قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

رواية دمية مطرزة بالحب الجزء الثالث للكاتبة ياسمين عادل الفصل الثالث والعشرون

هُناك نهايات قادرة على أن تُحييِّ رمادك، قادرة على شفاء جروحك وعلاج ندوبك المشوهه، نهايات تستحق كُل هذا الإنتظار الذي عانيت مرارتهِ. هُناك دائمًا أمل؛ ما دُمت عِشت في إنتظارهِ حتمًا سيأتي، يكفي أن تؤمن إنه آتيًا لا محاله.

أكثر من خمسة عشر دقيقة والصمت سائد الموقف، كلاهما ينتظر الآخر، كأن كل الأحاديث هربت، وكل ما أعدّه مسبقًا من عريضة طويلة ليفضي بها قد تطايرت من ذهنهِ كما يتطاير الدخان في الهواء. تنحنحت سهر وهي تنهض عن مكانها، وعرضت عليه - گبداية لحلّ أزمة الصمت بينهما -: - هعملك حاجه تشربها.
ف استوقفها بدوره: - لأ مش عايز، أنا جاي اتكلم معاكي في موضوع مهم.

وجهت كامل نظراتها إليه، ومنحتهُ نظراتها المتلهفة ليتابع دون توقف، ف تحفزت حواسه ليبدأ بالتحدث: - أنا حاولت ومقدرتش، عافرت عشان أقدر أجبر نفسي أكمل وفشلت.

لم تبح فورًا بإنها تعيش نفس ذات الأزمة، وقد تكون أقسى وأكثر إيلامًا. لكن عيناها التي إلتمعت فورًا وتعابير وجهها المشتاقة فضحت أمرها الذي حاولت أن تُبقيه سرًا. تعلقت عينها به دون أن تُحيدها يمينًا أو يسارًا، حينما تابع هو بحديثٍ خرج من كُل قلبه: - ليه عملتي فينا كده ياسهر؟ ليه فرقتينا؟ ليه سرقتي مني 3 سنين كان ممكن إبني يقضيهم معايا وإنتي تفضلي في حضني!؟

أحست ب عِظم ذنبها، ف أحنت رأسها خجلًا منه، بينما لم يتوقف هو عن جلدها: - ليه وصلتينا لهنا؟ إزاي هُنت عليكي ياسهر؟
تحركت بخطى مُتأدة لتبتعد قليلًا، لكن يده كانت الأسرع في الإمساك بها وتثبيتها في مكانها: - ردي عليا؟ طول السنين دي مجتش على بالك؟ مصعبتش عليكي؟ بلاش أنا، مازن مسألش عني؟ محسسكيش بالذنب وهو مفتقد أبوه اللي عايش على وش الدنيا؟

لم تتحمل أكثر من ذلك، ف دفعت بيده عنها ودافعت عن روحها التي تلوعت في غيابه وعانت ويلات الفراق والهجر: - أنا بعدت عشان خوفت، خوفت حياتك تاخد مني إبني زي ما كانت هتاخد روحك أكتر من مرة، خوفت أعيش مستنية الخبر اللي هيجيلي من ورا شغلك وحياتك اللي كلها خطر.

وكأن مبررها لم يكن مقنعًا وكافيًا بالنسبة له، بل أن الأمر إزداد سوءًا، وخرجت عصبيته التي كان يدخرها بعيدًا عن حوارهم: - انتي متجوزاني وانتي عارفة إني ظابط قوات خاصة، مش واخده دكتور صيدلي يا مدام، مكنش من حقك تحكمي علينا بكده.
شعرت بظنها قد خاب، وهي التي اعتقدت إنه خضع لسلطان قلبه وعاد ليسترضيها، ومنحته نظرةٍ معاتبة، وهي تسأله بشئ من الخيبة: - هو ده اللي جاي تتكلم معايا فيه؟

لم يجيب جوابًا يُسكّن به حيرتها، ف قررت أن تُنهي الحوار هنا، بدون أن تُعرض قلبها لمزيد من الخيبات. خطت نحو الباب مستعدة للخروج منه، لولا إنه هتف بكلمةٍ جعلتها تتسمر في محلّها: - جاي أقولك إدينا فرصة تانية، أنا محتاجلك ياسهر.

كأنه محى كل ما أزعجها وضايقها منه، وبقى فقط أثر تلك العبارة الساحر عليها، إستدارت ببطء لتراه وقد بدد الحنين الجارف قوتهِ الخائرة، ف خرّت مستسلمة بدون أن تُطيل في الأمر: - أنا كمان محتاجالك ياعيسى. أنا ومازن محتاجينك أوي.
فتح ذراعيهِ كي ترتمي بين أحضانهِ، لكنها ابتسمت وهي تخفض نظراتها لتذكره: - لحقت تنسى؟ إحنا مطلقين.

هزّ رأسه نافيًا، واعترف لها إعترافًا خطيرًا: - مش ناسي، أنا رديتك قبل ما آجي. وبعلن قدامك ده دلوقتي. إنتي مراتي ياسهر.

تمكنت تعابير الذهول من وجهها وبقيت گالحجر المصقول في مكانها، فلم يتحمل هو صبرًا لأكثر من ذلك، وهمّ نحوها ليخطفها بين أحضانهِ التي اشتاقت إليها. ضمها ضمةٍ قوية، متخيلًا إنه سيرضي روحه، لكنه لم يشبع قطّ، بل إنها بداية إنجراف نحو الأكثر من ذلك. شدد ذراعيه عليها، وتآوه قائلًا: - آآآآآه ياسهر.

سحبت شهيقًا استنشقت فيه رائحته التي لم تغيب عنها يومًا، وتركت نفسها تهيم معه، بعد ليالٍ عِجاف نالت منهما، كأنها روت ظمأ سنوات بهذه اللحظة التي سكن فيها كل شئ، ولم يبقى سوى صياح قلوبهم التي أنهكها الفراق وأهلكها حجيم الحرمان.

استمر الأمر لأكثر من ثلاث ساعات، وهي تتابع مع العمال التابعين لشركة الديكور تنفيذ تصميم المطبخ العصري الذي انتقتهُ بنفسها، ليكون مملكة أخرى لها بداخل منزل الزوجية. تنهدت نغم بإستياء وهي تقف في زاوية منفردة لتجيب على الهاتف: - أيوة ياملك. كويسة. مفيش، صدقيني.

لكنها لم تتحمل لأكثر من ثوانٍ معدودة، ثم صاحت تفيض بكل ما تحمله بداخلها: - في إن الباشا متعمد يشغلني أكبر وقت ممكن بعيد عن الشركة عشان ينفذ اللي قال عليه وأنا زي ما أكون هوا.
وعضت على شفتها متابعة: - المشكلة إنه عمال يسايسني وأنا مش قادرة آخد موقف ضدك.
وتحولت تعابيرها لأخرى ناقمة: - وطبعًا دي إستراتيچية جوزك في التعامل، أكيد هو اللي قاله يعمل كده.

نظرت نغم من حولها قبل أن تردف: - آه قربت أخلص، بس بعد ما أخلص في حاجات تاني هتطلع من تحت الأرض يشغلني بيها.
وتنهدت قبل أن تتابع: - المشكلة إنه عايز فرح وجواز على طول، قولتله نخليها خطوبة مبدأيًا مش راضي. وطبعًا يزيد بيعمل اللي في راسه وأنا كأني تابع ليه مش أكتر.
استمعت لصوت شبيه بصوته، ف سادت تعابير الذهول على وجهها وهي تنهي الحوار على عجل: - طب أقفلي دلوقتي وهكلمك تاني.

وتحركت فورًا لتبحث عن مصدر الصوت، فتفاجئت بوجوده بالفعل، وعلى ثغره بسمةٍ صغيرة: - بدور عليكي ياروحي.
ثم نظر من حوله وتسائل بإهتمام: - الناس خلصت ولا لسه؟
عقدت ساعديها أمام صدرها وهي تجيب: - آه، بيقفلوا شوية كماليات أخيرة. مقولتش يعني إنك جاي!
داعب وجنتها قليلًا، قبل أن يردف بدبلوماسية لم تعتاد عليها منه: - مقدرش أسيبك لوحدك ياحببتي، ف جيت على طول. خلاص هانت.

فسألته ببعض الريبة: - لسه مصمم يكون فرح على طول؟
نظر في عيناها بعمقٍ، ليرى مخاوفها التي تبطن بها داخلها، ف أراد أن يسلبها ذلك الخوف ويستبدلهُ بالكثير من الطمأنينة: - اللي انتي عايزاه هعمله ليكي. متفكريش في حاجه دلوقتي.
بدأت تعابيرها المتجهمة تختفي، وصعدت الإبتسامة المتفائلة على شفتيها من جديد: - بجد يايزيد؟
- طبعًا، وأنا أقدر أزعلك في حاجه زي دي برضو؟

صدر صوت ضحكتها گزقزقة عصفور حصل توًا على مقدار وفير من الطعام. وتشبثت بذراعهِ گالطفلة وهي تردف ب: - حبيبي ربنا يهديك ليا على طول يارب.
تذكرت حينئذٍ وجود العمال بالداخل، ف حافظت على بُعد المسافة بينهما وهي تهتف ب: - أدخل بقى خلص مع العمال عشان نمشي.
بادلها إبتسامة هادئة قبل أن يدخل: - حالًا.
- أنا مقولتش كده، أنا قولت تسايسها مش تحتال عليها.

قالها يونس معترضًا بعدما سرد عليه يزيد تفاصيل ما قام به من حيلة خداعية ل نغم، بينما لم يعبأ الأخير كثيرًا سوى بالنتيجة التي حققتها طريقته الجديدة في التعامل معها، بل وإنه سعيد بما أحرزهُ أيضًا: - الأتنين زي بعض يا يونس، المهم النتيجة.
وضحك متابعًا: - نغم مكنتش هتيجي غير بالأمر الواقع فعلًا، بالأمر الواقع خطبتها وبالأمر الواقع برضو هتجوزها. بس.

لم يقتنع يونس، وأدرك في النهاية أن كل ما يبذله من مجهود لإبعاد شقيقه عن تلك المهمة لن يفيد أو يؤتي ثماره، ف فضّل الصمت عن التحدث، ليبادر أخيه قائلًا: - وكده كده المكان اللي هنحجز فيه عشان الفرح مش هيكون متاح غير بعد شهر ونص من دلوقتي، ف أنا قدامي فرصة أخيرة أقنعها بالحسنى، أو أنفذ اللي قررته.
توقف عقل يونس عند نقطة معينة، وارتكز عليها بكل مداركه، ليهتف مستنكرًا: - شهر ونص! طب و ولادة ملك؟

ارتفع حاجبي يزيد تلقائيًا، وردد بشئ من البلاهه: - ولادة ملك!؟
فصل واحد يفصل بينا وبين النهاية لأطول وأكبر عمل كتبته في تاريخي الروائي. ????????.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة