يبقى لأ. واللي عنده حاجه عايز يعملها. يعملها.
ثم نظر بإتجاه معتصم وأردف ب: - تسلم على الهدية، وإن شاء الله أردهالك.

وأشار لأحدهم كي يرفع معتصم عن الأرضية ويحتبسهُ في مكانٍ ما بالداخل، حتى يتخذ ضدهِ الإجراء المناسب له. ظن أن زُهدي سيجادل معه، أو على الأقل يعقب على عبارة يونس التي فصلت الأمر؛ لكنه لم يفعل. ترك خلفهِ علامة إستفهام حول ما يفكر به ويدبر له، وانسحب بهدوء مريب هو ورجاله مثيرًا تحفظ يونس. إنه لا يرتاح أبدًا، كلما اعتقد إنه بدأ فترة هدنة؛ تنقلب الأمور رأسًا على عقب من جديد، ويظهر شيئًا يعكر صفو الأحداث التي لا تخمد بتاتًا. نفخ يونس بإنزعاج شديد، ودّ لو إنه استطاع مهاجرة كل شئ بالفعل؛ لكن شعورهِ بالمسؤولية يحطم أي فكرة تجول في رأسه، ولا سيما ملك، صغيرته التي لم تتعافى بعد، ولم ترى من الحياة زهوها. مضى نحو الداخل من جديد، ورأسه گالكُرة التي تشبه الممخضة، ظلت تتقلب على الأرضية حتى هلكت تمامًا.

لم يكن على قدرٍ كافي من الإستعداد لمواجهة محتومة گتلك، مفاجئتهِ بها جعلت فكرهِ يتشوش، فلم يجد ردّ يشبع فضولها اللانهائي بشكل لا يُفسد عهده؛ لكنهُ بقىَ مُجبرًا على إجابتها بعجلٍ كي لا ترتاب من صمتهِ المذهول: - مش عشان كنت قريب من عمي يبقى هعرف كل التفاصيل الصغيرة دي ياملك، أنا معرفش أي حاجه عن مرات عمي غير إنها توفت من سنين طويلة وعمي خبى عنك في البداية لحد ما تتعودي على غيابها، بس.

لم يكن مقنعًا كفاية بالنسبة لها، لذا لم تتراجع عن الإلحاح المستمر عليه: - بس أنا حاسه إن في حاجه تانية مش عايز تقولها، في حاجه كلكوا عارفينها ومخبيين عني.
حاولت أن تستقيم في جلستها وعيناها ما زالت عليه، ثم أردفت متسائلة بإسترابة: - متأكد يا يزيد؟
لم يتوانى في إظهار ثباته، علها تعدل عن اجتهاداتها لإجتذاب الكلام من جوفه: - طبعًا.

فتحت قلبها معه، ولأول مرة تُحرر تلك الحقيقة من صدرها لتعترف بها أمامهِ: - أنا عارفه إنك مبتحبنيش، ودايمًا مش مستلطف وجودي، وإنك جابر نفسك تتقبلني عشان بابا الله يرحمه ويونس.
أسبلت جفونها بضيق إمتلأ به صدرها، وتابعت بتأثرٍ حقيقي: - مش عارفه السبب إيه، بس أنا دلوقتي محتاجه منك تصارحني وتريح قلبي. التفكير هيجنني يايزيد.

كلماتها الأولى أزعجتهُ قليلًا، بل أزعجتهُ جدًا، لذا لم يفوّت فرصة الرد عليها بنبرة بدت حازمة إلى حدٍ ما: - أنا مش بكرهك ولا في بينا حاجه وحشه، كل الحكاية إننا مش متعودين على بعض، لكن إنتي بنت عمي ياملك ومستحيل هضايق منك أو أكون مش حابك زي ما بتقولي. أنا آ..
تردد كثيرًا قبيل النطق بها، لكنه استشعر وجوب قولها: - آسف، لو خليتك تحسي حاجه زي دي.

وقبل أن يهمّ بالخروج كانت ملك تستوقفه قائلة: - مش هتقولي الحقيقة!
- مفيش حقيقة تانية عشان تعرفيها، شيلي الموضوع ده من دماغك ياملك.

ولم يوليها فرصة للتساؤل والمجادلة مرة أخرى، أوفض بالخروج هربًا من محاصرتها له. تنفس الصعداء مجرد خروجه، وخرج بإتجاه ساحة البهو ليستمع إلى ذلك الصوت الأنثوي المستغيث بالخارج. لمح سهر، فكان التنبؤ بما أتت لأجله يسيرًا، ظل بعيدًا عن أنظارها لئلا تشعر بالحرج؛ لكنه استمع لكل ما قالته بعصبية لم تخلو من القهر: - هبلغ عنه وهقول إنه سرق مني إبني وهرب بيه، مش هستناه سنين عشان يرجعلي بيه ياأستاذ يونس.

أشار لها بكلا كفيه لتهدأ، وحاول أن يضغط عليها قليلًا لتتخلى عن تلك الفكرة: - الأمور متتحلش كده ياسهر، أصبري شويه وأنا هحاول أوصله. لكن لو أخدتيها بالعند إنتي عارفه عيسى أكتر مني، ميتعاندش.
لم تتوقف عيناها عن ذرف الكثير من الدموع، شاعرة بصدرها يضيق عليها وكأنه لا يسع حتى الهواء الداخل إليه: - أنا مقدرش أعيش من غير مازن.
- عارف، بس مسألة وقت وأنا هحل الموضوع. روحي دلوقتي ولو في حاجه عرفتها هكلمك.

بقيت واقفة بعجزٍ متملكها، حالها ذاك يؤرق يونس وبشدة، مستشعرًا الذنب كونهِ لم يبذل مجهود على الأقل ليجعله يتراجع عن ذلك، لهذا كان قرارهِ بمحاولة إعادتهِ من جديد قرارًا لا يقبل المفاوضة.
خرجت منكسرة، گمن حطت عليها الدنيا كلها في لمح البصر، وبقى يونس ساهمًا واجمًا بمكانهِ، حتى وجد يزيد بجوارهِ، يخبره على حين غرة: - ملك بتسأل عن مامتها.

ملأ المحيط صوت ضحكتهِ الساخرة، حتى أحمرّ وجهه بحُمرة فاقعة، وغمغم من بين ضحكتهِ: - المصايب كلها بتيجي عندي بالجملة، أنا مش ملاحق.
وتابع ضحك وسط نظرات يزيد المذهولة وهو يتابع: - ياأخي أنا بنام بحلم بالمصايب!
وسار بإتجاه الردهه متابعًا التحدث إلى نفسه: - أنا بالشكل ده مش هلحق موسم التزاوج، آه والله!

راقب يزيد ابتعادهِ بنظرات امتزجت بالشفقة والحيرة، حتى هو لم يكن يتحمل أن يعيش كل تلك الضغوط المتوالية بدون أي فواصل زمنية، إذًا ما حال شقيقهِ الذي كان بعيدًا عن محور الأحداث، وفجأة وجد نفسهِ متصدرًا فوهة المدفع!

حتى أشهى الأكلات التي تحب صنيعها وتناولها كانت تصنعها والحزن مخيمًا بقساوة على وجهها الذابل. وقفت نغم بالمطبخ تلتهي بصنع (مكرونة بالبشاميل)، كانت تحفظ كل خطواتها، وتقوم بكل شئ بدون وعي. تسيطر عليها أفكارها المضطربة من ناحية، و يزيد من ناحية أخرى. أغلقت الموقد الداخلي وتركت الطعام يبرد، ونزعت عنها قفازاتها المطاطية وهي تخرج من مكانها، لفتح الباب الذي دقت أجراسهِ للتو. بدون أن تنتبه، وفي غفلة من الزمن، كان يزيد يدخل لشُقتها بدون أن يتفوه كلمة ويجلس على أقرب مقعد، رمقتهُ بفتور منفعل، وصفقت الباب وهي تردف ب: - وجودك هنا مش صح يا يزيد.

لم يكترث بما قالته، وصرح لها بما علمه: - عمك صورنا وبعت الصور ليونس النهاردة.
تحفزت حواسها وهي تجلس قبالته، وتسائلت بتوترٍ غمر ملامحها: - صورنا إحنا!
ترك يزيد قداحتهِ بعدما أشعل سيجارة، وسأل بفضولٍ مريب: - عمك ده ملهوش نقط ضعف!
فكرت قليلًا، ولكن عقلها المزدحم -هذه الآونة- لم يسعفها كثيرًا: - معتقدش، عمي أهم حاجه عنده عياله وأملاكه. مفيش أي حاجه تاني تهمه.

حرر دخان التبغ من جوفه، ولم يقتنع كثيرًا بما قالته نغم تحت وطأة هذا الضغط: - مستحيل، مفيش بني آدم ملهوش نقطة ضعف.
انتبه لإرتداءها مريول المطبخ الأخضر، المنقوش برسومات رقيقة، ثم تخللت حاسة الشم رائحة طعام شهي، جعلهُ يتذكر الجوع الشره الذي أحسهُ في تلك الأثناء، لينسى كل ذلك لوهله، ويسأل بفضولٍ إلتمعت له عيناه: - إنتي عامله مكرونة بشاميل.!؟

اتسعت عيناها قليلًا، وانفرجت شفتيها ببلاهة وهي تسأل: - نعم! إحنا بنتكلم في إيه وإنت بتقول إيه!
نظر لساعة يدهِ، فإذا بها الثامنة والنصف مساءًا، ف عاد ينظر نحوها و: - بقول إني جعان جدًا دلوقتي ومش عارف أفكر.
ذمّت على شفتيها بحنق، وهي تترك جلستها وتنتقل نحو المطبخ، غابت لبضع دقائق بالداخل، ثم خرجت تحمل عُلبة بلاستيكية مغلفة، ناولته إياها وهي تقول: - إتعشا فوق بقى.

واجتذبتهُ برفق من ساعدهِ وهي تتابع: - لما تفكر إبقى قولي وصلت لإيه.
نظر للطعام ثم عاد يرمقها بإستنكار وهو يردف: - محسساني إنك بتديني حسنة!
تجاهلت تعقيبهِ الفظّ، بينما خرج يزيد من باب شُقتها گالذي تلقى دلوًا مثلجًا على رأسه، خاصة بعدما أغلقت الباب في وجهه، وأردفت من خلفه: - متنساش تجيب العلبة بتاعتي.

قرّب العُلبة من أنفهِ قليلًا، ف ازدادت حماستهِ لتذوق صنيعها اللذيذ. أوفض بالصعود لأعلى منتشيًا، بعدما ارتسمت البهجة على ملامحه، تاركًا وراءهِ كل ما يعكر الصفو ويُفسد المزاج في هذه اللحظة.

مرت عليه ساعات عديدة، وهو يكافح بأضنىَ جهدهِ لعبور الأزمة، أراد وبشدة أي يجد الحلول السريعة لكل ما يدور من حوله؛ لكن الأمور كانت تتطور بشكلٍ سريع حجب عن عقلهِ استطاعتهِ لإيجاد الحل المناسب. ظل هكذا حتى أحس بتورمٍ في رأسهِ من فرط التفكير، ف نهض تاركًا فراشهِ متجولًا في المحيط بقنوط شديد، وفرك عيناه بعنف جعلها تصاب بالإحمرار وهو يغمغم: - في حل لكل اللي بعيشه، أكيد في حل بس أنا مش عارفه.

فتح زجاج الشرفة، لتخترق برودة الأجواء الشتوية الليلية غرفته، وأشعل سيجارة ليحرق تبغها صدرهِ. عدة أمور تداخلت في رأسه، إلى أن أضاء عقله بفكرة شديدة الجنون، فكرة متهورة؛ لكنها الفكرة الوحيدة التي ستؤدي الغرض في تلك المرحلة. لمعت عيناه كأن بصره وقع على كنز نفيس، وألقى السيجارة في الهواء - گعادتهِ الشهيرة - ثم صفق زجاج الشرفة وهو يردف بتحمسٍ شديد: - ليه لأ! أنا هفضل مستني لحد أمتى يعني!

تناول هاتفهِ بعجلٍ، وهمّ بالخروج من غرفتهِ متعجلًا، يعلم جيدًا إلى أين وجهتهِ.
كانت غافية بعمق، مستريحة، مسترخية، كأنها في بؤرة شعورها بالأمان المُطمئن، حينما ولج يونس بهدوءٍ دون إحداث جلبة، وفتح إضاءة الأباجورة الخافتة ثم همس بإسمها مناديًا: - ملك. أصحي عايزك.
لكنها لم تصدر أدنى إيماءه تدل على سماعها، ف كرر محاولتهِ وهو يمسح على بشرة وجهها برفق: - ياملك.

بدأت أجهزة استشعاراتها الحسية تشعر بملمس يدهِ على وجهها، ف تقلصت ثنايات وجهها وهي تحاول فتح عيناها، حتى سمحت لبصرها المشوش بأن يلمحه. أطبقت جفونها من جديد، وهي تختخت بصوت ضعيف: - إيه يا يونس؟
- قومي بسرعة عايزك في حاجه.
انتبهت لنبرتهِ المثيرة للقلق، ف أجبرت نفسها على الإفاقة، وحاولت أن تعتدل في نومتها متسائلة بفزعٍ: - في إيه يايونس، إيه اللي حصل؟ في حاجه حصلت!

ابتسم متعمدًا تهدئة روعها قليلًا: - مفيش حاجه متقلقيش أوي كده، بس في مشوار مهم لازم نروحه سوا.
تنغض جبينها بإستغراب، ونظرت حولها كأنها تحاول تخمين التوقيت الذي يتحدثون به الآن: - مشوار مهم!؟ دلوقتي؟
رفع عنها الغطاء وهو يجيبها: - آه، مهم جدًا جدًا. أعتبريها مفاجأة.
مدّ يده لها كي يعاونها لتنهض، وأردف إنذاك: - مش هتعبك في حاجه ومش هنتأخر.

استعانت به مستندة عليه، وأشارت للخزانة قائلة: - طب هغير هدومي و..
قاطعها بإصراره العجيب والمثير للذهول: - مش لازم، إنتي كده زي القمر.
انفرجت شفتيها ببلاهه، وهي تنظر لثيابها الشتوية الثقيلة معقبة: - بالترنج يايونس؟
- آه بالترنج، مفيش وقت صدقيني.
واجتذبها برفق متابعًا: - المهم أمشي معايا بالراحة.

سارت معه بطواعية، وهي ما زالت لا تفهم أيًا مما يحدث. أجلسها في سيارتهِ ووضع لها حزام الأمان أيضًا، ثم استقر في مكانهِ بجوارها، وإمارات السعادة متجلية على وجهه المتحمس، فسألته بإسترابة: - مش هتقولي رايحين فين؟
غمز لها بنصف عين، وهو يجيب سؤالها: - تؤ، مفاجأة ياملاك، مفاجأة.

لم يكن طريقًا طويلًا حتى وصل بها للمكان المنشود، بقيت هي محتفظة بالصبر دون أن تسأل من جديد، لكن بداخلها تتآكل من فرط الفضول. راقبت الطريق بأعينٍ دارسة مستنبطة، ونظرت لثيابها بخجلٍ وهي تردف: - مش كنت غيرت هدومي أحسن!
التفتت عيناه تنظر إليها بهيام، وقال بنبرة إعجاب: - إنتي حلوة في كل حالاتك وفي كل وقت، وبعدين الترنج ولا عريان ولا ملفت، أنا كمان نزلت بالترنج عادي أهو.

صفّ سيارتهِ أمام إحدى البنايات، ونظر للطريق من حوله وهو يقول: - خليكي لحد ما أنزلك بنفسي.
أخرجها بنفسه مراعيًا الرفق بمواضع إصابتها، ثم اجتذبها بلطفٍ بالغ وهو يقول: - من هنا.
نظرت حولها بذهول، قبل أن تخطو لداخل البناية خطوة: - هو إحنا جايين لحد ولا إيه!
- لأ.
لم تتحمل ملك صبرًا لأكثر من ذلك، وألحت في رغبتها لمعرفة ما يدور: - قول بقى يايونس، أنا مش قادرة أخمن.

فتح لها باب المصعد، وهو يضللها بعض الشئ: - هتعرفي حالًا، نطلع بس الدور التاني وكل حاجه هتشوفيها بنفسك.
صعد بهم المصعد للطابق الثاني حيث المكان المنشود، وما أن خرجت ملك من المصعد حتى تفاجئت بتلك اليافطة العريضة أمام عينيها، تطلعت إليها بعدم تصديق، ثم نظرت إليه لترى تلك الإبتسامة المتحمسة تغرق وجهه، ف تسائلت بنبرة متقطعة: - ا، المأذون!؟

هزّ رأسه إيجابًا، وخرج صوتهِ المبتهج قائلًا: - آه، أنا خلاص مش هستنى تاني.
ضحكت وهي تعيد النظر لليافطة بتدقيق، بينما أمسكت يدهِ كفها متشبثان ببعضهما البعض، وخطت معه خطوة للأمام كي يدلفان لداخل مقر المأذون الشرعي، الذي استقبلهم استقبالًا حافلًا: - أهلًا وسهلًا ياأستاذ يونس، والله لو حد غيرك عمري ما كنت هفتحله المكتب في ساعة زي دي.
ابتسم يونس بإمتنان و: - ربنا يعزك ياشيخنا، يلا بس عشان مستعجلين.

أشار لهم المأذون نحو الطاولة، ثم رفع سماعة الهاتف الخلوي ليردف: - أبعت الشهود يابني.
ثم انتقل بدفترهِ الضخم نحوهم قائلًا: - دي أغرب جوازة شوفتها في حياتي.
كتمت ملك ضحكة بداخلها، بعدما نظرت لهيئتها وهيئة يونس، حينما كانت عيناه تغرق في تفاصيل وجهها الجميل، وأردف متسائلًا: - الشيخ دلوقتي هيسألك هل تقبلين الزواج به.
تحمس أكثر وأكثر، واندفع الأدرينالين في جسده وهو يسألها: - تقبلي؟

خفق قلبها بشدة، وأحست به يكاد يخرج من بين أضلعها من شدة السعادة، إنه العوض الذي طال انتظاره، وها هو يتحقق في طرفة عين، بينها وبين تحقيق الحلم دقائق، دقائق وتغدو زوجة للرجل الوحيد الذي عشقتهُ حتى النخاع، ووقعت أسيرة بين شباك غرامهِ. أدمعت عيناها بحبورٍ شديد، وأجابت بدون أن انتظار: - أقبل.

مدّ يدهِ لها، حتى وضعت كفها في كفهِ بعناقٍ عميق، وهي تواجه قشعريرة لطيفة سرت في سائر بدنها المرتبك، ليضع الشيخ المنديل الأبيض على كفيهما، ويبدأ عقد قرانهم، حينما دقت الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة