قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الحادي والعشرون

أحيانًا نحتاج للبُعد، كي نكتشف حقيقة إننا لا نستطيع التعايش بدون النصف الآخر، وإننا لا نقوَ على فكرة الفراق إن ترسخت في قلوبنا.
نهضت عن الفراش بصعوبة لفتح الباب، مستشعرة تكسير وآلام متفرقة في أنحاء بدنها ناتجة عن إصابتها بالبرد. استندت على الحائط وهي تفتح الباب، وابتسمت بتزييف لطفلها وهي تسأله: - جيت بدري ليه ياحبيبي؟

دخل مازن منحرفًا عن إجابة سؤالها قائلًا: - في ضيف معانا ياماما، بابا بيقولك ألبسي حاجه قبل ما يطلع.
تغضن جبينها بفضول وهي تتحسس ملابسها وتنظر لهيئتها، وسألته بفضول: - ضيف مين ده؟
- دكتور صاحب بابا، جاي يكشف عليكي.

دلفت سهر للداخل كي تبدل ثيابها بأخرى تناسب رؤية الطبيب لها، وحاولت بقدر الإمكان ألا تتأخر في ذلك - رغم بطء حركتها اللاإرادية - إلا إنها أنجزت ذلك بأسرع وقت، وتأهبت لتلك الزيارة المفاجئة التي لم تحسب لها حسابًا. ثمة شعور بالسرور تخلل وجدانها، وكأن الطاقة التي انبعثت إليها قد جددت قليلًا من شحوب وجهها الذي تبيّن عليه علامات المرض، كأنما لزيارته سحر لم تكن تدركه إلا بعد كل هذا الغياب. صوتهِ الذي رنّ في آذانها نشّط الأدرينالين في عروقها، وسرّب دفئًا مضاعفًا لوجنتيها اللاتي تأثرن بحرارتها المرتفعة، فلم تتأنى أو تطيق انتظارًا لأكثر من ذلك، وكأن لرؤيته تأثيرًا گالترياق الشافي لكل ما تعانيه منذ أيام، ف خرجت على استحياءٍ، ومررت بصرها بينهم قبل أن تهتف بصوت خرج من جوفها ضعيفًا متحشرجًا: - مساء الخير.

رفع بصره نحوها تلقائيًا، وارتكزت نظراته المتفحصة عليها يستكشف تعابير وجهها التي افتقدها كثيرًا بالفترة الماضية، وأجاب بثباتٍ لم يهتز: - مساء النور، أنا جيبت معايا دكتور محمود هيطمن عليكي ويكتبلك العلاج المناسب.
فركت أصابعها بتوترٍ شاعرة بالحرج: - مكنش ليه لزوم تتعب نفسك.
- لأ طبعًا إزاي!
وقف الطبيب عن جلسته وأردف مصاحبًا صوته إبتسامة بشوشة: - ممكن ترتاحي هنا يامدام سهر.

ف جلست سهر على المقعد الوثير حيث أشار، ليبدأ في معاينتها جيدًا قبل إعتماد العلاج المناسب لها، بينما راقب عيسى ما يحدث بتركيز دقيق، أو الأحرى إنه كان تاركًا كامل تركيزه معها هي، بدون أن يشعر كمّ افتقدها.

رغم إنها طمأنتها قليلًا على حال ملك، إلا إنها ما زالت قلقة، وكل ما تفكر به هو الخطر الذي حاوطها. لم تشعر كاريمان بالراحة أبدًا منذ أن علمت بشأن ولادتها المبكرة، واستعانت بالدعاء لتهدأ قليلًا: - يارب قومها هي والبنات بالسلامة.
- متقلقيش ياهانم هتقوم منها بأذن الله.
مددت كاريمان ظهرها للخلف وهي تسأل بإهتمام: - لما دخلتي ليها الشوربة لقتيها أحسن؟

فأجابت خديجة: - مدخلتش، أستاذ يونس أخد مني الصنينة من على الباب، بس أنا مطمنة طالما هو جمبها.
تنهدت كاريمان قبل أن تهمس ب: - خير يارب.
~على جانب آخر~.

كان أمر احتسائها للحِساء الساخن في ظل حالتها النفسية المتأذية تلك أمر في غاية الصعوبة، لكنه فعلها في بحِنكتهِ في النهاية. وبعدها مارس كل الأساليب التي ستمتص طاقتها السلبية تلك، ومشاعر الرهبة التي تعانيها، وفي النهاية هدأت ولو قليلًا. كان يُدلك قدميها المنتفختين بلطفٍ حتى ساعد في إرخائها، حينما كانت ترنو إليه بنظراتٍ عاشقة، تحسد نفسها على زوج مثله، وتتمنى لو إنه التقت به منذ زمن، لعلها كانت تشبع منه، أما الآن. لا تشبع منه أبدًا، تحس وكأنها مهما طال وجوده معها تحتاج للمزيد دائمًا. سحبت قدمها من بين يديه، وبسطت ذراعيها له كي يقترب: - خليك جمبي أحسن.

ف مدد جوارها بدون أن يفارق ثغرهِ الإبتسامة، وضمها لصدرهِ كي تستكين عليه. يد كانت تسمح على ذراعها، والأخرى كانت تمسد على بطنها گلغة تواصل بينه وبينه فتاتيهِ، مما يجعل الجنين مسترخيًا أكثر ويميل للهدوء. حينئذٍ استمع لصوتها وهي تسأل بتوجسٍ: - تفتكر ممكن ي..

قاطعها رافضًا أية تخمينات سلبية قد ترهقه وترهقها أيضًا بشأن الخبر الذي حطّ على حياتهم فجأة: - مفتكرش حاجه، أنا بفكر في اللحظة اللي احنا فيها بس. بكرة مش بتاعي ولا بتاعك، سيبيه على ربنا وإن شاء الله مش هيخذلنا أبدًا. كل اللي انا عايزه منك تخلي بالك من نفسك، ونفسيًا تكوني مرتاحة وهادية زي ما قال الدكتور، بس كده.
رفعت رأسها نحوه وعيناها تنمّ عن الرضى: - حاضر.

- دلوقتي نامي ومتفكريش في حاجه، أنا هنا جمبك.
طوقتهُ بذراعيها بعدما حاولت إلقاء ما يُثقل صدرها من هموم، وأطبقت جفونها لتستسلم إلى سلطان النوم، متمنية من الله أن تمر من تلك المرحلة بسلام هي وطفلتيها، حتى ترى شمسًا تشرق على عائلتها الجميلة، ويكتمل حلمها الذي باتت تنشده ليلًا ونهارًا.
شرودها أثار فضوله، مما دفعه لإختطافها من أوج تفكيرها بسؤاله: - بتفكري في إيه؟

التفتت نغم تنظر إليه وهي تجيب: - ملك شغلاني عليها، مش فاهمة البت دي مش مكتوبلها فرحة تكمل ليه؟
تنهدت قبل أن تتابع: - أستغفر الله العظيم يعني مقصدش، بس كتير عليها كل ده.
أعترض يزيد على تفكيرها بشأن الأمر، وفسر لها وجهة نظره من منظور آخر: - ربنا مش بيدي حد شيله هو مش قدها يانغم، وبعدين اعتبري إن ده أحسن ليها، بدل ما تستحمل شهرين كمان حمل وتعب هتولد بدري، يمكن ده أحسن ليها.

ثم تحولت نبرته للتفاخر: - بعدين عايزة إيه تاني أكتر من إن جوزها يبقى يونس!
قطبت جبينها بإستهجان: - ملك كمان ست البنات، أكيد لو مكنش بيحبها مكنش عمل كل ده. هي مش شفقة يعني.
صفّ سيارته أمام معرض الأثاث الراقي، ثم التفت إليها ليقول: - نأجل الخناقة الجديدة لبعدين بقى عشان ننزل نشوف الفرش، ولا عايزة تتخانقي الأول؟

منعت نفسها من الضحك، وتأهبت للترجل عن السيارة، لحق بها وقد تحول داخله لكتلة من الحماسة المفرطة، ودلف معها للداخل ونظراته تجوب المكان بأكلمه، تقدم منهم أحد موظفي المعرض مبتسمًا بتهذيب، وعرض عليهم المساعدة: - بتدور على حاجه معينة يافندم.
فأشار له يزيد لكي يفسح له الطريق: - أنا هدور بنفسي، شكرًا.
كان قد أمسك بيدها لتمشي بمحاذاتهِ للداخل، ف همست بصوتٍ وصل لمسامعه: - إنت أحرجته على فكرة.

لم ينظر نحوها، وظلت عيناه تتجول بإستمتاع وهو يقول: - أنا بكره حد يقدم حاجه أنا مطلبتهاش.
ثم أشار نحو أقصى اليمين و: - تعالي نشوف أوض النوم هناك.
- طب ما تخلينا في السفرة والأنترية الأول.
التفت حينها ينظر إليها بعبثٍ مقصود، وابتسامة عريضة صعدت على محياه وهو يلمح إليها: - أوضة النوم دي أهم من أي حاجه تانية في الشقة، خصوصًا بقى السرير.

تخضب وجهها بحُمرة خفيفة، فأشاحت وجهها عنه لتواري خجلها من تلميحه، بينما تابع هو وقد أعجبه حيائها منه: - هانت، بكرة مش هيكون في داعي للكسوف ده.
ودنى خطوة مصرحًا بجرأة: - ده أنا ناويلك على نية عنب، إن شاء الله من حظك ونصيبك.
توترت من تصريحاته التي لم تتوقعها أبدًا، خاصة وإنها المرة الأولى التي يلمح فيها بذلك الشكل الواضح، ف تحركت على الفور نحو الجانب وهي تشير قائلة: - أنا هشوف الأوضة اللي هناك دي.

واستبقتهُ، في حين كان هو يتبعها وقد غرق في الضحك، إحمرار وجهها وخطواتها المرتبكة، نظراتها لليمين واليسار گالطالب التائه، كل ذلك كان دافعًا لضحكهِ الهيستيري، كما إنه راق له أيضًا رؤيتها بهذا الحال. حياتهم بحاجه لبعض الهدوء كي يعيد إلى علاقتهم توازنها، فكلما تساوت المقادير، كان الطعام ألذ وأطيب. هكذا تكون العلاقات، كلما تساوى الشد والتراخي، كلما تساوت المعايير، كلما تساوت التضحيات والتنازلات، كان للعلاقة وتد عتيّ تستند عليه.

- عيسى!
تلك المرة كرر أسمه للمرة الثالثة على التوالي وهو يلوح أمام وجهه لخطف إنتباهه، ف انتبه عيسى على الفور ونظر بطرفه أثناء التركيز على القيادة: - معاك ياباشا، كنت بتقول إيه؟
تفحصه يونس قبل أن يقول: - ده انت مش معايا خالص. كنت بقولك نروح صيدلية د. عزمي يمكن نلاقي العلاج الناقص فيها.
- حاضر، هطلع على هناك. بس انت متأكد إن الدوا ده موجود في مصر! أصلنا روحنا 7 صيدليات لحد دلوقتي!

زفر يونس متحيرًا وقد تسلل الضيق لصدره: - لو هنلف القاهرة كلها مش مهم، الدوا ده لازم ملك تبدأ تاخد منه من بكرة الصبح.
- إن شاء الله نلاقيه، متقلقش.
ترك يونس التحدث بشأن ما يخصه، وأهتم برجله قليلًا: - وانت بقى قررت ولا لسه؟
تغضن جبين عيسى بإستفهام: - قررت إيه بالظبط؟
فلم يصرح يونس مباشرة، وراوغه قليلًا في البداية: - فاضل أقل من أسبوع عشان تاخد قرار نهائي.

رغم فهم عيسى إلام يرمي يونس، إلا إنه تعمد أن يظهر عدم فهمه: - مش فاهم سعادتك.
فقالها يونس صراحة وبدون تطويل: - فاضل أسبوع والعدة تخلص، فكرت ترد مراتك ولا لأ؟

صمت عيسى أكد أن الأمر بالفعل يشغله، حتى إنه لا يجد الجواب المناسب داخله ليجيب به، ف حررهُ يونس من حيرته، وأعطى له بعض المفاتيح التي يستعين بها أثناء تفكيره: - إنت عمرك ما كرهت سهر، إنت لسه بتحبها. إنت بس كرهت اللي هي عملته. صبرك كل السنين دي كان عشان في أمل إنها ترجع تاني، عشان كده كنت متحمل وجع الهجر. لكن الإنسان مننا لو عاش من غير أمل هيبقى زيه زي الميت بالظبط ياعيسى. أعتبر إنها كانت فترة نقاهه بعد المرض، الفترة اللي كل واحد جرب يعيش من غير التاني. لو لقيت إنك ارتحت، خلاص. لو حسيت 10 ? إنك تعبان وبتعافر، يبقى انت في الطريق الغلط ولازم ترجع عنه.

تحير عيسى أكثر وأكثر، وظهر ذلك في سؤاله: - أرجع عنه؟
فأكد يونس بدوره: - طبعًا ترجع عنه، الحياة بتتعاش مرة واحدة بس. ياأما تعيشها صح، ياأما هتفوتك. واللي بيفوت مش بيرجع تاني.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة