قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثاني والعشرون

رأيتك أمانًا، والدنيا كُلها حروب.

حرصت على تناول أدويتها بشكل منضبط كما أوصى طبيبها، وتناولت فطورها الصحي بدون أن تنصاع لرغبتها الشديدة في الأطعمة شديدة الملوحة. تابعت ملك بشغفٍ هاتفها منتظرة وصول طلبية قامت بها عبر الإنترنت، متحمسة لإستلام ما انتقتهُ بنفسها من أحد المتاجر الشهيرة بصنع الهدايا المميزة، حتى تواصل معها المندوب وأبلغها بوجوده بالخارج، ف هرعت للأسفل كي تتسلم طلبيتها. خرجت حتى البوابة ف صادفها أحد رجال الأمن المتواجدين بالخارج وسألها برسمية حازمة: - حضرتك طالبة حاجه من zeze store؟

- آه.
أستلم فرد الأمن الطرد كاملًا منه، وتناوب عنه مهمة الحصول على توقيعها بإستلام الطلبية، ثم تعامل مع المندوب شخصيًا بدون أن يسمح له بالتعامل مع ملك - طبقًا لأوامر مشددة من يونس -. ثم لفت انتباهها بتهذيب: - من فضلك ياهانم بلغينا لو هتطلبي حاجه من برا عشان نتعامل إحنا بدل ما نتعب سيادتك.
تفهمت ملك طبيعة عمله على الفور: - حاضر.
فأشار لها كي تستبقه: - أتفضلي سيادتك وأنا هدخل الصندوق لجوا.

سارت ملك أمامه ببطء حسبما سمحت لها طاقتها، وما أن دخلت حتى استمعت لصوت هاتفها يرن، وإذ بالكثير من الرسائل التي لم تنتبه لها على تطبيقات المراسلات الإلكترونية، وسرعان ما أجابت: - ألو.
تبين إنفعالهِ من نبرة صوته وهو يعاتبها قائلًا: - كل ده مش بتردي ليه؟ خضتيني وخلتيني أكلم خديجة عشان تطلع تشوفك.

توترت قليلًا لكنها لم تظهر له ذلك، وأجابت بصوتٍ يشوبه شئ من الأسف: - حقك عليا مأخدتش بالي. أنا بخير متقلقش.
فسألها بإهتمام: - فطرتي وأخدتي العلاج؟
سعدت بإهتمامه الذي لا يقل أو ينقص حيالها، وأجابت بأريحية: - آه الحمد لله.
ارتخى تمامًا بعدما سكن داخله واطمئن، و أخبرها بما أراد أن يبلغها به من البداية: - أنا لقيت العلاج اللي كان ناقص وجيبت منه كمية تكفيكي، هبعته مع عيسى عشان ممكن أتأخر برا شوية.

أظهرت امتنانًا في صوتها، وهي تجلس على المقعد لتُريح ظهرها قليلًا: - ربنا يخليك ليا ياحبيبي. ممكن عيسى ياخدني البيت بتاعنا عشان أودي حاجه هناك وانت تيجي تاخدني؟
أعترض فورًا على بذل أدنى مجهود منها مبررًا: - مش لازم ياحبيبتي أنا هعملك اللي انتي عايزاه بنفسي، أنا مش عايزك تتعبي نفسك في أي حاجه.

بدا صوتها مثيرًا لعاطفته وهي تستجديه: - عشان خاطري، أنا مش هعمل أي حاجه خالص. دي حاجات صغيرة هحطها في البيت بس عشان لما نتنقل هناك.
فكر لهنيهه، فلم توليه الفرصة للرفض: - صدقني مش هتعب نفسي خالص.
ف رضخ بالأخير لمطلبها، مشددًا على ضرورة إنتباهها على نفسها: - طيب، وأنا مش هتأخر عليكي.

أغلقت وداخلها رضا تام عن كل ما يحدث لها، حتى وإن كان الأصعب، وجود العضد الحقيقي في حياتك يسهل ويهوّن كل صعب ومؤلم، وكأنه يناصف معك طاقتك السلبية، تحس وكأن الله يمنّ عليك بالعوض الذي يُرضي قلبك في وقت مناسب تمامًا؛ وأنت الذي ظننت كل الظنّ إنها النهاية. إنها بدايات جديدة، گشتاءٍ عصيب أعقبهُ لُطف الربيع ونسيمهِ الهادئ.

ترك قلمه، وألقى بالملف بعيدًا عن يده وهو يهتف ب: - ده انتي بالشكل ده قاصدة تطفشي الناس اللي اتقدمت بقى!
استرعت تعابير البراءة البحتة خاصتها، وشبكت يديها ببعض في تعبيرٍ منها عن قلة حيلتها: - أبدًا، أنا نفذت كل اللي قولت عليه، البنات اللي نزلت training تدريب عرفوا كل حاجه عن أساسيات الشغل وهما نفسهم اللي رفضوا قوانين الشركة.

نهض بإندفاع عن مقعده وهو يهتف مستنكرًا: - بس مش ضمن أساسيات الشغل إنك تقولي عني عصبي ومتهور وبتعامل مع الموظفين بحدة، صح ولا بيتهيألي.
أشاحت بنظراتها عنه بمحاولة فاشلة منها للهروب من حدقتيهِ المتسلطتين عليها: - مش لازم يعرفوا الحقيقة بدل ما نعين الناس على الفاضي! لعلمك بقى كل ده لصالح الشغل.

وقف أمامها مباشرة، وبإبتسامته السخيفة الشهيرة أردف ب: - كل اللي بتعمليه ده مفيش منه فايدة، إنتي كده بتعطلي نفسك على الفاضي. بدل ما تاخدي أجازة وتروشي على نفسك قبل الفرح هتفضلي معكوكة على المكتب برا تنجزي الشغل المتأخر، كده عاجبك.
بزغت إبتسامتها الساطعة على وجهها، وأعلنت إعجابها الشديد بذلك: - أحسن والله، كده كده أنا روشة من غير حاجه ومش هحتاج أجازات.

وداعبت وجنتهِ: - متشغلش بالك بيا ياروح قلبي، أروح أنا بقى أشوف العك اللي برا.

والتفت مسرعة بالخروج قبيل أن تنتهي مناقشتهم بشكلٍ لا تتمناه. فرك ذقنهِ يفكر بالأمر، مدركًا تمامًا إنها تحاول التلاعب معه من خلال الصلاحية التي امتلكتها بتدريب المستجدات. سحب شهيقًا طويلًا لصدره كتمهُ لحظات قبل أن يدفعه فجأة، ثم رفع سماعة الهاتف الخلوي وضغط على رقمين قبل أن يضعه على أذنهِ: - أيوة ياسيف، إسمعني كويس، في بنتين هبعتلك السي في بتاعهم تقابلهم بنفسك وتنجز معاهم، بكرة أخر يوم عايز عندي سكرتيرة جديدة، ماشي.

وأغلق الهاتف. ثمة إبتسامة غريبة صعدت على محياه فجأة، ف تناول هاتفه الشخصي وبدأ يجري إتصالًا هاتفيًا، بعدما نشطتهُ بعض الحماسة الداخلية ودفعته لفعل شئ ما: - أيوة يا يونس، عايزك في موضوع. أصل أنا بجهز مفاجأة كده عشان نغم وإنت اللي هتعرف تظبطها معايا، بص ياسيدي.

كان عمود جانبي كامل جعلتهُ يحمل كل ذكرياتهم، العديد من الإطارات المتعددة الأحجام، منها ما حمل صور لهم، ومنها صور للأجنة في رحمها بترتيب الفترات گذكرى لفترة الحمل. علقت كل إطار في مكان مميز عن غيره وبتنسيق لافت للأنظار، وفي النهاية أصبح الشكل مُبهر للغاية. جلست ملك أمام العمود مستشعرة مغص بأسفل البطن، ف لحقت بنفسها وتناولت حبة مسكنة للألم مما صرح به الطبيب حين التعرض لمثل تلك الحالة، قبيل أن يأتي يونس ف يُعنفها، ومنحت نفسها فرصة للراحة على فراشها الوثير الذي لم تنعم به حتى الآن، وإذ بها تغفو دون وعي، وتترك نفسها للنوم. لم تحس بحضوره أو تقلق لمجرد الشعور بوجود عيون تترقب أدنى حركة منها، لم تدري إنه بالفعل حضر منذ قليل ولم يقوَ على إيقاظها أو إزعاجها حتى وإن قضت الليلة كلها نائمة هنا. مدد يونس على الأريكة العريضة بجوار الفراش ونظراته عليها وعلى فتياته الصغيرات اللاتي يكبرن يومًا عن يوم بداخل بطنها، تخيل كيف ستكون ملامحهن، من سيشبهن بالأكثر، هل يشبهنّها أم سيكون له نصيب من ذلك؟ فهو أيضًا يتمتع بوسامة في الملامح؛ لكنه بالأكثر أراد أن يُشبهن كاريمان، ليس في تعابيرها البديعة في الجمال وحسب، بل ويشبهن قوتها التي اختلطت بطيبتها ورزانتها، هو يحبها للحد الذي يجعله يتمنى فتياته يحملنّ من صفاتها. فتح يونس عيناه بعدما اندمج في أحلام يقظته، ليجد نظراتها الجميلة تتجول على وجهه، ف انبعج فمه ببسمةٍ وهو ينهض ليجاورها، وأردف قائلًا: - إيه المفاجأة الجميلة اللي عملتيها برا دي؟

فسألته بتلهفٍ وما زال صوتها مكسوًا بالنعاس: - بجد عجبك؟
قبّل رأسها قبل أن يؤكد: - طبعًا، فكرتها كانت حلوة أوي وتنسيق الشكل كمان عجبني جدًا. حاجه كده خارجه من أيد فنانة.

وكأنها حصلت توًا على ثمن لمجهودها الذي بذلته، أحيانًا يكون التقدير والثناء أجر عظيم جدًا لدى الحاصلين عليه. ثمة أشياء بسيطة غير متكلفة قادرة على إسعاد غيرنا وزرع السعادة بداخلهم، تلك الأرصدة التي لا تنتهي بداخلنا لمن نحبهم وتدفعنا دومًا للمضي قدمًا متكاتفين الأيادي. نحن نحتاج دومًا لسماع بعض الأشياء -حتى وإن كُنّا نعلمها-، يكون لسماعها وقعًا مختلفًا.

اعتدلت ملك من نومتها لتكون في مقابلته: - ممكن نقضي اليوم هنا مع بعض؟
كأن الأفكار تواردت بينهما، ظهرت أسنانه من بين ضحكته ليجيب ب: - لسه كنت هطلب منك نفس الطلب، تسمحي نقضي اليوم هنا سوا؟
هزت رأسها عدة مرات لتجيب فورًا: - أسمح أوي.
ف غمز لها وهو يشير للخارج: - يبقى هطلع أجيب الأكل وآجي نتعشا سوا. خليكي زي ماانتي.

وأسرع بالخروج حينما كانت تستعد هي لتغادر الفراش، لتشاركه ليلة أخرى ضمن ليالٍ كثيرة سيقضياها معًا، آمله أن تدوم عليها نعمة وجوده، گأحد أعظم النعم التي أفضى الله بها عليها.

تحسن حالها مقارنة بالأيام الماضية التي عانت فيها من الوهن والتعب، وقد لعبت حالتها النفسية دورًا رئيسيًا في استجابة بدنها للعلاج بشكل أسرع. منذ أن رأته يومها واستشعرت بنفسها ذلك الخوف البادي عليه، وهي تعيد في ذهنها مشهده مرات ومرات، مما يحسن حالتها المزاجية ويدفعها لإستكمال يومها الروتيني الممل. تجرعت سهر رشفة ماء بعد أن تناولت علاجها، واستعدت لتجهيز العشاء من بعد ذلك؛ لكن قاطعها صوت الجرس ثم ركوض مازن لفتحهِ، ف تراجعت عن دخول المطبخ وخرجت كي تستكشف من الزائر في هذا الوقت من الليل. لمحتهُ يحمل مازن بين ذراعيه ويدخل به قائلًا: - وحشتني يامازن.

ف بادله مازن العناق الحار: - وانت كمان يابابا.
خطت سهر نحوهم متحكمة في مشاعرها التي تقودها بإندفاع نحوه، واقتربت لتقول بتوددٍ: - أهلًا ياعيسى، حظك حلو لسه كنت بحضر العشا لمازن. فرصة تتعشوا سوا.
- أنا عايزك.
كأنها تخيلت معنى آخر غير المقصود؛ لكنه عاد يصحح الأمر فورًا: - في موضوع يعني، عايزك في موضوع.
ابتسمت بتكلفٍ وأشارت له حيث غرفة الجلوس: - أتفضل ياعيسى.

ترك عيسى الصغير بعدما ضرب كفًا بكفهِ، ودلف ليجلس معها جلسة في غاية الأهمية، جلسة سيتحدد عليها مصير مستقبل كامل، قد تُحييها، وقد تقضي عليها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة